ربما لم يكن متوقعاً أن تصمد أوكرانيا أمام روسيا لمدة عام كامل، بسبب الفارق الضخم في العدد والعتاد بين الجارتين المتحاربتين، فهل لأسلحة بعينها دور في ذلك الصمود؟ يرى البعض أن 3 أسلحة تحديداً لعبت دور البطولة في هذه الحرب.
كان الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي بدأ يوم 24 فبراير/شباط 2022، وتصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة"، بينما يصفه الغرب بأنه "غزو عدواني غير مبرر"، قد شهد مراحل متعددة خلال عامه الأول، وكان لكل مرحلة أسلحتها الرئيسية بطبيعة الحال.
ومع دخول الحرب عامها الثاني، تجري الاستعدادات على قدم وساق للتحضير لمعركة الربيع أو حرب الدبابات الثانية، حيث تسعى القوات الروسية إلى حسم سيطرتها على المناطق الشرقية في أوكرانيا، وبخاصة إقليم دونباس، بينما تسعى كييف وداعموها الغربيون إلى إجبار الروس على الانسحاب إلى حدود 23 فبراير/شباط 2022، أي قبل اندلاع الحرب.
1- سلاح غافلين الأمريكي
أرسل الغرب أسلحة بقيمة عشرات المليارات من الدولارات إلى أوكرانيا خلال العام الأول للحرب، وتستعد كييف حالياً لاستقبال المزيد من أنظمة التسليح الثقيلة والمتطورة مثل دبابات أبرامز الأمريكية وليوبارد الألمانية، بينما لا تزال مسألة إرسال طائرات مقاتلة متطورة قيد الدراسة.
لكن من بين أنواع الأسلحة المتعددة التي أرسلتها الدول الغربية إلى أوكرانيا، يعتبر نظام غافلين الصاروخي المضاد للدروع من أول الأسلحة التي ساعدت القوات الأوكرانية على الصمود في وجه القوات الروسية، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية عنوانه "3 أسلحة غيرت مسار الحرب في أوكرانيا".
وتتصدر الولايات المتحدة قائمة الدول الداعمة لأوكرانيا بفارق شاسع عن باقي الحلفاء؛ حيث قدمت إدارة الرئيس جو بايدن أسلحة ومعدات عسكرية بقيمة 22,9 مليار يورو خلال عام 2022 فقط.
وهذه الأرقام لا تشمل أوجه الدعم الأخرى التي قدمتها واشنطن إلى أوكرانيا، من معلومات استخباراتية وتدريب عسكري وغيرهما، كما لا تشمل أيضاً المساعدات الإنسانية المتنوعة، وإجمالاً قدمت واشنطن لإدارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حزم مساعدات قيمتها أكثر من 50 مليار دولار، كما تمت الموافقة على حزمة أخرى بقيمة أكثر من 48 مليار دولار.
وبشكل عام، قدمت الولايات المتحدة جميع أنواع الأسلحة تقريباً كمساعدات عسكرية لأوكرانيا، ومن أبرز الأسلحة الثقيلة راجمات صواريخ هيمارس وأنظمة دفاع جوي ومدافع ومروحيات ومسيَّرات وناقلات جند مدرعة من طراز برادلي وغيرها، إضافة إلى الموافقة مؤخراً على تقديم أنظمة باتريوت للدفاع الجوي الصاروخي، ودبابات أبرامز التي لم تصل بعد إلى أوكرانيا.
لكن يظل نظام غافلين الصاروخي المضاد للدروع بمثابة أكثر الأسلحة التي استفادت منها أوكرانيا، وذلك لأسباب متعددة أبرزها على الإطلاق هو سهولة الاستخدام. ففي بداية الهجوم الروسي كانت أرتال الدبابات والمدرعات تحاصر جميع المدن الأوكرانية، ومنها العاصمة كييف، وكان الأوكرانيون بحاجة لسلاح فعال مضاد للمدرعات لصد ذلك الهجوم البري المدرع.
وتنطبق مواصفات نظام غافلين الصاروخي على ما أراده الأوكرانيون، إضافة إلى سمة هامة للغاية وهي أنه لا يصنف كسلاح هجومي مما يجعل إدارة بايدن لا تخاطر بخرق الخطوط الحمراء المتمثلة في إرسال أسلحة هجومية قد تستخدمها كييف لضرب أهداف في العمق الروسي فتتحول الحرب إلى مواجهة مباشرة بين واشنطن وموسكو.
وغافلين سلاح مضاد للدبابات والدروع محمول على الكتف وسهل الاستخدام للغاية، وهو من إنتاج شركتي لوكهيد مارتن ورايثون الأمريكتين. ولإطلاق غافلين، يقوم حامله بتوجيه المؤشر على شاشة الإطلاق نحو الهدف فترسل وحدة السيطرة أمر الإطلاق وينطلق الصاروخ نحو هدفه مباشرة.
غافلين هو "سلاح أطلق وانسى"، فبمجرد الإطلاق يسعى حامل السلاح للبحث عن مكان للاحتماء بينما يبحث الصاروخ عن الهدف المراد تدميره. وكان هذا هو السلاح الأكثر تأثيراً خلال الأيام الأولى للحرب، حيث كانت التحركات الروسية عبارة عن أرتال من الدبابات والمدرعات وحاملات الجند، وبالتالي كان الجندي الأوكراني يستطيع إطلاق غافلين من أي بناية ثم الاختفاء قبل أن يتعرض للاستهداف.
كما يتميز غافلين بالقدرة على استهداف النقاط الأضعف في الدبابات الروسية وهو الأسطح الأفقية للدبابة؛ لأن قذيفته تنحرف بعد الإطلاق وتهبط على الهدف من أعلى، بحسب توصيف لوكهيدمارتن الشركة المصنعة للنظام الصاروخي. وتظهر صور الدبابات الروسية المدمرة في الأيام الأولى للحرب هذه النقطة بوضوح.
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد زار مصنع ألاباما، حيث يتم تصنيع غافلين، وذلك بعد شهرين ونصف فقط من اندلاع الحرب، وأثنى على العاملين فيه: "إنكم تحدثون فارقاً هائلاً بالنسبة لهؤلاء الجنود الذين يتعرضون لضغط نيراني مكثف للغاية".
ومن المميزات الأخرى لنظام غافلين سعره المنخفض نسبياً وكونه مقبولاً من الناحية السياسية، كما يرى مايكل أرمسترونغ الأستاذ المساعد في جامعة بروك بأونتاريو: "التكلفة المنخفضة والطبيعة الدفاعية لأنظمة غافلين تجعلها أسهل في الإرسال لأوكرانيا، عكس أنظمة التسليح الأكثر تكلفة مثل الطائرات".
2- نظام هيمارس الصاروخي
السلاح الثاني الذي ساعد القوات الأوكرانية على الصمود طوال العام الأول من الحرب هو صواريخ هيمارس M142 عالية الدقة (HIMARS)، والتي تعتبر منصة صاروخية متنقلة يمكنها إطلاق عدة صواريخ دقيقة التوجيه في نفس الوقت.
وتحمل الراجمة الواحدة من منظومة HIMARS ستة صواريخ موجهة من خلال نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، حيث تبلغ دقتها مسافات تصل إلى 70-84 كم، أي حوالي ثلاثة أضعاف مدى مدافع الهاوتزر التي كانت أمريكا قد قدمتها لكييف منذ بداية الحرب.
ومع طاقم صغير، يمكن لنظام هيمارس إزالة جراب مستهلك وتحميل واحد جديد في دقائق، دون مساعدة من مركباتٍ أخرى. وقد منح نظام هيمارس القوات الأوكرانية القدرة على الضرب بصورةٍ أكبر خلف الخطوط الروسية، وعلى مسافاتٍ محمية من أسلحة روسيا بعيدة المدى بشكلٍ أفضل.
والصواريخ الموجهة بواسطة نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، التي يطلقها نظام هيمارس لها مدى يقارب ضعف مدافع الهاون إم-777، التي كانت إدارة بايدن قد زوَّدت بها القوات الأوكرانية.
وبدأت إدارة بايدن تزويد القوات الأوكرانية بذلك النظام الصاروخي المتطور منذ شهر يونيو/حزيران الماضي، وأدى وضع نظام هيمارس على بُعد 80 كيلومتراً خارج نطاق المدفعية الروسية، إلى تعريض المدفعية الروسية للخطر. ويمكن للنظام أن يهدِّد مستودعات الإمداد الروسية، في ظل اعتقاد غربي بأن القوات الروسية تعاني من مشكلاتٍ لوجستية.
ويرى خبراء عسكريون غربيون أن نظام هيمارس مثل "عامل تغيير" في مسار الحرب في أوكرانيا، إذ ساعد كثيراً القوات الأوكرانية التي كانت تكافح تحت نيران القوات الروسية.
ويرى مارك كانسيان المستشار في مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية أنه إذا كان "غافلين هو سلاح المراحل الأولى للحرب، فإن هيمارس هو نظام الأسلحة المناسب أكثر للمراحل التالية"، حيث ساعد القوات الأوكرانية على وقف تقدم نظيرتها الروسية على طول خط الجبهة وبخاصة في الأقاليم الشرقية لأوكرانيا.
3- بيرقدار التركية
أما السلاح الثالث الذي يبدو أنه قد ساعد الأوكرانيين كثيراً خلال العام الأول من الحرب فهو طائرات بيرقدار التركية، والتي اكتسبت شهرة عالمية خلال العام الماضي. فالطائرات المسيرة تركية الصنع كانت لدى الجيش الأوكراني بالفعل قبل أن تندلع الحرب، كما اشترت كييف المزيد منها خلال العام الأول من الحرب.
وتتسم مسيرات بيرقدار بتكلفتها المنخفضة وقدرتها على حمل صواريخ موجهة بالليزر وقنابل ذكية ومتفجرات عادية، إضافة إلى كاميرات فيديو تصور الأهداف التي تضربها الطائرة. وقد أظهرت مقاطع الفيديو تلك استهداف مدرعات روسية ومدافع وخطوط إمداد وغيرها من الأهداف. وقام الأوكرانيون بنشر تلك المقاطع عبر تيك توك ونالت شعبية كبيرة بين الأوكرانيين.
وعلى الرغم من إسقاط الدفاعات الجوية الروسية لنحو 17 طائرة من طراز بيرقدار، من إجمالي 40 إلى 50 طائرة تمتلكها أوكرانيا، فإن تكلفة البيرقدار المنخفضة نسبياً مقارنة بالمسيرات الأخرى تجعل من الممكن استبدالها دون صعوبات كبيرة.
لكن إذا كانت هذه الأسلحة الثلاثة قد لعبت دوراً كبيراً في صمود القوات الأوكرانية أمام الهجوم الروسي خلال العام الأول من الحرب، فالأمور تبدو في طريقها إلى مرحلة جديدة ربما تلعب فيها الدبابات دورا أكبر، وهو ما يشير إلى أن سلاح غافلين قد يعود للواجهة مرة أخرى.
فخلال العام الأول للحرب، جاءت بريطانيا في المرتبة الثانية في قائمة حلفاء أوكرانيا، حيث قدمت لها مساعدات عسكرية بقيمة 4,1 مليار يورو. ومن أبرز الأسلحة التي قدمتها لندن لكييف راجمات صواريخ من طراز M270، وأسلحة مضادة للدروع، ومئات الصواريخ قصيرة المدى وأنظمة دفاع جوي وناقلات جند مدرعة.
أما ألمانيا فقد جاءت في المرتبة الثالثة، حيث قدمت مساعدات عسكرية لأوكرانيا خلال العام الماضي بقيمة 2,3 مليار يورو، وهو ما يمثل مفاجأة للمتابعين للحرب بين روسيا وأوكرانيا، نظراً للضغوط الهائلة التي تتعرض لها برلين والاتهامات بأنها لا تقدم مساعدات عسكرية حقيقية إلى كييف، بحسب تقرير لشبكة DW الألمانية.
ومن بين أبرز الأسلحة الثقيلة التي قدمتها ألمانيا إلى أوكرانيا، راجمات صواريخ وأنظمة دفاع جوي، أهمها Iris-T ومدافع هاوبتس 2000 المدرعة المتحركة ومدافع غيبارد ذاتية الدفع المضادة للطيران. كما قدمت ألمانيا لأوكرانيا نظام الدفاع الجوي الصاروخي الأمريكي باتريوت وناقلات جند مدرعة من طراز ماردر، وبالإضافة إلى ذلك قدمت برلين شاحنات عسكرية وكاسحات ألغام وقذائف وطلقات من مختلف الأنواع والأعيرة، وغير ذلك من العتاد والمعدات.