كشفت مصادر خاصة لـ"عربي بوست" عن حدوث انقسام داخل الحركة المدنية بشأن بقاء مشاركتها في الحوار الوطني في مصر، الذي أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأن الحركة قدّمت مهلة للسلطات للإفراج عن 150 معتقلاً خلال 10 أيام، معتبرة أن التعاون بهذا الملف يدفع نحو استمرارها في الحوار، أو أنها ستلجأ إلى التصعيد.
أوضح مصدر مطلع في الحركة المدنية الديمقراطية، لـ"عربي بوست"، أنها تقدمت بكشف جديد يتضمن الإفراج عن 150 معتقلاً خلال 10 أيام المقبلة، وأن "تجاوب السلطات معها سيحدد الرأي النهائي بشأن الاستمرار في الحوار من عدمه، أو التشاور بشأن اتخاذ إجراءات يمكن وصفها بأنها تصعيدية".
عن أجواء المناقشات داخل الحركة المدنية، قال إن اجتماع أحزاب وقيادات الحركة في مقر حزب المحافظين جرى السبت، 25 فبراير/شباط 2023، وشهد تبايناً في الآراء حول الموقف من المشاركة في الحوار الذي لم ينطلق حتى الآن، بعد ما يقرب من مرور عام من الدعوة إليه، وأن بعض الآراء ذهبت باتجاه ضرورة تبني موقف تصعيدي من خلال الضغط على الحكومة عبر التلويح بالانسحاب.
فيما كان الرأي الآخر، الذي تبنته قيادات حزب المحافظين، ويتوافق معهم بالرأي مؤسس حزب تيار الكرامة، حمدين صباحي، يتمثل في الاستمرار بالحوار مع استمرار الضغط للإفراج عن سجناء الرأي.
انتهى النقاش في نهاية الأمر، وفقاً للمصدر ذاته، بتقديم لائحة جديدة إلى مجلس أمناء الحوار الوطني ولجنة العفو الرئاسي، للمطالبة بالإفراج عن مزيد من المعتقلين، مشيراً إلى أن الحركة تعول على الاستجابة لتلك المطالب قبل بداية شهر رمضان.
ما رجّح ذلك الموقف "قناعة أحزاب الحركة بأن الحكومة استجابت للجزء الأكبر من مطالبها، مع إفراجها عن قيادات الأحزاب كافة، المنضوية تحت لواء الحركة المدنية، إلى جانب السماح بعودة بعض المعارضين في الخارج"، بحسب المصدر.
قوائم جديدة من المعتقلين
وأصدرت الحركة بياناً رسمياً، الأحد، 26 فبراير/شباط 2023، جددت فيه مطالبها بإطلاق سراح السجناء السياسيين، سواء المحبوسين احتياطياً، أو الصادرة بحقهم أحكام على ذمة قضايا ترتبط أساساً بحقهم في التعبير عن الرأي، كخطوة أساسية لإنجاح الحوار الوطني الذي دعا إليه السيسي.
شددت الحركة في بيانها على "متابعة تطور ملف الدعوة للحوار، والأوضاع الاقتصادية شديدة الصعوبة التي تمر بها مصر، وما لها من أثر بالغ على مستوى معيشة المواطنين"، معربة عن تطلعها لإنجاح الحوار الوطني، ما يساعد على إيجاد خطوات عاجلة، من شأنها تأكيد التوجه نحو الإصلاح السياسي في مصر، وخلق الأجواء التي تسمح بحرية العمل السياسي والحزبي.
كانت الحركة المدنية قد حثت أيضاً في أواخر يناير/كانون الثاني 2023، السلطات المصرية على اتخاذ 6 خطوات لتهيئة المناخ المناسب لبدء الحوار، منها "الالتزام بما تم الاتفاق عليه بخصوص سرعة الإفراج عن سجناء الرأي من المعارضين السلميين، واستكمال الخطوات المتفق عليها، وتوفيق أوضاع المُفرج عنهم بالعودة لحياتهم الطبيعية الشاملة، بما في ذلك الحق في العمل والتعليم والتعويض والسفر، والتريث في إصدار القرارات، واتخاذ الإجراءات في الشؤون المحالة إلى الحوار الوطني".
كشف مصدر ثانٍ حضر اجتماع الحركة المدنية الأخير، عن أن مسألة التهديد بالانسحاب من الحوار الوطني لم تكن وليدة اللحظة، وهناك العديد من الاجتماعات التي جرى فيها إثارة الأمر من بعض القيادات، وأن الخلافات مع رئيس حزب الكرامة المستقيل، أحمد طنطاوي، كانت بسبب رغبته المبكرة في الانسحاب.
لفت كذلك في حديثه لـ"عربي بوست"، إلى أن الأمر تكرر حالياً من خلال عدد من القيادات الحزبية والمستقلة التي ترغب في الانسحاب من الحوار الوطني.
المصدر ذاته أفصح عن أن قيادات حزبية أخرى –رفض ذكر اسمها- كشفت عن أنها تلقت تطمينات من قيادات سياسية وأمنية بالدولة المصرية، بأن جلسات الحوار ستنطلق في غضون أسابيع قليلة من الآن، وقد يشهد شهر رمضان تحديداً موعد انطلاقه، بعد مرور عام على تعثر عقده.
"ورقة التلويح بالانسحاب"
رفض المصدر الثاني الجزم بأن هناك نوايا متفق عليها حول إعلان الانسحاب، وأن المطالب المؤيدة لذلك تستهدف الضغط على الحكومة دون اتخاذ خطوات عملية، لا سيما أن مطالب الحركة بتجميد ملف تعديل قانون هيئة قناة السويس وعودة السياسي ممدوح حمزة تمت الاستجابة لها والتعامل معها بإيجابية، إلى جانب الاستجابة للعدد الأكبر من أعداد المعتقلين الذين طالبت الحركة الإفراج عنهم، وفق قوله.
وجهة النظر الأخرى داخل الحركة المدنية التي أشار إليها المصدر "تتبنى ضرورة اتخاذ إجراءات تضغط على الحكومة؛ لأنها خدعت المعارضة، وألقت القبض على عدد آخر من أصحاب الرأي، بعد إفراجها عن آخرين".
تنتقد كذلك أن "السلطات لم توضح الأسباب المنطقية لإرجاء انطلاق الحوار، كما أنها لم تقترب من تعديل قوانين الحبس الاحتياطي وقوانين الانتخابات، وكل ما يتعلق بالحريات العامة، في حين أنها تسوق لسماحها بعودة أحد المعارضين في الخارج على أنه انفراجة، في حين أن الواقع بحاجة لضغوط حقيقية تعمل على حلحلة العديد من الملفات".
في فبراير/شباط 2023، عاد المعارض البارز ممدوح حمزة إلى القاهرة، بعد أن غادر البلاد قبل 3 سنوات ونصف.
وقال في مقطع فيديو نشره على "فيسبوك"، عقب عودته من لبنان، إنه "متفائل بحدوث انفراجة سياسية في البلاد"، مطالباً الحكومة بـ"فتح ذراعيها لكثيرين من المخلصين الموجودين في الخارج أو السجون"، مؤكداً أيضاً أن "ذلك الترحيب لا بد ألا يتوقف عنده وحده".
وكان رئيس مجلس أمناء الحوار الوطني ضياء رشوان، قد تعهد بأن يبدأ الحوار في مطلع يناير/كانون الثاني 2023، غير أن الاعتراضات التي واجهها من أحزاب الحركة المدنية نتيجة عدم الالتزام بتعهدات سابقة للإفراج عن عدد كبير من المعتقلين السياسيين في ذكرى "ثورة 25 يناير"، والاكتفاء برجل الأعمال صفوان ثابت ونجله، دفع نحو إرجائه لمزيد من التفاهمات.
وعقد مجلس أمناء الحوار الوطني جلسة تحضيرية جديدة، الأحد، 26 فبراير/شباط 2023، شهدت التطرق إلى استكمال أوراق الحوار والاتفاق النهائي على الأسماء المشاركة في الجلسات، لكنها لم تحدد موعداً لانطلاقه.
ومن المقرر أن تعقد جلسة جديدة الأربعاء، 1 مارس/آذار 2023، لاستكمال الترتيبات النهائية قبل تحديد موعد انطلاقه.
الحكومة ورفض "الإملاءات المسبقة"
مصدر آخر، وهو أحد أعضاء مجلس أمناء الحوار الوطني، أكد لـ"عربي بوست"، شريطة عدم ذكر اسمه، أن الحركة المدنية ضغطت في أوقات عديدة لتمرير العديد من قرارات الإفراج عن المعتقلين، لكنها لم تتطرق سابقاً بشكل مباشر لمسألة الانسحاب من الحوار.
أضاف أن هناك قناعة من جانب ممثلي الحركة المشاركين بمجلس الأمناء، بأن التأخير يأتي في إطار الحرص على التوصل لمخرجات وتوصيات ينتظرها الشارع المصري.
عن مشاركة ممثلي الحركة في اجتماعات مجلس الأمناء واللجان الفرعية، أكد المصدر أن ذلك قائم ولا يزال، وأن الفترة الحالية تشهد وضع اللمسات الأخيرة لتحديد قوائم المشاركين بشكل نهائي من الحركة المدنية، مع قيام بعض القوى السياسية بإدخال تعديلات على الأسماء التي قدمتها، وأن الأمانة الفنية تعمل على إعلان القوائم النهائية للمشاركين، وتحديد موعد انطلاق الجلسات.
أكد أيضاً أن الحكومة ترفض ما تسميها "الإملاءات المسبقة"، ولكنها منفتحة على آراء الأحزاب المعارضة.
أوضح كذلك أن "السلطات الرسمية ليس من المعقول بالنسبة لها أن تخضع لأي ضغوط تمارَس عليها في حال قررت المعارضة ذلك، لأنها وضعت أسساً مشتركة اتفقت عليها مع المعارضة منذ البداية، وتمثلت في التأكيد على الاستجابة للإفراج عن من لم تتلوث أيديهم بالدماء، أو لم يشاركوا في أعمال تخريب وعنف".
عبّر كذلك عن خشيته كأحد أعضاء مجلس أمناء الحوار الوطني، من أن انسحاب الحركة المدنية من الحوار "لن يكون في صالحها، لأنه ليس لديها ظهير شعبي في الشارع من الممكن أن يساهم في الضغط على الحكومة، كما أنها تعول على تحقيق مزيد من الامتيازات من الحوار عبر إتاحة المجال أمام التواصل مباشرة مع المواطنين، تمهيداً للمشاركة في الاقتراعات المقبلة، سواء الانتخابات الرئاسية العام المقبل، أو البرلمان بعد عامين، وتطمح لأن يكون لديها حضور في هياكل السلطة في حال فتح المجال العام أمامها".
عن المعارضين لمبدأ التهديد بالانسحاب، أكد أنهم يرون المرحلة الحالية بأنها "بحاجة للتهدئة، لأن الحكومة تعمل بالأساس على تقديم بعض التنازلات السياسية لتجاوز صعوبات الأزمة الاقتصادية، وتخشى من مسألة انفجار الأوضاع".
في اجتماعها الأخير، كانت الحركة المدنية قد اتفقت على تشكيل لجنتين، تختص الأولى للإعداد لمؤتمر اقتصادي تنظمه الحركة من أجل طرح البدائل للسياسات الاقتصادية التي يمكن أن تساعد على خلق قاعدة صناعية وزراعية واقتصادية قوية قادرة على مواجهة التقلبات الإقليمية والدولية، وتم تعيين رئيس حزب التحالف الشعبي، مدحت الزاهد، مقرراً لها، ويشارك فيها أعضاء لجنة صياغة المحور الاقتصادي.
فيما تختصّ اللجنة الثانية ببحث سبل كسر الحصار وتقديم الدعم للشعب السوري في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب مدناً سورية وتركية عدة، وكلفت المهندس عبد العزيز الحسيني مقرراً لها، بحسب المصدر ذاته.
في السياق ذاته، أشار المصدر أيضاً إلى أن "النقاشات التي تدور بشكل مستمر داخل الحركة المدنية يجمع ما بينها من قناعة مفادها أن الحكومة المصرية لن تغير رؤيتها بسهولة، وأنها لن تقدم تنازلات سريعة ومجانية".
ورأى بأن ذلك يدفع باتجاه استخدام الحركة المدنية أسلوب الضغط المستمر؛ ليكون أكثر فعالية من الانسحاب أو التلويح به، "لأنه قد يترتب على ذلك فشل الحوار برمته"، وقد تجد الحكومة المبرر في ذلك بأنها تتشارك مع شخصيات ليس لديها الرغبة في الحوار معها.
الاستعداد لانتخابات الرئاسة
وكان رئيس حزب الإصلاح والتنمية، محمد أنور السادات، قد أصدر بياناً في فبراير/شباط 2023، شدد فيه على أهمية اتفاق القوى السياسية على الدفع بمرشح أو أكثر لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، متسائلاً عن "قدرة التيار المدني المعارض على بلورة مشروع يمكّنه من المشاركة في هذا الاستحقاق الدستوري، كما حدث في الانتخابات الرئاسية عام 2012 التي تلت ثورة يناير".
ويقول مصدر مطلع بالحركة المدنية، إن "الحديث عن الاستعداد لانتخابات الرئاسة سابق لأوانه، وأن التركيز ينصبّ في الوقت الحالي على ضمان دفع الحكومة نحو فتح المجال العام والتوصل إلى آليات مشتركة تضمن وجود انتخابات حرة ونزيهة، على أن يكون ذلك من خلال الضغط لبدء جلسات الحوار الوطني التي تتضمن القضايا كافة المرتبطة بتحسين الأجواء السياسية في الداخل".
نقل كذلك عن الحركة المدنية رغبتها في أن "تعود الممارسة السياسية الحقيقية مرة أخرى للمشهد المصري، وأن يكون ذلك مدخلاً مهماً لحل الأزمة الاقتصادية الراهنة، وإتاحة الفرصة أمام ظهور نخب سياسية جديدة"، وذلك في توضيح منها لمشاركتها في الحوار الوطني.
لكنه لم يستبعد مسألة دعم أحد السياسيين ليكون ممثلاً عن المعارضة في انتخابات رئاسية مقبلة، وأن الأزمة قد تتمثل في اختلاف رؤى بعض الأحزاب المشاركة بالحركة، أو مساعي أكثر من شخص لخوض غمار المنافسة، لكنه عاد ليؤكد أن الوقت لا يزال باكراً للحديث عن ذلك.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة.
نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”