رغم الجهود المبذولة من أجل تشييد مرافق جديدة وإعادة تأهيل ملاعب أخرى كانت موجودة، من طرف الدولة الجزائرية؛ لإعادة بعث الحركة الرياضية، وتوفير شروط ممارسة الرياضة، وكرة القدم بالخصوص في أفضل الظروف، لا تزال كرة القدم الجزائرية تتخبط في مشاكل إدارية ومالية وتنظيمية على مستوى الهيئة المسيرة للعبة وعديد النوادي منذ سنوات، ألحقت أضراراً وخلفت تراجعاً كبيراً، وعطلت تطور المنظومة الكروية الجزائرية التي تزخر بمواهب ومؤهلات وقدرات تجعلها أفضل مما هي عليه اليوم، لكن سوء التسيير والتدبير.
تراجع دور الرقابة الإدارية والقانونية تسبب في تراجع رهيب وفوضى عارمة خلفت بدورها تداعيات سلبية، مما أدى بالعديد من الفاعلين إلى المطالبة بفتح تحقيقات في تسيير شؤون الاتحاد الجزائري وبعض الأندية على الأقل خلال العقد الأخير إدارياً ومالياً.
أصوات إعلامية وفنية طالبت مؤخراً بفتح تحقيق في تفاصيل الصفقات المتعلقة بانتقال اللاعبين الجزائريين إلى أندية أجنبية، سواء كانت أوروبية أو عربية على مدى سنوات، لمعرفة مضامين العقود، ومدى تطابقها مع القوانين الجزائرية، ومصير الأموال التي جنتها الأندية، وهل حُولت إلى حسابات بنوك داخل الوطن أم خارجها، وهل استفادت الخزينة العامة من تحصيل الضرائب المترتبة على هذه الصفقات، خاصة أن بعض عمليات يشوبها الغموض وضعف الشفافية، وبتدخل من وسطاء لا يحملون صفة "وكيل اللاعبين"، وغير مسجلين على مستوى الاتحادين الجزائري والدولي لكرة القدم، لذلك أضم صوتي لأصوات هؤلاء وأولئك؛ للمطالبة بفتح تحقيقات معمقة في الأمر ومعاقبة من تثبت إدانته وتبرئة ساحة الشرفاء.
لذا، أدعو السلطات العمومية في الجزائر إلى فتح تحقيق في تفاصيل التسيير المالي لشؤون الاتحاد الجزائري لكرة القدم خلال السنوات العشر الماضية على الأقل، على غرار ما يتم في الدوريات الأوروبية والتحقيقات الجارية فيها، لمعرفة كيف وأين صرفت الميزانية، ولماذا وصلنا في ظرف سنوات إلى الإفلاس والعجز عن دفع رواتب الموظفين في الاتحاد، ورواتب المدربين والفنيين. هذا التحقيق الهدف منه هو رصد المعوقات وأسباب الفشل الفني والتذبذب المالي في الكرة الجزائرية، ولا يستهدف أشخاصاً معينين.
كما أطالب بالتحقيق فيما يثار عن تراجع مداخيل الرعاية رغم تتويج الجزائر بكأس أمم إفريقيا 2019، والذي كان يمكن أن يكون سبباً في تحصيل عقود أكبر من المعلنين المحليين والعالميين، لكن حدث العكس، واضطر الاتحاد الجزائري إلى الاستدانة لدفع رواتب الموظفين.
كما أطالب بفتح تحقيق حول مشاريع بناء 4 أكاديميات تابعة للاتحاد الجزائري، خُصصت لها ميزانيات دون استكمال إنجازها كلها، بل اقتصر الأمر على إعادة تأهيل مراكز تابعة لوزارة الشباب والرياضة، كانت موجودة أصلاً، وأين ذهب لاعبوها بعد ذلك، ولماذا استفاد منهم فريق واحد حصراً، علماً أن التكوين ليس من صلاحيات الاتحادية، بل الأندية، والإشراف على مراكز التكوين يتطلب موارد مالية ضخمة، ومؤطرين وفنيين وإداريين متخصصين في التربية والتكوين والكرة، وفي تسيير المنشآت.
كما أطالب بفتح تحقيق في وضعية مركز "سيدي موسى" للمنتخبات، وكيف تحوّل عن الغاية من تشييده، وساءت وضعيته خلال السنوات القليلة الماضية، لدرجة دفعت المدرب الوطني جمال بلماضي إلى البحث عن ملاعب أخرى للتدريب والتحضير!
أدعو السلطات العمومية إلى فتح تحقيق فيما يخص عقد الرعاية بين الاتحاد الجزائري وشركة "موبيليس" للاتصالات، التي قررت من جهة واحدة إعادة النظر في العقد الذي يربطها مع الاتحاد الجزائري، ما أدى إلى خسارة موارد كبيرة كانت تغطي نفقات كثيرة.
من الناحية الأدبية والأخلاقية، أطالب السلطات العمومية بفتح تحقيق في الإخفاق الجزائري المزدوج في انتخابات المكتب التنفيذي للكاف من خلال إرسال ملف ترشيح أحد الشخصيات، بعد إغلاق باب الترشح في المرة الأولى، وترشيح شخصية أخرى في المرة الثانية، دون تقدير للإخفاق الذي كان مرتقباً، مما أساء لصورة الجزائر، مثلما أساء إليها قرار رئيس الاتحاد الجزائري السابق في اعتماد قرار الجمعية العامة للكاف في مارس 2021 بالرباط، والقاضي بمنع عضوية الكاف على كل بلد ليس عضواً بالأمم المتحدة، وكان يقصد به الصحراء الغربية، وهو الأمر الذي يتعارض مع توجهات الجزائر.
أفضل التوقف عند هذا الحد من الإخفاقات، مع التأكيد على أن التغاضي عن الفشل في التسيير، هو الذي يشجّع الرداءة والتمادي في الفشل، مما ينعكس سلباً على الممارسة الرياضية، وعلى القيم والأخلاق وسمعة البلد، وكل الجهود المبذولة لإعادة بعث الممارسة الرياضية النزيهة التي تربي الأجيال، وتسمح لهم بتحقيق النتائج الطيبة، الأمر الذي أدعو إلى تعميمه على كل الاتحادات الرياضية، بعد التراجع الكبير الذي تشهده الكثير من الرياضات الفردية والجماعية، خاصة خلال العقدين الماضيين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.