لا يزال يختا الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في جنوب بلاد، وبعد عشرين عاماً على سقوط نظامه، شاهدَين بارزين على البذخ وجنون العظمة لدى الرئيس الأسبق، إذ يطفو أحدهما صدئاً وسط النهر، فيما بات الثاني مفتوحاً أمام الزوار، ويتميزان بمستوى عالٍ من الرفاهية المُكلفة.
في مدينة البصرة، أقصى جنوب العراق، تفصل مسافة حوالي 500 متر فقط بين "المنصور"، وهو يخت صدام الذي أصابته غارات شنتها طائرات أمريكية في العام 2003، ويخت "نسيم البصرة" الذي وُضع بتصرّف مركز دراسات بحرية، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية.
يرسو يخت "نسيم البصرة" الذي لم يتسنَّ لصدام الإبحار به أبداً، على أحد أرصفة شط العرب، ملتقى نهري دجلة والفرات. وبات هذا اليخت مفتوحاً أمام الزوار منذ يناير/كانون الثاني 2023، وذلك لثلاثة أيام في الأسبوع.
سجاد كاظم، الأستاذ في مركز علوم البحار في جامعة البصرة، قال في تصريح أوردته الوكالة الفرنسية، إن "كل من زار اليخت الرئاسي ذُهل من مدى بذخ النظام السابق".
لكن الزمن توقف على متن هذا المركب، وتوجد في غرفة صغيرة أجهزة هواتف قديمة لا تزال ماثلة على طاولة مكتب كبيرة، وفي الجناح الرئاسي سرير ضخم مظلل، ومصابيح أنيقة تحاذي السرير، إضافة إلى كنبات قديمة الطراز ومنضدة كبيرة للزينة، أما الحمامات فمزوّدة بمغاسل من ذهب.
تُشير الوكالة الفرنسية إلى أن هذا الأمر غير مفاجئ، وقالت إن صدام حسين الذي حكم العراق بين 1979 وحتى 2003، كان معروفاً بالبذخ الفاحش.
يتّسع اليخت البالغ طوله 82 متراً، والذي صنع في الدنمارك، وسلّم إلى صدّام في العام 1981، لنحو 30 راكباً ولطاقم من 35 شخصاً.
يضم اليخت 13 غرفةً، وثلاث قاعات للاجتماعات، ومهبطاً للمروحيات، وفيه كذلك ممر سري يقود نحو غواصة، ويسمح بالفرار في حال وقوع خطر، كما دوّن على لوحة معلومات.
يُشير كاظم إلى أنه "في الوقت الذي كان فيه الشعب العراقي يعيش ويلات الحروب بسبب صدام، والحصار الاقتصادي الخانق، كان صدام يمتلك يختاً كهذا".
وخشيةً من عمليات انتقامية خلال الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات، قام صدام حسين الذي لم يستخدم اليخت، بتسليمه للعائلة المالكة في السعودية، قبل أن ينتهي المطاف باليخت في الأردن، كما يذكر كاظم.
ثم في العام 2008، أصبح المركب الذي كان راسياً في نيس، في قلب معركة قضائية، إذ طالبت السلطات العراقية بملكيته بعد عرضه للبيع في مقابل 35 مليون دولار من قبل شركة مركزها في جزر كايمان.
من جانبه، قال الأستاذ الجامعي عباس المالكي، الذي جاء ليزور اليخت: "ما أعجبني هي الأشياء القديمة، مثل الفاكس والهواتف القديمة، أرجعتني بالذاكرة إلى الوراء، إلى ما قبل الإنترنت".
أضاف المالكي: "كنت أتمنى لو أن النظام السابق اهتم بهذه الأمور من أجل خدمة الشعب وليس من أجل خدمة مصالحه الشخصية".
قصف أمريكا لليخت
اليخت الآخر لصدام حسين هو "يخت المنصور"، ولا يزال نصفه غارقاً مع هيكله الصدئ في نهر شط العرب في وسط البصرة.
صنع اليخت البالغ طوله 120 متراً والذي يفوق وزنه 7 آلاف طن، في فنلندا، وسلّم للعراق في العام 1983، كما يرِد على موقع مصممه الدنماركي كنود إي هانسن. وهو يتسع لـ32 راكباً ولطاقم من 65 شخصاً.
كان اليخت راسياً في مياه الخليج، وقبل الغزو الأمريكي نقل صدام حسين اليخت إلى مياه شط العرب "لكي يقوم بحمايته من ضربات الطائرات الأمريكية"، لكن الخطة "فشلت"، كما يشرح المهندس البحري علي محمد الذي يعمل في يخت "نسيم البصرة".
تعرض اليخت في مارس/آذار 2003، إلى قصف من قبل طائرات التحالف الدولي، وفقاً للوكالة الفرنسية.
يقول مدير مفتشية آثار وتراث محافظة البصرة، قحطان العبيد، إن اليخت "قُصف أكثر من مرة على مدى أكثر من يوم واحد (…) تعرض لعدة غارات، أعتقد قصف ثلاث مرات في أوقات مختلفة، لكن لم يغرق".
تظهر صورة التقطتها الوكالة الفرنسية في عام 2003 "يخت المنصور" لا يزال عائماً على المياه، مع احتراق الطوابق العليا منه جراء الغارات الجوية. وفي يونيو/حزيران 2003 بدأ اليخت يميل إلى جهة واحدة.
أشار العبيد إلى أن اليخت بدأ بالانقلاب "بسبب سرقة المضخات الموجودة في غرف المحركات، وأصبحت هناك فتحات تدخل منها المياه، وتسربت المياه إلى غرف المحركات، ما أدى إلى انقلابه".
كانت السلطات قد أطلقت في السنوات الأخيرة حملةً لانتشال حطام القوارب الصغيرة الغارقة في شطّ العرب، لكن التخلص من يخت صدام حسين يشكل تحدّياً كبيراً، ويوضح العبيد ذلك بقوله إن انتشال اليخت مكلف وصعب جداً، مضيفاً: "اليخت كبير ويحتاج إلى أن يقطع إلى أجزاء ثم يرفع".
يُذكر أنه في 30 ديسمبر/كانون الأول 2006، وبالتزامن مع عيد الأضحى، أُعدم صدام حسين الذي حكم العراق بقبضة من حديد شنقاً، وذلك بعد إسقاطه بفعل التدخل الأمريكي بالبلاد، وفي الليلة نفسها أجبرت الحكومة العراقية عائلة صدام، التي تسلمت الجثة، على دفنها سريعاً في قريته "دون تأخير لأي سبب كان"، وفق وثيقة رسمية.