في العصور الوسطى، كان الملوك الأوروبيون ينتقلون من قصر إلى آخر بعد أن تتسرب الروائح الكريهة في قصورهم بسبب عدم وجود نظام صرف صحي فيها، وفي حين كان يعاني الملوك من مشكلة كهذه، تستطيعون تخيل مدى معاناة عامة الناس أيضاً، لذلك، وعلى الرغم من أن وجود "المرحاض" يعتبر بديهياً في كل منزل في يومنا الحالي، إلا أن الأمر لم يكن كذلك دائماً.
من اخترع المرحاض؟
إذا أمهلت نفسك بعض الوقت للتفكير في مرحاض الدفق (المرحاض المزود بنظام شطف)، فستدرك أنه جهاز عظيم. فهذا الكرسي العملاق المصنوع من البورسلين والمركَّب في الحمامات الحديثة يستخدم لترات من مياه الشرب الثمينة كل يوم للتخلص من الفضلات البشرية.
لكن هل تساءلت يوماً عمن اخترع المرحاض؟
في الواقع حصل على على براءة هذا الاختراع للمرة الأولى صانع الساعات الاسكتلندي ألكسندر كومينغ في عام 1775. لكن المرحاض الذي اخترعه كومينغ يختلف عن ذاك الذي نستخدمه في القرن الحادي والعشرين، وفقاً لما ورد في موقع HowStuffWorks الأمريكي.
كان مرحاض كومينغ نسخة معدلة قليلاً من "خزان المياه" الذي صممه ابن الملكة إليزابيث الأولى بالمعمودية السير جون هارينغتون لها في عام 1592، وقد زاد كومينغ في تصميمه أنبوباً على شكل حرف "S" لصرف الروائح الكريهة ومنعها من الارتداد.
وبالطبع لم تأتِ مراحيض التنظيف الذاتي والمقاعد المدفأة ومراحيض التفريغ في الطائرات والحافلات السياحية إلا في وقت لاحق.
تاريخ المرحاض
تشير السجلات القديمة إلى أن أول معرفة بالمرحاض ربما كانت قبل 3 آلاف عام من الميلاد، في مستوطنة باسكتلندا تعود إلى العصر الحجري الحديث، أو قبل 1700 عام من الميلاد في قصر كنوسوس باليونان، حيث يضم القصر أحواضاً خزفية كبيرة موصَّلة بمصدرٍ للمياه الجارية. وقد عُثر على أنظمة صرف صحي متقدمة في وادي الإندوس (السند) بشمال غرب الهند يعود تاريخ إنشائها إلى نحو 4 آلاف عام مضت.
لم يكن الذهاب إلى الحمام شيئاً يتحرَّج منه الناس في الماضي. وكانت أمور التبرز والتبول وسائل للاسترخاء والتسكع. فكان الرومان القدماء يطيلون الجلوس على المرحاض لتبادل الحديث مع أصدقائهم. وفي عام 315 من الميلاد، كانت روما تحتوي على 144 مرحاضاً عاماً يكتظ بالناس، وتصطف على جانبيها مقاعد حجرية بها فتحات على شكل ثقب المفتاح، كان الناس يتجاورون الجلوس عليها ويقضون حاجاتهم، ويناقشون تجارتهم، وربما يتبادلون بعض النميمة والقيل والقال. ثم يمسحون موضع القذارة بإسفنجة مربوطة بمقبض خشبي.
في العصور الوسطى، كان الوضع كارثياً، فقد اعتاد الناس على إلقاء فضلاتهم من النوافذ بينما استخدم الأغنياء "كنائف" كانوا يقيمونها إلى جانب قصورهم وقلاعهم، بها فتحة في الأرضية تنفذ منها الفضلات إلى خندق أو حفرة صخرية. وكان يُحتفظ بالملابس أيضاً في هذه الخزانة لأن الناس كانوا يرون أن رائحة الفضلات تُبعد البراغيث والعثائث عن الملابس. وصُرفت الفضلات في لندن مباشرة إلى نهر التايمز، لكن تلك الخطوة كانت بالغة الضرر على الصحة العامة.
زاد عدد سكان أوروبا في القرن التاسع عشر، وازداد معه تشارك الناس في الكنائف، حتى بلغ الأمر أن كان كل مئة شخص يتشاركون في كنيف عامٍ واحد، ولما كانت الفضلات تُجرف مباشرة إلى الأنهار، فقد تفاقم تلوث مياه الشرب، وتفشت على إثر ذلك أمراض عديدة، مثل الكوليرا والتيفويد وغيرهما.
وانتشرت الأمراض المنقولة عبر المياه بين الأوروبيين في القرن التاسع عشر، حتى مات نصف العوام، أو ما يزيد على ذلك، قبل سن الخامسة.
بدايات تحسن نظم الصرف الصحي
كان صيف عام 1858 صيفاً قائظاً على لندن، واشتد حرُّه بفعل الرائحة المنبعثة عن مياه الصرف الصحي المتعفنة، حتى صار العيش في المدينة أمراً لا يطاق، فأمر البرلمان ببناء شبكة الصرف الصحي في لندن، واكتمل إنشاؤها في عام 1865. بعد ذلك، انخفضت الوفيات الناجمة عن الأمراض المنقولة عن طريق المياه، وحذت مدن مختلفة في جميع أنحاء العالم حذو لندن، وأنشأت مجاريها للصرف الصحي. وأصدرت الحكومة البريطانية في عام 1848 مرسوماً يقضي بإنشاء مرحاض لكل منزل، وبحلول نهاية خمسينيات القرن التاسع عشر، كانت معظم منازل الطبقة المتوسطة في المدن البريطانية تحتوي على مراحيض.
كان توماس كرابر يدير شركة سباكة في أواخر القرن التاسع عشر، وعلى خلاف الاعتقاد السائد فإنه لم يخترع مرحاض الدفق، وإنما أجرى بعض التعديلات على تصميم المرحاض الذي حصل هارينغتون على براءة اختراعه.
وتذكر مجلة Smithsonian أن أعظم تعديل أجراه كرابر كان إنشاء معرض لتجهيزات الحمامات في وقت نادراً ما عُرضت فيه المراحيض للناس على هذا النحو.
حرص كرابر على أن يكون اسمه ظاهراً على جميع منتجاته، التي حققت بعد ذلك مبيعات غير مسبوقة وانتشرت في منازل البلدان الغنية في جميع أنحاء العالم. وحصل كذلك على براءة اختراع صمام العوامة في خزان المياه بالمرحاض، ومصيدة السباكة (كوع الرائحة) U-bend، التي تعد نسخة معدلة عن الأنبوب الذي قدمه كومينغ في تصميمه.
تزايد انتشار مراحيض الدفق الحديثة في البلدان المتقدمة مطلع القرن العشرين، وصارت مزودة بصمامات وخزانات قابلة للغسل فوق المراحيض. ثم ظهرت مناديل المرحاض على أرفف المتاجر خلال عام 1902.