50 مليون شخص قد يكونون معرضين لخطر الجوع إذا لم يتم تجديد صفقة حبوب البحر الأسود التي تحولت لمحل تجاذب وتراشق بين أمريكا وروسيا وأوكرانيا، وسط محاولات تركية أممية لإنقاذها.
وسمحت مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب التي توسطت فيها الأمم المتحدة وتركيا في يوليو/تموز 2022، بتصدير الحبوب من ثلاثة موانئ أوكرانية، دون تعرض الروس لها مع نظام للتفتيش بالتوافق بين الأطراف الأربعة، وتم تمديد الاتفاق في نوفمبر/تشرين الثاني، وسينتهي أجل العمل به في 18 مارس/آذار إذا لم يتم التوافق على تمديدها.
أوكرانيا تطعم 36 مليون إنسان
وحذّر دافيد بيسلي المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة مؤخراً من أن عدم تجديد المبادرة التي تدعمها الأمم المتحدة وأبرمت بوساطة تركيا، والتي سمحت لأوكرانيا بتصدير الحبوب من الموانئ التي تحاصرها روسيا، سيكون كارثياً؛ لأن الملايين في إفريقيا على أعتاب المجاعة، حسبما نقلت عنه وكالة Reuters الأمريكية.
وأضاف بيسلي: "مع كل الأزمات التي نواجهها في جميع أنحاء العالم مع تغير المناخ والجفاف والفيضانات، لا يمكننا تحمل فشل مبادرة حبوب البحر الأسود على الإطلاق".
وقال: "إفريقيا هشة للغاية في الوقت الحالي. 50 مليون شخص يطرقون باب المجاعة".
وأضاف: "مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتكاليف الوقود وتضخم الديون وثلاث سنوات منذ COVID، لم يعد لدى الناس المزيد من القدرة على التكيف، وإذا لم ندخل ونخفض التكاليف، فقد يكون عام 2024 أسوأ عام نشهده منذ عدة مئات من السنين".
وقال: "سكان العالم في خطر كبير إذا لم نجدد مبادرة حبوب البحر الأسود". فأوكرانيا وحدها تطعم 400 مليون شخص حول العالم، وأضاف أنه بمبادرة حبوب البحر الأسود، تمكنا من الوصول إلى 36 مليون شخص.
وتجدر الإشارة إلى أن وقف صادرات الحبوب الأوكرانية ليس من شأنه تعريض الدول الفقيرة التي تعتمد على كييف للجوع فحسب، بل حتى الدول الأخرى التي لا تستورد من أوكرانيا ستعاني جراء ارتفاع الأسعار بشكل كبير، كما حدث في بداية الأزمة.
روسيا تتهم الغرب بدفن اتفاق صفقة حبوب البحر الأسود
وأشارت روسيا إلى أنها غير راضية على جوانب في الاتفاق.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مؤخراً إن "الغرب دفن بلا خجل مبادرة تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، حسب وكالة "ريا نوفوستي" الروسية، فيما اتهم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن روسيا بمحاولة عرقلة اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود.
من جانبه، قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو مؤخراً في خطاب ألقاه في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بأقل البلدان نمواً في الدوحة بقطر، إن أنقرة تعمل بجد لتمديد مبادرة مدعومة من الأمم المتحدة مكنت أوكرانيا من تصدير الحبوب من الموانئ التي حاصرتها روسيا بعد غزوها.
وقال تشاووش أوغلو أيضاً إنه ناقش جهود التمديد مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس.
أرودغان سبق أن أقنع بوتين بتمديد الاتفاق.. فكيف فعل ذلك؟
وعقدت هذه الصفقة بعد شهور من المفاوضات، حيث ساعدت الأمم المتحدة وتركيا في التوسط في صفقة بين أوكرانيا وروسيا مكنت من استئناف صادرات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود.
ففي 22 يوليو/تموز الماضي، وقّعت تركيا والأمم المتحدة وروسيا وأوكرانيا اتفاقية في إسطنبول لاستئناف صادرات الحبوب من 3 موانئ أوكرانية على البحر الأسود، والتي توقفت في فبراير/شباط 2022 على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، ثم تم تمديدها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وذلك بعد تدخل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإقناع نظيره الروسي فلاديمير بوتين بتمديد الاتفاق بعدما كانت روسيا قد لوحت بعدم تجديده.
ففي ذلك الوقت أعلنت روسيا عزمها تعليق الصفقة، ولكن سرعان ما اتضح أنَّ موسكو ليست لديها خطة حسبما قالت صحيفة The Guardian البريطانية آنذاك، إذ كان من غير الواضح كيفية إيقاف تصدير الحبوب. هذا مستحيل تحقيقه إلا بالوسائل العسكرية، التي لم تكن جزءاً من خططهم"، وفقاً لما كتبته تاتيانا ستانوفايا، رئيسة شركة R.Politik لتحليل السياسات الروسية.
وبعد مشاورات مع أردوغان، كانت التنازلات الوحيدة التي طلبها بوتين هي "ضمانات مكتوبة" من كييف، ليعلن أردوغان، في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، إعادة فتح ممر شحن الحبوب من الموانئ الأوكرانية، بعد أن أجرى اتصالاً هاتفياً مع نظيره الروسي وآخر مماثلاً مع نظيره الأوكراني زيلينسكي، من أجل الحفاظ على استمرارية اتفاقية الحبوب.
وفي ذلك الوقت، أثار تجديد اتفاقية الحبوب غضباً بين مؤيدي الحرب في روسيا، الذين رفضوا "الضمانات المكتوبة"، وفي بعض الحالات اتهموا الحكومة الروسية ببيع جنودها.
بحسب الغارديان، قد تكون هناك وعود خاصة قُطِعَت لروسيا، بما في ذلك ضمانات يمكن أن تساعدها في تصدير سلعها الزراعية.
,تقول الصحيفة "أردوغان، المنافس الإقليمي لبوتين، ظهر قبل ذلك بصفته فاعلاً قوياً رئيسياً في المفاوضات بشأن الحرب. وقد اضطلع أردوغان أيضاً بدور رائد في تبادل الأسرى، وتحديداً في إطلاق روسيا سراح القادة الأوكرانيين الأساسيين من مصانع الصلب في آزوفستال في ماريوبول. وكانت موسكو قد قالت في السابق إنها تخطط لمحاولة إعدامهم في محكمة عسكرية.
فمع ازدياد عزلة روسيا، دبلوماسياً واقتصادياً، ازداد نفوذ تركيا على روسيا بوضوح. وكتب أندريه سيزوف، رئيس شركة SovEcon لأبحاث الأسواق الزراعية في ذلك الوقت تعليقاً على تمديد اتفاق صفقة حبوب البحر الأسود: "أنقرة يمكن أن تكون لها الكلمة الأخيرة هنا، لكنها لم اتوقع أن يكون لها هذا القدر من التأثير على بوتين، أتساءل حقاً ما هو سر أردوغان".
ولكن هل مازال لأردوغان نفس التأثير على بوتين، أم أن غضب الأخير من الغرب سيطيح بسحر أردوغان.
تفاصيل صفقة قمح البحر الأسود
وتضمن الاتفاق تأمين صادرات الحبوب العالقة في الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود لمعالجة نقص الغذاء العالمي الذي أنذر بكارثة إنسانية.
وتنص إحدى إتفاقيات المبادرة على تصدير صادرات الحبوب الأوكرانية من موانئ أوديسا، تشيرنومورسك ويوجني على البحر الأسود التي تسيطر عليها كييف.
كما تنص الاتفاقية الأخرى الموقعة بين روسيا وتركيا وأوكرانيا والأمم المتحدة على إنشاء مركز تنسيق رباعي الأطراف يقوم ممثلوه بتفتيش سفن الحبوب لمنع تهريب الأسلحة وعمليات العلم المزيف (رفع السفينة لعلم دولة يخالف حقيقة هويتها).
وتم تأسيس مركز للتنسيق المشترك في إسطنبول، لتفتيش السفن المشاركة في مبادرة حبوب البحر الأسود، ويضم المركز ممثلين من روسيا وتركيا وأوكرانيا والأمم المتحدة. وتعمل الأمم المتحدة أيضاً كأمانة عامة للمركز.
وتقوم السفن الأوكرانية بتوجيه سفن الشحن إلى المياه الدولية للبحر الأسود، وتجنب المناطق الملغومة (التي تم تلغيمها من الجانب الأوكراني لحماية سواحله من الهجمات الروسية). ثم تتجه السفن نحو إسطنبول على طول الممر الإنساني البحري المتفق عليه، حسبما ذكر موقع الأمم المتحدة.
ويتم فحص السفن المتجهة من وإلى الموانئ الأوكرانية من قبل فرق المركز المكونة من مفتشين روس وأتراك وأوكرانيين ومفتشين من الأمم المتحدة.
وتم تصدير ما يقرب من 23 مليون طن من الحبوب والمواد الغذائية الأخرى عبر مبادرة حبوب البحر الأسود حتى الثالث من مارس/آذار، وفقاً لمركز التنسيق المشترك في تركيا الذي يشرف على تنفيذ الاتفاق.
في شهر واحد فقط من التشغيل، سهلت هذه الصفقة عبور أكثر من 100 سفينة بأمان البحر الأسود، وشحن أكثر من مليوني طن متري من الصادرات الزراعية إلى الأسواق العالمية. لقد حققت الصفقة نجاحاً ملحوظاً بالفعل، وقد أدت بشكل ملموس إلى تحسين الأمن الغذائي العالمي، وخفض الأسعار، واستقرار الأسواق، وزيادة توافر الحبوب.
ما الذي أغضب روسيا إذاً؟
بالإضافة إلى الاتفاقات المشار إليها، وقعت روسيا والأمم المتحدة مذكرة، كان من المفترض أن تشارك المنظمة بموجبها في جهود لرفع القيود المعادية لروسيا التي تمنع تصدير المنتجات الزراعية والأسمدة.
وتقول الأمم المتحدة إنه تم تشكيل فريقي عمل تابعين للأمم المتحدة بالتوازي مع المحادثات، ركزت الأولى على شحن الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، والتي قادها رئيس الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة ورئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، والأخرى على تسهيل صادرات الأغذية والأغذية والأسمدة الروسية، برئاسة ريبيكا جرينسبان، الأمينة العامة لهيئة التجارة والتنمية التابعة للأمم المتحدة، الأونكتاد.
ولم تستهدف العقوبات الغربية الصادرات الزراعية الروسية بوضوح، لكن موسكو تقول إن القيود المفروضة على مدفوعاتها وخدماتها اللوجستية وقطاعات التأمين تشكل "عائقاً" لقدرتها على تصدير الحبوب والأسمدة.
كما أشارت السلطات الروسية مراراً وتكراراً إلى عدم التزام الغرب وأوكرانيا ببعض أجزاء الصفقة، بما في ذلك الاتفاق على أن الحبوب يجب أن تذهب بشكل أساسي إلى أفقر البلدان. وأشاروا إلى وجود عقبات أمام توريد الأسمدة والمواد الغذائية الروسية للسوق العالمية.
في 13 فبراير/شباط الماضي، قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي فيرشينين لـRTVI إن صفقة إسطنبول لم تحصد نتائج ملموسة، وتبدو غير منطقية بالنسبة للجانب الروسي.
وقالت روسيا إنها لن توافق على تمديد اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود إلا إذا تم أخذ مصالح منتجيها الزراعيين في الاعتبار.
وأكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا مجدداً هذا الموقف.
ونقلت وكالة تاس للأنباء عن زاخاروفا القول: "إذا كان هذا الاتفاق عادلاً، فإننا نوفي دائماً بدورنا، وسنفي به في جميع الاتفاقات".
وقال إسميني بالا، رئيس وحدة الإعلام والاتصالات بمكتب منسق الأمم المتحدة لمبادرة حبوب البحر الأسود، لوكالة "تاس الروسية"، إن الأمم المتحدة على اتصال دائم بالمشاركين في صفقة حبوب البحر الأسود.
وأشار بالا إلى أن إجراءات التفاوض تنص على أنه يجب قبول جميع التغييرات الممكنة والمقترحة لشروط المبادرة من قبل جميع المشاركين. لذلك، كانت الأمم المتحدة تحاول ضمان حوار مثمر بين الطرفين.