اكتشف العلماء مادةً جديدة فائقة التوصيل قد تؤدي إلى تغيير العالم بأسره، حيث يمكنها أن تعمل عند درجات حرارة وضغط منخفضة بما يكفي، بحيث يمكن استخدامها في المواقف العملية بشكلٍ فعال وتساهم في بناء شبكات كهرباء قادرة على نقل الطاقة بسلاسة وربما تساهم في جهود الاندماج النووي.
ويُمثّل الاكتشاف اختراقاً علمياً يطارده العلماء منذ أكثر من قرن، بهدف صنع مادة يمكنها نقل الكهرباء دون مقاومة، وتمرير المجالات المغناطيسية حول المادة، بحسب صحيفة The Independent البريطانية، الجمعة 10 مارس/آذار 2023.
بناء شبكات كهرباء
وقد يؤدي هذا الاكتشاف إلى بناء شبكات كهرباء قادرة على نقل الطاقة بسلاسة، لتوفر ما يصل إلى 200 مليون ميغاواط/ساعة من الطاقة التي نفقدها بسبب المقاومة حالياً. وربما يساهم هذا الاكتشاف في جهود الاندماج النووي، وهي عملية طال انتظارها، لأنها قد تمدنا بطاقةٍ غير محدودة.
واقترح الباحثون أن التطبيقات الأخرى لهذا الاكتشاف تشمل القطارات الحوامة عالية السرعة، وبعض الأنواع الجديدة من المعدات الطبية.
وسبق أن أعلن فريق يقوده العالم نفسه، رانغا دياز، عن اثنتين من المواد فائقة التوصيل المشابهة ولكنهما كانتا أقل ابتكاراً. وجاء الإعلان في ورقةٍ نشرتها دورية Nature ودورية Physical Review Letters العلميتان. لكن محرري Nature سحبوا الورقة العلمية بعد نشرها، إثر طرح تساؤلات حول النهج المتبع من العلماء.
بينما يقول الأستاذ دياز وفريقه إنهم اتخذوا خطوات إضافية هذه المرة، من أجل تجنُّب الانتقادات المشابهة. حيث سعى العلماء إلى إثبات صحة الورقة البحثية القديمة، وذلك باستخدام بيانات جديدة جمعوها خارج المختبر، وفي وجود فريق علماء يراقب العملية مباشرةً. ثم نفذوا عمليةً مشابهةً مع بحثهم الجديد.
وجاء وصف المادة الجديدة في ورقةٍ بعنوان "دليل الموصلية الفائقة شبه المحيطية في هيدريد اللوتيشيوم المطعم بالنيتروجين"، والتي نشرتها دورية Nature العلمية اليوم 10 مارس/آذار.
"المادة الحمراء"
وأُطلِق على المادة لقب "المادة الحمراء" بعد أن تحول لونها للأحمر، وهو اسم مستوحى من مادةٍ في أفلام Star Trek. وحصلت المادة على الاسم أثناء عملية صنعها، عندما وجد العلماء أنها تتحول إلى "لونٍ أحمر شديد السطوع" خلال العملية.
ونجح الأستاذ دياز وفريقه في صنع المادة باستخدام أحد العناصر الأرضية النادرة، وهو اللوتيشيوم، ثم مزجه بالهيدروجين والقليل من النيتروجين. وتركوها لتتفاعل على مدار يومين أو ثلاثة في درجات حرارةٍ عالية.
وجاءت النتيجة في صورة مركبٍ أزرق اللون، بحسب الورقة البحثية. ثم جرى ضغط المركب بدرجةٍ ضغط عالية للغاية، ليتحول من اللون الأزرق إلى الوردي مع بلوغه درجة الموصلية الفائقة. وعاد المركب إلى اللون الأحمر الزاهي ثانيةً في حالته المعدنية غير فائقة التوصيل بعدها.
ويجب تسخين المادة لدرجة حرارة 20.5 مئوية، وتعريضها لضغط بقدرة 145.000 رطل لكل بوصة مربعة، حتى تعمل بالشكل المطلوب. لكن هذه الأرقام تُعَدُّ أقل حدةً بفارق كبير عند مقارنتها بالمواد الأخرى، ومنها تلك التي أعلن عنها دياز في عام 2000.
المادة الفائقة تمثل عصراً جديداً
فضلاً عن كون المادة عمليةً للغاية، لدرجة أن الباحثين المشاركين يقولون إنها ستمثل عصراً جديداً في الاستخدام العملي للمواد فائقة التوصيل.
وقال دياز في بيانٍ له: "يُمكن القول إن الطريق نحو الإلكترونيات الاستهلاكية، وخطوط نقل الطاقة، ووسائل النقل فائقة التوصيل أصبحت واقعاً اليوم. فضلاً عن التحسينات الكبيرة التي ستطرأ على عمليات الحصر المغناطيسي في مجال الاندماج النووي. نحن مؤمنون بأننا دخلنا عصر الموصلية الفائقة الحديث الآن".
وقد تشمل تلك التطبيقات العملية استخدام المادة لتسريع عملية تطوير "أجهزة التوكاماك"، التي يجري تطويرها حالياً لتحقيق الاندماج النووي.