اختُرق بريده الإلكتروني وسُربت ملفات خاصة.. هل حان وقت محاسبة مانشستر سيتي على هيمنته الكروية؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/02/19 الساعة 08:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/02/19 الساعة 09:29 بتوقيت غرينتش
الشيخ منصور بن زايد آل نهيان مالك مانشستر سيتي (وسط)/ GettyImages

لا شيء يشغل أندية ومتابعي الدوري الإنجليزي الممتاز في الوقت الحالي أكثر من قضية الاتهامات التي تواجه مانشستر سيتي، بطل الدوري بالموسم الأخير، والحاصل على البطولة 4 مرات في المواسم الخمسة الأخيرة. 

 وتفيد التقارير الصحفية بأن السيتي معرَّض لتوقيع عقوبات قاسية وغير مسبوقة عليه في حالة ثبوت إدانته بخرق قواعد اللعب المالي النظيف.

ويوضح بيان رابطة الأندية الإنجليزية أن مانشستر سيتي لم يقدم معلومات حقيقية حول العديد من الأمور التي يجري التحقيق بها، وتتركز هذه الاتهامات حول عدم امتثال النادي لقواعد الاتحاد الأوروبي لكرة القدم من حيث "اللعب المالي النظيف" عبر المبالغة في الإيرادات وتقليل التكاليف التقديرية، مما سمح للنادي بالتحايل على قواعد اللعب المالي.

كيف وصل مانشستر سيتي إلى المأزق الحالي؟

في بداية عام 2018 جمعت "Football Leaks" مجموعة هائلة من التسريبات الخاصة بكرة القدم، قُدر حجمها بـ70 مليون مستند، إضافة إلى 3.4 تيرا بايت من المعلومات المهمة والخطيرة، وتضمنت تلك التسريبات رسائل بريد إلكتروني تُدين العديد من الأندية الأوروبية وأشخاصاً مساهمين في كرة القدم، وأرسلت المنظمة التسريبات إلى صحيفة "دير شبيغل" (Der Spiegel) الألمانية التي قامت بالتعاون مع عدد كبير من المتخصصين بمراجعتها وتحليلها قبل النشر.

وكشفت عملية تحليل المستندات والوثائق على ما تحتويه من معلومات بالغة الخطورة، عن عمليات فساد مالي متورط فيها نادي مانشستر سيتي المملوك لأحد صناديق الثروة السيادية لدولة الإمارات "مبادلة للاستثمار" وتحت إدارة الشيخ منصور بن زايد، شقيق حاكم الإمارات. 

حيث تعمد النادي تضخيم قيمة صفقات الرعاية الإعلانية، كما تعمد تضليل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم ورابطة الدوري الإنجليزي. ونشرت التسريبات في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2018 بواسطة "دير شبيغل"، لتُحدث دوياً هائلاً في الكرة العالمية، ليبدأ الصدام مع النادي الإنجليزي، وفتح الاتحاد الأوروبي لكرة القدم ورابطة الدوري الإنجليزي الممتاز تحقيقاً حول هذه المزاعم. 

خرجت تحقيقات الاتحاد الأوروبي للنور في عام 2020، ووصلت إلى أن مانشستر سيتي ارتكب مخالفات كبيرة لقواعد اللعب المالي النظيف، وصدرت عقوبة بإقصاء النادي من المنافسات الأوروبية لمدة عامين، إضافة إلى غرامة مالية تقدر بـ27 مليون جنيه إسترليني. ولكن بعد ذلك خففت العقوبة إلى 9 ملايين جنيه إسترليني فقط وإلغاء قرار الحرمان من المشاركة في المنافسات الأوروبية.

وعكس تحقيقات الاتحاد الأوروبي التي خرجت بعد عامين، فإن تحقيقات الرابطة الإنجليزية التي ما زال يجري التحقيق فيها، امتدت لأربع سنوات، ويبدأ الفصل الخاص بها في الفترة الحالية، وهي فترة التحقيقات الأطول على الإطلاق في تاريخ البطولة الإنجليزية، ويشير طول مدة التحقيقات إلى أنها لن تكون بسيطة مثل سابقتها، حيث يتهم البريميرليغ نادي مدينة مانشستر بالتورط في نحو 115 خرقاً للوائحه المالية.

وطوال كل تلك الفترة كان النادي الإنجليزي يصف التسريبات بأنها "كاذبة"، ويقول إن ما نشرته صحيفة "دير شبيغل" مصدره "قرصنة غير قانونية، ورسائل إلكترونية مجتزأة عن سياقها". وبعد بيان الدوري الإنجليزي الذي نشر مؤخراً، اشتبه السيتي في توقيت إثارة القضية. "وقالوا إنهم ينتظرون بفارغ الصبر البت النهائي في هذا الأمر".

وبحسب "دان روان" محرر الشؤون الرياضية في "بي بي سي"، فإنه لم يسبق لأي نادي كرة قدم أن واجه هذا العدد الهائل من التهم، وربما تكون هذه أكبر فضيحة مالية في تاريخ كرة القدم الإنجليزية. ويضيف: "إذا ثبت الاتهام على النادي، فإن ذلك قد يضر بالنادي المهيمن على الكرة الإنجليزية، وبمالكي النادي في أبوظبي، وبمفهوم الأندية المملوكة للحكومات".

ما هي العقوبات المتوقعة؟

وبحسب صحيفة "ذا أتليتك"، فإن النادي الإنجليزي معرض لعشر عقوبات محتملة، ويمكن فرض أكثر من عقوبة عليه أو واحدة منها، إذا تبين أنه خالف قواعد اللعب المالي النظيف. وتتراوح العقوبات بين الغرامة المالية وخصم النقاط إلى الاستبعاد من الدوري. وكانت أهم وأكثر العقوبات قسوة التي رجحت الصحيفة أن النادي مهدد بها، ما يلي:

•    منع النادي وحظره من لعب أي مباريات في الدوري الإنجليزي، وهي أقصى عقوبة متاحة.
•    خصم نقاط من رصيد النادي، وتبدو هذه العقوبة هي الأكثر ترجيحاً.
•    طرد النادي من الدوري الإنطليزي الممتاز وهبوطه إلى الدرجة الدنيا، وتحديد الدرجة التي يلعب فيها النادي.
•    دفع غرامة مالية كبيرة.
•    إلغاء أو رفض تسجيل تعاقدات للاعبين جدد. 

وفي ظل هذه العقوبات القاسية وغير المسبوقة التي تنتظر السيتي، علينا معرفة طبيعة تلك القواعد والقوانين، والأسباب التي دفعت النادي المملوك لأبوظبي إلى انتهاك أو تخطي قواعد اللعب المالي النظيف.

القواعد التي كبحت جماح الإنفاق الإماراتي

في عام 2008 استحوذ صندوق "مبادلة للاستثمار الإماراتي" بقيادة الشيخ "منصور" على نادي مانشستر سيتي مقابل 150 مليون يورو، حيث انتشل النادي الإنجليزي من تراكم المديونيات والانهيار المالي الذي كان يعانيه، ولا يخفى أنه حقق طموحه الشخصي بأن يتملك نادي كرة قدم عالمياً. وهي الصفقة التي أحدثت ثورة في كرة القدم الإنجليزية والأوروبية.

ولتعزيز ذلك الطموح وتحقيق انطلاقة مدوية، بدوري كرة القدم الأقوى في العالم على صعيد المنافسات، والذي يوجد به مانشستر يونايتد الغريم التقليدي والفريق الذي كان يتزعم إنجلترا لمدة تقترب من ثلاثة عقود بقيادة مدربه المخضرم "السير أليكس فيرغسون"، إضافة إلى ليفربول وأرسنال المملوكين لعائلات ورجال أعمال من الأمريكيين، وتشيلسي الذي كان مملوكاً لرومان "أبراموفيتش" رجل الأعمال الروسي المقرب من بوتين.

كان من الضروري إنفاق ثروة مالية هائلة تدفع الفريق إلى تحقيق التفوق المالي والرياضي على منافسيه، وضخ مليارات الدولارات من أجل التعاقد مع أفضل اللاعبين ومنحهم رواتب مرتفعة ومميزة تغريهم بالانتقال إلى النادي.

وعلى الرغم من امتلاك القدرة المالية ووجود الرغبة من قبل المُلاك في العائلة الحاكمة بأبوظبي في ضخ أموال غير محدودة لدعم ناديهم، فإن الإماراتيين بقيادة الشيخ خليفة بن زايد، واجهوا عقبة حقيقية تتعلق بقوانين اللعب المالي النظيف التي استحدثها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم.

وينص قانون "اللعب المالي النظيف" الذي بدأ العمل به بدايةً من عام 2012، على أن لا تتخطى إيرادات الأندية مصروفاتها، ويجبر الأندية الأوروبية على أن تقدم قوائمها المالية كل عام، ويستهدف معادلة جميع الأندية المشاركة في البطولات القارية للإيرادات والمصروفات، وألا يكون في ميزانيتها أي نوع من أنواع العجز المالي. ومن يخالف هذه القواعد يعاقبه الاتحاد الأوروبي، بعقوبات تصل إلى المنع من المشاركة في المسابقات أو الحجب تماماً.

الحيلة الإماراتية التي ضربت بالقواعد والقوانين عرض الحائط

وعلى الرغم من أن هذا القانون الذي كان بمثابة رادع لطموحات لم يكن لها حد لدى السيتي، إذ يجبر النادي المملوك للإمارات على عدم الإنفاق بأكثر مما يحصل عليه من إيرادات، فإنه كان لدى أبوظبي من الحيل ما مكّنها من ضرب القانون عرض الحائط بدون مخالفته (إلى الآن)، عبر قيام شركات إماراتية يمتلكها صندوق "مبادلة للاستثمار"، بتوقيع عقود رعاية تجارية ضخمة تفوق القيمة السوقية الحقيقية للنادي، وبالتالي تمنح الفريق إيرادات مالية ضخمة من أجل إنفاقها في التعاقد مع اللاعبين المُميزين ومنحهم أجوراً عالية، وتطوير بنية النادي، بدون الوقوع في مشكلة تخطي المصروفات الإيرادات. 

وهذه العملية جعلت السيتي أغنى فريق في العالم، ويتفوق مالياً ويجني إيرادات تتخطى بقية الأندية داخل إنجلترا وفي أوروبا التي تمتلك قاعدة جماهيرية ضخمة حول العالم، وتاريخاً عريقاً من البطولات والإنجازات، وكان يستفز هذه الأندية أن يكون نادٍ صغير مملوك لدولة عربية، لديه قوة مالية تضاهيهم أو تتفوق عليهم في معظم الأحيان، بسبب قوة العقود التجارية للشركات التابعة لدولته.

وكان من الطبيعي أن يترجم هذا الإنفاق المالي غير المحدود إلى توفق رياضي داخل المستطيل الأخضر. وبعد استحواذ أبوظبي بأربع سنوات، استطاع الفريق التفوق على مانشستر يونايتد في عام 2012، وفاز الفريق السماوي عليه بالستة في الدوري واستطاع التغلب عليه أيضاً في لقاء الإياب، ليتوج الفريق في الأخير بلقب الدوري الإنجليزي بعد غياب 44 عاماً بهدف اللاعب الأرجنتيني "الكون أغويرو" في لحظة من أهم اللحظات بتاريخ كرة القدم الإنجليزية. 

واستطاع الفريق تحت إمارة الصندوق السيادي لأبوظبي تحقيق 17 بطولة داخل إنجلترا، ومنها 6 نسخ من الدوري الإنجليزي الممتاز، ولا يوجد نادٍ إنجليزي آخر حقق بطولات أكثر من السيتي خلال تلك الفترة.

ولكن يبدو أن تلك الحيلة لم تحقق النجاح الكامل، حيث يواجه مانشستر سيتي اتهامات من قبل رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز، بخرق قواعد اللعب المالي النظيف، وعقوبات تصل إلى الطرد من الدوري وهبوطه إلى الدرجة الدنيا.

عندما لم تعد الحيلة القديمة تجدي نفعاً

كشف تقرير صحيفة "ذا أتليتك" الموثوقة أن أندية الدوري الإنجليزي الممتاز قامت بتكوين تكتل لمحاصرة الناديين المملوكين للإمارات والسعودية، وصوَّت 18 نادياً من أصل 20 نادياً لصالح قانون يحظر أي عقود رعاية تجارية مع الشركات التي لديها علاقات مباشرة مع النادي، سواء كانت هذه الشركة أو الكيان تابعين للهيئة نفسها التي تملك النادي، أو تعود ملكيتها إلى أفراد العائلة أو المقربين لمالك النادي.

 ويشمل الحظر ما إذا كانت الشركة من نفس جنسية الدولة التي تموله، وتم تصميم هذه اللوائح لمنع أندية "السيتي" و"نيوكاسيل" من إبرام عقود رعاية مع شركات خليجية بتقييمٍ مبالغ فيه، صوّت نيوكاسل ضد الحظر المؤقت وهدد باتخاذ إجراءات قانونية ضد الدوري الإنجليزي الممتاز، فيما امتنع السيتي عن التصويت.

ويعود السبب الرئيسي لقيام أندية الدوري الإنجليزي بهذا التوجه هو شعورهم بالخطر بعد تحرك مالكي نادي "مانشستر سيتي"، وقيام صندوق أبوظبي السيادي "مبادلة للاستثمار" الذي تقدر قيمة أصوله بنحو ربع تريليون دولار بتوقيع عقود رعاية جديدة مع "مانشستر سيتي" عبر الشركات المساهمة في الصندوق، ومنها شركة "الدار العقارية"، و"أبوظبي الوطنية للفنادق" إلى جانب العديد من الشركات المملوكة لأبوظبي.

بهدف منح تدفقات مالية للنادي الإنجليزي، مدفوعين بالخوف والقلق من المنافسة التي تنتظرهم بعد إعلان الصندوق السيادي السعودي الذي يبلغ حجم أصوله 700 مليار دولار، الاستحواذ على نادي "نيوكاسل" نهاية عام 2021، إذ لا يخفى على أبوظبي الإمكانية التي يمتلكها، والتي تمكنه من ضخ مليارات الدولارات لنادي نيوكاسل عبر عقود الرعاية التجارية للشركات التابعة له. ليحاول "السيتي" تعزيز حيلته القديمة التي مكنته من التفوق على منافسيه طوال السنوات الماضية، في مواجهة "نيوكاسل" الذي أصبح بعد توقيع هذه الصفقة يملك الحيلة نفسها إذا أراد.

وهذه السياسات أزعجت بقية المنافسين من أندية الدوري الإنجليزي التي تهيمن عليها الاستثمارات الأمريكية، واستطاعوا دفع الرابطة إلى إصدار لائحة بحظر أي عقود رعاية تجارية من أي شركات أو كيانات استثمارية تعود ملكيتها إلى أفراد العائلة المالكين أو المقربين من مُلاك النادي. أو حتى تابعة للهيئة نفسها التي تملك النادي. في الوقت الذي يواجه فيه فريق مدينة مانشستر مخاطر قد تهدد كل ما وصل إليه الفريق خلال السنوات الماضية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد عادل
كاتب وباحث مصري
تحميل المزيد