انتُخب الرئيس الصيني، شي جين بينغ، الجمعة 10 مارس/آذار 2023، لفترة رئاسية ثالثة غير مسبوقة في البلاد، مدتها خمسة أعوام، ليحكم بذلك قبضته على السلطة كأقوى زعيم يحكم البلاد منذ ماو تسي تونغ.
وكالة الأنباء الفرنسية قالت إن البرلمان المؤلف من قرابة ثلاثة آلاف عضو صوّت بالإجماع لصالح الزعيم البالغ 69 عاماً، في انتخابات خلت من أي مرشح آخر. ويأتي فوز شي اليوم بعد تمديد رئاسته للحزب الشيوعي الصيني واللجنة العسكرية، في أكتوبر/تشرين الأول 2022، وهما المنصبان الأهم في سلم السلطة في البلاد.
ورغم أن الاضطرابات الأخيرة أدت إلى اهتزاز صورته بصفته زعيماً مطلقاً، فإنها لم تؤثر في المشهد المنظم للجلسة البرلمانية، التي تعد حدثاً سياسياً سنوياً مهماً.
وحتى ديسمبر/كانون الأول 2022، كانت الصين لا تزال تطبق أكثر السياسات صرامة ضد كوفيد في العالم، ما أثر في النمو الاقتصادي والحياة اليومية لسكانها، إن كان عبر اختبارات "بي سي آر"، اليومية تقريباً، والحجر الصحي طويل الأمد، أو عبر قيود السفر.
فيما ارتبطت سياسة "صفر كوفيد" بصورة جين بينغ نفسه، فعندما اندلعت تظاهرات في نوفمبر/تشرين الثاني في كل أنحاء البلاد، لم يتردد البعض في المطالبة بأن يرحل.
ومباشرة بعد ذلك رُفعت القيود، وهو الأمر الذي أدى إلى تفجر حالات الوفيات، التي تبقى أرقامها الرسمية أقل مما هي عليه في الواقع.
وبينما تبدو البلاد كأنها تخرج ببطء من الوباء، يبدو جين بينغ الذي عيَّن موالين قريبين منه في المناصب الحزبية العليا أقوى من أي وقت مضى.
رئيس "مثالي" للصين
ومؤخراً، وصفته صحيفة الشعب اليومية في سيرة ذاتية نشرتها عنه، بأنه زعيم لا يكل، مشيدة بروح التضحية لديه، ومؤكدة أن "الناس العاديين ينظرون إليه على أنه قريب عزيز".
وتتحول الصين في عهد رئيسها الحالي شي جين بينغ، إلى دولة شديدة المركزية تتبع سياسات حازمة في الداخل وهجومية في الخارج، مسلحة باقتصاد شديد القوة وسلطة شديدة المركزية وإمكانيات تكنولوجية هائلة، بشكل قد يمنحها نفوذاً في الداخل والخارج، لم يعرفه التاريخ من قبل.
عندما تولى شي جين بينغ زمام الأمور أشاد به كثيرون في الغرب، ووصفوه بأنه النسخة الصينية عن آخر زعماء الاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف، وتصور بعضهم أنه سيتبنى إصلاحات جذرية، ويلغي قبضة الدولة المُحكمة على الاقتصاد، ويضفي الطابع الديمقراطي أو شبه الديمقراطي على النظام السياسي، لكن بالطبع تبين أن ذلك لم يكن سوى محض خيال.
وعوضاً عن ذلك عمل شي، وهو تلميذ مخلص لماو تسي تونغ، ومتشوق بالقدر نفسه إلى ترك بصماته في التاريخ، على ترسيخ سلطته المطلقة، ليصبح الزعيم الأقوى في تاريخ البلاد بعد ماو تسي تونغ، بينما يتوسع نفوذ البلاد الاقتصادي والسياسي والعسكري خارجياً بشكل يقلق الغرب والعديد من جيران البلاد الآسيويين.
وبينما كان الغرب يراهن على أن الانفتاح والنمو الاقتصاديين الهائلين للصين، كانا سيؤديان إلى انفتاح سياسي ولو جزئياً، ولكن البلاد تحت حكم الرئيس الصيني الحالي تتجه لتحقيق معادلة لم يكن يتصورها الغرب؛ نظام اقتصادي شديد التطور وشديد الرقمية، ونظام سياسي شديد الصرامة بشكل يفوق حتى أكثر عهود حكم الحزب الشيوعي انغلاقاً، حيث يلعب تقدم الصين الاقتصادي التكنولوجي دوراً كبيراً في تقوية الحكم الاستبدادي.
والأهم أن الصين تتحول من حكم الحزب الشيوعي، كمؤسسةٍ اتخاذ القرار فيها له شكل جماعي، إلى حكم استبدادي فردي، وهو ما ظهر في تعديل الدستور للسماح للرئيس الصيني بالترشح لولاية رئاسية ثالثة، وتوليه قيادة الحزب الشيوعي للمرة الثالثة، خلافاً للأعراف السابقة، مع استبعاد مراكز قوة تقليدية مثل رئيس الوزراء السابق لي كه تشيانغ.
ويمثل المؤتمر الوطني العشرون للحزب الشيوعي الصيني، والذي عُقد في مئوية تأسيس الحزب، في الفترة من 16 إلى 22 أكتوبر/تشرين الأول 2022، نقطة مفصلية في تاريخ البلاد.