في تطور لافت في المشهد السياسي العربي، أفادت تقارير بأن السعودية تعتزم دعوة رئيس النظام السوري بشار الأسد للقمة العربية التي تستضيفها في مايو/أيار 2023، فيما يمكن أن يطلق مصالحة بين السعودية وسوريا تمهد لعودة دمشق للجامعة العربية، فما المقابل الذي سيقدمه الأسد للسجادة الحمراء السعودية؟ وهل يقبل بالتخلي عن تحالفه مع إيران؟
وقالت وكالة رويترز نقلاً عن ثلاثة مصادر وصفتها بالمطلعة، إن السعودية تعتزم دعوة الرئيس السوري، بشار الأسد، لحضور القمة العربية المزمع عقدها بالرياض في مايو/أيار المقبل، وهي خطوة من شأنها وضع حد لعزلة سوريا الإقليمية.
وفقاً للمصادر، سيتوجه وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، إلى دمشق في الأسابيع المقبلة لتسليم الرئيس السوري دعوة رسمية لحضور القمة المقرر عقدها يوم 19 مايو.
الجامعة العربية لا تدري شيئاً عما يدور بين السعودية وسوريا
وذكر جمال رشدي، المتحدث باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية، أن الجامعة ليست مطلعة على كل خطوة على المستوى الثنائي بين الدول العربية.
وأضاف: "لا يفترض أن يجري إبلاغنا مسبقاً بالزيارة المفترضة".
وكان الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، قد أكد خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير الذي عقد في مطلع مارس/آذار 2023 عدم وجود "توافق عربي" بشأن عودة سوريا إلى الجامعة العربية.
ولكن الشهر الماضي، نقلت رويترز عن مصادر أن الرياض ودمشق توصلتا إلى اتفاق لإعادة فتح سفارتيهما بعد شهر رمضان. فيما لم تؤكد وزارة الخارجية السعودية التوصل إلى اتفاق، لكنها قالت إنها تجري محادثات مع وزارة الخارجية السورية لاستئناف الخدمات القنصلية.
ويمثل حضور الأسد القمة العربية أهم تطور في مساعي إنهاء العزلة المفروضة عليه من العالم العربي منذ عام 2011 حينما علقت الجامعة العربية عضوية سوريا عقب قمع نظام الأسد الثورة السورية بوحشية وإخفاق مهمة بعثة عربية لمراقبة الأوضاع في ذلك الوقت.
طريق الأسد ما زال ليس مفروشاً بالورود
وسبق ذلك زيارة لوزير الخارجية السوري فيصل المقداد للقاهرة وهي الأولى من نوعها منذ إيقاف أنشطة سوريا بالجامعة العربية عام 2011، وقبل ذلك زار وزير الخارجية المصري دمشق، كما زارها وفد من الاتحاد البرلماني العربي حيث التقى رئيس النظام السوري.
وقال مصدر أمني مصري لرويترز إن الزيارة كانت تهدف إلى اتخاذ خطوات لعودة سوريا إلى الجامعة العربية بوساطة مصرية وسعودية، فيما قالت صحيفة "وول ستريت جورنال"، نقلاً عن مصادر، إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره السوري بشار الأسد، قد يلتقيان بعد نهاية شهر رمضان المبارك بقليل، وذلك في نهاية أبريل/نيسان الجاري.
وقد تكون زيارة السيسي الأخيرة لها علاقة بمسألة عودة سوريا للجامعة العربية.
وفي حين تعد القاهرة من أبرز الداعمين لنظام الأسد؛ إذ سبق أن أكدت في أكثر من مناسبة تطلعها إلى "عودة سوريا إلى محيطها العربي"، فإن مواقف الدول العربية لا تزال متباينة بشأن رفع التجميد.
وتعارض بعض الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة وقطر، تطبيع العلاقات مع الأسد، بدعوى وحشية حكومته خلال الصراع والحاجة إلى تحقيق تقدم نحو حل سياسي في سوريا.
وكانت واشنطن أطلقت الشهر الماضي ما سمته "شهر المحاسبة" للتأكيد على محاسبة نظام الأسد على "الجرائم بحق السوريين".
فتش عن المصالحة مع إيران
واكتسبت الاتصالات بين المسؤولين السعوديين والسوريين زخماً بعد اتفاق تاريخي في مارس/آذار 2023 بين السعودية وإيران لإعادة العلاقات. وطهران هي الداعم الرئيسي للأسد.
وفي هذا الإطار، ناقش وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، الأحد الماضي، هاتفياً، مع نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان الخطوات المقبلة في ضوء الاتفاق الثلاثي بين الرياض وطهران وبكين، والذي سيؤدي إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح السفارتين والممثليات الدبلوماسية في غضون شهرين.
وقال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان مؤخراً إن زيادة التواصل مع سوريا قد يمهد الطريق لعودتها إلى الجامعة العربية مع تحسن العلاقات بعد عزلة تجاوزت 10 سنوات، لكن من السابق لأوانه في الوقت الحالي مناقشة مثل هذه الخطوة.
أول شروط السعودية.. وقف تهريب المخدرات من مناطق سيطرة الأسد!
وقالت مصادر الشهر الماضي لرويترز إن الرياض ودمشق توصلتا إلى اتفاق لإعادة فتح سفارتيهما بعد شهر رمضان. ولم تؤكد وزارة الخارجية السعودية التوصل إلى اتفاق، لكنها قالت إنها تجري محادثات مع وزارة الخارجية السورية لاستئناف الخدمات القنصلية.
وذكر أحد المصادر الثلاثة أن المناقشات جارية منذ أكثر من عام بشأن قائمة مطالب تريدها المملكة من الحكومة السورية كشرط لإصلاح العلاقات، بما في ذلك التعاون الوثيق فيما يتعلق بأمن الحدود وتهريب المخدرات.
وسبق أن قدّر خبراء في الكبتاغون أن حجم التجارة في هذا العقار المخدر التي يقودها النظام السوري وحلفاؤه بلغت 5.7 مليار دولار عام 2021، فيما زعمت تقديرات استخباراتية بريطانية أن حجم هذه التجارة يصل إلى 57 مليار دولار.
وبدأ استخدام هذه الحبوب المنشطة على نطاق واسع في سوريا خلال الحرب الداخلية وأصبحت البلاد مصدّراً رئيسياً للأسواق الأخرى، وتحديداً في الشرق الأوسط والسعودية بصفة خاصة.
وقالت وزارة الخارجية البريطانية إن 80% من إمدادات العالم من هذا المخدر تُنتَج في سوريا وتشحن من ميناء اللاذقية. وانتشرت صور ضبط شحنات الكبتاغون المخبأة في الرمان وسلع أخرى على الإنترنت.
ويوم الأربعاء 29 مارس/آذار 2023، قالت السفارة البريطانية في لبنان، غداة إدراج وزارة الخزانة الأمريكية 6 أشخاص على قائمة العقوبات، بالتنسيق مع السلطات البريطانية، بينهم اثنان من أبناء عمومة بشار الأسد.
وبحسب السفارة فإن "ماهر، شقيق الرئيس بشار الأسد، يقود وحدة الجيش السوري التي تُيسّر توزيع وإنتاج هذه المادة المخدرة"، ورأت أن "تجارة المخدرات تمثل شريان حياة لنظام الأسد، وتبلغ تقريباً 3 أضعاف قيمة تجارة كرتيلات (عصابات) المخدرات المكسيكية مجتمعة".
وتوصف السعودية بأنها أصبحت عاصمة استهلاك المخدرات في الشرق الأوسط، خاصة الكبتاغون، حيث أصبحت عمليات ضبط الكبتاغون روتينية داخل المملكة العربية السعودية، خاصة أنها صغيرة الحجم وسهلة الصنع، وتُصنّع على نطاق واسع في سوريا ولبنان في ظل تزايد الطلب عليها في السعودية.
ووفقاً لجهاد يازجي المحرر بموقع "ذا سيريا ريبورت" الناطق باللغة الإنجليزية الذي يتتبع الاقتصاد السوري، فإن الكبتاغون ربما أصبح أهم مصدر للعملة الأجنبية في سوريا.
وأضاف: "هذا لا يعني أن الإيرادات المكتسبة تعود إلى الاقتصاد. يتم استثمارها في الغالب في الحسابات المصرفية للمهربين وأمراء الحرب".
ويمثل الأردن ممر العبور للكبتاغون إلى السعودية، وكان لبنان ممراً آخر للتهريب عبر إخفاء الكبتاغون في المنتجات المصدرة للخليج، وفي أبريل/نيسان 2021، حظرت السعودية دخول الفواكه والخضر من لبنان بسبب تهريب المخدرات.
ويعتقد أن النظام السوري يستخدم الكبتاغون كسلاح ضد الأنظمة العربية.
هل تشترط السعودية على الأسد الابتعاد عن إيران؟
في عام 2018 قال الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، صراحة لمجلة "تايم" الأمريكية 2018، إن طرد بشار الأسد من الحكم ليس من أولويات السعودية في عهده.
وقال رداً على سؤال حول ماهية السيناريو الواقعي لإنهاء الحرب في سوريا "لا أعلم إن كان بعض الأشخاص سيغضبون حينما أجيب عن هذا السؤال، لكنني لا أكذب… أعتقد أن بشار باق في الوقت الحالي، وكانت ولا تزال سوريا منطقة نفوذ روسيا على المدى الطويل. لكنني أعتقد أن مصلحة سوريا ليس في ترك الإيرانيين يفعلون ما يشاؤون فيها خلال فترة متوسطة وطويلة، لأنه إذا تغيرت سوريا أيديولوجياً فسيصبح الرئيس بشار الأسد دمية بيد إيران".
وعكس لبنان، حيث يوجد استياء سعودي شديد من حزب الله خاصة بسبب دوره في حرب اليمن، فإن مشكلة الرياض مع الأسد تتعلق في الأكثر بتحالفه مع إيران، ومن ثم فإن التهدئة السعودية الإيرانية قد تكون حافزاً لرفع الفيتو السعودي على الأسد.
ويبدو أن الرياض بعد أن تحفظت على عودة سوريا للقمة العربية خلال قمة الجزائر، تفضل أن تتم هذه العودة، عبر قمة الرياض التي تعجلت في انعقادها رغم أنه لم يمر سنة على الرئاسة الجزائرية للقمة التي عقدت في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
فهي تفضل أن تفرش هي السجادة الحمراء للأسد، وأن عودته للجامعة العربية تكون عبر البوابة السعودية.
ولكن لا يعني ذلك أن الأسد سيصبح حليفاً حميماً للرياض أو يبتعد عن طهران، لأنّ تحالف الأسد وإيران تحالف طائفي مصيري، ولكن قد تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه في بعض أوقات عهد حافظ الأسد وبداية عهد بشار: تحالف سوري مع إيران وعلاقة جيدة مع الرياض، أو على الأقل علاقة ليس فيها تشنج.
كما أن المصالحة بين السعودية وسوريا مفيدة للأسد داخلياً، ولاسيما لو أتبعها تبادل تجاري أو مساعدات اقتصادية لسوريا، لأن من شأن ذلك تقوية النظام السوري المترهل الذي أصبح ضعيفاً أمام النفوذ الإيراني، بل إن الإيرانيين والروس يقتسمون السيطرة على مناطق البلاد ومؤسساتها، بشكل يجعل بشار رئيساً شبه شرفي.
لا يعني ذلك أن النظام سوف ينهي هذه السيطرة، ولكنه سيعزز موقفه فقط أمام سلطة الإيرانيين المتغولة.
ما الذي يمكن للأسد أن يقدمه في لبنان، هل تعود معادلة "س س" لحكم بيروت؟
لم يعرف بعد كيف يمكن أن ينعكس أي تفاهم سعودي محتمل مع الأسد على الوضع في لبنان، وهل يؤدي لعودة معادلة "س س"، التي كانت تحكم لبنان بعد الحرب الأهلية، أي "سوريا والسعودية".
وقد أدى تراجع دور تيار المستقبل، أكبر القوى السنية، وغياب رئيسه سعد الحريري عن الساحة السياسية، لتقليل النفوذ السعودي في لبنان، خاصة أن الرياض خفضت مساعداتها للبلاد.
ولكن الولاء الذي يكنه سُنة لبنان للسعودية باعتبارها أرض الحرمين وعلاقة قيادات الطائفة المارونية بالمملكة، إضافة لاستمرار وجود عوامل قوة تيار المستقبل كامنة وغير مستغلة وحاجة لبنان للدعم السعودي يعني أن الرياض قادرة على إعادة نفوذها للبلاد بسرعة.
بل الواقع أن اللبنانيين ينتظر أغلبهم عودة الدور السعودي لبلادهم.
وقد تسهم المصالحة السعودية مع سوريا وإيران في تحقيق ذلك، وقد تسود معادلة جديدة هي "أ س س"، أي (إيران السعودية سوريا)، ولكن بطبيعة الحال سيظل لحزب الله اليد العليا في الدولة اللبنانية، بما يعني عودة المشهد اللبناني القديم؛ أي سيطرة تيار المستقبل على السلطة والمال، بالمشاركة مع الأحزاب المختلفة بينما القرار الأمني والسياسي الرئيسي في يد حزب الله.
قد تستغرق العودة السعودية للبنان وقتاً في ظل غضب الرياض الاستثنائي من حزب الله وغضبها من النخب الموالية لها في لبنان، والتي تنظر لها على أنها أهدرت أموالها وفشلت في مواجهة الحزب أو بناء البلاد.
ماذا عن المعارضة السورية؟
يبدو أن مقاربة الرياض الجديدة في التعامل مع النفوذ الإيراني والنظام السوري هي عودة لمرحلة ما قبل اغتيال الحريري والربيع العربي، فبعد أن أخفقت الرياض في القضاء على أذرع طهران، قررت التعامل مع المركز، حسب وصف مصطفى الأنصاري، في مقال بموقع "إندبندنت عربية"، عبر التفاوض مباشرة مع طهران، للحصول على بعض التنازلات من الوكلاء الإيرانيين المحليين في المنطقة.
يعني ذلك أن السعودية في ملفات اليمن والعراق ولبنان وسوريا سوف تتعايش مع حقيقة سيطرة إيران على هذه البلدان الأربعة، وأنها سوف تستغل عودة العلاقة مع طهران لتحسين شروط التفاوض سواء مع إيران أو وكلائها المحليين في كل ملف على حدة، ولكنها لم تعد معنية بإضعاف هؤلاء الوكلاء كما كان الأمر سابقاً أو تقوية نفوذ حلفاء الرياض في الصراعات مع خصومهم من حلفاء طهران.
بل نحن أمام تسوية كبرى بين إيران والسعودية، ستعقبها تسويات جزئية وقطرية، ولكن غير حتمية في البلدان العربية الأربعة الخاضعة للنفوذ الإيراني من بينها التسوية بين السعودية وسوريا.
في سوريا تحديداً، فلقد دمرت المعارضة السورية وحوصرت في الشمال وبعض مناطق الجنوب، ولذا فإن سوريا في أغلبها أصبحت دائرة نفوذ إيراني وروسي، ولذا على عكس اليمن ولبنان لم يعد للسعودية في سوريا كثير من الحلفاء المحليين، حيث دمر الأسد والميلشيات الشيعية المجموعات المعارضة السلفية الحليفة للرياض التي كانت تتركز في دمشق ومحيطها، إضافة للجنوب السوري.
كما أن التسريبات المتعلقة بالشروط السعودية للتطبيع مع الأسد لا تظهر إشارة لتغيير الدستور، والسماح بدور للمعارضة في الحكم، كما تنص تفاهمات جنيف، وكما كان يردد مسؤولو الجامعة العربية دوماً عن شروط عودة سوريا للجامعة العربية، أو كما كان يقول المسؤولون المصريون في السابق.
يعلم كل من يحاول المصالحة مع الأسد أنه ليس لديه مشكلة في التنازل عن سيادة سوريا عن أراضيها مثلما يحدث الآن، ولكن لديه خطوط حمر أولها العلاقة مع إيران وروسيا، والثانية رفضه إدخال أية إصلاحات سياسية والاعتراف بالمعارضة، والثالثة رفضه عودة اللاجئين بعد أن غير هوية سوريا وجعل العرب السنّة أقلية فيها.
ومن الواضح أن الأسد قد يحضر قمة الرياض دون تقديم أي تنازل جوهري في هذه الملفات.