قد تجد صورتك في مظاهرة مؤيدة لأمر مشين أو غير قانوني ببلدك أو مشكلة مع الحكومة البريطانية، فحتى المتخصصون في مكافحة القرصنة، كانوا ضمن ضحايا فريق قراصنة خورخي الإسرائيلي الذي أثار عمليات القرصنة التي نفذها ذعراً عالمياً.
للوهلة الأولى، يبدو الحساب الذي يحمل اسم Canaelan على منصة تويتر عادياً للغاية. لقد قام بالتغريد على كل شيء من كرة السلة إلى تايلور سويفت، ومن نادي توتنهام هوتسبير لكرة القدم، إلى سعر شوكولاتة كيت كات. يُظهر الملف الشخصي رجلاً أشقر ودوداً وله لحية ونظارات، ويشير إلى أنه يعيش في مدينة شيفيلد الإنجليزية.
في الواقع، Canaelan هو روبوت غير بشري مرتبط بجيش ضخم من الحسابات المزيفة على الوسائط الاجتماعية التي يتحكم فيها برنامج مصمم لنشر "الدعاية"، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
إنه أحد منتجات فريق قراصنة خورخي الإسرائيلي الذي فضحه تحقيق استقصائي دولي، بعدما تبين أنه خرب أكثر من 30 عملية انتخابية ونشر معلومات مضللة عبر منصات التواصل الاجتماعي والقائمة طويلة، بما في ذلك حملات في الولايات المتحدة حليفة إسرائيل مثل تلك التي استهدفت غافين نيوسوم، حاكم كاليفورنيا الذي يعتبر أحد السياسيين الديمقراطيين البارزين، حسب صحيفة Haaretz الإسرائيلية.
فريق قراصنة خورخي الإسرائيلي يستخدم برنامجاً يمكنه خلق 30 ألف حساب مزيف
فمن أبرز الخدمات التي يقدمها فريق قراصنة خورخي الإسرائيلي، حزمة برامج متطورة للتأثير الإعلامي (Advanced Impact Media Solutions)، تُعرف اختصاراً باسم "آيمز" Aims. وتتحكم هذه الحزمة في جيش ضخم من آلاف الحسابات الشخصية الزائفة على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل تويتر ولينكدإن وفيسبوك وتليغرام وGmail وإنستغرام ويوتيوب، فضلاً عن بعض الحسابات الزائفة على موقع أمازون وموقع "إير بي إن بي"، مجهزة ببطاقات ائتمان ومحافظ بيتكوين.
يمكن استخدام برنامج Advanced Impact Media Solutions (أو Aims)، الذي يتحكم في أكثر من 30 ألف حساب مزيف على الوسائط الاجتماعية، لنشر المعلومات المضللة على نطاق واسع وبسرعة. ويُباع البرنامج من قبل "فريق خورخي" الذي يضم مجموعة من نشطاء المعلومات المضللة المتمركزة في إسرائيل، الذي كان يعمل كثير منهم في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.
وأخبر تال حنان، الذي يدير المجموعة السرية باستخدام الاسم المستعار "خورخي"الصحفيين المتخفين الذين التقوا به، بأنه قدَّم خدماته، التي يصفها آخرون بـ"العمليات السوداء"، لوكالات استخبارات وحملات انتخابية سياسية وشركات خاصة، كلها استعانت به للتلاعب بالرأي العام سراً. وشملت قائمة عملائه زبائن من جميع أنحاء إفريقيا وأمريكا الجنوبية والوسطى والولايات المتحدة وأوروبا.
لكن أنشطة "فريق خورخي" لم تتوقف عند التلاعب في الانتخابات فقط، بل امتدت إلى أي مجال يبثون من خلاله "الفوضى".
باع برنامجه لشخص يستهدف مكتب مفوض المعلومات البريطاني
وقال تال حنان، الذي يدير المجموعة السرية باستخدام الاسم المستعار "خورخي"، لصحفيين متنكِّرين إنهم باعوا الوصول إلى برامجهم إلى وكالات استخبارات وأحزاب سياسية وعملاء من الشركات لم يذكر أسماءهم. ويبدو أن البرنامج تم بيعه إلى عميل أراد تشويه سمعة مكتب مفوض المعلومات في المملكة المتحدة، وهو هيئة رقابية قانونية.
في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2020، قضى مكتب مفوض المعلومات بأن الحكومة يجب أن تكشف عن الشركات التي حصلت على عقود بالملايين لتوريد معدات الحماية الشخصية لشركاتٍ مرتبطة بالسياسة. واشتكى حساب Canaelan على تويتر بعد يومين من ذلك من أن "هذا مرتبط بدوافع سياسية. هذا واضح!".
كان هذا التعليق جزءاً من جوقة الرفض التي أثارتها الروبوتات، التي بدت مذعورة. قال أحدهم: "مفوض المعلومات يحاول كل شيء لتدمير الحكومة"، بينما وصف آخر الحكم بأنه "عمل يائس".
لقد اتحدت جميع "الردود" الواردة تحت ذلك وغيره من التغريدات في غضبها من مكتب مفوض المعلومات، الذي وصفوه بأنه "مضيعة للوقت" و"كسيح". ومع استمرار الردود، أصبحوا أكثر حدة، حيث أطلقوا اتهامات جامحة وكاذبة ضد مكتب مفوض المعلومات حول الرشاوى والفساد والصلات مع اليمين المتطرف.
من غير المعروف من كلف فريق خورخي بإطلاق العنان للروبوتات على مكتب مفوض المعلومات أو لماذا. ولم يرد تال حنان على طلبات مفصلة للتعليق، لكنه قال: "لأكون واضحاً، أنفي ارتكاب أي مخالفة".
البرنامج يتيح إنشاء حسابات لها بطاقات ائتمان
يبدو أن الحملة المتعلقة بمكتب مفوض المعلومات كانت قصيرة الأمد نسبياً مقارنةً بحملات أخرى حول العالم تمكن الصحفيون من ربطها ببرنامج Aims لفريق خورخي، والذي يعد أكثر بكثير من مجرد برنامج للتحكم في الروبوتات.
يتيح البرنامج إنشاء حسابات على تويتر ولينكد إن وفيسبوك وتليغرام وجي ميل وإنستغرام ويوتيوب. حتى إن البعض لديهم حسابات أمازون مع بطاقات ائتمان ومحافظ بيتكوين وحسابات إير بي إن بي.
وأخبر حنان الصحفيين أن حساباته تحاكي السلوك البشري وأن منشوراتهم مدعومة بالذكاء الاصطناعي.
وباستخدام الحسابات المرتبطة بالبرنامج التي كشف عنها فريق خورخي، تمكن الصحفيون في صحيفة The Guardian البريطانية، وLe Monde الفرنسية، وDer Spiegel الألمانية من تحديد شبكة أوسع بكثير من ألفي روبوت مرتبطة بالبرنامج على فيسبوك وتويتر.
متورط في نزاعات تجارية بـ20 بلداً بما ذلك نزاع نووي
ثم تتبع الصحفيون نشاط روبوتات برنامج فريق قراصنة خورخي الإسرائيلي على الإنترنت، وحددوا مشاركاتهم في ما بدا أنه نزاعات تجارية في الغالب في حوالي 20 دولة، بما في ذلك المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وكندا، وألمانيا، وسويسرا، واليونان، وبنما، والسنغال، والمكسيك، والمغرب، والهند، والولايات المتحدة والإمارات وزيمبابوي وبيلاروسيا والإكوادور.
وكشف التحليل عن مجموعة واسعة من أنشطة الروبوتات، حيث تورطت الحسابات المزيفة لبرنامج Aims في نزاع في كاليفورنيا حول الطاقة النووية، والجدل المثار في حملة MeToo في كندا، وحملة في فرنسا شارك فيها مسؤول قطري بالأمم المتحدة، وانتخابات في السنغال.
استهدفت إحدى الحملات المدعومة من Aims شركة يخوت فخمة مقرها موناكو، متهمة إياها بأن لها صلات مباشرة بالعديد من أفراد الأوليغارشية الروسية الذين خضعوا لعقوبات.
سلب هوية صحفي هولندي متخصص في التوعية بشأن سرقة الروبوتات للهويات!
حدد الصحفيون أيضاً أحداثاً واقعية يبدو أنها نُظمت لتوفير مادة يمكن الاستفادة به في حملات وسائل التواصل الاجتماعي التي فريق قراصنة خورخي الإسرائيلي. تضمنت إحدى الحالات احتجاجاً وهمياً نُظِّمَ أمام مقر إحدى الشركات في شارع ريجنت بوسط لندن.
قام ثلاثة نشطاء ملثمين يرتدون قبعات بيسبول ونظارات شمسية وأقنعة بتصوير أنفسهم وهم يلوحون باللافتات. ونُظِّمَت حملة منشورات مماثلة بالقرب من برج إيفل في باريس، قبل أن يجري تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل روبوتات برنامج Aims. ولا يمكن معرفة هوية العملاء في أي من الحملات، أو حتى ما هو هدفهم.
ومع ذلك، فإن ما يبدو واضحاً هو أن الحسابات التي تروج للدعاية تقوم بذلك بمساعدة الصور المسروقة لأشخاص حقيقيين.
كانت صورة لرجل مبتهج في السيرة الخاصة بحساب Canaelan على تويتر، قد التُقِطَت من حساب حقيقي على تويتر لتوم فان رويجين، 25 عاماً، وهو صحفي هولندي مستقل يعيش في هولندا.
وبعد إبلاغه من قِبَلِ صحيفة The Guardian عن سرقة هويته، قال فان رويجين إنه شعر "بعدم الارتياح تماماً" عندما رأى وجهه بجانب تغريدة تعبر عن وجهات نظر يختلف معها. وقال: "أقدم الكثير من ورش العمل للفصول المدرسية حول الأخبار والإعلام والصحافة والأخبار المزيفة. أقوم بتعليم الأطفال أسبوعياً أن هويتهم يمكن أن تسرقها روبوتات على تويتر. لم أتصور قط أن هويتي ستسرقها الروبوتات".
من المحتمل أن يكون فان رويجين من بين عشرات الآلاف من الضحايا الذين التُقِطَت صورهم بواسطة قراصنة خورخي.
هكذا يستخدمون أرقام هواتف حقيقية
تُستخدم تقنيات أخرى أيضاً لإضفاء مصداقية على الصور الرمزية وتجنب أنظمة اكتشاف الروبوتات التي أنشأتها المنصات التقنية. قال حنان إن الروبوتات الخاصة به مرتبطة بأرقام هواتف تم التحقق منها عبر الرسائل القصيرة، وبعضها لديه بطاقات ائتمان. تحتوي الأهداف أيضاً على مجموعات مختلفة من الحسابات من جنسيات ولغات مختلفة، مع وجود أدلة على أنها تدفع بالروايات باللغات الروسية والإسبانية والفرنسية واليابانية.
كان المشاركون في حملة مكتب مفوض المعلومات في بريطانيا يبدون بريطانيين، حيث أعادوا تغريد المقالات الإخبارية من صحيفة The Guardian، وشبكة BBC، وصحيفة Daily Mail وTelegraph. وأظهروا اهتماماً بالعائلة المالكة، ونشروا نكاتاً مرحة عن الطقس والطعام البريطاني، بالإضافة إلى صور مناظر خلابة من ويلتشير ويوركشاير.
وفرت هذه الخلفيات بعض المصداقية عندما بدأوا، لاحقاً، فجأة في التعبير عن وجهات نظرهم حول هيئة مراقبة البيانات في المملكة المتحدة.
رفض تويتر التعليق، فيما قامت شركة ميتا، مالكة منصة فيسبوك، بإزالة الروبوتات المرتبطة بـAims على نظامها الأساسي، بعد أن شارك الصحفيون عينة من الحسابات المزيفة مع الشركة. وفي يوم الثلاثاء، 14 فبراير/شباط، ربط متحدث باسم شركة ميتا روبوتات Aims بروبوتات أخرى متعلقة بشركة إسرائيلية أخرى عام 2019 ولم تعد موجودة، إذ حُظِرَت من على المنصة.