وسط احتدام المعارك شرقي أوكرانيا، أفادت وكالة الأنباء الفرنسية بأن ذخيرة تحتوي على مادة الفوسفور الأبيض، أطلقتها روسيا الثلاثاء 14 مارس/آذار 2023، على منطقة غير مأهولة في مدينة تشاسيف يار شرق أوكرانيا، فيما أمر وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بمضاعفة إنتاج الذخائر والأسلحة عالية الدقة، وفق ما أعلنت وزارة الدفاع.
ونحو الساعة 16,45 مساءً (14,45 بتوقيت غرينتش) أُطلق مقذوفان بفارق 5 دقائق على طريق في الضواحي الجنوبية لتشاسيف يار، يربط المدينة بباخموت المجاورة التي تشهد أعنف معارك الهجوم الروسي على أوكرانيا وأطولها أمداً.
وجاء بعد صوت إطلاق المقذوفين دويّ انفجار ذخائر أطلقت كرات صغيرة وحارقة تحتوي على الفوسفور الأبيض سقطت ببطء على الأرض وتسببت الكرات بحرائق في المساحات المزروعة على جانبي الطريق في مساحة تعادل حجم ملعب كرة قدم.
وتعذر على الوكالة الفرنسية تأكيد ما إذا كان الموقع المستهدف مركزاً للقوات الأوكرانية، لكن شاحنة خضراء تحمل شعار صليب أبيض يرمز للجيش الأوكراني كانت مركونة على مقربة من المنطقة المحترقة وأقرب المنازل إلى أطراف المنطقة تبعد 200 متر.
والذخائر التي تحتوي الفوسفور هي أسلحة حارقة يحظر استعمالها ضد مدنيين، إنما يمكن استخدامها ضد أهداف عسكرية بموجب اتفاقية جنيف المبرمة في عام 1980.
بدوره قال وزير الدفاع الروسي شويغو في بيان له: "إن الوزير شويغو عقد اجتماع عمل، مع إدارة شركة أسلحة الصواريخ التكتيكية والسلطات العسكرية ذات الصلة في إحدى مؤسسات الشركة في العاصمة موسكو". وأشار شويغو إلى أن شركة الصواريخ التكتيكية تفي بشكل كافٍ بأمر الدفاع الحكومي حتى مع الأخذ في الاعتبار زيادة الإنتاج هذا العام.
معارك محتدمة في شرق أوكرانيا
بالتزامن قال جنود أوكرانيون إن القوات الروسية تتقدم في موجات على طول خط المواجهة في شرق أوكرانيا، فيما أعاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التأكيد على أن الحرب معركة بقاء بالنسبة لروسيا.
وفي منطقة دونباس الشرقية، تخوض روسيا وأوكرانيا أكثر معارك المشاة دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك بعدما شنت موسكو في الشتاء هجوماً بمئات الآلاف من جنود الاحتياط، الذين تم استدعاؤهم مؤخراً، والمرتزقة.
ويصف بوتين الحرب المستمرة منذ عام بأنها رد فعل على ما يصفه بعدوانية الغرب الذي يقول إنه يعتزم التوسع في مناطق كانت واقعة تاريخياً تحت الحكم الروسي.
وخلال زيارة لمصنع طائرات في بورياتيا، على بعد حوالي 4400 كيلومتر شرقي موسكو، قال بوتين: "هذه ليست مهمة جيوسياسية بالنسبة لنا، لكنها مهمة من أجل بقاء الدولة الروسية، وتهيئة الظروف للتنمية المستقبلية للدولة ولأطفالنا".
فيما يتهم بوتين الغرب باستخدام أوكرانيا كأداة لإلحاق "هزيمة استراتيجية" بروسيا وتقول كييف وحلفاؤها الغربيون إن موسكو تشن حرباً غير مبررة دمرت مدناً أوكرانية وأودت بحياة الآلاف وأجبرت الملايين على الفرار من ديارهم.
الوضع صعب شرق أوكرانيا
وقال الرئيس فولوديمير زيلينسكي في خطاب مصور الليلة الماضية إن "مستقبل أوكرانيا يتقرر" في المعارك في الشرق بما في ذلك باخموت، حيث يقول قادة أوكرانيون إنهم يقتلون ما يكفي من المهاجمين الروس لتبرير البقاء والقتال من أجل مدينة مدمرة شبه محاصرة.
وذكر زيلينسكي أن "الوضع صعب جداً في الشرق، مؤلم جداً.. علينا تدمير قوة العدو العسكرية. وسندمرها". واتفق زيلينسكي مع قادته العسكريين على الاستمرار في الدفاع عن باخموت رغم مخاوف بعض المحللين العسكريين من أن الخسائر التي تكبدتها أوكرانيا قد تقوض قدرتها على شن هجوم مضاد مخطط له عندما يتحسن الطقس.
وإلى الشمال على خط المواجهة بالقرب من كريمينا، قال أولكسندر (50 عاماً)، قائد وحدة في الكتيبة الأوكرانية رقم 110، إن الهجمات الروسية ما زالت مستمرة بلا هوادة، رغم أن الروس لم يعلنوا السيطرة إلا على القليل من الأرض هناك ويحاولون العودة نحو ليمان، وهي مركز عبور رئيسي استعادت أوكرانيا السيطرة عليه العام الماضي.
وذكر الكرملين أن أهداف روسيا في أوكرانيا لا يمكن تحقيقها في الوقت الراهن إلا بالقوة العسكرية، وأن كييف بحاجة إلى تقبل "الحقائق الجديدة" على الأرض قبل أن يتسنى التوصل إلى تسوية سلمية.
ونقلت وكالات أنباء رسمية روسية عن المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، قوله: "يجب علينا تحقيق أهدافنا. لا يتسنى تحقيق هذا في الوقت الراهن إلا بالوسائل العسكرية نظراً للموقف الحالي للنظام الحاكم في كييف".
وقال دنيس بوشلين، المسؤول عن المناطق التي تسيطر عليها روسيا في منطقة دونيتسك الأوكرانية، إن المعارك تدور على "كل شبر" من باخموت.
ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن بوشلين قوله: "نرى أن النظام الأوكراني لا يأخذ في الحسبان إطلاقاً الخسائر العديدة في (بلدة) سوليدار (الأوكرانية) وفي اتجاه باخموت. في الواقع، إنه يُنهك جنوده بأوامره".
هجوم مضاعف
ويقول مسؤولون أوكرانيون إنهم يستعدون لشن هجوم مضاد في وقت لاحق من العام الجاري بمجرد أن يجف الوحل على الأرض وتصل مئات الدبابات والعربات المدرعة من الغرب.
لكن نتائج تلك الحملات قد تعتمد على الجانب الذي سيخرج أقوى بعد الهجوم الروسي في الشتاء الذي وصف الجانبان القتال فيه بأنه "مفرمة لحم" وقد كبدهما خسائر فادحة.
وقالت وزارة الدفاع البريطانية إن الذخيرة تنفد لدى موسكو "لدرجة أن هناك ترشيداً شديداً في استخدام القذائف في مناطق كثيرة من الجبهة". وذكرت في تحديث استخباراتي يومي: "كان هذا بالتأكيد سبباً رئيسياً لعدم تمكن أي تشكيل روسي مؤخراً من القيام بعمل هجومي كبير من الناحية العملياتية".
كما تواجه أوكرانيا نقصاً في الذخيرة وعدد سكانها أقل، ويقول بعض الخبراء العسكريين إن باخموت أرض غير مواتية لكييف كي تخوض قتالاً عليها ضد القوات الروسية التي تقدمت بما يكفي حول المدينة لضرب خطوط الإمداد الأوكرانية في العمق.
وقال المحلل العسكري الأوكراني أوليه زدانوف عن معركة باخموت: "يمكن أن نفقد هنا كل شيء أردنا استخدامه في تلك الهجمات المضادة". وأفاد الجانبان بسقوط ضحايا جدد من المدنيين بالقرب من الجبهة.
وبعيداً عن ساحة المعركة، تعثر المفاوضون في المحادثات الرامية إلى تمديد اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، الذي توسطت فيه الأمم المتحدة وتركيا، لمنع تعرض العالم لمجاعة من خلال تأمين الصادرات وقت الحرب من أوكرانيا وروسيا، وكلاهما من أكبر موردي الغذاء في العالم.
وينتهي العمل بالاتفاق هذا الأسبوع، وقالت روسيا إنها وافقت على السماح بتمديده 60 يوماً، فيما وصفه الكرملين بأنها بادرة "حسن نية"، لكنها ستمنع أي تمديد آخر ما لم تحصل على مزيد من الضمانات من الغرب لتصدير الأسمدة والمحاصيل الخاصة بها.
ورفضت كييف التمديد لمدة 60 يوماً قائلة إن الاتفاق لا يسمح إلا بالتمديد لمدة 120 يوماً. وتقول إن مدة أقل من ذلك لن تكفي لتنظيم شحنات الحبوب الجديدة.