تطور مثير للقلق شهدته العلاقات بين الجزائر والمغرب، بعد إعلان الرئيس الجزائري أن العلاقة بين البلدين وصلت إلى نقطة اللاعودة، فما الجديد الذي أعاد هذا الملف للواجهة؟ وإلى أين تصل العلاقة؟
قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون -في تصريحات لقناة الجزيرة– إن العلاقة بين الجزائر والمغرب وصلت إلى نقطة اللاعودة، وإنه يأسف لوصول العلاقة بين البلدين الجارين إلى هذا المستوى، مشيراً إلى أن موقف بلاده هو رد الفعل.الم
وأكد أن الجزائر تعتبر الصحراء الغربية "قضية تصفية استعمار بحتة"، وهي في لجنة تصفية الاستعمار في مجلس الأمن الدولي، منوّهاً بأن الجزائر "تطالب بالاستفتاء في الصحراء الغربية، ولو قرر الصحراويون الانتماء للمغرب فستكون الجزائر أول من يصفق لهم". وكشف في نفس السياق أن إسبانيا أعطت الجزائر الصحراء الغربية عام 1974، لكن الجزائر رفضت.
أسباب تدهور العلاقات بين الجزائر والمغرب
وكانت الجزائر قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب في أغسطس/آب 2021 بسبب خلافات عميقة، خصوصاً بشأن قضية الصحراء المغربية والتقارب بين الرباط وإسرائيل.
وسبق أن قال الرئيس الجزائري: قطع العلاقات مع المغرب كان "بديلاً للحرب".
وتشهد العلاقات بين البلدين توتراً منذ عقود بسبب دعم الجزائر لجبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية، بينما يعتبرها المغرب جزءاً لا يتجزأ من أرضه ويقترح منحها حكماً ذاتياً تحت سيادته.
ومنذ تولي الرئيس عبد المجيد تبون السلطة، اكتسبت السياسة الخارجية زخماً بعد فترة هدوء تحوَّل لخمول في السنوات الأخيرة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة الذي كان دبلوماسياً مخضرماً في الأصل، ولكن سياسته مالت للهدوء، وقلّ نشاطها في سنواتها الأخيرة بعد أن أصبح مريضاً ويقال إنه لم يكن يحكم البلاد.
وعلى العكس، اتخذ تبون مواقف أكثر قوة في الأزمة الليبية، وصلت إلى تحذير أمير الحرب الليبي اللواء خليفة حفتر من الهجوم على العاصمة طرابلس واعتبارها خطاً أحمر للجزائر، كما اتخذت الجزائر سياسة أكثر هجومية تجاه المغرب الذي توترت العلاقات معه بشدة لدرجة قطع العلاقات.
وقال عبد اللطيف الحناشي، أستاذ التاريخ السياسي: "إن الجزائر على ما يبدو لم تكتفِ بقطع العلاقات مع المغرب وإنما زادت وصعدت من مواقفها".
الجزائر تقول إن التطبيع مع إسرائيل شكَّل نقطة فارقة في العلاقات مع الرباط
وذكّر الحناشي في تصريح لفرانس24 أن العلاقات بين البلدين أخذت أبعاداً جديدة بعد اعتراف المغرب بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها.
واعتبرت الجزائر آنذاك أن تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل، برعاية أمريكية، موجَّه ضدها. وهو التطبيع الذي تضمن أيضاً اعتراف الولايات المتحدة بسيادة الرباط على الصحراء الغربية أواخر العام 2020.
وصرح رئيس الوزراء الجزائري عبد العزيز جراد آنذاك في أول رد فعل لبلاده على القرار الأمريكي بأن هناك "تحديات تحيط بالبلاد"، مشيراً إلى وجود تهديدات على حدود البلاد التي "وصل إليها الكيان الصهيوني".
وتحدث جراد عن وجود عمليات أجنبية "تريد ضرب استقرار البلاد"، مشيراً إلى "دلائل" مرتبطة بما "يحدث على كل حدودنا"، وذلك خلال مؤتمر لإحياء الذكرى الستين للمظاهرات الوطنية خلال حرب الاستقلال (1954-1962).
تبون يسعى لتعزيز دور الجزائر دولياً وعربياً وإفريقياً
وذهب الحناشي إلى أن "الجزائر تسعى لأن تتحول إلى دولة إقليمية فاعلة، نرى ذلك بمواقفها من القضية الفلسطينية".
والأمر الذي يدل على ذلك، تصريح تبون للجزيرة الذي أكد أن "القضية الفلسطينية هي القضية الأم، وتكاد تكون قضية داخلية في الجزائر".
وتابع الحناشي أن هناك أيضاً نوعاً من التنافس على التواجد في إفريقيا، موضحاً أن "الجزائر قبل تبون ومنذ الاستقلال كانت لها علاقات واسعة وممتدة في إفريقيا".
وخصصت الجزائر مؤخراً مليار دولار كمساعدات لإفريقيا الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي، من أجل التضامن والتنمية لتمويل مشاريع تنموية في الدول الإفريقية، لا سيما منها تلك التي يكتسي طابعاً اندماجياً أو تلك التي من شأنها المساهمة في دفع عجلة التنمية في القارة".
أما المغرب فقد أصبح بدوره يعمل "منذ عقد من الزمن على تعزيز وجوده بالفضاء الإفريقي اقتصادياً وسياسياً وحتى دينياً… وبالتالي يبدو أن لهذا التنافس أوجهاً عديدة".
وكانت الجزائر تحظى في إفريقيا بأفضلية تاريخية مقابل المغرب، بفضل نضالها ضد الاستعمار والطابع الاشتراكي القومي للدولة الجزائرية، وإمكانياتها المادية بفضل النفط والغاز، الأمر الذي جعل منظمة الوحدة الإفريقية تعترف بالصحراء عضواً بالمنظمة عام 1963؛ مما أدى لانسحاب الرباط منها لفترة قبل عودته عام 2017 للاتحاد الإفريقي، مع تحفظه على وضع الصحراء بالمنظمة الإفريقية.
ولكن في السنوات الأخيرة عاد المغرب لتعزيز علاقته ونفوذه في القارة الإفريقية، خاصة في النواحي الاقتصادية، خاصة مع نمو الاقتصاد المغربي.
المغرب استفاد من اتفاق إبراهام
وانخرط المغرب في اتفاق إبراهام للسلام والتطبيع عام 2020 الذي جعل الولايات المتحدة في عهد ترامب تعترف بأن الصحراء جزء من المغرب كاسرة تقليداً أمريكياً في الحياد مع الصراع.
وأطلق دوامة من الأحداث، فلقد قوبل برد فعل جزائري حاد، في المقابل سعى المغرب لتعزيز علاقته مع إسرائيل وتوسعت لتشمل التعاون العسكري والاستخباراتي بما في ذلك تقارير عن شراء الرباط لطائرات مسيَّرة إسرائيلية وبرمجيات تجسس بجانب شرائه أسلحة أمريكية.
كل ذلك والمغرب مدعوم من قِبل الإمارات قائدة مسيرة التطبيع وبصورة أقل السعودية، إضافة إلى تسلحه بموقعه الاستراتيجي على مدخل أوروبا، ونجاحات اقتصادية داخلية وتوسيع لشبكة العلاقات الإفريقية بما فيها محاولات لإنشاء شبكة لجلب الغاز من منطقة خليج غينيا منافسة للمشروع الجزائري المشابه.
في المقابل، بعد سنوات من الأزمات والجمود السياسي في ظل فترة بوتفليقة الأخيرة بدأت موازين القوى في شمال إفريقيا تميل لصالح الجزائر بعد تولي تبون السلطة، وصعود الطلب الأوروبي على غازها الطبيعي.
وظهر تأثير النفوذ الجزائري المتصاعد في تونس واضحاً، حيث يعتقد أن الجزائر هي الداعم الرئيسي للرئيس قيس سعيد، ونفوذ المغرب يتراجع، وهذا ما أكده قرار تونس بدعوة قائد "جبهة البوليساريو" إلى مؤتمر استثماري، في خطوة تهدف على ما يبدو لإغضاب المغرب.
وشدد تبون، في حواره الأخير، على أن الجزائر تدعم الرئيس التونسي قيس سعيد؛ لأن الشعب انتخبه ولم يأتِ بالقوة، وهي تدعم الدولة التونسية عن طريق رأسها الذي هو سعيد، ولو دعمت أي أطراف تونسية أخرى فسيكون ذلك تدخلاً في شؤونها الداخلية، وقال إن هناك "مؤامرة" تستهدف تونس وإن الجزائر لن تتخلى عنها.
هل تصريح تبون له أسباب داخلية؟
تُرجع بعض التفسيرات، لاسيما المغربية، تصريحات تبون بشأن العلاقات الجزائرية – المغربية التي وصلت لنقطة اللاعودة إلى أسباب داخلية، خاصة أن تبون منذ توليه السلطة بعد حراك شعبي أدى لعزل بوتفليقة، أولى ملف السياسة الخارجية أهمية قصوى في ظل صعوبة إحداثه تغييرات داخلية كبيرة بالنظر إلى مشكلات الاقتصاد والعراقيل أمام الإصلاح ونفوذ المؤسسة العسكرية.
وإضافة لاهتمامه العام بالملفات الخارجية بصفة عامة كمدخل للشرعية، كما ظهر في احتفائه الكبير بالقمة العربية، أظهر تبون مواقف صارمة فيما يتعلق بقضية الصحراء بشكل خاص، وبدا ذلك في تعليق اتفاقية الصداقة مع إسبانيا بعدما قرّرت الحكومة الإسبانية برئاسة الاشتراكي بيدرو سانشيز في مارس/آذار 2022، تأييد مقترح المغرب منح الصحراء حكماً ذاتياً تحت سيادته.
كما أنه أبدى رد فعل حاداً فيما يتعلق بالتطبيع المغربي والعلاقات الدفاعية المغربية مع إسرائيل واعتبرها موجهة لبلاده.
في المقابل، مالت ردود الفعل المغربية عادة على المواقف الجزائرية إلى أن تكون أقل حدة، ودعا الملك محمد السادس مراراً للمصالحة بين البلدين باستثناء بعض المواقف التصعيدية من الرباط مثل دعوة عمر هلال، مندوب المغرب لدى الأمم المتحدة إلى دعم حركة انفصالية أمازيغية جزائرية، وهو الموقف الذي قوبل بغضب شديد من الجزائر.
ولكن تحركات المغرب جاءت أغلبها على الأرض، حيث نال اعترافاً من عدة دول بمغربية الصحراء، كما يمضي قدماً في تعزيز نفوذه بإفريقيا أمام نفوذ الجزائر الأقوى (المغرب عاد للاتحاد الإفريقي عام 2017).
تبون يضع السياسة الخارجية كأولوية قبل انتخابات 2024
وفي مؤشر على أهمية السياسة الخارجية في حملة تبون الانتخابية المرتقبة لانتخابات الرئاسة 2024، كتبت الوكالة الجزائرية الرسمية مؤخراً تقريراً قالت فيه، إن "إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وحوض المتوسط، عرفوا متنفساً جديداً منذ انتخاب عبد المجيد تبون رئيساً للجمهورية الجزائرية".
وكان لافتاً في هذا الصدد إقالة الرئيس تبون وزير الخارجية الجزائري المخضرم رمطان لعمامرة في التعديل الحكومي الأخير، وهو التعديل الذي جاء ضمن محاولة تحسين أداء الحكومة وشمل تغيير 11 وزيراً منهم وزير التجارة كمال رزيق، الذي تعرض لانتقادات كبيرة عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي؛ بسبب نقص بعض المواد الأساسية في السوق، حتى إن الرئيس تبون انتقده مباشرة عندما قال: "أنا لم أطلب أبداً منع الاستيراد"، كما فعل الوزير.
وتزعم بعض التقارير أن إقالة لعمامرة تأتي في ظل صراعات أجنحة في السلطة بالجزائر، وأن إقالته تأتي تحسباً من منافسته لتبون في الرئاسة رغم أن الترشح للرئاسة في الجزائر أمر شديد التعقيد، ويستلزم موافقة المؤسسات العسكرية والاستخباراتية، وكذلك حزب جبهة التحرير والتجمع من أجل الديمقراطية لهما تأثير بدورهما على مثل هذا القرار.