رفض رئيس مجلس النواب الأمريكي دعوة زيلينسكي لزيارة أوكرانيا، وأعلن أنه "لا توجد شيكات على بياض" بعد الآن. فكيف يمكن أن يؤثر هذا الموقف على دعم إدارة بايدن لكييف في الحرب ضد روسيا؟
ونقلت شبكة CNN، مساء الأربعاء 8 مارس/آذار، عن كيفين مكارثي قوله إنه لا يعتزم زيارة أوكرانيا، وذلك في رد مباشر على دعوة الرئيس الأوكراني التي كان قد وجهها إلى رئيس مجلس النواب الأمريكي، في سابقة تعد مؤشراً سلبياً تماماً بالنسبة للدعم الغربي غير المسبوق لأوكرانيا.
كان زيلينسكي قد وجه الدعوة إلى مكارثي عبر مقابلة مع الشبكة الأمريكية، بثتها مساء الأربعاء، حيث قال الرئيس الأوكراني: "على السيد مكارثي أن يأتي إلى هنا ليرى كيف نعمل، وما يحدث هنا… ثم بعد ذلك ضع افتراضاتك".
مكارثي أول زعيم غربي يرفض زيارة أوكرانيا
ربما يكون كيفين مكارثي، رئيس مجلس النواب الأمريكي والذي ينتمي إلى الحزب الجمهوري ويعتبر أحد أبرز قيادات الحزب الموالين بشكل مطلق للرئيس السابق دونالد ترامب، هو الزعيم الغربي الوحيد تقريباً الذي يعلن رفضه زيارة أوكرانيا منذ اندلاع الحرب، أو "العملية العسكرية الخاصة" كما تصفها روسيا بينما يصفها الغرب بأنها "غزو عدواني غير مبرر".
فبحسب شبكة CNN، قام تقريباً كل زعيم غربي له وزن سياسي، وكثيرون ليس لهم وزن أيضاً، بزيارة كييف ولقاء زيلينسكي، الذي يصوّره الغرب على أنه "أحد أبطال الديمقراطية".
ورغم ذلك فإن مكارثي، المعروف عنه أنه عاشق للتصوير مع المشاهير، رفض دعوة الرئيس الأوكراني، قائلاً إنه لا توجد لديه أي خطط لزيارة كييف ولقاء زيلينسكي، وكرر رئيس مجلس النواب انتقاداته اللاذعة للرئيس جو بايدن، مؤكداً أنه لن يقدم أبداً "شيكاً على بياض" لحكومة زيلينسكي.
وأضاف مكارثي أنه "لا يحتاج إلى السفر إلى أوكرانيا، وسيحصل على المعلومات بطرق أخرى"، في إشارة إلى رغبة رئيس مجلس النواب وقطاع عريض من المشرعين الجمهوريين في وضع أدوات مراقبة صارمة على الدعم الأمريكي المقدم إلى أوكرانيا، على خلفية الفساد المستشري هناك.
إذ كانت توصف أوكرانيا بأنها واحدة من أكثر دول الكوكب فساداً، لكن مع بداية الهجوم الروسي غاب الحديث عن ذلك الجانب، وتحولت كييف إلى رمز للديمقراطية الغربية، بحسب وصف الناتو والاتحاد الأوروبي، رغم أن قضية الفساد المستشري كانت أحد أبرز العقبات في طريق سعي كييف الانضمام للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
ووصف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أوكرانيا بأنها واحدة من أكثر الدول "فساداً على الإطلاق"، وكان ذلك عام 2020 خلال محاولة الكونغرس عزل ترامب في المرة الأولى، فيما عرف وقتها باسم "فضيحة أوكرانيا". حيث كان ترامب يريد من نظيره الأوكراني زيلينسكي أن يفتح تحقيقاً في معاملات تجارية سابقة لنجل جو بايدن (الرئيس الحالي ومنافس ترامب وقتها)، هانتر بايدن، والتي زعم ترامب بأنها معاملات شابها "الفساد".
خسر ترامب الانتخابات وفاز بايدن واشتعلت أزمة أوكرانيا حتى انفجرت بالفعل، وتحولت إلى حرب لا تزال مستمرة وتهدد العالم بمواجهة نووية بين روسيا والناتو، لكن الفساد في أوكرانيا لم ينته. إذ كانت صحيفة The Times البريطانية قد نشرت تقريراً عنوانه "الفساد يترك قوات الاحتياط الأوكرانية بلا أسلحة أو إمدادات".
هل يؤثر الانقسام الحزبي على دعم أمريكا لأوكرانيا؟
الولايات المتحدة هي الداعم الأكبر لأوكرانيا دون منازع، إذ قدمت واشنطن لكييف مساعدات عسكرية فقط تتخطى قيمتها مليارات الدولارات، وهو ما يزيد عما أنفقه البنتاغون سنوياً خلال السنوات العشر الأولى من الحرب في أفغانستان، بحسب تقديرات البنتاغون.
فالولايات المتحدة على رأس قائمة الدول الداعمة لأوكرانيا بفارق شاسع عن باقي الحلفاء، حيث قدمت إدارة الرئيس جو بايدن أسلحة ومعدات عسكرية بقيمة 22,9 مليار يورو خلال عام 2022 فقط.
وهذه الأرقام لا تشمل أوجه الدعم الأخرى التي قدمتها واشنطن إلى أوكرانيا، من معلومات استخباراتية وتدريب عسكري وغيرهما، كما لا تشمل أيضاً المساعدات الإنسانية المتنوعة، وإجمالاً قدمت واشنطن لإدارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حزم مساعدات قيمتها أكثر من 50 مليار دولار، كما تمت الموافقة على حزمة أخرى بقيمة أكثر من 48 مليار دولار.
وبشكل عام، قدمت الولايات المتحدة جميع أنواع الأسلحة تقريباً كمساعدات عسكرية لأوكرانيا، ومن أبرز الأسلحة الثقيلة راجمات صواريخ هيمارس وأنظمة دفاع جوي ومدافع ومروحيات ومسيَّرات وناقلات جند مدرعة من طراز برادلي وغيرها، إضافة إلى الموافقة مؤخراً على تقديم أنظمة باتريوت للدفاع الجوي الصاروخي.
وبعد الولايات المتحدة، تأتي بريطانيا في المرتبة الثانية في قائمة حلفاء أوكرانيا، حيث قدمت لها خلال عام 2022 مساعدات عسكرية بقيمة 4,1 مليار يورو. ومن أبرز الأسلحة التي قدمتها لندن لكييف راجمات صواريخ من طراز M270، وأسلحة مضادة للدروع، ومئات الصواريخ قصيرة المدى وأنظمة دفاع جوي وناقلات جند مدرعة.
ولولا هذا الدعم العسكري الأمريكي لكانت روسيا قد حسمت الأمور تماماً واستولت على أغلب الأراضي الأوكرانية، لكن بسبب الدعم الأمريكي خصوصاً، والغربي عموماً، تمكنت القوات الأوكرانية من الصمود لمدة عام كامل أمام القوات الروسية الأكثر عدداً وعتاداً بعشرات الأضعاف، بل وتمكنت القوات الأوكرانية من تحقيق بعض الانتصارات الميدانية، مثل إجبار الروس على الانسحاب من خاركيف وخيرسون.
وفي هذا السياق، يثير الموقف الأخير لرئيس مجلس النواب الأمريكي عدداً من التساؤلات بشأن استمرار دعم واشنطن لكييف من عدمه، خصوصاً أن هناك حزمة مساعدات جديدة تنتظر موافقة الكونغرس بالفعل، فهل يمكن أن يرفض مجلس النواب، الذي يتمتع فيه الجمهوريون بالأغلبية، تمرير حزمة المساعدات الجديدة؟ هذا هو السبب الرئيسي الذي دفع زيلينسكي لتوجيه دعوته إلى مكارثي بطبيعة الحال.
ما تداعيات الانقسام الأمريكي على مسار الحرب؟
موقف مكارثي تجسيد لموقف تيار كبير من المشرعين الجمهوريين الذين يعترضون على إرسال المزيد من الدعم العسكري إلى أوكرانيا، في ظل التضخم الذي يعاني منه الاقتصاد الأمريكي بشدة، ويجادل هؤلاء بأن المواطن الأمريكي أولى بتلك الأموال التي يتم إرسالها إلى كييف.
وغني عن القول أن قرار وقف الدعم الأمريكي إلى أوكرانيا لا يحظى بالأغلبية بين المشرعين الأمريكيين، إلا أن هذا الموقف المعلن من جانب رئيس مجلس النواب يعكس تنامي المعارضة لموقف إدارة جو بايدن من الحرب بشكل عام.
وفي هذا السياق، كان الرئيس السابق ترامب قد كرر القول إنه قادر على "إنهاء الحرب في أوكرانيا خلال 24 ساعة"، حيث أعلن، الأحد 5 مارس/آذار، أنه يمكنه وقف الحرب في أوكرانيا خلال يوم واحد إذا ما أعيد انتخابه رئيساً للولايات المتحدة، متوعداً بمحو ما وصفها بـ"الدولة العميقة" في بلاده.
وأمام حشد من مناصريه خلال المؤتمر السنوي للقادة المحافظين، تعهد ترامب بإنهاء الصراع، المستمر منذ أكثر من عام، بالقول: "سأحل المشكلة، وسأحلها بأسرع ما يمكن، ولن يستغرق الأمر أكثر من يوم واحد. أعرف جيداً ماذا سأقول لكلا الطرفين". وخلال المؤتمر اليميني، الذي استمر لثلاثة أيام في واشنطن العاصمة، أكد ترامب على أنه لن تكون هناك حروب أخرى، قائلاً: "سأمنع الحرب العالمية الثالثة وبسهولة بالغة".
وبغض النظر عن مدى قدرة ترامب على تحقيق ما يعد به من عدمه، خصوصاً أنه لم يقدم تفاصيل، إلا أن هذا التيار الجمهوري يرى أن الحرب كان يمكن منعها من الاندلاع أساساً، كما يمكن إيقافها من خلال الوساطة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني زيلينسكي للتوصل إلى اتفاق سلام ينهي الحرب، التي دخلت عامها الثاني.
وحقيقة الأمر هنا هي أن هذا التيار ومناصريه يتهمون بايدن وإدارته بالتسبب في اندلاع الحرب في أوكرانيا، من خلال الإصرار على الحديث عن فتح الباب أمام كييف للانضمام إلى حلف الناتو، رغم أن هذا الأمر لا يبدو قابلاً للتحقق في المستقبل المنظور لأسباب تخص الفساد المستشري في أوكرانيا بالأساس، وعدم وجود الحد الأدنى من معايير الانضمام للحلف العسكري الغربي.
وبعيداً عن مدى قدرة هذا التيار على التأثير في قرارات الإدارة الأمريكية من عدمه خلال هذه الفترة، فإن المؤكد هو أن مسار الحرب في أوكرانيا يتوقف بشكل أساسي على استمرارية الدعم الأمريكي لأوكرانيا، فمن دون هذا الدعم سيفتح الباب على مصراعيه أمام تسوية سلمية تنهي الحرب التي يعاني منها العالم أجمع بصورة خانقة.
فروسيا وأوكرانيا كانتا قد توصلتا بالفعل إلى اتفاق سلام بوساطة تركية يضع نهاية للحرب، لكن تدخل عواصم غربية أبرزها وواشنطن ولندن لدى زيلينسكي لرفض الاتفاق ومواصلة الحرب أدى إلى إلغاء الاتفاق ومواصلة الحرب، ويرجع تاريخ هذا التطور المهم للغاية إلى شهر مايو/أيار من العام الماضي، بحسب ما كشفت عنه التقارير الأمريكية.
وفي هذا السياق، لا يمكن استبعاد الهدف الرئيسي لإدارة بايدن من الحرب في أوكرانيا وهو إضعاف روسيا إلى الأبد، وهذه ليست تحليلات أو تكهنات بل تصريحات رسمية جاءت على لسان بايدن ووزير دفاعه لويد أوستن.
فبحسب تقرير لصحيفة Wall Street Journal، قال وزير الدفاع الأمريكي للصحفيين خلال زيارته كييف، الاثنين 25 أبريل/نيسان 2022: إن "القدرات العسكرية الروسية يجب أن تتدهور، وإنّ أمريكا تريد إضعاف روسيا إلى الدرجة التي لا يمكنها إعادة بناء جيشها".