المقرر العام المساعد للحوار الوطني بمصر: يجب الإفراج عن جميع معتقلي الرأي.. وعلى الجيش ترك “البيزنس”

يجب أن تتمتع الحكومة بالاستقلال في صُنع السياسات الاقتصادية الحقيقية، وأن يقتصر دور الرئيس على الإشراف على الأمن والسياسة الخارجية

عربي بوست
تم النشر: 2023/02/23 الساعة 12:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/02/23 الساعة 16:40 بتوقيت غرينتش
الحركة المدنية متمسكة حتى الآن في المشاركة بالحوار الوطني في مصر - الأناضول

تمر مصر بأزمة اقتصادية كبيرة، يعبر عنها عجز الموازنة، وركود اقتصادي، مصاحب لانهيار قيمة الجنيه المصري، وسط أوضاع سياسية محتقنة، أثرت بوضوح على حياة المواطنين، وسط حالة من الضبابية بشأن السبيل للخروج من هذه الأزمات التي تتفاقم يوماً بعد يوم. لذلك، توجه "عربي بوست" إلى مصطفى كامل السيد، أحد الأكاديميين المختصين والمشاركين في الحوار الوطني للوقوف على الأسباب التي دفعت مصر إلى الوصول لهذه الحالة، وكيف يمكن الخروج منها.

مصطفى كامل السيد هو أستاذ للعلوم السياسية في جامعة القاهرة، ويشغل مقرراً عاماً مساعداً للحوار الوطني الذي أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسي، وعضو في الحركة المدنية، ويُعد أحد المحللين السياسيين المعروفين في مصر، له أيضاً العديد من المؤلفات السياسية في الشأنين المصري والعربي. 

تحدث السيد عن استشرافه السياسي والاقتصادي للأوضاع في مصر، وكان لافتاً توقعه بأن يكون العام المقبل 2024، "سنة فارقة في تاريخ مصر، وستحدد بشكل كبير مصير الرئيس عبد الفتاح السيسي".

في الشأن المحلي أيضاً، انتقد استمرار الجيش المصري في علاقته مع الاقتصاد والاستثمار والتجارة، داعياً إياه إلى أن "يبتعد عن العمل في البيزنس"، متناولاً الحوار الوطني الذي دعا إليه السيسي مشترطاً للمشاركة فيه، ونجاحه، الإفراج عن عدد "معتبر" من المعتقلين السياسيين، وسجناء الرأي من مختلف التيارات والاتجاهات.

أما عربياً، فبدأ في الإمارات التي قال إن تطبيعها مع تل أبيب "خطأ كبير وعمل طائش"، في حين حذر من وقوع تونس تحت حكم العسكر في حال استمرار الأزمات السياسية فيها، معتبراً في العراق أن نظام الحكم الذي يشهده "طائفي".

بما يتعلق في دول الإقليم الأخرى، فكان رأي السيد أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "لاعب سياسي من الطراز الأول"، وأن وجود تركيا في ليبيا "مشروع"، مستعرضاً كذلك رأيه في التوترات بين إيران وإسرائيل، وما يتعلق بالاتفاق النووي.

إلى نص المقابلة كاملة:

كيف تخرج مصر من النفق المظلم الذي أدخلتنا فيه سياسات النظام الحالي، لا سيما الاقتصادية منها؟

تشهد مصر أزمة متعددة الجوانب، في مقدمتها الأزمة الاقتصادية الطاحنة، ونظام الحكم السلطوي.

فيما يتعلق بالأزمة الاقتصادية، فهي معقدة جداً، والمخرج منها شديد الصعوبة، أياً كانت الحكومة القائمة، حتى لو كانت تضم أعظم العقول، لأن هناك عجزاً كبيراً في الموازنة وميزان المدفوعات، ومديونية خارجية وداخلية هائلة، وارتفاع معدل الفقر الذي وصل في التقارير الرسمية إلى ثلث السكان "أكثر من 35 مليون مصري".

في التقارير غير الرسمية، وصل عدد الفقراء في مصر إلى نصف السكان "حوالي 55 مليون مصري" وهذا أمر مفزع، وينبئ وينذر بمشاكل اجتماعية هائلة.

فيما يتعلق بالشق السياسي، هناك أعداد كبيرة من المواطنين في السجون، وهناك قيود على الحريات، وعلى عمل الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، وحرية التعبير.

رفع مثل هذه القيود هو الطريق نحو تمكين المصريين من مناقشة الأمور العامة، وتبصير الحكومة بالبدائل والحلول المناسبة للمشكلات التي تعاني منها البلاد.

المهم هو وجود قوى اجتماعية تدرك هذه الأبعاد، وتناضل من أجل إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي حقيقي، وفي كل المجالات.

ترى أن الأزمة الاقتصادية معقدة جداً، وأن المخرج منها شديد الصعوبة، فما المخرج والحل الذي تعتقده؟

المخرج والحل يتمثل في العمل على التنمية الاقتصادية الحقيقية، ومعدلات نمو اقتصادي سريعة، وهذا أمر يقتضي قدراً كبيراً من التضحيات الهائلة، من جانب المواطنين والحكومة، بحيث يكون على المواطن أن يصبر، وعلى الحكومة العدول عن الأسباب التي أدت إلى وقوع هذه الأزمة الاقتصادية الطاحنة، وتقديم سياسات اقتصادية رشيدة. ويمكن أن تكون هذه التضحيات مقبولة، إذا كانت جزءاً من تصور عام للسياسات الرشيدة التي يمكن أن تجنب مصر الوقوع في مأزق المديونية الخارجية والداخلية.

لكن هل تمتلك الحكومة الحالية الاستقلالية والرغبة والإرادة لبدء طريق الإصلاحات الاقتصادية الصحيحة؟

يجب أن تمتلك ذلك، ولا حل إلا بذلك. يجب أن تتمتع الحكومة بالاستقلال في صنع السياسات الاقتصادية الحقيقية السليمة والناجعة، وأن تمتلك الحق في تنفيذ كل السياسات الداخلية الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية وغيرها، وأن يقتصر دور الرئيس على الإشراف على تحقيق الأمن وضمان الدفاع عن الوطن ووضع الخطوط العريضة للسياسة الخارجية.

مصطفى السيد أكاديمي وعضو في الحركة المدنية في مصر - رويترز
مصطفى السيد أكاديمي وعضو في الحركة المدنية في مصر – رويترز

صرحت في حوار سابق بأن الدولة تصفي القطاع العام وتضيق على القطاع الخاص، فهل يعني ذلك أن المؤسسة العسكرية تسعى إلى توسيع سيطرتها على الاقتصاد المصري؟ وكيف يستقيم ذلك مع دعوة صندوق النقد الدولي لخروج الجيش من الاقتصاد وفتح المجال أمام القطاع الخاص؟ 

أؤكد دائماً على أنه يجب أن يقتصر دور القوات المسلحة على وظائفها الأساسية المتمثلة في الدفاع عن الوطن وحدوده وضمان الأمن، وعدم الاشتغال في "البيزنس".

وإذا كانت هناك بعض الظروف في السابق استدعت توسع الدور الاقتصادي للقوات المسلحة، فأعتقد أنها قد انتهت الآن.

بالرغم من أنني لا أرى أن الاتفاق مع الصندوق هو الذي يكفل لمصر الخروج من أزمتها الاقتصادية، إلا أنه يضع بعض التوصيات التي تشكل خطوات على طريق الخروج من هذه الأزمة الاقتصادية، بالدعوة إلى تصفية الشركات المملوكة للقوات المسلحة، ومبدأ وحدة الميزانية، بمعنى أن تضم الموازنة العامة كل الإيرادات الحكومية.

الجيش المصري لديه استثمارات عسكرية واسعة في البلاد - رويترز
الجيش المصري لديه استثمارات عسكرية واسعة في البلاد – رويترز

وفاء الحكومة بالشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي، هو الذي يضمن لها الحصول على القرض الذي تطلبه من الصندوق ومؤسسات أخرى، ولا يمكن أن يكون هناك تنمية صحيحة في مصر إلا بمشاركة كل من القطاعين "العام والخاص"، خصوصاً أن كلاً منهما يمتلك إمكانات اقتصادية كبيرة.

الأفضل لمصر في الظروف الراهنة أن تقوم مؤسساتها المختلفة بالأدوار الموكولة لها بحكم الدستور، وبحكم ما تقتضيه أيضاً تنمية المجتمع في المجالات كافة.

مرت 10 أشهر على دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي للحوار الوطني ولم ينعقد بعد ولا يُعرف أحد متى سيتم ذلك، وهنا نسألك بصفتك المقرر العام المساعد للحوار: هل يمكن التعويل على الحوار، أم أن الأمر لا يعدو سوى كونه "بروباغندا"؟

الحوار الوطني لن يؤدي إلى تغيير سياسي كبير، لسبب بسيط جداً، هو استبعاده للقضايا الجوهرية التي كان يجب أن تكون على رأس أولوياته. 

فهل لك أن تتخيل أن جدول أعمال الحوار لن يناقش مسألة تعديل الدستور، ولا قضايا السياسة الخارجية، بما في ذلك قضية سد النهضة، والعلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية!

التغيير السياسي الذي نطمح إليه يتطلب تعديل الدستور، بما في ذلك انتخاب رئيس الجمهورية وفترات الرئاسة والعلاقة بين سلطات الدولة المختلفة، فكيف تتوقع أن يسفر الحوار عن تغييرات جوهرية دون ذلك؟ بالتأكيد لن يسفر عن التغييرات التي نطمح إليها.

مصطفى كامل السيد (الثاني على اليمين) عضو في الحركة المدنية في مصر - صفحته على فيسبوك
مصطفى كامل السيد (الثاني على اليمين) عضو في الحركة المدنية في مصر – صفحته على فيسبوك

إذا كان الأمر كذلك، فلماذا قبلتم دعوة المشاركة فيه؟

موافقتنا على المشاركة في الحوار الوطني موافقة مبدئية، وتبقى مرهونة بشروط لا بد من تحقيقها أولاً، يأتي على رأسها، الإفراج عن عدد "معتبر" من المعتقلين السياسيين، وسجناء الرأي من مختلف التيارات والاتجاهات، وليس الحركة المدنية فقط، وفي حال الاستجابة لشروطنا، وانعقاد مثل هذا الحوار، فإنها ستكون المرة الأولي التي سينعقد فيها، ومن المقرر أن يشهد مناقشات بين قوى سياسية مختلفة، وهذا يعني أن هناك نوعاً من التغيير السياسي.

أرى أن هذه خطوة يحب أن نبني عليها، فضلاً عن أنه سيناقش قضايا مهمة؛ مثل أوضاع حقوق الإنسان، والأحزاب، ومباشرة الحقوق السياسية، وأولويات الاستثمار، وقضايا التعليم.

ليس من المُستبعد كذلك، أن يسفر الحوار عن بعض المقترحات والتوصيات، تتعلق بتعديلات تشريعية، أو تعديل مدة الحبس الاحتياطي، وضبط وتحديد مدته، بحيث لا تكون مدة مفتوحة كما هو الحال حالياً، ورفع بعض القيود عن حرية التعبير.

 أرى أن الأسباب التي تتحدث عنها والتي جعلتكم تقبلون دعوة المشاركة في الحوار الوطني تقوم في معظمها على توقعات، فهل تكفي التوقعات للمشاركة في حوار يتعلق بمستقبل ومصير الوطن؟

الحركة المدنية وأحزابها مقيدة، لا تملك صحفاً تعبر عنها وعن برامجها، والمواقع الإلكترونية المستقلة محظورة، وبالتالي كان على الحركة المدنية انتهاز واغتنام فرصة الحوار الوطني والمشاركة فيه، لكي يعرف -على الأقل- الرأي العام مواقفها ووجهة نظرها في القضايا المختلفة.

ربما لو كانت الحركة المدنية قد رفضت المشاركة في الحوار لتعرضت لتضييق أكبر وأكثر مما تتعرض له حالياً.

باختصار، ترى الحركة المدنية في الحوار الوطني فرصة لتعريف الرأي العام بها وببرامجها، واختباراً لجدية النظام الحاكم في التغيير.

لكن يرى البعض أن الدعوة إلى عقد الحوار الوطني الغرض منه تجهيز التربة وتعبيد الطريق أمام الرئيس السيسي لفترة رئاسية ثالثة؟

هذا الأمر يتوقف على الحوار وجديته، وكذلك على نتائجه. إذا ما إذا كان الحوار حقيقياً وليس هزلياً، فإذا خرج بنتائج قوية وجوهرية تضمن إجراء انتخابات نزيهة، فيمكن في هذه الحالة أن يوظفها الرئيس لصالح ترشحه لفترة رئاسية جديدة، إما إذا كانت نتائجه محدودة ومتواضعة، فلن يكون ذلك ملائماً لترشحه لفترة جديدة، بل بالعكس سيكون ذلك ضد السيسي، وضد استمراره في الحكم.

متى تتحقق الدولة المدنية التي تدعون إليها بمعناها الصحيح؟ هل الظروف مهيأة لتحقيقه؟

الدولة المدنية الحقيقية بمعناها الصحيح، تتطلب أن يقتصر أمر الدين على ممارسة الشعائر الدينية، وألا يكون موجهاً للعمل السياسي، ولا لنشاط الأحزاب السياسية، وكذلك أن تبتعد القوات المسلحة عن المشاركة في العمل السياسي، وأن يقتصر دورها على حماية الوطن والحدود، وليس الانشغال بالاقتصاد وإدارة العمل السياسي.

هذا الأمر يحدث نتيجة تطور تاريخي ويستغرق وقتاً طويلاً، ولا أعتقد أن الظروف الحالية مهيأة لذلك، لأنه يتطلب "نضجاً مجتمعياً" يضع الدين في مكانه المناسب هادياً للناس ومقوماً للسلوكيات الشخصية، ويطرح قيماً إيجابية، بعيداً عن استخدامه أو توظيفه في السياسة.

أتمنى أن أرى دولة مدنية حقيقية، وألا يستغرق التحول نحوها وقتاً طويلاً.

هل يمكن أن تقدم الحركة المدنية مرشحاً للانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل؟

وارد طبعاً، أن تدفع الحركة المدنية بمرشح لها في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويدور الكلام حالياً داخل الحركة المدنية، على أنه ينبغي عليها الاستعداد للانتخابات الرئاسية، ولكن لم تعقد حتى الآن أي اجتماعات للتباحث حول هذا الأمر، أو تسمية مرشح لها، ولكني أعتقد أن الفترة القادمة ومع اقتراب موعد الانتخابات ستشهد مناقشة ذلك الأمر داخل الحركة.

ما توقعاتك للانتخابات الرئاسية المصرية المقررة العام القادم "2024، وفرصة الرئيس السيسي فيها، وإمكانية ترشح شخصية عسكرية أخرى أمامه؟ وهل تكون مماثلة لانتخابات 2018؟ 

لا أزعم أنني أمتلك تصوراً واضحاً يتعلق بكيفية سير هذه الانتخابات، ولكن أعتقد أنها لن تكون مماثلة للانتخابات السابقة في 2018، لأن التحديات التي تواجه البلاد حالياً سوف تنعكس بالتأكيد على هذه الانتخابات.

أما إجابتي على سؤال: هل سيتقدم الرئيس السيسي كمرشح لفترة جديدة وهل سيتقدم مرشح آخر من القوات المسلحة لينافسه، فكل الاحتمالات واردة. 

2024 ستكون سنة فارقة ومفتوحة على مختلف الاحتمالات.

 سبق لك أن شاركت عام 2019 في الحوار المجتمعي الذي ناقش التعديلات الدستورية حينها، وأعلنت رفضك لها، ورغم ذلك تعود وتشارك في الحوار الوطني، فهل هل تغير أي شيء؟

أنا واجبي كأستاذ جامعي، خصوصاً أنني أستاذ للعلوم السياسية تحديداً ومهتم بالشأن العام، ألا أنعزل عن قضايا الوطن. وإذا أتيحت الفرصة أمامي لإبداء رأيي فعليّ ألا أتردد في اغتنام هذه الفرصة.

أعتقد أنه من "الخيانة" لواجبي كأستاذ جامعي الإحجام عن الإدلاء برأيي في الأزمات السياسية والاقتصادية الطاحنة التي تشهدها مصر حالياً.

من ناحية أخرى، أرى أن ظروف الدعوة إلى الحوار الوطني مشجعة، فنجد أن الرئيس التقى بشخصيات بارزة قيادية في الحركة المدنية؛ مثل حمدين صباحي، كما أنه التقى بشخصيات في هذه الحركة كانت رهن المعتقلات، وكان الإفراج عنها سابقاً للقاء الرئيس بها بأسابيع قليلة، مثل خالد داود.

وأعقب ذلك أيضاً قدر من الانفتاح الإعلامي أمام قيادات من الحركة المدنية وقيادات أخرى تمتلك آراء مستقلة وتنتقد سياسات الحكومة في المجالات كافة.

وأعتقد أن هذه تطورات إيجابية، بالتالي علينا المشاركة، خصوصاً في ظل عدم وجود قنوات أخرى يمكن لها أن تعبر عن الرأي وتدفع الحراك السياسي في مصر، وتخاطب الرأي العام.

هل يعني ذلك أنكم مجبرون لا مخيرون؟

بالفعل، نحن مجبرون لأسباب التي ذكرتها، ونعمل في إطار ظروف لم نخلقها، بالتالي إما أن نقعد عن الاهتمام بالشأن العام تماماً، أو نحاول بقدر الإمكان استغلال هذه الفرص المتاحة والتي أعرف أنها صغيرة وضيقة، ولكن ربما نستطيع إنجاز قدر من التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي فيها، فإما أن أفعل ذلك أو أن أصمت تماماً، وأكتفى بمقالي الذي ينشر في صحيفة "الشروق" أو ما أكتبه على وسائل التواصل الاجتماعي.

وإذا كان هناك من يرفض ذلك، ويرى أن الطريق الوحيد لتغيير الأوضاع هو طريق الثورة، فلهم الحرية الكاملة في ذلك، ولهم الحق الكامل في تقرير ما يريدون فعله.

المادة 200 من الدستور الذي تم تعديله في عام 2019، أوكلت إلى القوات المسلحة مهمة صون الدستور والديمقراطية، فهل تحولت مهمة الجيش من حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها إلى ذلك؟

موقفي من هذه التعديلات الدستورية كان واضحاً، وهو الرفض التام. وأعلنت ذلك أمام رئيس مجلس النواب السابق الدكتور علي عبد العال، وأنا لا أرى مانعاً من تدخل القوات المسلحة -في حالة الضرورة القصوى- لحماية الدستور، وذلك في حالة عجز السلطة التشريعية أو السلطة القضائية عن حمايته. ولكن من الأفضل -كما ذكرت- أن تقوم كل مؤسسة بالدور المنوط بها، فحماية الدستور مهمة السلطتين القضائية والتشريعية، ورأي عام حريص على صيانة الدستور وتطبيقه، وتدخل القوات المسلحة يكون مشروعاً ومسموحاً به فقط في حالة وجود اضطرابات سياسية تجبر الحكومة على التوقف عن أداء مهامها.

 ما تقييمك لسنة حكم الرئيس الراحل محمد مرسي؟ وكيف ترى مستقبل الإخوان في مصر والعالم العربي؟

الإخوان المسلمون لم يكونوا مهيئين لحكم مصر، فأغلب الذين شغلوا مناصب تنفيذية وتشريعية في نظام الرئيس مرسي، قضوا فترات طويلة في السجون، ولم يتمرّسوا فعلياً على الحكم، ولم يصعدوا سلم الحكم من بدايته.

لذلك أرى أن السنة التي حكم فيها الرئيس مرسي قفزت بهم نحو الهاوية السياسية.

أما عن مستقبل جماعة الإخوان، فأرى أنها تعاني من أزمة داخلية عميقة، فإخوان الخارج لم يتفقوا على من يتحدث باسمهم، هل هي مجموعة إسطنبول أم مجموعة لندن، أم مجموعات شبابية أخرى. وأرى أن الإخوان المسلمين لم يتعلموا الدروس من تجربة حكمهم، وتجربة خروجهم من الحكم.

أليس من حق جماعة الإخوان أن يكون لها تنظيمها الخاص وأن تتاح لها حرية العمل؟

أقبل ذلك بشروط، على رأسها عدم تكفير الآخرين أو الذين يختلفون معهم فكرياً، وأن يقبلوا الفصل بين النشاط السياسي والعمل الدعوي، وأتصور أنه لابد من أن يكون هناك من يمثل هذا التيار الديني على مسرح الحياة السياسية في مصر.

برغم ذلك، فإن التجربة التاريخية تقول بأن إدارة الدولة، تتطلب معارف وخبرات أوسع وأعمق بكثير مما يمكن أن يقدمه رجل الدين.

عربياً، كيف تفسر تطبيع الإمارات مع إسرائيل وعقدها اتفاقية سلام معها؟ وهل للصراع مع إيران علاقة في ذلك؟

إسرائيل لن تخوض حرباً ضد إيران لصالح الإمارات، أو دفاعاً عنها. وتفسيري لمسألة إقدام الإمارات على التطبيع مع إسرائيل، أن حكام الإمارات يرون أن التطبيع مع إسرائيل والتحالف معها سيتيح لهم توظيف قوة إسرائيل العسكرية ضد إيران، وبالتالي ردع طهران عن شن هجوم عسكري ضدها، أو التفكير في شن مثل هذا الهجوم.

وعلى الرغم من احتفاظ الإمارات بعلاقات طبيعية مع إيران، يبقى الإحساس بالتوجس والخوف منها قائما بشكل دائم، ليس لديها فقط، ولكن في كل دول الخليج.

 كيف تقيم هذه الخطوة من أبوظبي بالتطبيع مع تل أبيب؟

خطوة خاطئة تماماً، وعمل متهور وطائش وغير صائب، وأؤكد -مرة أخرى- أن إسرائيل لن تحارب إيران دفاعاً عن الإمارات.

كيف تقيّم الإجراءات التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد، التي انتهت بدستور وبرلمان جديدين؟

ما تحتاجه تونس أولاً هو التوافق بين القوى السياسية الرئيسية داخلها، وأقصد بذلك حركة النهضة الإسلامية برصيدها الشعبي الكبير بين الناخبين التونسيين من جهة، وبين الأحزاب المدنية من جهة أخرى.

عليهم التخلص وفوراً من العداءات المتبادلة بينهم. وأعتقد أن النهضة لا تمانع في ذلك، فهي تتمتع بمرونة مطلوبة، ولديها الاستعداد لتقديم بعض التنازلات، والوصول إلى حلول وسط، وسبق لها أن فعلت ذلك.

بعد أن يتم ذلك التوافق، على القوى السياسية الالتفات للبحث عن البدائل التي تكفل لتونس الخروج من المأزق الاقتصادي الذي تعاني منه حالياً، والذي يجب أن يكون له الأولوية على كل الملفات الأخرى.

ماذا لو لم يحدث مثل ذلك التوافق بين الفرقاء في تونس؟

سيمثل ذلك خطورة شديدة على البلاد، وقد تقع تونس في براثن الحكم العسكري، وهذا ليس استنتاجاً أو تحليلاً، ولكن هذا ما يؤكده بعض السياسيين والمهتمين بالشأن العام هناك، وقد سمعته بنفسي من أستاذ جامعي كبير في تونس، وبعض الأساتذة الآخرين.

صحيح أن الجيش في تونس لا يرغب في العمل السياسي، وثقافة تونس بالفعل هي ثقافة مدنية، ولكن قد يدفعه الفشل الهائل لنظام قيس سعيد إلى إيجاد حلول للمشاكل التي تعاني منها تونس، وحالة الانسداد السياسي، للانقضاض على الحكم في البلاد.

لماذا يعاني العراق من حالة عدم الاستقرار على الرغم من وجود المؤسسات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية؟

المشكلة في العراق تتمثل في أن نظام الحكم هناك نظام طائفي، فضلاً عن "شكلية" المؤسسات، وفساد الطبقة السياسية الحاكمة، وخلافاتها المستمرة، وضيق أفقها، وعدم وجود ديمقراطية حقيقية.

لو كانت هناك ديمقراطية حقيقية لا تقوم على نظام طائفي، لكانت هناك محاسبة ومحاكمة وعقاب، وبالتالي كان يمكن أن نشهد تقدماً على طريق الديمقراطية الحقيقية.

باعتقادك، هل يمكن لإسرائيل وأمريكا تنفيذ عمل عسكري ضد إيران؟

إسرائيل لا تستطيع أن توجه ضربة عسكرية ضد إيران إلا بموافقة الولايات المتحدة الأمريكية، وواشنطن تتردد كثيراً في السماح لإسرائيل بتوجيه مثل هذه الضربة، بالتالي فإن الاحتمال الأكبر هو استمرار إسرائيل في "تخريب" البرنامج النووي الإيراني، بمساندة الولايات المتحدة، دون أن تصل الأمور إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران.

 ما الذي تخشاه الولايات المتحدة في حال نشوب مواجهة عسكرية مباشرة بين إسرائيل وإيران؟

الولايات المتحدة الأمريكية لها مصالح كثيرة في منطقة الخليج وفي العالم كله، ويمكن لإيران من خلال وكلائها في المنطقة، القيام بعمليات تخريبية تستهدف مصالحها وقواعدها ومواطنيها في المنطقة وخارجها، كما يمكن لها تهديد دول المنطقة الحليفة لأمريكا.

ويمكنها كذلك إغلاق مضيق هرمز أمام حركة ناقلات البترول، وتخريب أنابيب البترول من السعودية.

أمام هذه المخاطر لا أعتقد أن الولايات المتحدة راغبة في مواجهة عسكرية مباشرة بين تل أبيب وطهران

 ماذا لو أعلنت إيران نفسها دولة نووية؟

أعتقد أن الإيرانيين يملكون من الذكاء ما يجعلهم يحجمون عن هذه الخطوة، لأنهم يعلمون أن ذلك يحمل تهديداً خطيراً لهم، ويعلمون كذلك أن هذا سيؤدي إلى سلسلة هائلة لن تتوقف من العقوبات الاقتصادية، خصوصاً من الدول الأوروبية، وتدمير علاقات إيران الاقتصادية معها.

وقد يؤدي ذلك أيضاً إلى حرمان إيران من صادراتها النفطية، وإخراجها من النظام المصرفي العالمي.

كيف تقيّم الدور التركي في ليبيا؟

الرئيس رجب طيب أردوغان، لاعب سياسي من الطراز الأول، ومن حقه أن يبحث عن مصالح بلاده في كل مكان، ولا أحد يستطيع أن يلومه في ذلك.

هو دخل ليبيا بطلب من حكومة الوفاق الشرعية في طرابلس، واستطاع أن يحقق مكاسب كبيرة وكثيرة، خصوصاً في مجالات الطاقة وقطاع المصارف، بعضها كان مع حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج قبل 3 سنوات، والآخر مع حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة.

من هو مصطفى كامل السيد؟

الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ علوم سياسية في جامعة القاهرة، وأحد المحللين السياسيين المعروفين في مصر متسلحاً في ذلك بخبرة أكاديمية بلغت أكثر من نصف قرن.

يتولى السيد منصب المقرر المساعد للمحور السياسي، للحوار الوطني الذي أطلقه السيسي، وهو عضو في الحركة المدنية، ويشغل أيضاً المدير التنفيذي لمركز شركاء التنمية للبحوث والدراسات.

أصدر السيد عدداً من المؤلفات السياسية التي تناولت -بالمناقشة والتحليل- الشأنين المصري والعربي، من بينها "دراسات في النظرية السياسية"، و"قضايا في التطور السياسي لبلدان القارات الثلاث"، و"الإصلاح السياسي في العالم العربي"، و"الإدارة المحلية في مصر.. الواقع وآفاق المستقبل"، كما أنه أشرف وقدم عدداً كبيراً من مؤلفات وأبحاث العديد من أبرز الكتاب والباحثين محلياً وعربياً.

تحميل المزيد