سباق تسلح في أوروبا انطلق بشكل يبدو أقرب للجنون، بعد الحرب الأوكرانية، تقوده دولة أوروبية توصف بالمتوسطة وكانت تابعة لقرون إلى موسكو، وتنخرط فيه أيضاً قوى أوروبية كبرى مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وسط مخاوف من أن يؤدي لأزمات وفوضى للأسلحة بالقارة، بل أن يحلق الضرر بأصحابه.
فبعد وقت قصير من غزو روسيا أوكرانيا، مررت الحكومة في بولندا المجاورة للبلدين قانوناً لرفع حجم جيشها إلى أكثر من الضعف، ودخلت في فورة تسوق لشراء الأسلحة، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
سباق التسلح في أوروبا يتجلى في أشد صوره تطرفاً في بولندا
ومع دخول الحرب التي أطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عامها الثاني، صارت خطة التوسع البولندية باعثةً على الذهول بسبب حجمها. تتضمن الخطة ما يقرب من 500 راجمة صواريخ هيمارس أمريكية أو ما يعادلها من منظومات إطلاق الصواريخ المتعددة بعيدة المدى، التي أتاح 20 منها فقط لأوكرانيا إلحاق أضراراً جسيمة بالآلة العسكرية لموسكو.
وليس هذا إلا غيضاً من فيض.
صحيح أن قائمة التسوق العسكري الخاصة ببولندا سوف ينتهي بها الحال بأن تصير أكثر من طاقتها، لكنها أيضاً ليست فريدة من نوعها.
انتهى عصر السلام الذي ساد بعد الحرب الباردة
تستخلص الحكومات حول العالم العبر من حرب أوكرانيا التي تعد أول حرب أوروبا عالية الكثافة منذ عام 1945، وتقيّم كل شيء بدءاً من مخزون الذخيرة ووصولاً إلى منظومات الأسلحة وخطوط الإمدادات، وذلك وفقاً لمسؤولين دفاعيين سابقين وحاليين وسجلات مفتوحة المصدر في عشرة بلاد وفي منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وتعيد بعض الدول فحص عقائدها العسكرية لتعريف نوعية الحروب التي عليها التأهب لخوضها.
وقال فرانسوا هايسبورغ، المحلل الدفاعي الفرنسي المخضرم والمستشار الحكومي السابق: "هذه هي قصة نهاية عصر ما بعد الحرب الباردة، وقد انتهى في 24 فبراير/شباط 2022″، وذلك في كلماته التي تصف حركة وليدة تبتعد عن حالة تراجع التسليح وتخزين الذخائر وإعادة هيكلة القوات البرية التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991.
الغرب اكتشف أنه لا يمتلك مخزونات لخوض حرب عالية الكثافة
أوضح هايسبورغ: "جميع الجيوش الغربية تمر بهذا، لأنه من الواضح الآن أن لا أحد -بما في ذلك الولايات المتحدة- يملك مخزونات يمكن أن تكون ضرورية للتعامل مع حرب كبيرة عالية الكثافة".
بالنسبة للعديد من البلاد الأقرب من أوكرانيا، فإن النقاط الرئيسية تتضمن الزيادةَ الحادةَ في الإنفاق الدفاعي، ورفْع قدرات الإنتاج المحلي العسكري، وتوسيع حجم أساطيل الدبابات، والمدفعية، والدفاع الجوي.
ليست آثار الصراع مقصورةً على جيران أوكرانيا. إذ تراقب الصين والهند وتايوان والولايات المتحدة عن كثب التداعيات على بعد آلاف الأميال شرقاً. لدرجة أن بعض المسؤولين الأمريكيين يتحدثون عن التعامل مع المسرحين الأمنيين الأوروبي والآسيوي باعتبار أنهما متصلان، أو ربما عند مرحلة ما، باعتبار أنهما وحدةٌ واحدة.
تقول دراسة بريطانية حول الدروس المستفادة من حرب أوكرانيا أعدها المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI)، إن ما يحمل نفس القدر من الأهمية هو التأكد من توافر الأسلحة والمُسيرات وابتكارات المعلومات الاستخباراتية الآنية التي منحت أوكرانيا دقةً أعلى. ساعدت تلك الميزة في تضييق الفوارق على أرض المعركة ضد خصم روسي أقوى.
وقع وزراء الدفاع في الدول الأعضاء في حلف الناتو في الأسبوع الماضي على توجيهات سياسية جديدة تطالب الأعضاء بزيادة الاستثمار في الدفاع الجوي، وقدرات شن الضربات العميقة، والقوات الأثقل، مع التأكيد على الحاجة إلى تعزيز الاستثمار في التحديث الرقمي.
حتى الدولة المسالمة وتلك الصديقة لموسكو باتت تتسلح بقوة
ومع تجمع مجتمع الدفاع في مؤتمر ميونخ الدولي للأمن الذي يعقد سنوياً، فإن استطلاعاً أجراه المنظمون حول مجموعة الدول الصناعية السبع وبعض الدول في مجموعة بريكس، يسلط الضوء على زيادة تصور الخطر بين السكان أيضاً -بدءاً من خطر الحرب النووية ووصولاً إلى نقص الغذاء- بما في ذلك سكان الصين.
أُجري استطلاع مؤتمر ميونيخ الدولي للأمن على مجموعة تضم 1000 شخص من 12 دولة، بين 19 أكتوبر/تشرين الأول و7 نوفمبر/تشرين الثاني.
وحتى المجر التي تتمتع بعلاقات جيدة مع روسيا، فإن المخاوف تتعاظم لديها من استمرار البيئة الأمنية المتقلبة غير المتوقعة. وتخلت فنلندا والسويد عن الحذر الدبلوماسي والحياد اللذين تعتنقانه منذ عقود، وتقدمتا بطلب للانضمام إلى منظمة الناتو.
والشواهد أكثر بكثير.
ألمانيا كان لديها في الثمانينات آلاف الدبابات، الآن أقل من 400
كانت الحرب بمثابة صدمة بالنسبة لغالبية الدول الأعضاء في الناتو. فقد اعتمدت هذه الدول على ما عرفت بـ"فوائد السلام"، في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي، وخفّضت الميزانيات الدفاعية، وأنهت التجنيد الإجباري، وخرَّدت كميات كبيرة من المعدات أو باعتها، اعتقاداً بأن وقوع حرب برية كبرى لم يعد احتمالية معقولة.
ووفقاً لما ورد في الملخص السنوي للبيانات الدفاعية Military Balance، الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)، فإن ألمانيا، التي امتلك نصفها الغربي وحده آلاف الدبابات في ثمانينيات القرن الماضي، تمتلك الآن 321 دبابة فقط.
أما المملكة المتحدة، التي خصصت 4% من الناتج المحلي الإجمالي لصالح القوات المسلحة المكونة من 325 ألف فرد في أواسط ثمانينيات القرن الماضي، فإنها تنفق الآن حوالي نصف هذا المبلغ على قواتها التي أصبحت مكونة من 150 ألف فرد.
المسؤولون الغربيون يعتقدون أن بوتين يريد استعادة الإمبراطورية السوفيتية
وصل خفض الإنفاق العسكري إلى نهايته في 2014، في أعقاب ضم روسيا شبه جزيرة القرم، لكن تأثير السنوات الماضية يبدو هائلاً، حتى في عصر الميزانيات المحدودة.
يعتقد كثير من المسؤولين الأوروبيين والأمريكيين أن بوتين يعتزم إخضاع جيران روسيا من دول الاتحاد السوفييتي سابقاً، وسوف يسعى لإعادة بناء جيشه، بغض النظر عن نتيجة الحرب.
وفي غضون ذلك، تُضاعف الدول، مثل بولندا وألمانيا، من إنفاقها العسكري المخطط للسنوات القادمة.
14 دولة تنضم لدرع السماء الأوروبية
يُعاد تشكيل القطاع الدفاعي في ألمانيا نتيجة لتعزيز التمويل. تستثمر شركة راينميتال الألمانية للصناعات الدفاعية ملايين اليوروهات في المصانع وخطوط الإنتاج الجديدة داخلياً وفي البلاد القريبة، مثل المجر، بهدف توسيع نطاق إنتاج الدبابات والذخيرة.
وتكثف شركة ديهل الألمانية للصناعات الدفاعية إنتاجها من منظومة الدفاع الصاروخية إيريس-تي -التي امتدحتها أوكرانيا لاقتراب معدل إصابتها من نسبة 100%- والتي سوف تضطلع بدور رئيسي في مبادرة المستشار الألماني أولاف شولتز التي تستهدف إنشاء درع دفاع صاروخية أوروبية. وقعت 14 دولة من أعضاء الناتو، بالإضافة إلى فنلندا، على خطاب نوايا للانضمام إلى ما يُعرف بـ"درع السماء الأوروبية".
تتطلع فرنسا هي الأخرى إلى إعادة هيكلة قواتها لتتلاءم مع الحرب العالية الكثافة. أعلنت الحكومة مخصصات جديدة ممتدة لست سنوات بقيمة 400 مليار دولار، بين عامي 2024
و2030، لترتفع بمقدار الثلث مقارنةً بخطة الإنفاق السداسية الحالية.
فرنسا وبريطانيا اكتشفتا أن ذخائرهما ستنفد خلال عدة أسابيع بأي قتال مع موسكو
من بين الحقائق الصادمة التي يواجهها الجيش الفرنسي والتي تدعو إلى اليقظة، أن القوات الروسية في منطقة دونباس الشرقية في أوكرانيا أطلقت في بعض الأحيان كمية قذائف مدفعية ثقيلة في أسبوعٍ واحدٍ، تعادل إجمالي كمية قذائف مدافع سيزر عيار 155 مم التي استخدمت على مدار 13 سنة في عمليات الانتشار العسكرية الفرنسية في أفغانستان ولبنان ومالي والعراق معاً، وذلك بحسب شركة الأسلحة الفرنسية نكستر التي تصنع هذه القذائف.
بل إن الموقف قد يبدو صارخاً بدرجة أشد بالنسبة للمملكة المتحدة. يقول المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI) إن المخزون الكامل الخاص بالجيش البريطاني من قذائف المدفعية عيار 155 مم، كان سيُستنزف في يومين فقط إذا واجه المدافع الروسية في دونباس في الصيف الماضي. وكانت القوات الأوكرانية ستنفد لديها نفس النوعية من الذخيرة في غضون أسبوع واحد.
يمثل ذلك مؤشراً لأن مخزونات ذخائر أقوى دولتين أوروبيتين حالياً قد تنفد في أي مواجهة مع روسيا بعد بضعة أسابيع.
سوف تطلب وزارة الدفاع البريطانية 10 مليارات جنيه إسترليني (12.11 مليار دولار) لمواكبة التضخم، وسوف تطلب زيادة تمويل إضافية لإعادة بناء الجيش الذي "جرى تفريغه على مدى عقود"، وذلك وفقاً لشخص مطلع على محادثات تحديث وضع الجيش في بريطانيا.
ويبدو أن اتجاه عودة التسلح يتجاوز ذلك المجال عبوراً إلى الحدود السياسية. قال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان إن ناقوس الخطر دق بالنسبة له في اجتماعٍ لحلف الناتو عُقد في يوليو/تموز، أبلغ بعده وزير الدفاع بضرورة "الزيادة الجذرية" في القدرات الدفاعية.
رفض أوربان إرسال أسلحة إلى أوكرانيا وتباطأ في تطبيق عقوبات الطاقة المفروضة ضد روسيا. ومع ذلك، تبيِّن خطوة معاودة التسلح قلقاً عميقاً حول المخاطر التي تواجه المجر، في منطقة يصفها أوربان دائماً بأنها منطقة "تعصف بها الرياح" وسط أوروبا، حيث تقاتلت عليها الإمبراطوريات على مدى القرون.
ارتباك الأداء الروسي يسلط الضوء على أهمية اللوجستيات
وكثير من الدروس المستفادة من الحرب بأوكرانيا لا يتعلق بالعتاد، بقدر تعلقه بالقضايا الأخف المرتبطة بالخدمات اللوجستية والتدريب والاستراتيجية، التي لا حدود لها.
وقالت ميشيل فلورنوي، نائبة وزير الدفاع الأمريكي للسياسات سابقاً: "أظهر أداء الروس مدى الدمار الممكن عند سوء إدارة الخدمات اللوجستية. سيكون سلاحاً ذا حدين بالنسبة لسيناريو تايوان: إذ إن مسافة 200 ميل في المحيط ستكون صعبة بالنسبة للصين، لكنها صعبة أيضاً لإعادة إمداد تايوان".
وصمود أوكرانيا يكشف فاعلية أكبر من المتوقع للتدريب
ومع ذلك، ثمة نقاط رئيسية في أوكرانيا يمكن أن تستفيد منها تايوان وحلفاؤها، بما في ذلك أهمية التدريب الذي حصلت عليه قوات كييف في الحرب غير المتكافئة خلال السنوات الثماني الفاصلة بين حرب القرم ودونباس 2014 وغزو أوكرانيا عام 2022.
قالت ميشيل: "تلك التدريبات، التي أُجريت مع حلفائنا، كانت أكثر نجاعة بكثير من إدراكنا. الآن نحن في حاجة إلى معرفة طريقة ترجمة هذه الدروس من أجل تايوان".
يصعب استيعاب أي من التقييمات التي تجريها الصين، لأن هذه النقاشات تُعقد في الغالب عن كثب عن طريق الجيش الصيني، ويمكن أن تتضمن محاولة إخفاقات روسيا في ساحة المعركة علناً.
هل يخدع الغرب نفسه بانحيازه ضد روسيا في تقييماته للمعارك؟
تقول دارا ماسيكوت، الباحثة البارزة في الشؤون العسكرية والشؤون الروسية لدى مؤسسة راند الفكرية، إن الحرب في أوكرانيا برغم أنها ترسم تغيراً هائلاً، فثمة مخاطر كامنة في التسرع في استخلاص الاستنتاجات مع استمرار عدم اتضاح النتائج.
وفي هذا السياق تثار تساؤلات حول هل يدفع الغرب ثمن إنحيازه ضد روسيا في تقييماته للمعارك، وغلبت الدعاية على التحليل الموضوعي.
فمثلاً لم تُدمَّر غالبية الدبابات الروسية عن طريق صواريخ جافلن الأمريكية المحمولة المضادة للدروع أو قذائف نلاو للمشاة، مثلما كان يُعتقد، بل عن طريق قصف المدفعية الموجهة.
وجرى تضخيم براعة القوات المسلحة الروسية في بداية الأمر عن طريق المراقبين، ثم صُرف النظر هذه المزاعم (بل تحول الأمر للتهوين من قدراتها)، جنباً إلى جنب مع التقليل من جودة أسلحتها.
قد تتغير الكثير من الأمور إذا تعلمت روسيا من أخطائها، ونشرت قوتها الجوية بصورة أكثر نجاعة. قالت دارا: "يجب علينا أن نكون حريصين بالفعل حول الدروس التي نتعلمها من هذا، حسبما نقلت عنها الوكالة الأمريكية.
وهناك مؤشرات بالفعل، على تحسن أداء القوات الروسية وتحقيقها تقدماً ولو بطيء، والأهم تقليل خسائرها، واعتمادها مقاربة أكثر واقعية".
بولندا تريد محاكاة موسكو ببناء جيش ضخم
ولكن تحديداً بولندا التي كانت تابعة لموسكو لقرون حيث احتلتها روسيا القيصرية وأخضعتها موسكو السوفييتية بعد أن قضمت أجزاء من أراضيها، لا تريد الانتظار، للحصول على تقييم أكثر توازناً للحرب.
فهي تتعجل في توسيع جيشها بشكل ينذر بحدوث فوضى، متناسية أن الجيش الروسي، هو أكبر جيش يكدس الأسلحة في العالم، ولكن أظهر ارتباكه في بداية المعركة أن حسن التنسيق، والتخطيط وعدم التعجل، واللوجستيات أهم من عدد الأسلحة.
بل قد تكون كثرة الأسلحة عائقاً في كثير من الأحايين.
وبينما بدأت موسكو تتواضع وتنحو للتعقل في نهجها العسكري والتعلم من أخطائها، تبدو بولندا وكأنها تريد أن تكون روسيا جديدة على حدود روسيا القديمة، بعملية لبناء جيش كثيف المعدات على النمط الروسي.
وقال وزير الدفاع البولندي، ماريوس بلاشتشاك، في العام الماضي، إن بلاده سوف تُنشئ فرقتين عسكريتين جديدتين لتعزيز الدفاعات في وسط وشرق بولندا، في مشروع يتطلب 20 ألف فرد من القوات الجديدة. وأوضحت الحكومة أيضاً أنها تخلت عن خطط الرد على الغزو المُعتَمَدة منذ عهد طويل، التي كانت تستند إلى استراتيجية دفاع عميق، يدعمها نهر فيستولا. يمر نهر فيستولا عبر العاصمة البولندية وارسو، ويقسم البلاد إلى نصفين.
حتى إنها تريد عدداً من أنظمة هيمارس الأمريكية يعادل كل ما أنتجته الشركة في تاريخها
الموافقة التي أقرتها وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في 7 فبراير/شباط لبيع 18 راجمة صواريخ أمريكية هيمارس وملحقاتها من الذخائر إلى بولندا في اتفاقٍ مقابل 10 مليارات دولار، ليست إلا غيضاً من فيض الطلب الأصلي المُقدَّم من بولندا لشراء 486 منظومة، وهي تقريباً نفس إجمالي الكمية التي صنعتها شركة لوكهيد مارتن من الراجمات منذ بدايتها حتى الآن.
وقالت الشركة في العام الماضي إنها سوف تزيد الإنتاج ليصير 96 راجمة صواريخ هيمارس سنوياً. غير أن هذه الكمية الكبيرة قد تستغرق سنوات للوصول إليها، ويجب أن تحصل على موافقة واشنطن أولاً.
وبدلاً من الانتظار في الطابور، طلبت بولندا 288 وحدة من النسخة الكورية الجنوبية التي تشبه راجمة الصواريخ الأمريكية إم 270، التي تعد التوأم الأثقل لراجمات هيمارس والتي تحمل ضعف عدد منصات إطلاق الصواريخ.
حتى هذه اللحظة، اتفقت بولندا على 218 راجمة من منظومات الصواريخ المتعددة الكورية الجنوبية كيه 249 تشونمو، المتوافقة مع ذخيرة هيمارس. ويتوقع وصول أول 18 راجمة منها هذا العام.
شكوك بقدرتها على تشغيل كل هذه الأسلحة بل حتى مجرد تخزينها
ثمة شكوك تتعلق بما إذا كانت البلاد قادرة على الحفاظ على هذا المستوى من الإنفاق الدفاعي، وهي مشكلة ستضغط على الأرجح على عدد من الخزائن العامة لأعضاء الناتو الآخرين، بينما يحاولون إيجاد موازنة بين عدد من المطالب المتزايدة الخاصة بكل من الرعاية الصحية والدفاع والسكان المسنين.
فمن ناحية، يتصور قانون الدفاع عن الوطن للعام الماضي في بولندا زيادة أعداد القوات البولندية من 114 ألف فرد إلى 250 ألف فرد خلال 12 سنة. يعني ذلك زيادة عدد الجنود
بـ11 ألف جندي سنوياً، في وقت تكافح القوات المسلحة خلاله من أجل الإبقاء على الجنود الموجودين في الخدمة.
من المؤكد أن إضافة المئات من راجمات هيمارس وتشونمو سوف تحتاج إلى موارد ضخمة -علاوة على تكاليف الشراء المرتفعة للغاية من الأساس- التي تتضمن آلاف الأفراد المدربين جيداً لتشغيل هذه المعدات وصيانتها وضمان إمداداتها. سوف تحتاج منظومات الصواريخ تخزين آلاف الصواريخ.
ومع وجود ما يقرب من 1400 دبابة قتال رئيسية جديدة وفق التصور المخطط له، التي تتضمن 366 دبابة أبرامز أمريكية طلبتها قبل بداية الحرب مباشرة وبعدها، و1000 دبابة كورية جنوبية كيه 2 بلاك بانثر (سوف تُصنع غالبيتها في بولندا)، فإن سلاسل الخدمات اللوجستية والصيانة المطلوبة لدعم كل هذا الحجم من العتاد العسكري، سوف تكون شاسعة.
وقال توماش دريونياك، الجنرال والمفتش السابق في القوات الجوية البولندية: "صحيحٌ أن الاتجاه العام يبدو صحيحاً، ولكن عند النظر إلى أرقام المعدات الجديدة التي طُلب شراؤها، فإنني لست متأكداً إذا كان هناك أي شخص أجرى تحليلاً دقيقاً حول المواقع التي يجب على الجيش أن يخزنها فيها، ومن الذي سوف يُشغلها لاحقاً ويتولى صيانتها".
فالتسليح وحده المطلوب لطيران 96 مروحية أباتشي التي وضعتها بولندا على قائمة المشتريات الخاصة بها -والتي تحمل كل منها 16 صاروخ هيلفاير ثمن الواحد منه يساوي 100 ألف دولار بما في ذلك قطع الغيار وتكاليف الصيانة- يمكن أن يكلف ما لا يقل عن 150 مليون دولار.
أوضح دريونياك: "تكلفة المعدات الجديدة لا تساوي إلا 25% إلى 30% من الميزانية الإجمالية المطلوبة للإبقاء على القوات". وفي استحضاره للحالة التي يُرثى لها التي صارت عليها القوات المسلحة البولندية في أعقاب انهيار الشيوعية، أضاف الجنرال البولندي السابق: "كنت أخدم في جيش مكون من 300 ألف فرد، لا يملك أية موارد لأي شيء، ولا حتى الوقود أو الوجبات".