يبدو أن زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد، لروسيا اليوم، الأربعاء، 15 مارس/آذار 2023، قد تمهد لتسريع جهود التطبيع بين تركيا ونظام الأسد، التي باتت تكتسب أهمية أكبر لمعظم الأطراف المعنية مع اقتراب الانتخابات التركية التي يمثل فيها اللاجئون ورقة تتلاعب بها المعارضة التركية.
وتأتي الزيارة قبل يوم من انطلاق "المرحلة الثانية" من الحوار بين دمشق وأنقرة، الذي تستضيفه موسكو، وهو الحوار الذي اكتسب زخماً بعد اجتماع ثلاثي لوزراء دفاع تركيا وروسيا ونظام الأسد في موسكو، في 28 ديسمبر/كانون الأول 2022.
وكشف مصدر سوري مقرّب من السلطات في دمشق، لـ"عربي بوست"، تفاصيل متعلقة بالحوار التركي مع نظام الأسد، مؤكداً إطلاق "المرحلة الثانية" ابتداء من غدٍ الخميس 16 مارس/آذار 2023، بمشاركة إيران.
المرحلة الثانية من الحوار ستكون على مستوى نواب وزراء الخارجية
وأكد المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن المرحلة الثانية من الحوار، ستكون على مستوى نواب وزراء الخارجية، وليس وزراء الخارجية مباشرة، ليمثل عن النظام السوري نائب وزير الخارجية، بشار الجعفري، وعن تركيا نظيره المعيّن حديثاً، بوراك أكجابار، بدعوة موجهة من المبعوث الروسي للشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف.
وأشار إلى أن زيارة الأسد تهدف للتنسيق مع الجانب الروسي المستضيف للمحادثات بما يتعلق بالحوار مع أنقرة، ولتأكيد جدية دمشق في المشاركة فيه، بعد خشية تركية من مماطلة الأسد في تحقيقها إلى ما بعد الانتخابات في تركيا.
تركيا تعود لسياسة تصفير المشاكل
ثمة توجه تركي للمصالحة الإقليمية أخذ في التبلور منذ صيف 2020، ونجح بصورة كلية أو جزئية في استعادة العلاقات الطبيعية مع كل من الإمارات، والسعودية، وإسرائيل، وأرمينيا، ومصر. ولكن التطبيع التركي-السوري هو بالتأكيد متغير أكبر وأكثر تعقيداً بكثير من أي من المصالحات الأخرى، ليس فقط لتعدد الأطراف المنخرطة في غمار الأزمة السورية والدور الذي تلعبه تركيا في هذه الأزمة، ولكن أيضاً للتعقيد البالغ الذي أحاط بهذه الأزمة طوال العقد الماضي. لذلك فإذا أحرز مسار التطبيع التركي-السوري تقدماً فعليّاً خلال الشهور القليلة المقبلة، فستكون هذه خطوة البداية نحو انفراج الأزمة السورية ونهاية النزاع الأهلي، والعداء الأيدولوجي بين نظام الأسد وحكومة أردوغان.
ولكن رغم ذلك كان واضحاً أن تركيا بتشجيع روسي ماضية قدماً، في التطبيع مع نظام الأسد، في ظل حساسية ملفي اللاجئين والأكراد بالنسبة لحكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، دون إضعاف المعارضة السورية أو تعريض اللاجئين السوريين لديها للخطر.
وظهر ذلك خلال إعلان أردوغان العام الماضي عن إنشاء آلية ثلاثية تجمع تركيا وروسيا وسوريا، من أجل التوصل إلى حل للأزمة السورية، من خلال إعادة اللاجئين السوريين ومحاربة التنظيمات الإرهابية.
كما كان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد عبَّر علناً، في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2022، عن رغبة بلاده في تطبيع العلاقات مع سورية، دون أن يستبعد لقاء على مستوى القمة في المستقبل.
وقرار الحكومة التركية التوجه بصراحة إلى التعاون مع نظام الأسد، لا يمثل تغييراً كاملاً في السياسة التركية. فهو مجرد رفع لمستوى السياسة القائمة منذ سنوات.
في الواقع، تغيرت سياسة تركيا تجاه سوريا بشكل حاسم في منتصف عام 2016، عندما تخلى الرئيس أردوغان عن هدف إطاحة الأسد، وأعطى الأولوية لمكافحة الإرهاب وأمن الحدود بدلاً من ذلك، ولم تخفِ تركيا تغيير سياستها.
اجتماع وزراء دفاع روسيا وتركيا ونظام الأسد توصل للقواعد الأساسية للاتفاق المحتمل
تظل المرحلة الأبرز لهذه الجهود، متمثلة بأول لقاء ثنائي رفيع المستوى بين أنقرة ودمشق منذ بداية الحرب في سوريا 2011، وكان بين وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، ورئيس الاستخبارات، حقان فيدان، من جهة، ووزير دفاع النظام السوري، علي محمود عباس، ورئيس الاستخبارات، حسام لوقا، من جهة أخرى.
وجرى اللقاء حينها في موسكو، في 28 ديسمبر/كانون الأول 2022.
وتفيد المصادر التركية بأن هذا الاجتماع كان قد توصل بالفعل إلى عدد من الإجراءات الملموسة، مثل توافق أطراف الاجتماع على تشكيل لجنة ثلاثية للعمل على تطوير آلية لتسهيل عودة آمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم، وبحث سبل التعامل مع ملف قوات سورية الديمقراطية (التي تشمل وحدات حماية الشعب الكردية)، وعودة حركة النقل التجاري التركي عبر سورية.
لماذا تشكل الانتخابات التركية دافعاً للإسراع في التطبيع بين تركيا ونظام الأسد؟
الشيء الذي تغير مؤخراً وأكسب الحوار زخماً، هو الانتخابات التركية الوشيكة.
وأظهرت استطلاعات الرأي أن الضغوط المتصورة، التي يفرضها وجود اللاجئين السوريين على الشعب والاقتصاد التركيين، تأتي على رأس القضايا المؤثرة على نتيجة الانتخابات التركية.
وتحاول المعارضة التركية استغلال هذه الورقة عبر التحريض الفج ضد السوريين بشكل عنصري أحياناً، وتقدم نفسها قادرة على حل الأزمة عبر علاقتها بنظام الأسد وإعادة اللاجئين، رغم أن هذا غير واقعي؛ لأن الأسد لا يريد إعادة اللاجئين الذين أغلبهم من المعارضين ومن العرب السنّة الذين كانوا يمثلون أغلبية في سوريا قبل الحرب، ويعتقد أنهم باتوا أقل من 50% من السكان على الأقل في مناطق سيطرة النظام بعد عمليات طردهم والإبادة الواسعة بحقهم.
ما هو موقف إيران من المبادرة التركية الروسية؟
على الرغم من أن طهران منخرطة منذ سنوات مع موسكو وأنقرة في منصة أستانا المُصممة لإدارة مصالح البلدان الثلاثة في سوريا، فإنها لم تحظَ بدور مباشر في رعاية مسار الحوار التركي السوري كما روسيا.
كما تخشى أن تؤدي الشراكة المتنامية بين روسيا وتركيا إلى تهميش دورها في سوريا. علاوة على ذلك، تطمح إيران إلى أن تملأ الفراغ الذي يتركه انشغال روسيا في حربها مع أوكرانيا في الساحة السورية.
ورغم أن طهران ترى نفسها مؤهلة لتعويض التراجع الروسي في سوريا، فإن رغبة موسكو في الحفاظ على النفوذ التركي الإيراني يقلص فرص طهران لشغل دور أكبر.
وفي حين أن روسيا تتجنب علناً إثارة مطلب الانسحاب التركي من سوريا بشكل متكرر، فإن إيران لم تتردد في طرحه. كما أنها ستنظر إلى أي مصالحة بين أنقرة ودمشق من دون أن تحقق انسحاباً تركياً من سوريا على أنه سيكرس الحضور التركي بدلاً من تقليصه.
ولكن على الجانب الآخر، فإن هناك مصلحة إيرانية أوسع نطاقاً من الخلاف حول سوريا في التطبيع بين تركيا ونظام الأسد.
فرغم أن تركيا في عهد أردوغان، كانت منافساً قوياً لطهران، خاصة في سوريا، حيث خاض حلفاء البلدين معارك مباشرة لسنوات بدعم صريح من كل طرف لحلفائه.
ولكن الحوار والتنسيق بين البلدين لم يتوقف يوماً، تماماً مثل التجارة والتبادل الاقتصادي.
وفي نهاية كثير من المعارك التي أدت لهزيمة المعارضة السورية، كانت تركيا وإيران تتفاوضان على انسحاب قوات المعارضة وأهاليهم والسكان الموالين لهم، مما حال دون وقوع مذابح ضدهم، وضمن في الوقت ذاته للقوات الموالية لإيران، تقليل الخسائر، وأتاح إعادة تشكيل وجود المعارضة السورية المسلحة في منطقتين بشمال سوريا تحت الحماية التركية.
على الجانب الأوسع في العلاقات بين تركيا وإيران، فإن طهران رغم تنافسها مع أنقرة، تعلم أنها لن تجد محاوراً أفضل من أردوغان في تركيا في ظل الخلفية الأيدولوجية المتقاربة حتى بعد أن ضعفت الأواصر بسبب الحرب السورية والاستقطاب السني الشيعي.
فأردوغان، هو الذي أطلق ورسخ سياسة تركيا في التوجه شرقاً، وجعلها مستقلة القرار عن الغرب وأمريكا، بدلاً من كونها حارس بوابة لأوروبا، وعمل على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع إيران وقاوم لأقصى حد ممكن ضغوط العقوبات الأمريكية على إيران، وتركيا تمثل متنفساً لإيران المحاصرة ونخبتها الثرية، التي تجد فيه إسطنبول (إضافة لدبي)، ملاذاً منفتحاً للسياحة والتجارة والعلاج، بديلاً عن عواصم الغرب المغلقة في وجوههم.
لذا، فإن استمرار نهج أردوغان على العكس بالنسبة لأنقرة، أفضل من المعارضة التركية التي لا تعرف شطراً تولي وجهه ناحيته سوى الغرب.
ولذا قد تكون العرقلة الإيرانية الأولية لجهود التطبيع التركي مع نظام الأسد محاولة لتعزيز دورها في هذا الملف، لتحسين الشروط لصالح الأسد ولتعزيز بصمتها في الشمال السوري ومجمل الملف السوري على حساب روسيا شريكتها ومنافستها في دعم الأسد.
ولذا لم يكن غريباً أن يؤكد المصدر لـ"عربي بوست" مشاركة إيران في المرحلة الثانية من الحوار بين دمشق وأنقرة، موضحاً أن طهران لم تكن مدعوة لحضور الاجتماع الثلاثي بين تركيا وروسيا وسوريا، الذي كان من المزمع عقده في فبراير/شباط الماضي، إلا أن اللقاء لم يتم، وجرى الإعلان عن تأجيله "بسبب الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا".
ولكن الاجتماع الثلاثي جرى تأجيله "بسبب رغبة إيران في المشاركة في العملية"، وأن "طهران ضغطت باتجاه تأجيل المرحلة الثانية من الحوار، لتكون طرفاً فيه، الأمر الذي لقي قبولاً لدى دمشق وأنقرة"، حسبما كشف المصدر لـ"عربي بوست".
شروط الأسد وموقف تركيا منها
الأولوية بالنسبة لدمشق في الحوار مع أنقرة هي خروج ما أسمتها "القوات الأجنبية غير الشرعية من سوريا، وإنهاء أشكال الاحتلال الكاملة"، حسبما قال المصدر لـ"عرب بوست".
فبالنسبة لنظام الأسد الذي نجا من احتمالات السقوط التي كانت يوماً وشيكة قبل التدخل الإيراني الروسي، ليس هناك دوافع ذاتية للتطبيع مع أنقرة في ظل الحماية المتوفرة له من روسيا وميليشيات إيران، وفي ظل العداء الكامن لحكومة أردوغان التي تمثل بتوجهاتها الإسلامية الديمقراطية النقيض الكامل لنظام الأسد القومي العلماني الخطاب الطائفي البنية، حيث تسيطر عليه الأقلية العلوية في البلاد.
ولذا، فإن نظام الأسد كان يصرّ علناً على أن تطبيع العلاقات مع أنقرة شرطه هو الانسحاب التركي الكامل من الشمال السوري، بما يعني ترك مناطق المعارضة السورية الحليفة لأنقرة لقمة سائغة لقوات نظام الأسد والميليشيات الشيعية الحليفة لها تحت غطاء الطيران الروسي.
كما يقول نظام الأسد إنه يريد أن تصنف تركيا جميع الجماعات المسلحة في جميع أنحاء شمال غرب سوريا على أنها منظمات إرهابية، ومعاملة المنطقة الشمالية الغربية على أنها "منطقة إرهابية"، وهو أمر رفضته أنقرة تماماً.
لماذا قد تتجه روسيا للضغط على الأسد؟
ولكن عامل الضغط على الأسد هو سعي روسيا لهذا التطبيع، لما فيه من مصلحة لأردوغان، الذي رغم أن حكومته أثبتت أنها منافس شرس لموسكو في ليبيا وسوريا، والقوقاز، فإنها في الوقت ذاته شريك ومفاوض موثوق في الحرب والاقتصاد.
وازدادت أهمية تركيا بالنسبة لموسكو في ظل أنها تكاد تمثل قناة الوساطة الوحيدة بينها وبين أوكرانيا، وحتى الغرب، وسيطرتها على مداخل البحر الأسود، إضافة لموقفها المتوازن الذي لم ينضم للعقوبات الغربية على موسكو، رغم إدانتها الصارمة للغزو الروسي وتقديمها بعض الدعم العسكري لكييف.
كما أن تركيا، إضافة لكونها شريك اقتصادي ثمين لروسيا في وقت فقدت فيه عملاءها النفط والغاز في الغرب، فهي شريك في برنامج الطاقة النووية التركي، والذي سيكون الأول في العالم بنظام البناء والتشغيل، أي سيبتنى باستثمارات روسية بدأ تحويلها مليارات منها بالفعل.
وإضافة للحاجة الروسية للتطبيع التركي مع نظام الأسد، هناك حاجة إيرانية سبق الإشارة لها لمثل هذا الاتفاق.
وفي ظل اعتماد الأسد الكامل على الحليفين الروسي والإيراني في دعم اقتصاده وجيشه، وحتى اختراقهما لنظام الأسد وسيطرتهما المباشرة على بعض المناطق، فإن الضغط الروسي المتوقع وبصورة أقل من الإيراني قد يكون فاعلاً.
ولكن الأسد على ما يبدو كان يقاوم الضغوط الروسية، في ظل رفض رفض الرئيس التركي الكامل تنفيذ شروط نظام الأسد وأبرزها الانسحاب الكلي من الأراضي السورية وعودة إدلب لسيطرة النظام.
وقد تؤشر زيارة الأسد لموسكو أنه بدأ يتخلى عن هذه الشروط مع غياب التفاصيل بعد.
أنقرة تؤكد أنها لن تنسحب من شمال سوريا إلا بعد تطبيق قرار مجلس الأمن 2254
كانت أنقرة صريحة في أن انسحابها من سوريا مرهون بتحقيق تسوية نهاية للصراع السوري على أساس قرار مجلس الأمن الدولي 2254.
وعقب اجتماع وزراء دفاع الدول الثلاث في موسكو في 28 ديسمبر/كانون الأول 2022، أكد وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار أن الجانب التركي أشار خلال الاجتماع إلى ضرورة المضي نحو حل الأزمة السورية على أساس قرار مجلس الأمن 2245، الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2015.
والمعروف أن هذا القرار وضع خارطة طريق لاتفاق أطراف النزاع السوري الداخلي على إقامة حكم ذي مصداقية، غير طائفي أو فئوي، وعلى دستور سوري جديد. ولكن، وبعد مضي 7 سنوات على صدور القرار الأممي، وإشراف الأمم المتحدة على سلسلة لقاءات بين الأطراف السورية، ليس ثمة تقدم يُذكر، سواء فيما يتعلق بإعادة بناء الدولة السورية، أو وضع دستور سوري جديد محلَّ توافق بين النظام والمعارضة.
رسالة تركية للمعارضة السورية
وفي ظل مخاوف المعارضة التركية أكد أكار، بعد يومين على اجتماع موسكو، على أن مسار الاتصالات بين تركيا وسورية لن يكون له أثر سلبي على الشعب السوري وعلى قوى المعارضة السورية في تركيا، كما عقد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو مع قيادة الائتلاف السوري المعارض.
وقال موقفنا في اجتماع موسكو هو الدفاع عن بلدنا وشعبنا، لقد عبرنا عن تصميمنا لمحاورينا بأنه لا مجال على الإطلاق بالنسبة لنا أن نفعل شيئاً ضد إخواننا السوريين، سواء في تركيا أو في سوريا.
ويبدو أن مقاربة تركيا للمسألة تحظى جزئياً بتفهم موسكو التي تولي أهمية لاستمالة تركيا ودفعها إلى الانخراط بشكل أكبر في جهودها لتسوية الصراع وفق معاييرها، والضغط على الولايات المتحدة لسحب قواتها من سوريا، وإظهار قدرتها على التحرك بفعالية ضد المصالح الأمريكية في سوريا والشرق الأوسط من خلال جذب حلفاء واشنطن للتعاون معها كتركيا والإمارات.
خيارات تركيا البديلة
وعلى الرغم من أن تركيا راغبة في إتمام المصالحة مع الأسد لاعتبارات مرتبطة بالعامل الانتخابي الداخلي والحاجة إلى التعاون مع دمشق ضد الوحدات الكردية، وللمساعدة في إعادة اللاجئين السوريين، فإنها غير مستعدة لتقديم تنازلات جوهرية على الفور أو في المستقبل المنظور.
وسبق أن ألمحت تركيا إلى أن لديها خيارات أخرى مع نظام الأسد بما فيها العمل العسكري، وسبق أن شن الجيش التركي عملية عسكرية واسعة في إدلب ضد جيش النظام السوري بعد قصف مركز أدى لمقتل عشرات الجنود الأتراك وإطلاق نظام الأسد بدعم غير علني من موسكو عملية عسكرية واسعة ضد المعارضة.
واعتمدت العملية العسكرية التركية آنذاك، على المدفعية وقذائف الدبابات المسيرة في ظل سيطرة موسكو على أجواء إدلب، وأدت المعركة لخسائر كبيرة في جيش النظام السوري، كادت تدمره حسب تقارير إعلامية غربية، وكانت أول معركة يفرض فيها جيش الهيمنة الجوية بواسطة المسيرات، مما اضطر موسكو للاتفاق مع أنقرة على وقف لإطلاق النار.
ماذا ستستفيد أنقرة، وكيف ستكون العلاقة بين المعارضة السورية والأسد؟
التقارب السياسي التركي مع سوريا قد يفيد أردوغان كذلك في تحجيم نفوذ الأكراد في شمال سوريا، من خلال توحيد الجهود مع الأسد، الذي هو على خلاف أيضاً مع الأكراد، ولكنه مال للتعاون معهم ضد المعارضة السورية.
وعليه قد يتم التضييق على الأكراد، إما بتنسيق الجهود العسكرية بين أنقرة ودمشق، أو تنفيذ ضربات عسكرية ضدهم، بما قد يدفعهم إلى الرضوخ لما يطلبه أردوغان والأسد، حيث يتفق كلاهما على تحجيم مظاهر الانفصال في الإدارة الذاتية الكردية، بينما تريد أنقرة تحديداً ابتعاد المقاتلين الأكراد من حدودها، ووقف تسلل مقاتلي حزب العمال الكردستاني لأراضيها.
هل سيعود اللاجئون السوريون لمناطق الأسد؟
بالنسبة للاجئين، فإن الانتخابات التركية الوشيكة، تعني أن موسكو وطهران وأنقرة تشترك الآن في مصلحة مؤقتة في تغيير نبرة الخطاب العام، حتى لو لم يحدث تغير جوهري في ملف اللاجئين.
ففي حال جرى الكشف عن تقارب تركي كامل مع دمشق، فسوف يستغرق الأمر وقتاً أطول بكثير من بضعة أشهر قبل أن يتحقق ذلك، لأن العقبات التي تحول دون التوصل إلى اتفاق شامل مرهقة للغاية، حسب تقرير لصحيفة الشرق الأوسط السعودية.
كما أن التوصل لاتفاق بين تركيا والأسد لن يعني عودة كبيرة للاجئين أو بها شبهة عودة قسرية، حيث تقول الشرق الأوسط إن المرء يواجه الواقع الذي لا مفر منه، وهو أن 3.5 مليون سوري في تركيا فروا من سوريا خوفاً من النظام، وفكرة أن المصالحة التركية السورية ستخلق ظروفاً يعود فيها السوريون إلى سوريا في ظل نظام الأسد الذي أعيد تمكينه بالكامل، مستبعدة.
كما أن نظام الأسد لا يريد عودة اللاجئين السوريين من تركيا أو غيرها كما سبقت الإشارة بعد أن جعل التطهير الطائفي تركيبة البلاد الديموغرافية مواتية له.
ولكن الاتفاق مع نظام الأسد يمنح أردوغان ورقة أمام المعارضة في الانتخابات.
وحتى بعد الانتخابات ومضي الاتفاق المحتمل قدماً، لا يعني هذا بالضرورة أن المصالحة التركية-السورية ستُفضي إلى تطبيق فعال لقرار مجلس الأمن 2245، وموافقة نظام الأسد على بناء نظام سياسي جامع، يضم القطاع الأكبر من قوى المعارضة، وعلى وضع دستور توافقي جديد. إن امتناع النظام طوال السنوات الماضية عن التعامل بجدية مع القرار 2245، وتحول إجراءات القمع والإبادة إلى سياسة روتينية في تعامل النظام مع الشعب السوري، وطغيان الطابع الطائفي على بنية النظام، لا يوحي بأن المجموعة الحاكمة في دمشق على استعداد لإطلاق برنامج إصلاح حقيقي للدولة ونظام الحكم.
بدون ضغوط روسية جدية وأوسع نطاقاً، وموافقة إيرانية، لن تستطيع تركيا دفع النظام السوري إلى تبني برنامج إصلاحي حقيقي، في الوقت الذي تسعى فيه إلى تحقيق أهداف أخرى تتعلق بأمن تركيا القومي ومصالحها المباشرة في الجوار السوري.
ولكن يبدو أن ما يمكن أن تحصل عليه تركيا، هو توفير عملية حماية أفضل للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة الحليفة لها في شمال سوريا، بما يسمح بتأمين الحدود التركية، والسماح بعودة مزيد من اللاجئين السوريين لها بشكل معتدل.
كما أنه يمكن على المدى المتوسط، بدء عملية إعادة بعض اللاجئين السوريين لمناطق النظام ضمن مصالحة، ولو جزئية تضمن الأمان لهم، وعدم مساس نظام الأسد بهم.
وإضافة لتحريك ملف اللاجئين، فإن تركيا تحصل على مزيد من التعاون من قبل روسيا ونظام الأسد، للتعامل مع حزب العمال الكردستاني والإدارة الذاتية الكردية التي تقول أنقرة إنها منبثقة من الحزب (وهو ما تؤكد مراكز أبحاث غربية رغم نفي عواصم القرار الغربي لذلك).
يمكن القول إن التطبيع التركي مع الأسد، قد يؤدي لتحول العلاقة بين مناطق المعارضة الحليفة لها وبين نظام الأسد لحالة تشبه العلاقة بين النظام ومناطق الأكراد، حيث تسود علاقة هي خليط من التنافس والتعاون، بينما قد تتردى قليلاً علاقة الأسد بالأكراد.
لقد قبل نظام الأسد بشكل غير رسمي بواقع الحكم الذاتي واسع النطاق للأكراد في منطقة شمال شرق سوريا، ذات الأغلبية العربية السنية، والتي باتت دويلة تحت الحماية الأمريكية تعد هي الأغنى في سوريا.
وجزء من هذا القبول أنه نظام الأسد لا يقلق من الأكراد لأن طموحاتهم تتعلق بمناطقهم والمناطق الملاصقة لها، ومشروعهم الأبعد هو فصلها عن سوريا وليس الإطاحة بالنظام كما أن الأكراد من وجهة نظر مقاربة النظام جزء من الأقليات السورية في مواجهة الأغلبية العربية السنية التي تمثلها بشكل أو باخر المعارضة السورية التي كانت تطمح إلى حقها الطبيعي في حكم البلاد، في ظل نظام طبيعي تحكم فيه الأغلبية مع الحفاظ على حقوق الأقلية.
وهذا يجعل التطبيع مع تركيا وتخفيف التوتر مع مناطق المعارضة الحليفة لها، مسألة أصعب على نظام الأسد ذي البنية الطائفية الأقلوية، ولذا فإن الأمر متوقف على قدرة ورغبة موسكو وطهران (التي تنظر بدورها بمنظور طائفي مشابه للموضوع)، وحاجتهما لتركيا، ومعرفتهما بخياراتها الخشنة البديلة التي يمكن أن تلجأ إليها بعد الانتخابات، وهي خيارات باتت أنقرة أكثر قدرة عليها في ظل الانشغال الروسي بحرب أوكرانيا.