رغم أن المعلم المصري محمود حامد كان على علم مسبق بقرار إنهاء خدمته من إحدى المدارس الحكومية التابعة لبلدية الكويت، الذي صدر يوم الثلاثاء 21 مارس/آذار، إلا أنه كان يأمل أن تتراجع الحكومة عن قرارها بفعل العجز المتزايد في أعداد المعلمين بالمدارس الحكومية والخاصة بالكويت.
حينما وجد حامد اسمه في كشوف المُستغنى عنهم بنهاية العام الدراسي الحالي، أدرك أنه سيكون عليه حزم حقائبه للعودة مجدداً إلى بلاده بصحبة أكثر من 500 مصري شملهم أول قرارات إنهاء خدمة المعلمين الوافدين.
ينتظر حامد الذي عمل في الكويت منذ أكثر من 20 عاماً، مصيره خلال الأسابيع المقبلة، مؤكداً أن بقاءه في الكويت بعد أن استقر مع أسرته وأبنائه طوال عقدين أصبح محل شك كبير، لأنه جاء للعمل بتأشيرة عمل حكومية، والآن لن يكون بإمكانه العمل في جهة حكومية أخرى مع قرار إقالته.
ويأمل أن يتمكن من تحويل تأشيرته للعمل الخاص، حيث تتوفر أمامه الفرصة للعمل في إحدى المدارس الخاصة، لكنه لن يكون بإمكانه أن يحصل على نصف راتبه في المدرسة الحكومية، وستكون أيضاً عودته حتمية في تلك الحالة، وهو ما جعله يحسم أمره بالعودة إلى مصر.
السفارة المصرية تتجاهل الاستغناء عن 500 معلم
أشار المعلم المصري في حديثه لـ"عربي بوست" إلى أن السفارة المصرية في الكويت لم تتواصل مع أي من المصريين الذين فقدوا وظائفهم مؤخراً، وأن كثيراً من الاستغاثات التي أرسلها عاملون في مواقع حكومية وخاصة عديدة خلال الفترة الماضية لم تكن محل اهتمام.
دائماً ما كانت تأتيهم الردود بأن قرارات الاستغناء عن العمالة المصرية تخضع لخطط كويتية لمواجهة أزمات تراجع معدلات النمو الاقتصادي وزيادة معدلات البطالة، ما يؤشر على أن إجراءات التفاوض للحفاظ على وظائف العمال المصريين لم تعد موجودة مثلما كان الوضع من قبل.
وأعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة التربية الكويتية، أحمد الوهيدة، الأحد 19 مارس/آذار، إنهاء خدمات 1815 معلماً ومعلمة بينهم مصريون، و209 رؤساء أقسام من الوافدين، نهاية العام الدراسي الحالي 2022/2023، تنفيذاً للقرار الخاص بخطة الإحلال والتكويت في عدد من التخصصات التي يتوافر بها العنصر الوطني الكويتي.
وشمل الإحلال والتكويت جميع التخصصات التعليمية، وهو ما يشير إلى أن أكثر من 20 ألف معلم مصري، وفقاً لإحصاءات كويتية، سيفقدون وظائفهم بالمدارس الحكومية في غضون العام الحالي والمقبل، حيث تعمل دولة الكويت وفق خطة لـ"تكويت" الوظائف الإشرافية ليتماشى ذلك مع توجهات الحكومة وخطة الدولة لتنفيذ سياسة إحلال وتمكين العناصر الوطنية.
خطة الإحلال الكويتية مبنية على 3 محاور: الأولى تتضمن إنهاء عقود 33% من غير الكويتيين اعتباراً من 1 سبتمبر/أيلول 2022، تليها المرحلة الثانية بإنهاء 33% مطلع فبراير/شباط 2023، على أن تشهد المرحلة الثالثة التي تنطلق في الأول من يوليو/تموز 2023 منح فترة إنذار للعدد المتبقي من الموظفين.
الوافدون المصريون في القطاع الحكومي على كفّ عفريت
يتعجب محمد أسامة، وهو معلم مادة العلوم بإحدى المدارس الحكومية الكويتية، من قرار الاستغناء عنه مع نهاية العام الدراسي الحالي في ظل حالة العجز التي تعانيها مدرسته في أعداد المعلمين، ومع تراجع تخصصات المواد العلمية من الخريجين الكويتيين، وكذلك عدم تدريب المعلمين الجدد على المناهج الدراسية.
ويشير في حديثه لـ"عربي بوست" إلى أن قرار الاستغناء عنه يحمل أبعاداً أخرى –لم يسمّها- ليس لها علاقة بخطة التكويت التي من المفترض أن تطول البلديات مراحلها الأولى.
ليس لدى المعلم ثقة في أنه سيتمكن من تحويل إقامته خلال الأشهر المقبلة، خاصة أن أكثر من 1000 مصري جرى الاستغناء عنهم في المحليات والبلديات وقطاع الإسكان أغلبهم لم يتمكنوا من تحويل الإقامة، مع رفض الجهات الكويتية التي تشترط العودة للبلاد ثم الحصول على تأشيرة جديدة، وهو أمر لن يحدث مع وقف استقبال العمالة المصرية ووضع شروط عديدة من المتوقع تطبيقها خلال الفترة المقبلة بشأن استقبال الوافدين الجدد.
وأوضح أن العاملين في الوزارات والهيئات الحكومية الكويتية ظلوا طيلة السنوات الماضية في مأمن من أي مشكلات يعانيها القطاع الخاص غير المستقر، والذي يخضع فيه العمال للكفيل بشكل كبير، لكن الوضع اختلف الآن، هناك آلاف العاملين في جهات حكومية لديهم الرغبة للعمل في القطاع الخاص حتى مع تراجع الرواتب، لكن ذلك سيكون أفضل إليهم من العودة إلى مصر في هذا التوقيت الذي تشهد فيه البلاد أزمات اقتصادية صعبة.
وتشير تقديرات وزير القوى العاملة المصرية حسن شحاتة إلى أن عدد العاملين المصريين بالقطاع الحكومي بدولة الكويت يصل إلى 31 ألف عامل مصري، فيما تشير أرقام جهات حكومية كويتية إلى أن الرقم قد يصل إلى 39 ألف عامل مصري.
ويعمل الجزء الأكبر منهم في قطاع التعليم، وكانت الحكومة المصرية تقلل من أثر خطة التكويت بتأكيدها أن العاملين بوزارة الدولة لشؤون البلدية وإدارتها لا يتجاوز 1000 عامل، ولن يتأثر جميعهم بالسلب، وإنما سيتأثر فقط من يعمل بالوظائف الإدارية التي سيتم "تكويتها"، وهو ما ثبت عدم صدقه.
أزمة سياسية في الكويت يدفع ثمنها الوافدون المصريون
ويشير مهندس مصري بالمؤسسة العامة للرعاية السكنية الكويتية أو "وزارة الإسكان الكويتية"، إلى أن الاستغناء عن العمالة المصرية يتزايد بصورة مطردة خلال الأشهر الماضية، دون أن ينعكس ذلك على أعداد المصريين الذين عادوا إلى بلادهم بالفعل، لأن الكثيرين يحاولون البحث عن تقنين أوضاع وجودهم على الأراضي الكويتية بدلاً من العودة، وهو ما يجعل جهات حكومية مصرية تقلل من قيمة ما يحدث على أرض الواقع.
ويؤكد أن "التكويت" ليس فقط السبب في الاستغناء عن الوافدين لكن الأزمات السياسية التي يشهدها الكويت التي كانت شاهدة على تعيين برلمان وحله بعد أشهر قليلة، وكذلك التغييرات المتعاقبة للحكومات ساهمت في توقف مشاريع حكومية عديدة، وبالتالي جرى الاستغناء عن مئات العاملين في مواقع حكومية تابعة لوزارة الإسكان لعدم وجود تمويلات يتم اعتمادها من الجهات الحكومية والتشريعية.
ولفت إلى أن عملية تجديد الإقامة بالنسبة للوافدين تواجه صعوبات في الوقت الحالي، ودائماً ما يتدخل الكفيل أو أصحاب الأعمال الخاصة لإنهاء إجراءات العاملين لديهم، ما يؤشر على أن هناك تمهيداً لإمكانية ترحيل بعض العمال ممن تنتهي إقاماتهم، وهو ما يجعل المصريين يشعرون أنهم على "كف عفريت" بالمثل المصري الدارج الذي يشير لعدم استقرار أوضاعهم.
وتأتي العمالة المصرية في المرتبة الثانية وفقاً لترتيب الجاليات الأجنبية في الكويت بنسبة 24% من إجمالي الوافدين الذين يبلغ عددهم 1.9 مليون عامل في مختلف قطاعات سوق العمل، باستثناء القطاع العائلي، وتسبقهم الجالية الهندية بحوالي 1.1 مليون عامل، وتتراوح التقديرات الرسمية إلى أن أعدادهم تصل إلى 770 ألف مصري بينهم 450 ألف مصري يعملون في القطاع الخاص.
وتتوزع العمالة المصرية على مجالات كثيرة، بداية من الوظائف الحكومية إلى القطاع الخاص، وهم موجودون كمهنيين من أطباء ومهندسين ومحاسبين ومحامين، لكن الجزء الأكبر يعمل في قطاع المقاولات والمطاعم والمحلات.
وساطات مصرية فاشلة لحل أزمة المصريين بالكويت
ولم تفلح التحركات والوساطات المصرية التي نشطت في أعقاب صدور توجيه وزير الدولة لشؤون البلديات الكويتية، رنا الفارس، في أغسطس/آب الماضي، إلى بلدية الكويت بـ"تكويت" الوظائف وتمكين الكوادر الوطنية في البلدية، في إحداث تغيير ملموس على مستوى الحفاظ على العمالة المصرية.
وأشار مصدر بوزارة القوى العاملة المصرية إلى أن الوزارة تتحرك للتعرف على إمكانية توفير فرص عمل أخرى للمعلمين الذين قررت الحكومة الاستغناء عنهم من عدمه، وأنها لم تتلقّ حتى الآن إفادات بترحيلهم إلى مصر عقب انتهاء مدة عملهم، وأن الفترة المقبلة ستكون شاهدة على عقد اجتماعات عديدة مع وزارة العمل الكويتية للحفاظ على حقوقهم وضمان حصولهم على مكافأة نهاية الخدمة.
وكشف المصدر لـ"عربي بوست" أن جهات أمنية من المتوقع أن تتدخل بما يضمن عدم عودة آلاف المصريين والبحث في إمكانية توفير بدائل لهم بدلاً من إرغامهم على العودة، مشيراً إلى أن العديد من الوقائع السابقة التي كانت فيها الحكومة الكويتية تتجه لوقف تصاريح عمل المصريين جرى التعامل معها بشكل ودي، غير أن الاتجاه السائد في دولة الكويت حالياً، والذي يدعم الاستغناء عن الوافدين، يُصعّب المهمة.
ولم تتمكن المباحثات التي جرت على مستويات عديدة خلال الأشهر الماضية في أن تجد حلاً لأزمة وقف تأشيرات استقدام المصريين إلى الكويت، ووفقاً للمصدر ذاته، فإن الحكومة الكويتية أصرت على وضع شروط تضمن وصول العمالة المدربة وفقاً لإجراءات تحددها هي من جانبها، بما لا يضمن تكرار وقائع التلاعب في أسعار التأشيرات، وبما يقوض من استقبال الوافدين الجدد، وهو ما أحدث أزمة مكتومة بين جهات حكومية في البلدين.
وشهدت الأشهر الماضية انعقاد اجتماعات متتالية للجنة العمالة المصرية الكويتية المشتركة، والتي كانت تتم بحضور السفير المصري علاء موسى مساعد وزير الخارجية للشؤون العربية، ومساعد وزير الخارجية الكويتي للشؤون القنصلية مشعل المضف، وناقشت ضوابط استقدام العمالة المصرية في ظل قوانين العمل المنظمة في البلدين، لكن لم تصل إلى نتائج إيجابية حتى الآن تضمن إعادة استقبال الوافدين المصريين، بحسب ما أكده المصدر ذاته.
وفي منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي وجه وزير الداخلية الكويتي الشيخ طلال الخالد بوقف اتفاقية ربط القوى العاملة مع مصر، وتبع تلك الخطوة قرار آخر من هيئة القوى العاملة الكويتية والتي أوقفت بدورها أذونات العمل للعمالة القادمة من مصر حتى إشعار آخر، وأرجعت ذلك لضرورة وضع آلية جديدة بين البلدين لضبط استقدام العمالة.
وأشارت تقارير إعلامية كويتية إلى أن السفارة المصرية بالكويت خالفت القوانين المنظمة لسوق العمل، وهناك اشتراطات جديدة سيتم تحديدها لتوثيق تصاريح عمل المصريين بعد التغييرات التي لحقت بالجنيه وأدت إلى تراجع قيمته أمام العملات الأجنبية، وتلك إجراءات هدفها منع دخول عمالة هامشية وضبط سوق العمل في البلاد.
وأشار مصدر مصري حكومي مطلع إلى أن تصاعد إجراءات الاستغناء عن العمالة الوافدة في صدارتها العمالة المصرية بعد إيقاف استقبال عمال جدد، يرجع لقناعة جهات حكومية كويتية بوجود ثغرات يتسلل منها العمال المصريون غير المدربين بلا تأشيرات عمل، ولا يقومون باستخراج تصاريح عمل في الدولة، ما يؤدي إلى إرباك سوق العمل في الكويت وسط أوضاع اقتصادية عالمية يتضرر منها الجميع.
تراجع الجنيه وتصريحات وزير القوى العاملة يفاقمان الأزمة
ويؤكد أن تراجع قيمة الجنيه إلى الحد الذي وصل فيه الدينار الكويتي الواحد بأكثر من 100 جنيه مصري، إلى جانب البيئة الطاردة للعمل في مصر والتي ضاعفت عمليات الهجرة إلى الخارج خلال الأشهر الماضية، جعلت هناك مخاوف كويتية متصاعدة من وصول آلاف العمالة الجديدة بدلاً من التي قررت الاستغناء عنهم لتكويت الوظائف الحكومية، وهو ما يقود لغياب التوافق بين البلدين بشأن إيجاد حلول وسط.
ولفت إلى أن حديث وزارة القوى العاملة المصرية بشكل مستمر عن وجود شائعات ينشرها الإعلام الكويتي بشأن الاستغناء عن المصريين، ومحاولة إيصال رسائل مفادها أن العمالة المصرية في الكويت لن تعود إلى مصر، ساهم في إحداث حالة من الاحتقان لدى الرأي العام الكويتي في ظل مساعي جهات حكومية كويتية لإنجاح خطط التكويت.
هذا بالإضافة إلى مخاوف أخرى متعلقة بالهاجس الديموغرافي، والمتمثل في وجود خلل في التركيبة السكانية لصالح الوافدين. فوفقاً للهيئة العامة للمعلومات المدنية، يصل عدد سكان الكويت إلى حوالي 4.3 مليون نسمة، يمثل عدد الكويتيين منهم نحو 1.3 مليون نسمة، في حين يمثل الوافدون نحو 3 ملايين نسمة.
ومؤخراً كشفت لجنة تعديل التركيبة السكانية بالكويت برئاسة النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية ووزير الدفاع بالإنابة الشيخ طلال الخالد، أن الدولة مقبلة على تفعيل تطبيق ذكي خاص يحمل اسم "Kuwait visa" يهدف إلى تنظيم تأشيرات الدخول والتحقق من صحة جميع الإجراءات التي تسبق دخول العمالة والزوار إلى الكويت. وفق صحيفة "القبس" الكويتية.
وتابعت اللجنة بأن هناك توجهاً لأن يتم إضافة خدمة التحقق من هوية العامل وصلاحية إقامته وصحة بيانات مهنته من خلال تطبيق هويتي، وذلك في حال الاستعانة بأي عمالة من قبل المواطنين والمقيمين، ما يعني أن كل شخص يمكنه التحقق من هوية العامل الذي يقدم الخدمات له عند الاستعانة به لتفادي العمالة الهامشية.
وقد أصدرت اللجنة عدة قرارات لتعديل التركيبة السكانية، من أهمها إلزام الجمعيات التعاونية بسرعة "تكويت" جميع الوظائف القيادية والإشرافية، ورفع نسبة العاملين في الجمعيات التعاونية، ما يتيح خلق نحو 3000 فرصة وظيفية للكويتيين في القطاع التعاوني وفق سلم مميز للرواتب والحوافز المالية، علاوة على خلق عدد من الوظائف الاستشارية للمواطنين المتقاعدين في مجالس إدارات الجمعيات التعاونية.