"قادة الجيش يرتكبون خيانة عظمى"، صدر هذا الاتهام الصادم من قبل يفغيني بريغوجين صاحب ومؤسس شركة فاغنر الروسية المتخصصة في تجنيد المرتزقة، بينما الجيش الروسي يخوض قتالاً ضارياً في أوكرانيا، فهل يمهّد الرجل بهذا التصعيد ليكون خليفة بوتين أم أنه يلعب في أيامه الأخيرة وقد يكون معرضاً للتصفية.
ففي تسجيلات نُشرت الأسبوع الماضي على تطبيق تلغرام، انتقد يفغيني بريغوجين، رجل الأعمال المقرب من الكرملين وصاحب شركة فاغنر، سيرجي شويغو، وزير الدفاع الروسي، والجنرال فاليري غيراسيموف، رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الروسي، في ما قال إنه فشلهما في تزويد مقاتليه بالذخائر.
وهذه الحالة هي أوضح وربما أخطر صراع داخلي في روسيا منذ أمر بوتين بدخول الدبابات إلى أوكرانيا قبل عام، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
وقال البيت الأبيض، الجمعة 17 فبراير/شباط 2023، إن مجموعة مرتزقة "فاغنر" العسكرية الروسية الخاصة، تكبّدت أكثر من 30 ألف قتيل، منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، يوم 24 فبراير/شباط 2022، مشيراً إلى مقتل نحو تسعة آلاف من هؤلاء المقاتلين خلال عمليات قتالية.
هذه أسباب اتهام مؤسس فاغنر لقادة الجيش بالخيانة ورد فهل غريب من الكرملين
ويصرخ بريغوجين في أحد هذه التسجيلات غاضباً: "هذه ليست سوى محاولة لتدمير فاغنر لا يمكن وصفها إلا بخيانة عظمى! رجالي يموتون بأعداد مهولة!".
ونشر صورة مروعة لجثث نحو ثلاثين مقاتلاً من فاغنر قال إنهم قُتلوا في يوم واحد خلال معركة باخموت، المدينة الأوكرانية التي شهدت بعض أشد المعارك دموية في الحرب.
وقال مؤسس فاغنر إن غيراسيموف وشويغو مسؤولان بشكل مباشر عن مقتلهم "بحرمانهما" فاغنر من الذخيرة.
لكن وزارة الدفاع الروسية سارعت إلى نفي مزاعم بريغوجين، قائلة إن محاولات "خلق انقسام" داخل الوحدات العسكرية الروسية لها نتائج عكسية ولا "تصب إلا في مصلحة العدو". ووصف بريغوجين هذا البيان بأنه محاولة من قادة الدفاع للتستر على "جرائمهم". ولم يعلق الكرملين.
هل يصل الأمر لمنافسة بوتين أو محاولة وراثته؟
وأشار بعض المحللين إلى أن طموح مؤسس فاغنر، قد يصل إلى حد المنافسة على الرئاسة، لو حدث أي شيء لبوتين. ولكن يبدو أن تصريحاته الجريئة جلبت له بعض الأعداء الأقوياء.
ويعتقد أن أحد حلفاء بريغوجين، هو رمضان قديروف، الزعيم الشيشاني المستبد.
وكتبت تاتيانا ستانوفايا، المحللة السياسية الروسية، في مقال نشره مركز أبحاث كارنيغي: "النخبة.. لا تعتبر استقلالية بريغوجين وطموحه وخطابه أقل من تهديد للدولة. فمن الواضح أنه يتحول إلى سياسي كامل له آراؤه المستقلة، التي لا يمكن وصفها بأقل من ثورية".
أم يلقى مصير المسؤولين الذين لقوا حتفهم في ظروف غامضة؟
ويرى فلاديمير أوسيشكين، الناشط الحقوقي الروسي المنفي الذي يعد من أشد منتقدي رئيس فاغنر، أن أيام بريغوجين باتت معدودة. وقال: "لقد تحول إلى قرد يحمل قنبلة يدوية يمكن أن تتوقع منه أي شيء. لديه أعداء كثر، ومن الواضح أنه في خطر. فلم يعد لبريغوجين مكان آمن في روسيا. حياته لا تساوي شيئاً وهو يعلم ذلك".
وقال أوسيشكين إن الخلافات بين بريغوجين وقادة الجيش محاولة يائسة منه ليبقى في دائرة الضوء للحيلولة دون اغتياله. إذ لقي نحو عشرين مسؤولاً ورجل أعمال روسياً حتفهم في ظروف غامضة منذ بدء الحرب، ويُعتقد أن بعض هذه الاغتيالات لها علاقة بالصراع على النفوذ أو السلطة.
وقال: "ستجري تصفية بريغوجين وفقاً لقواعد النظام، بمجرد أن يتلاشى عن أعين الجمهور. فهو لم يعد حلاً وأصبح مشكلة". وكتب أوليغ شيفتشينكو، الصحفي في الموقع الأوكراني Obozrevatel، أن بريغوجين لم يعد "صياداً" وتحول إلى "فريسة".
وتعرض لحملة تشهير تتهمه بأنه تعرض لاعتداء جنسي
وفي الوقت الحالي، يبدو أن أعداء بريغوجين يكتفون بمحاولة تقويض سلطته بحملات التشهير. ففي ديسمبر/كانون الأول، زعم رجل قال إنه قضى بعض الوقت في نفس السجن مع بريغوجين أن رئيس فاغنر قد أُجبر على تقديم خدمات جنسية لنزلاء آخرين. ووفقاً للقانون الروسي القاسي، يُطلق على الرجال الذين يتعرضون للاعتداء الجنسي في السجن بيتوخي petukhi، أي الديوك. ويُمنع تماماً الكلام معهم، ناهيك عن أخذ الأوامر منهم. وقال محللون إنه يستبعد أن يتمكن بريغوجين من الصعود إلى منصب قوي لو ثبتت صحة هذه المزاعم.
وأعلن بريغوجين يوم الخميس 23 فبراير/شباط أن موسكو وافقت على إرسال الذخائر التي ناشد الحكومة توفيرها. ورغم أنه ربما يكون قد ربح معركته مع قادة الجيش، اعتبر كثيرون هذا الخلاف استهزاء بمزاعم بريغوجين السابقة بأن فاغنر هي جيشه الخاص.
إذ قال عباس غالياموف، كاتب الخطابات السابق في الكرملين الذي انتقل إلى معسكر معارضة بوتين: "الجميع تأكد أن بريغوجين لم يكن مكتفياً ذاتياً. ومزاعمه بأن الجيش الروسي لم يسهم في نجاحات ساحة المعركة تبين أنها مجرد تباهٍ فارغ".
على أنه من المبكر جداً الاستغناء عن بريغوجين، وفقاً لما تراه ستانوفايا التي كتبت: "بوتين يعتبره وطنياً حقيقياً يقاتل من أجل مستقبل الوطن". أما عن فرصه في خلافة بوتين، فقالت إنه طالما ظل الرئيس الروسي قوياً نسبياً وقادراً على استغلال خلافات النخبة، فلن يجرؤ بريغوجين على مواجهته. لكن كل ذلك قد يتغير بسرعة كبيرة، لو بدأت سلطة بوتين تتهاوى، "الحرب تحول الرجال إلى وحوش، ويمكن أن يصبح تهورهم ويأسهم تحدياً للدولة لو أبدت أي علامة ضعف مهما كانت صغيرة".