رفض الرئيس التونسي قيس سعيد، الخميس 17 فبراير/شباط 2023، الانتقادات الدولية الحقوقية لحملة الاعتقالات التي تشنها السلطات في تونس ضد معارضين، معتبراً أنها "تدخل خارجي"، داعياً المنتقدين إلى مساعدة البلاد بإسقاط ديونها.
وقال سعيد، بحسب ما نشرته الرئاسة التونسية، إنه يرفض "التدخل الأجنبي والمس بسيادة تونس"، بعد يوم من تعبير الولايات المتحدة وقبلها الاتحاد الدولي والأمم المتحدة عن قلقها، إزاء موجة اعتقالات لسياسيين معارضين للرئيس التونسي.
جاءت تصريحات سعيد في لقاء مع رئيسة الوزراء نجلاء بودن، قال فيه: "سيادتنا فوق كل اعتبار.. لسنا تحت الاستعمار.. نحن دولة مستقلة ذات سيادة".
الانتقادات الخارجية
كان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، قال الأربعاء 16 فبراير/شباط 2023، إن الولايات المتحدة قلقة للغاية إزاء تقارير عن اعتقال شخصيات سياسية ورجال أعمال وصحفيين في تونس التي طالت معارضي سعيد.
في اليوم ذاته، صدر الأربعاء، انتقاد من الاتحاد الأوروبي لحملة الاعتقالات، مؤكداً في الوقت ذاته أن "الحوار الشامل في تونس بات ضرورة، وأن احترام الإجراءات القانونية والمحاكمة العادلة من الركائز الأساسية".
وقال الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيف بوريل، إن "الاتحاد الأوروبي سيبقى إلى جانب الشعب التونسي، وسيدعم جهود الإصلاح خلال هذا الوضع المعقد".
في حين أصدر المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فولكر تورك، تصريحات، الثلاثاء 15 فبراير/شباط 2023، تُندد بـ"تزايد القمع" في تونس، إثر موجة اعتقالات استهدفت سياسيين بارزين وشخصيات أخرى معارضة لسعيد.
وأعرب حينها تورك في تصريحات نقلها المتحدث باسمه، جيريمي لورانس، خلال إيجاز صحفي في جنيف، عن قلقه إزاء "حملة القمع المتزايدة ضد المعارضين السياسيين والمجتمع المدني في تونس".
وقال: "نشعر بالقلق كذلك من أن بعض المعتقلين قد حوكموا أمام محاكم عسكرية، بسبب انتقادهم الحكومة"، داعياً السلطات التونسية إلى "الوقف الفوري لمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية".
كذلك طالب المفوض الأممي السلطات في تونس، بـ"احترام معايير الإجراءات القانونية، والمحاكمة العادلة، والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين تعسفياً"، بمن فيهم أي شخص محتجز على خلفية ممارسته لحريته في الرأي أو التعبير، بسبب انتقادات لسعيد.
ديون تونس
في معرض حديثه عن الانتقادات الخارجية، قال سعيد أيضاً: "إذا كانوا يريدون مساعدة تونس ودعم التونسيين، فليسقطوا الديون المتراكمة" على البلاد.
وأضاف: "نحن قادرون على تشخيص مشاكلنا. ولكن إذا أرادوا المساعدة فليعيدوا أموالنا المنهوبة أيضاً".
يعاني التونسيون منذ أشهر من نقص في السلع الغذائية، يقول خبراء اقتصاديون إن السبب الرئيسي في ذلك هو أزمة في المالية العامة، حيث تحاول الدولة تجنب الإفلاس، بينما تتفاوض على خطة إنقاذ دولية.
الشهر الماضي أيضاً خفّضت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، ديون تونس، قائلة إنه من المحتمل أن تتخلف البلاد عن سداد القروض السيادية.
حملة ضد المعارضين
في الأيام الأخيرة، اعتقلت الشرطة التونسية عدداً من الشخصيات البارزة من المعارضة أو من منتقدي الرئيس قيس سعيد، بمن في ذلك سياسيون بارزون ورجل أعمال مؤثر ومدير إذاعة محلية معروفة "موزاييك إف إم" المستقلة، وقبلهم مسؤول نقابي في الاتحاد العام التونسي للشغل.
واتهم سعيد، الأربعاء 16 فبراير/شباط 2023، من وصفهم بأنهم "خونة"، بالمسؤولية عن ارتفاع الأسعار ونقص السلع الغذائية، سعياً لتأجيج الأزمة الاجتماعية.
وقالت المعارضة إن حملة الاعتقالات تهدف إلى إسكاتها، ومواصلة الانزلاق نحو الاستبداد، والتستر على فشل سعيد في إدارة الأزمة الاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة.
وأثارت الاعتقالات المتزامنة مخاوف من حملة قمع أوسع للمعارضة، ودفعت مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للمطالبة بالإفراج الفوري عنهم.
يشار إلى أنه في يوليو/تموز 2021، أغلق سعيد البرلمان فجأة، وأقال الحكومة، وانتقل للحكم بمراسيم رئاسية قبل إعادة صياغة الدستور، وهي خطوات وصفها منتقدوه بأنها "انقلاب يهدم الديمقراطية" التي أقيمت بعد ثورة 2011، وحمَّلوه مسؤولية الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلاد.
وسبق أن اتهم الرئيس التونسي قيس سعيد في أول تعليق له على موجة الاعتقالات التي تنفذها شرطة بلاده منذ أيام، الثلاثاء 14 فبراير/شباط 2023 بعض المعتقلين في الأيام القليلة الماضية بأنهم المسؤولون عن نقص الغذاء وارتفاع الأسعار في البلد بهدف تأجيج الأوضاع الاجتماعية، متعهداً بالمضي قدماً بنفس القوة والتصميم "لتطهير البلاد".
الرئيس التونسي قال: "الإيقافات الأخيرة أظهرت أن عدداً من المجرمين المتورطين في التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي هم وراء أزمات بتوزيع المواد الغذائية ورفع أسعارها". ودعا سعيد في لقاء مع وزيرة التجارة من وصفهم بالقضاة الشرفاء إلى اتخاذ القرارات المناسبة ضد "الخونة الذين يسعون لتأجيج الأزمة الاجتماعية".
فيما يعاني التونسيون منذ شهور من نقص في عدة سلع أساسية على أرفف المتاجر مثل السكر وزيت الطهي والقهوة والحليب والزبدة، في الوقت الذي تواجه فيه البلاد أسوأ أزمة مالية.