قد تكون إيران قد أوشكت على التمكن من صنع قنبلة نووية، إذا صحت التقارير التي تفيد بأنها استطاعت تخصيب اليورانيوم بنسبة 84%، ولكن المفارقة أنها قد لا تكون قادرة على استخدام هذه القنبلة، أو توظيفها كسلاح ردع ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، بل قد يأتي هذا الإعلان بنتيجة عكسية عليها.
وجاءت التقارير الأمريكية بشأن وصول إيران إلى مستوى تخصيب يورانيوم بنسبة 84%، لتثير جدلاً بشأن قدرة إيران على صنع قنبلة نووية وماذا يعني الوصول لهذا المستوى وهل أصبحت إيران قادرة على صنع القنبلة النووية؟ وهي مسألة إجابتها معقدة يختلط فيها ما هو فني وعسكري بما هو سياسي ودعائي من قبل الغرب وإيران على السواء.
وذكرت وكالة Bloomberg الأمريكية لأول مرة، الأحد 19 فبراير/شباط 2022، أن مفتشين من الوكالة الدولية للطاقة الذرية وجدوا يورانيوم مخصباً بدرجة نقاء تبلغ 84% – أقل بقليل من 90% المطلوبة لصنع قنبلة – ويحاولون تحديد ما إذا كان الأمر قد أنتج عمداً.
ولم تنفِ الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي وكالة تابعة للأمم المتحدة ومقرها فيينا، التقرير، وكتبت الوكالة على تويتر أنها على علم بالتقارير الإعلامية الأخيرة المتعلقة بمستويات تخصيب اليورانيوم في إيران، وأن مديرها العام سيناقش مع طهران نتائج الأنشطة الأخيرة التي تحققت منها الوكالة، وسيبلغ مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية حسب الاقتضاء.
وبينما نفى بهروز كمالوندي، المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، لوكالة أنباء فارس المرتبطة بالدولة صحة هذه التقارير، بعد أيام قليلة، نقلت وسائل إعلام غربية عن موقع "نور" الإعلامي الإيراني الذي يوصف بأنه مرتبط بالمجلس الأعلى للأمن القومي، اعترافه بأن إيران قامت بتخصيب اليورانيوم حتى درجة نقاء 84% لأول مرة، وهو ما من شأنه أن يجعل البلاد أقرب من أي وقت مضى إلى المواد المستخدمة في صنع الأسلحة، حسبما ورد في تقرير لوكالة أسوشيتدبرس "AP" الأمريكية.
ومن المقرر أن يجتمع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، المؤلف من مجموعة من الدول التي تشرف على عمل الوكالة، في 6 مارس/آذار في العاصمة النمساوية، فيينا، حيث ستكون قضية إيران وتخصيبها لليوارنيوم بهذا المستوى موضوعاً رئيسياً.
في المقابل، حث موقع "نور نيوز" الوكالة الدولية للطاقة الذرية على "عدم الوقوع فريسة لإغراء الدول الغربية" وإعلان برنامج إيران النووي "سلمياً تماماً".
يأتي تصعيد المسألة النووية الإيرانية في وقت تبدو فيه إسرائيل، تفكر علناً في اتخاذ إجراء عسكري وقائي ضد برنامج إيران النووي، حيث ألمح رئيس الوزراء الإسرائيلي لاحتمال تكرار ما حدث مع المنشآت النووية السورية والعراقية مع إيران.
ولم يتضح على الفور مكان التخصيب المزعوم بنسبة 84%، على الرغم من أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قالت إنها عثرت في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي على مجموعتين من أجهزة الطرد المركزي المتطورة من طراز IR-6 في منشأة فوردو الإيرانية تحت الأرض "مترابطة بطريقة تختلف اختلافاً جوهرياً عن طريقة التشغيل المعلنة" من قبل إيران للوكالة.
ومن المعروف أن إيران قامت بتخصيب اليورانيوم في فوردو بنسبة تصل إلى 60% – وهو مستوى يقول خبراء حظر الانتشار النووي بالفعل إنه ليس له استخدام مدني لطهران، حسبما ورد في تقرير أسوشيتد برس "AP".
الغرب يقول إن مستوى تخصيب اليورانيوم هذا تجاوز حتى الخطوط الحمراء
يبدو أن المستوى الجديد لتخصيب اليورانيوم المبلغ عنه في إيران قد تجاوز بكثير "الخطوط الحمراء" المعروفة على المستوى العالمي، حسب وصف تقرير لموقع Washington institute (معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى) الأمريكي.
إذا صحت هذه التقارير فهذا يشير إلى أن إيران حققت تقدماً جديداً ومثيراً للقلق في برنامجها النووي بالنسبة لخصومها ودول الجوار.
فهذا هو أعلى مستوى نقاوة من اليورانيوم تم العثور عليه في إيران.
ومنذ 2019، بأي عد عام واحد من انسحاب الولايات المتحدة أحادي الجانب في عهد رئيسها السابق دونالد ترامب من اتفاقها النووي مع القوى العالمية، عززت إيران تخصيب اليورانيوم تدريجياً، وأعلنت رسمياً أنها وصلت إلى مستوى تخصيب يبلغ 60% ولكن المسؤولين الإيرانيين يؤكدون أنهم لا يسعون لامتلاك سلاح نووي.
اكتشاف آخر تم بالصدفة يثير القلق
وتمّ اكتشاف هذه النسبة الجديدة بفضل أجهزة المراقبة التي تستخدمها "الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
يُذكر أنه تمّ الإعلان عن هذه المعلومات الحديثة بعد أيام قليلة فقط من الأخبار المتداولة عن أن إيران غيرت شبكة الأنابيب التي تربط بين سلسلتين من أجهزة الطرد المركزي داخل محطة "فوردو"، في خطوة تتيح لها تخصيب اليورانيوم عند مستويات أعلى وبوتيرة أسرع.
وقد تمّ اكتشاف هذا التغيير عن طريق الصدفة. فـ"الوكالة الدولية للطاقة الذرية" قادرة على تنفيذ ثلاثة أنواع من عمليات التفتيش في إيران وهي: "التفتيش المعلن" (أي المخطط له مسبقاً بالتعاون مع إيران)، و"التفتيش غير المعلن" (حيث يصل المفتشون فجأة ويطلبون الدخول إلى موقع ما)، و"التفتيش العشوائي" (وهو أحد أشكال التفتيش غير المعلن إنما نادراً ما يتمّ اللجوء إليه).
وكان أحد المفتشين ذوي الخبرة قد تنبّه لتغيير شبكة الأنابيب [في "فوردو"] خلال عملية تفتيش عشوائية، وهو تفصيل ربما غفل عنه زملاؤه على الرغم من تمتعهم بمؤهلات جيدة ولكنهم يفتقرون إلى خبرته، حسبما ورد في تقرير لموقع Washington institute.
غموض حول كمية اليورانيوم المكتشف
تقرير "بلومبرغ" لم يكشف عن كمية اليورانيوم المخصب عند هذا المستوى الذي أنتجته إيران.
مع العلم أن كمية اليورانيوم المخصب الضرورية لصنع قنبلة نووية تناهز حجم ثمرة برتقال، وهي كمية تزن حوالي 33 رطلاً؛ لأن معدن اليورانيوم هو أكثر كثافة من الرصاص، حسبما ورد في تقرير موقع Washington institute.
ويشير تقرير "بلومبرغ" إلى أن مستوى التخصيب المرتفع هذا قد لا يكون نهائياً.
وقبل تلميح موقع إيراني محسوب على النظام إلى الوصول لهذا المستوى، كان بعض الخبراء الغربيين يتساءلون هل وصلت إيران إلى هذا المستوى من التخصيب عمداً أو نتج عن تراكم بمحض الصدفة؟
في هذا الإطار، زعم أحد العلماء النوويين الإيرانيين، وهو محق بذلك، بأن عملية التخصيب بطبيعتها تقوم على إنتاج أجهزة الطرد المركزي الدوارة لمجموعة من قيم التخصيب ضمن نطاق أعلى وأدنى من المستوى المستهدف، وفقاً لموقع Washington institute.
لماذا تمثل نسبة تخصيب اليورانيوم بـ84% نقطة مفصلية في برنامج إيران النووي؟
يتم تخصيب اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة بنسبة تصل إلى 90%.
وعلى الرغم من أن نسبة 6% تفصل نظرياً إيران عن بلوغ المستوى المطلوب لصنع قنبلة نووية، إلا أن تخصيب اليورانيوم بنسبة 84% أمر مثير للقلق.
وتقوم العملية الأساسية لتخصيب اليورانيوم على فصل نظيري اليورانيوم الرئيسيين، أي فصل نظير "يوارنيوم-235" الأخف قليلاً عن نظير "يورانيوم-238" الأكثر ثقلاً ولكن الأكثر عدداً.
وتعني نسبة تخصيب يورانيوم 84% أنه لا يتطلب صنع قنبلة فعلية قابلة للاستخدام سوى إضافة رطل أو اثنين من "يورانيوم-235".
إليك نسبة التخصيب بالقنبلة النووية التي ألقتها أمريكا على هيروشيما
تأتي الأخبار المنتشرة على موقع "تويتر" التي تعلق على هذه التقارير، لتذكر بأن أول قنبلة أمريكية ألقيت على مدينة هيروشيما اليابانية عام 1945 كانت مصنوعة من يورانيوم تمّ تخصيبه بنسبة 84% تقريباً.
لذا، فإن مستوى التخصيب الجديد الذي تفيد التقارير أن إيران قد بلغته يشكّل مصدر قلق جدياً يتخطى بكثير "الخطوط الحمراء" بالنسبة للكثيرين. لكنه لا يعني بالضرورة أن إيران على وشك صنع قنبلة نووية، حسب معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى (Washington institute).
إليك أبرز الصعوبات التي ما زالت تواجهها
يقول المسؤولون الغربيون في هذا الصدد إن إيران لا تزال تواجه صعوبات عندما يتعلق الأمر بتحويل "سادس فلوريد اليورانيوم" الغازي المستخدم في أجهزة الطرد المركزي إلى معدن صلب وقولبته على شكل أنصاف كرات، تصبح النواة المتفجرة لقنبلة نووية عند جمعها معاً على شكل كرة.
لكن المسؤولين يقرّون أيضاً بأن مدى معرفتهم بأنشطة إيران في مجال تصميم الأسلحة هو أقل بكثير من أنشطة التخصيب التي تمارسها.
يبدو أن إيران أصبحت قريبة من صنع قنبلة نووية تحملها طائرة وليس صاروخاً
وقبل نحو شهر، حذر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل ماريانو غروسي من أن إيران لديها الآن ما يكفي من اليورانيوم لإنتاج "عدة" قنابل نووية إذا اختارت ذلك.
ولكن من المحتمل أن يستغرق الأمر شهوراً أخرى لبناء سلاح وربما تصغيره الرأس النووي لوضعه على متن صاروخ، حسب تقرير وكالة أسوشيتدبرس.
غير أنه إذا قررت طهران صنع قنبلة تحملها طائرة، بدلاً من صاروخ بعيد المدى، فقد يكون التصميم الضروري أقل تعقيداً.
وبالطبع، إذا قررت طهران اختبار جهاز في منطقة صحراوية نائية، فقد يكون ذلك جهازاً أكثر بدائية من قنبلة قابلة للاستخدام العسكري، وفقاً لتقرير معهد واشنطن.
يعني ذلك أن هناك احتمالاً كبيراً لأن طهران أصبحت قادرة أو أوشكت أن يكون بمقدورها صنع قنبلة نووية، ولكنها ستكون قنبلة بدائية في المراحل الأولى ويصعب تحميلها كرأس نووي على صاروخ باليستي.
وتمثل ترسانة طهران الصاروخية نقطة قوتها الرئيسية، بينما خيار تحميل قنبلة نووية على طائرة حربية قد لا يكون فعالاً لإيران، نظراً للضعف الشديد لسلاح الجو الإيراني الذي تعود أغلب طائراته للسبعينيات وعانت أغلبها لا سيما الأمريكية الصنع من نقص في قطع الغيار، وأقوى ما لديها هو نحو 40 طائرة أمريكية من طراز إف 14، يعتقد أن جزءاً كبيراً منها غير قادر على التحليق، وهي رغم سرعتها ومداها البعيد طائرة قديمة، دورها أساسي كمقاتلة بعيدة المدى وليست قاذفة.
وهناك القاذفة المقاتلة الأمريكية F-4 فانتوم الأمريكية الصنع التي تعود للستينيات والتي خرجت من الخدمة من القوات الجوية الإسرائيلية والأمريكية وأغلب الدول المشغلة لها؛ مما يجعل قدرتها على حمل أسلحة نووية وضرب أهداف في المنطقة مشكوكاً فيها، في مواجهة أسلحة الجو المتطورة لأغلب دول المنطقة بما فيها دول الخليج.
وتتبقى محاولة استخدام أسطول الطائرات المسيرة الإيرانية لإطلاق قنابل نووية وهي مسألة غير مجربة من قبل والطائرات المسيرة عادة بطيئة وصغيرة الحجم.
أما العامل الذي قد يحدث تغييراً في المعادلة فهو إذا تم عقد صفقة المقاتلات الروسية الشهيرة سوخوي 35 التي يقال إن طهران تتفاوض مع موسكو حول شرائها، وهي مقاتلات بعيدة ذات قدرة قتال جوي وقصف مثبتة.
هل يقدم الروس لإيران الزناد النووي مثلما فعل الصينيون مع باكستان؟
غير أن مخاوف المسؤولين الغربيين لا تقف عند هذا الحدّ، فهم يخشون أيضاً من احتمال أن يرسل الجيش الروسي إلى إيران كتلة حرجة أو اثنتين من اليورانيوم المخصب بنسبة 90%، كما فعلت الصين لإطلاق برنامج باكستان النووي في أوائل ثمانينيات القرن الماضي.
صحيح أن تاريخ موسكو في مكافحة نشر الأسلحة النووية هو مثال يحتذى به، إلا أن حربها في أوكرانيا وقيام إيران بإرسال طائرات مسيرة إليها قد يدفعان ببعض المسؤولين الروس إلى تقديم هدية خاصة لطهران للتعبير عن "شكرهم" الخاص لها، حسب تقرير معهد واشنطن.
في كل الأحوال، فإن الموقع الجغرافي البعيد لإسرائيل نسبياً عن إيران، وتفوق قواتها الجوية وامتلاكها واحداً من أقوى أنظمة الدفاع الجوي في العالم؛ حيث إنه مكون من نحو أربع طبقات متتالية، يعني أن خطر القنبلة النووية البدائية الإيرانية المحتملة قد سكون أكثر على محيط طهران من الدول العربية والتي سبقت أن اخترقت صواريخ إيران ومسيراتها أجواءها من قبل بالفعل.