ارتفعت قيمة أسهم شركة Presight AI لتحليل البيانات، يوم الإثنين، 27 مارس/آذار 2023، في أول أيام تداولها في بورصة أبوظبي بعد طرح عام أولي بقيمة 496 مليون دولار، تجاوزت خلاله تغطية الاكتتاب عدد الأسهم المطروحة بـ136 مرة. وهذا الإقبال ليس فريداً؛ إذ يأتي بعد أسبوعين من جمع شركة Adnoc للغاز 2.5 مليار دولار، في أكبر عملية إدراج في الإمارة الخليجية، وهي من بين الأحدث في سلسلة العروض سريعة التدفق إلى الشرق الأوسط، التي تتناقض بحدة مع السوق الأوروبية المحتضرة.
الشرق الأوسط على "رادار" المستثمرين العالميين
يقول تقرير لصحيفة The Financial Times البريطانية، إن عمليات الاكتتاب العام الأولي، البالغ عددها 51، التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا العام الماضي، سجّلت رقماً قياسياً، وفقاً لشركة Ernst & Young Global. وقالت الشركة الاستشارية البريطانية إنَّ هذه العمليات جمعت 22 مليار دولار، بزيادة 179% عن عام 2021، مضيفة أنَّ سوق هذا العام بدا "صحياً".
وقال ميغيل أزيفيدو، رئيس بنك Citigroup للاستثمارات المصرفية للشرق الأوسط وإفريقيا، إنَّ المنطقة "ظهرت على شاشة الرادار". وأضاف: "الكثير من الناس انتقلوا إلى هنا بعد كوفيد-19، وحدث كثير من الاكتتابات العامة الأولية هنا؛ مما أجبر العالم على النظر إلى تلك المنطقة، التي جذبت الانتباه عندما لم يكن هناك شيء يحدث في بقية العالم".
وفي هذا السياق، أوضح مصرفيون أنَّ الإصلاح التنظيمي المالي، وحملة الخصخصة وسط الاستقرار السياسي، وأسعار النفط والغاز التي ارتفعت ارتفاعاً كبيراً من أدنى مستوياتها أثناء فترة وباء فيروس "كوفيد-19″، تقف جميعاً وراء موجة جنون الطرح العام الأولي والصفقات الخاصة.
وضخ مديرو صناديق رأس المال الخاصة 19.8 مليار دولار في 191 صفقة في الشرق الأوسط العام الماضي، وهو المكان الوحيد في العالم الذي سجّل زيادة سنوية في قيمة الاستثمار في عام 2022، وفقاً لجمعية رأس المال الخاص العالمية. بينما في عام 2018، شهدت المنطقة استثمارات بقيمة 600 مليون دولار فقط.
السعودية والإمارات أكبر المستفيدين
وكانت سوق الأسهم السعودية هي أكثر من شعر بتأثير مزيج الإصلاح التنظيمي وارتفاع أسعار النفط، الذي تجلّى في الصفقة البارزة لإدراج شركة أرامكو السعودية العملاقة للنفط، بقيمة 29 مليار دولار في عام 2019.
ونشّط هذا الإدراج عدد الاكتتابات الأولية، ليسجل 2022 عاماً قياسياً. على مدى السنوات الخمس الماضية، ارتفعت القيمة السوقية الإجمالية بنحو 475%. وقالت الهيئة المنظمة للسوق السعودية إنَّ هناك الآن 269 شركة مُدرَجة مقارنة بـ 188 شركة في نهاية عام 2017، مع استعداد 80 شركة أخرى للاكتتاب.
وفي أبو ظبي، طرحت شركة النفط الوطنية سلسلة من الأصول في البورصة؛ مما أدى إلى زيادة مماثلة في عمليات الإدراج.
وأدرجت شركة أمريكانا للوجبات السريعة، المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة السيادي السعودي، ورجل الأعمال في دبي محمد العبار، أسهمها في بورصتي أبوظبي والرياض في ديسمبر/كانون الأول وسط ارتفاع الطلب.
وعلّق أحد كبار المصرفيين في أسواق رأس المال في الولايات المتحدة: "هذه نفس قواعد اللعبة التي اتبعتها أوروبا؛ ففي المملكة المتحدة، كانت حملة الخصخصة في الفترة من منتصف إلى أواخر الثمانينيات هي التي نشّطت الأسواق، وساعدت في تحفيزها وتعزيز المزيد من ثقافة الأسهم وتشجيع الشركات الخاصة على أن تصير عامة".
وجذبت معالجة دبي الناجحة للوباء المديرين الماليين التنفيذيين وأصحاب المليارات في سوق العملات المشفرة، الذين استفادوا من اقتصادها المفتوح. وقد ثبّت كثيرون أنفسهم هناك، وأقنعوا شركاتهم باتباع خطاهم.
وأقام مديرو صناديق التحوط والأصول، بما في ذلك من شركتي Brevan Howard و ExodusPoint، في المركز المالي بالمدينة، الذي يجري الآن محادثات لترخيص 50 صندوق تحوط آخر، بينما يتطلع المديرون إلى مناخ الإعفاء من الضرائب ونافذة التداول المفيدة التي تمتد عبر آسيا والولايات المتحدة.
وقال مصرفي استثماري أمريكي آخر: "يتدفق المستثمرون الدوليون إلى هنا -وهم مديرو أصول كبار ومرموقون ومحترمون في الولايات المتحدة وأوروبا يستثمرون مع شعوبهم للاستعداد لضخ مزيد من الاستثمارات في هذا العالم [الخليج]".
بدأت دبي العام الماضي، بعدما شهدت أسواق رأس المال في جيرانها نشاطاً مكثفاً، حملتها الخاصة من الخصخصة، متعهدة بإدراج 10 كيانات مرتبطة بالدولة. وقد أدرجت بالفعل أربعة منها؛ بما في ذلك هيئة كهرباء ومياه دبي وشركة سالك للتعرفة المرورية.
وقال ميغيل أزيفيدو، رئيس بنك Citigroup للاستثمارات المصرفية للشرق الأوسط وإفريقيا، إنَّ المنطقة تنتقل إلى "المرحلة الثانية" من الإدراج، التي تشمل "الاكتتاب العام الأولي للكيانات غير الحكومية في الإمارات العربية المتحدة، وتحديداً في كل من دبي وأبو ظبي. وسيشهد هذا العام طرح عدد قليل من الشركات المملوكة للعائلات".
الشركات المملوكة للعائلات تتجه نحو الخصخصة
وتُشكّل الشركات المملوكة للعائلات ما يصل إلى 90% من القطاع الخاص في دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. عندما يموت المؤسسون، غالباً ما يقع ورثتهم في اتهامات متبادلة. لذا يمثل طرح الأسهم للجمهور وسيلة لفرض نظام حوكمة الشركات وتخطيط الخلافة لتجنب الصراع الأسري.
وجمعت الأنصاري للخدمات المالية، وهي شركة عائلية وأكبر سلسلة صرافة في الإمارات العربية المتحدة، 210 ملايين دولار، يوم الإثنين، 27 مارس/آذار، وسط طلب قوي على طرحها العام الأولي في سوق الأسهم في دبي. ومن بين المجموعات الإقليمية الأخرى المملوكة لعائلة، والضخمة بما يكفي لإدراج أسهمها علناً، مجموعة مراكز التسوق التي تتخذ من دبي مقراً لها، ماجد الفطيم، ومتاجر التجزئة المملوكة لعائلة لبنانية، أزاديا، وسلسلة المتاجر الضخمة في أبو ظبي، لولو.
وتوقع أزيفيدو أن يتبع ذلك موجة ثالثة من "شركات التكنولوجيا المالية الشابة والشركات التي تدعم التكنولوجيا، التي كانت تجمع أرباحاً في سوق رأس المال الخاص".
ويرجح مصرفيون أنَّ الشركات المرشحة المحتملة هي: شركة بيور هارفست للتكنولوجيا الزراعية، ومنصة المطبخ السحابي كيتوبي، وشركة الإعلانات المبوبة دوبيزل.
وأدت الانهيارات المصرفية الأخيرة في الولايات المتحدة وأوروبا إلى إحياء المخاوف بشأن تكرار الأزمة المالية العالمية، التي تمتع حينها الشرق الأوسط بالازدهار بينما انزلق بقية العالم في الانهيار المالي.
وفي ذلك الوقت، تباهت دول الخليج بأنها "انفصلت" عن الاقتصاد العالمي قبل أن تنهار في أزمة ديونها وأسعار النفط عام 2009.
وفي هذا الصدد، علّق طارق فضل الله، الرئيس التنفيذي لشركة نومورا لإدارة الأصول في الشرق الأوسط، قائلاً: "الأمر مختلف قليلاً الآن بسبب الميزانيات القوية وبرامج التحول المستمرة. خلال الأزمة المالية الخليجية، انخفضت أسعار النفط بحدة، لكن الفرق الكبير هذه المرة هو أنَّ الأسعار لا تزال ضمن منطقة الراحة".