50 مليون شخص يواجهون خطر المجاعة.. إلى أين تتجه أزمة الغذاء في العام الثاني لحرب أوكرانيا؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/02/26 الساعة 13:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/02/27 الساعة 05:17 بتوقيت غرينتش
ما هي المجاعة وما المناطق التي ستتأثر بها؟ وكيف يجب أن يستجيب العالم؟/ تعبيرية/ Getty

اتفاق الحبوب بين روسيا وأوكرانيا بوساطة تركيا والأمم المتحدة خفّف نسبياً من أزمة الغذاء العالمية، رغم معاناة 50 مليوناً من خطر المجاعة، فإلى أين تتجه الأزمة في العام الثاني للحرب؟ وهل يتم تجديد الاتفاق؟

كان الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي بدأ يوم 24 فبراير/شباط 2022، وتصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة"، بينما يصفه الغرب بأنه "غزو عدواني غير مبرر"، قد تسبب في أزمة حادة في واردات الحبوب، كون البلدين المتحاربين يمتلكان حصة عالمية منها تصل إلى 30%، وتضاعفت الأسعار بصورة جنونية.

وفي هذا السياق، كانت روسيا وأمريكا تتبادلان الاتهامات بشأن المسؤولية عن أزمة الغذاء، التي يعاني منها العالم وتهدد الملايين بالجوع، ولا يزال ذلك التنصل من المسؤولية وإلقاء اللوم على الطرف الآخر مستمراً.

وبعد أن تفاقمت أزمة الغذاء العالمية، وبات مئات الملايين مهددين بخطر المجاعة، تسارعت الجهود من أجل التوصل لاتفاق يسمح لأوكرانيا بتصدير ملايين الأطنان من الحبوب في مخازنها وموانئها، وهو ما بدأ تنفيذه، منذ يوليو/تموز من العام الماضي، بوساطة من تركيا والأمم المتحدة.

50 مليون شخص يواجهون خطر المجاعة

الاتفاق الساري حالياً سينتهي خلال شهر مارس/آذار 2023، وهو ما يثير القلق من احتمالات عودة جنون أسعار الغذاء وندرته، لتعصف بالكثير من دول العالم. ونشرت مجلة Politico الأمريكية تقريراً يرصد كيف أنه بعد مرور عام على الحرب في أوكرانيا تواجه اتفاقية الحبوب المهمة مصيراً غير محسوم.

فبعد عام واحد من الهجوم الروسي الذي أوقف صادرات أوكرانيا من الحبوب عبر البحر الأسود، تواجه الصفقة التي سمحت باستئناف الشحنات بوساطة من الأمم المتحدة مستقبلاً غير محسوم، بينما تخوض الأطراف المتحاربة معركة بالوكالة حول أي منها، يمكن أن يدّعي بحق أنَّ له الفضل في إطعام العالم، في وقت يزداد فيه الجوع العالمي.

إذ كان عدد الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي قد ارتفع من 282 مليوناً في نهاية عام 2021 إلى رقم قياسي، بلغ 345 مليوناً العام الماضي، وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة. كما صار أكثر من 50 مليون شخص على شفا المجاعة، وربما يكون الأسوأ لم يأتِ بعد.

شُحِنت ملايين الأطنان من المنتجات الأوكرانية بموجب مبادرة حبوب البحر الأسود، التي فتحت في يوليو/تموز الماضي ممراً آمناً إلى الموانئ الجنوبية للبلاد، ثم أُعلِن تمديدها لمدة 120 يوماً، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

وفي هذا الصدد، قالت فريدريكا غريب، الخبيرة الاقتصادية ببرنامج الأغذية العالمي، لمجلة بوليتيكو: "تعتبر صفقة الحبوب بالغة الأهمية للاستجابة لأزمة الغذاء". وكان هناك بالفعل "مزيج سام" من العوامل- من تغير المناخ إلى الديون- التي أدت إلى الجوع قبل الحرب. وصرحت فريدريكا للمجلة الأمريكية بأنَّ العالم لا يستطيع الآن تحمل ارتفاع آخر في أسعار المواد الغذائية؛ ما يجعل تمديد الصفقة أمراً حيوياً.

أزمة الغذاء
المجاعة في جنوب مدغشقر حيث ترتفع حالات سوء التغذية بشكل كبير، Getty

وتقول روسيا إن معظم الشحنات الأوكرانية توجهت إلى أوروبا والدول الغنية الأخرى، وليس لمن يتحملون وطأة أزمة الغذاء العالمية في إفريقيا وآسيا.

من جانبهم، يرفض المسؤولون الأوكرانيون والغربيون هذه الفكرة. وردوا بأنَّ روسيا بقيت في صفقة الحبوب لتكون بمثابة مُفسِد بتعمُّد إبطاء صادرات الغذاء. وقد تسبَّب هذا في تكدس السفن المتجهة إلى أوكرانيا قبالة الساحل التركي؛ ما أدى إلى تضخم الأسعار، وعاد بالنفع على روسيا، بصفتها مصدراً منافساً للأغذية. قبل مرور عام على اندلاع الحرب، اتهم الرئيس جو بايدن شخصياً، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمحاولة "تجويع العالم".

ومع حلول موعد تجديد اتفاق الأمن الغذائي في 19 مارس/آذار، تتصاعد حدة الخطاب من كلا الجانبين؛ إذ تسعى أوكرانيا إلى زيادة الوصول إلى الأسواق العالمية، فيما تضغط روسيا ضد العقوبات الغربية التي تقول إنها مسؤولة عن تزايد انعدام الأمن الغذائي.

اتهامات متبادلة بتحويل "الجوع" إلى سلاح

عندما هاجمت القوات الروسية أوكرانيا، في 24 فبراير/شباط من العام الماضي، تعرض ملايين الأشخاص للخطر، وكانت البنادق سلاحاً واحداً، بينما الجوع هو السلاح الآخر. فقد أدت الحرب إلى دفع العالم، الذي كان يكافح للتعامل مع عواقب تغير المناخ ووباء فيروس كورونا المستجد، إلى الوقوع في أزمة أمن غذائي كاملة.

وفي زمن السلم، كانت الصادرات الغذائية الأوكرانية كافية لإطعام 400 مليون شخص. فقد زود مزارعوها عُشر كميات القمح ونصف زيت عباد الشمس المُباعة في الأسواق العالمية. وانخفضت شحناتها من الحبوب والبذور الزيتية عبر البحر الأسود إلى الصفر، في مارس/آذار الماضي، مقارنة بـ5.7 مليون طن متري في فبراير/شباط.

قال السيناتور كريس كونز، الديمقراطي من ولاية ديلاوير، وهو حليف مقرب من الرئيس جو بايدن، ويعمل في لجنة العلاقات الخارجية، في مقابلة مع بوليتيكو: "إحدى أقسى الطرق التي استخدم بها بوتين أسلحة الحرب لتكبيد الناس في جميع أنحاء العالم تكاليفها، هي الطرق التي أدى بها حصاره المبكر لموانئ البحر الأسود إلى رفع الأسعار على الجياع في عشرات البلدان حول العالم".

وأشار كونز إلى أنَّ عمل الأمم المتحدة وتركيا وأوكرانيا لإبرام صفقة الحبوب في البحر الأسود قد قلّل من بعض الضغط الهائل على أسعار الغذاء العالمية، "لكن حتى الآن ليس بما يكفي".

هذه هي وجهة النظر الأمريكية بطبيعة الحال، لكن روسيا ترفض بشكل قاطع الاتهامات الأمريكية، وتلقي بالكرة في ملعب واشنطن؛ إذ كان سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، قد رفض أي تلميح إلى أن روسيا مسؤولة عن أزمة غذاء عالمية كانت تختمر منذ عدة سنوات، ووصف ذلك بأنه "خاطئ تماماً". كما اتهم أوكرانيا باحتجاز سفن أجنبية في موانئها وتلغيم المياه.

بوتين
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين – رويترز

وترى روسيا أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن هي المسؤولة عن أزمة الغذاء العالمية، بسبب طبيعة العقوبات التي تم فرضها على روسيا منذ بداية الهجوم على أوكرانيا.

ولدرء المجاعة في الخارج وإنقاذ المزارعين الأوكرانيين، أنشأ الاتحاد الأوروبي "ممرات تضامن" برية، للمساعدة في إخراج الصادرات الغذائية عبر أوروبا الشرقية. وفي يوليو/تموز، توسطت الأمم المتحدة وتركيا لإبرام الصفقة للسماح بمرور آمن لشحنات المواد الغذائية الأوكرانية عبر البحر الأسود.

ونُقِل نحو 21.5 مليون طن من المنتجات الأوكرانية في إطار هذه المبادرة؛ ما مكّن برنامج الغذاء العالمي من تقديم مساعدات قيمة لدول مثل إثيوبيا وأفغانستان. وقد ساعد هذا في تخفيف بعض الضغط على أسعار المواد الغذائية العالمية- رغم أنها لا تزال مرتفعة- مع ضمان عدم انهيار قطاع الزراعة في أوكرانيا، وهو المحرك الرئيسي لاقتصادها.

وقال أوليكسي غونشارينكو، النائب الأوكراني الذي يمثل أوديسا، أحد الموانئ القليلة المشمولة بالاتفاقية الحالية، عن الصفقة، إنها "مهمة جداً لأوكرانيا، لكنها أهم بالنسبة للعالم"، لكن مع استئناف المحادثات هذا الأسبوع يقف مصير صفقة الحبوب على المحك، إذ لدى كل جانب الكثير من الشكاوى.

شروط روسيا وطلبات أوكرانيا لتجديد اتفاق الحبوب

تشير حرب الكلمات إلى أنَّ روسيا ستستخدم تاريخ تجديد الاتفاق فرصةً لتقديم المزيد من المطالب. وقالت يفغينيا جابر، زميلة باحثة في المجلس الأطلسي والدبلوماسية الأوكرانية السابقة: "ستكون هناك بالتأكيد اضطرابات جديدة حول هذا الأمر، هذا أكيد".

وقال نائب وزير البنية التحتية الأوكراني، يوري فاسكوف، لمجلة Politico، إنَّ كييف تضغط من أجل زيادة وتيرة الصادرات من خلال توسيع نطاق الاتفاق ليشمل المزيد من الموانئ؛ مثل ميكولايف على الروافد الدنيا من نهر بوك.

تريد روسيا من بنوكها استعادة الوصول إلى نظام الدفع الدولي سويفت (جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك)، وإدراج الأسمدة في الصفقة. ويسعى الكرملين أيضاً إلى إعادة تشغيل خط أنابيب مهم للأمونيا، يمتد إلى ميناء بيفديني في منطقة أوديسا، وهو أمر يتزايد انفتاح المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين عليه إذا سمحت كييف بذلك؛ نظراً لدور الأمونيا الأساسي في الأسمدة، لكن المسؤولين الأوكرانيين أشاروا إلى مخاوف أمنية، ويشعر بعض الحلفاء الغربيين بالقلق من أنَّ خط الأنابيب قد يوفر تدفقاً جديداً للإيرادات إلى موسكو.

حرب أوكرانيا الغرب
الجيش الأوكراني / رويترز

وقال السيناتور جيم ريش، الجمهوري من ولاية أيداهو، أعلى عضو جمهوري في لجنة العلاقات الخارجية، في مقابلة: "إذا كان ذلك سيساعدنا من وجهة نظر الأسمدة، فمن الواضح أنَّ هذا شيء يجب التفكير في مميزاته وعواقبه. من ناحية أخرى، لا أريد فعل أي شيء يساعد الروس بأي شكل كان؛ لذلك قد ينتهي بنا الأمر إلى التدخل في دراسة المسألة".

تستكشف أوكرانيا أيضاً كيفية نقل السفن خارج نطاق الاتفاق إلى البحر الأسود مرة أخرى، بمساعدة المنظمة البحرية الدولية. وفي هذا السياق، قال فاسكوف: نحن لا نتحدث عن السفن التي ترفع العلم الأوكراني فقط، بل عن السفن التجارية الدولية أيضاً، وليست العسكرية"، مضيفاً أنَّ هذه قد تكون خطة بديلة إذا انتهت مدة سريان مبادرة حبوب البحر الأسود.

وأكدت المنظمة البحرية الدولية أنَّ العمل جارٍ لمحاولة تسهيل الإفراج عن أكثر من 60 سفينة تجارية غير مشمولة بالصفقة. ورداً على استفسار من مجلة Politico، قال متحدث باسم المنظمة البحرية الدولية: "يسعى الأمين العام للمنظمة البحرية الدولية بنشاط إلى جميع السبل التي تهدف للتطوير والتفاوض وتسهيل المغادرة الآمنة لهذه السفن".

سوف يتردد أصداء نتائج المحادثات بشأن تمديد صفقة الحبوب في البحر الأسود في أسواق السلع العالمية، خاصة في إفريقيا. إذ ذهب حوالي 65% من القمح الأوكراني الذي نُقِل بموجب المبادرة إلى البلدان النامية، منه 19% لأفقر البلدان وأقلها نمواً، وفقاً لبيانات من مركز التنسيق المشترك.

وأتاحت صفقة البحر الأسود لبرنامج الأغذية العالمي تسليم 481 ألف طن من القمح إلى الصومال واليمن وإثيوبيا وأفغانستان؛ ما خفف من ضغوط الأسعار المحلية.

واستفادت روسيا، التي أبلغت عن عوائد محاصيل قوية العام الماضي، من ارتفاع أسعار القمح نتيجة للحرب في أوكرانيا، وفقاً للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية. وأوضح جوزيف غلوبر، زميل قديم في معهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية: "هذا صحيح بالنسبة لجميع منتجي القمح، وبالأخص روسيا؛ لأنها ترسل القمح إلى العديد من الأسواق المماثلة لأوكرانيا".

وقال غلوبر إنَّ كمية الحبوب والبذور الزيتية التي تمكن المزارعون الأوكرانيون من إنتاجها العام الماضي كانت "رائعة، لكن هذه السنة مختلفة". وتوقع أن تنخفض ​​غلّة القمح المزروع في الخريف الماضي بنسبة تصل إلى 40%. وبالنسبة للمزارعين الأوكرانيين الذين يتعاملون بالفعل مع ارتفاع تكاليف الإنتاج والتصدير، فإنَّ هذا يُنذِر بالسوء.

وخارج أوكرانيا، قد تعوض بلدان أخرى بعض النقص، لكن أشار غلوبر إلى أنها "مُصدِّر مهم"، لدرجة أنَّ ما يحدث فيها "مهم للعالم". وتعتبر صفقة الحبوب شرطاً ضرورياً، لكنها ليست كافية- حتى لو نجحت الأطراف في الاتفاق على تمديدها- لتفادي معدلات الجوع المتصاعدة، إذ لا يزال العالم يواجه مخاطر الانزلاق إلى أزمة أعمق.

بدورها، قالت سيندي ماكين، سفيرة الولايات المتحدة لدى وكالات الأمم المتحدة للأغذية والزراعة في روما، والمنافس الأول لخلافة رئيس برنامج الأغذية العالمي، ديفيد بيزلي، عندما تنتهي فترة ولايته، في أبريل/نيسان: "نضع نصب أعيننا البلدان التي تقف على حافة المجاعة". وأوضحت: "حتى الآن، ربما استطعنا المراوغة قليلاً، لكننا في موقف حرج".

تحميل المزيد