لم تكن إقالة وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، حدثاً غير متوقع لوسائل الإعلام المحلية، إذ منذ نشر أول أخبار عاجلة تفيد بتعديل وزاري وشيك، تداول صحفيون وناشطون ترشيحات لخليفة الدبلوماسي الذي يتمتع بشخصية كاريزمية وعلاقات جيدة، بحسب ما قاله موقع Middle East Eye البريطاني، الخميس 30 مارس/آذار 2023.
بحسب الموقع البريطاني، فقد كان العديد من الصحفيين والدبلوماسيين يعرفون منذ عدة أشهر، أنه من المقرر استبدال لعمامرة، الذي شغل منصبه منذ يونيو/حزيران 2021. فمن الواضح أن لعمامرة، الخبير في أعمال الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، وكبير الدبلوماسيين الجزائريين على مدى السنوات الثلاث الماضية، لم يكن مؤيداً للرئيس عبد المجيد تبون.
منذ عامه الأول في المنصب، 2019، كان تبون قد وضع نصب عينيه بالفعل تعيين دبلوماسي مشهور آخر، صبري بوقدوم، وزيراً للخارجية.
وعلى الرغم من أن محيط الرئيس اعتبروا أن رمطان لعمامرة مناسب للوظيفة، فإنه بعد بضعة أشهر في المنصب، ظهرت أصوات معارضة في دوائر معينة بالجزائر، كما كان يُهمس بأن لوزير الخارجية "طموحات رئاسية" تعود إلى عام 2019، بعد سقوط بوتفليقة، الذي أجبرته الثورة الشعبية على الاستقالة.
فيما قال وزير سابق يعرفه جيداً، للموقع البريطاني، إن لعمامرة كان غاضباً و"قدّم استقالته ثلاث مرات" خلال 2023، رُفضت الاستقالات الثلاث، وكان لعمامرة يعاود الظهور بعد عدة أيام، أو حتى أسابيع، وغالباً ما كان يقوم بجولات في دول إفريقية أو عربية.
استمرت لعبة القط والفأر هذه بين المفوض السابق للسلام والأمن في الاتحاد الإفريقي والوفد المرافق للرئاسة الجزائرية عدة أشهر. لكن الأحداث تسارعت في بداية فبراير/شباط.
في 8 فبراير/شباط، أفادت وسائل إعلام محلية وفرنسية، بأن الناشطة الجزائرية الفرنسية والمعارضة أميرة بوراوي هربت من الجزائر عبر تونس بمساعدة القنصلية الفرنسية، بعد أن حكم عليها بالسجن لمدة عامين بتهمة "إهانة الإسلام" وإهانة الرئيس.
تسبب هذا في أزمة جديدة بين باريس والجزائر. وعبّر بيان صحفي صادر عن وزارة الخارجية، عن "غضب" السلطات الجزائرية التي اتهمت "استخبارات الدولة الفرنسية" بـ "تهريب" الناشطة إلى فرنسا.
بعد دقائق، أعلنت رئاسة الجمهورية عن استدعاء السفير الجزائري في باريس "للتشاور". في الأوساط الداخلية، كان معروفاً أن هذه الخطوة تمت دون موافقة وزير الخارجية.
في اليوم التالي للخلاف بين الجزائر وباريس، أعلنت وسائل إعلام جزائرية أن الرئيس وافق على تعديل دبلوماسي أثر على السفراء والقناصل في عدة عواصم حول العالم.
مرة أخرى، همَّشت الرئاسة رمطان لعمامرة، لكن بعض المصادر الإعلامية لديها رواية مختلفة للأحداث، حيث تحدثت عن سبب إضافي لهذا الانقسام، إذ قرر الرئيس الجزائري تخصيص ميزانيةٍ قدرها مليار دولار للوكالة الجزائرية للتعاون الدولي -الملحقة برئاسة الجمهورية- لتمويل مشاريع تنموية في بعض الدول الإفريقية. وقال أحد الصحفيين لموقع Middle East Eye، إن رمطان لعمامرة لم يعجبه ذلك و"كان يريد أن يجري التعامل مع الملف من قبل دائرته".
لكن لعمامرة التزم الصمت واختار الانسحاب من أمام الجمهور. وقد خرج رمطان لعمامرة من معتكفه لفترة وجيزة فقط، في 23 فبراير/شباط، عندما تلقى نسخاً من أوراق اعتماد السفراء الجدد في الجزائر العاصمة.
وحضر حفلاً نُظِّم على شرف أعضاء الحماية المدنية الجزائرية الذين شاركوا في جهود الإنقاذ في أعقاب الزلازل المدمرة التي ضربت تركيا وسوريا.
اختفاء عن المشهد
لكن بصرف النظر عن هذه الأحداث، فإن جميع الاستقبالات الأخرى، وضمن ذلك استقبالات الوزراء الذين قدموا إلى الجزائر العاصمة، قد نظمها أمين عام الوزارة، عمار بيلاني.
هناك سادت التكهنات حول غياب رمطان لعمامرة. حتى إن البعض اعتقد أنه مريض. ومع ذلك، في 11 مارس/آذار بدأت الشكوك تتبدد. عندما جاء الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني، إلى الجزائر العاصمة في زيارة رسمية، كان بيلاني لا يزال مسؤولاً عن حفل الاستقبال، إلى جانب تبون وغيره من كبار المسؤولين.
في اليوم التالي، كانت صور وصول مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إلى مطار الجزائر العاصمة، لافتة للنظر، إذ التقاه مسؤول كبير واحد فقط من وزارة الخارجية.
من هذه اللحظة، لم يعد السؤال عما إذا كان رمطان لعمامرة سيغادر الحكومة، ولكن متى. في غرف الأخبار بالجزائر العاصمة، بدأ الناس في التكهن بوزير الخارجية المستقبلي.
خلافاً لكل التوقعات، لم يعيّن تبون بيلاني ليحل محل العمامرة، كما اقترحت وسائل الإعلام والدبلوماسيون، ومن ضمنهم أولئك الذين رافقوا بوريل.
واستدعى الرئيس أحمد عطاف لرئاسة وزارة الخارجية التي قادها من عام 1996 إلى عام 1999. وكان الدبلوماسي البالغ من العمر 70 عاماً، خارج الخدمة لأكثر من 24 عاماً.