قبل عشرين سنة، كان يصعب أن تجد مكاناً فارغاً في مكتبات الجامعة، وكان بعض الطلاب يقفون في طوابير طويلة لتصوير جزء من كتاب، وكان بعض أساتذة الجامعة – إن كان يصح تسميتهم بذلك – يستغلون ندرة الكتب في مكتبات الجامعة، أو عدم قدرة الطلاب على تحمّل كلفة تصوير الكتب، فيحتكرون كتاباً يُمْلون منه طلابهم، ولا يسمحون لهم باستعارته، مطمئنين لصعوبة الحصول على الكتاب.
غير أن الثورة التكنولوجية التي نعيشها اليوم وفرت الأجهزة الإلكترونية، ومعها ملايين الكتب والمجلات العلمية وقنوات اليوتيوب المتخصصة، التي يقوم عليها أساتذة أعلام في مجالاتهم، أو مشاهير يقدمون المادة العلمية بروح مرحة.
علاوة على كل هذه المصادر، وأغلبها مجاني تماماً، تظهر كل يوم أداة من أدوات الذكاء الاصطناعي التي تساعد الطالب على الوصول للمعلومة، وإنجاز مهام متعددة في ثوانٍ معدودة.
لقد بات لدى طالب الجامعة القدرة على متابعة دراسته في أي مجال من خلال الإنترنت، وبتكلفة أقل بكثير من مصاريف ذهابه للجامعة، فلماذا يذهب إذن لمؤسسة تستنزفه مادياً وبدنياً دون أن توفر له بديلاً أفضل؟ هل هناك شيء آخر غير العقاب على الغياب ومقابلة الأصدقاء يحفز طالب الجامعة على أن يذهب لها كل يوم؟ هل سيذهب الطالب الجامعة ليحضر محاضراته لو تم إلغاء العقاب على الغياب؟ للأسف، الإجابة "نعم" إلى حد كبير.
في ظل الوضع القائم، ماذا يجب على أستاذ الجامعة فعله، وهو يرى أن التكنولوجيا قد حَلَّتْ محله إلى حد كبير؟ هذا سؤال أسأله لنفسي – بوصفي أستاذاً جامعياً – قبل دخول أي محاضرة، وأزيد على هذا السؤال: ماذا أقدم للطالب حتى يأتي لمحاضرتي وهو يشعر أنه لا يضيّع وقته؟ وأجيب على نفسي بالآتي:
يجب أن أربط ما أُدَرّسه بسوق العمل حتى يُقَدِّر الطالب قيمة ما أُدَرّسه له، خاصة أن بعضاً مما أُدَرّسه قديم نوعاً ما، بحكم اللائحة التي أُلْزَمُ بتنفيذها حتى لو لم أكن مقتنعاً بها.
يجب أن أُحَرِّك الطالب في نشاط يجعله يشعر بقيمة وجوده في الجامعة، وقد يكون ذلك من خلال مطالبته بتقديم عرض بنفسه لما فَهِمَه وتطبيقه على عينة من الواقع، أو من خلال نشاط جماعي لمجموعة من الطلاب "مثل تمثيل جزء من مسرحية في مقررات الدراما"، أو أطلب من طالب نقد ما قَدَّمه زميله في عرضه بمهنية.
فإن استطعتُ أن أقدم المادة العلمية باحترافية، فينبغي أن أقدمها بنوع من المرح يقضي على ملل الطالب، ويساعده في استمرار تركيزه لأطول فترة ممكنة.
كما ينبغي أن أقدم درساً إنسانياً يُفيد الطالب الذي لم يختر الكلية أو القسم، فإن لم يَفد من المادة العلمية، فلا يفوته درس إنساني وخبرة قد تفيده في حياته العملية بعد تخرجه، وينبغي أن أحترم طالبي دونما اعتبار لنوعه أو طبقته أو لونه أو دينه، تحقيقاً للعدل في المعاملة.
السؤال الآن: كيف يمكن لأي أستاذ جامعي في مصر أن يقوم بكل الذي ذكرته أو أكثر في ظل إهمال الدولة لأساتذة الجامعات؛ ما جعل أكثريتهم ينظرون للعمل في الجامعة على أنه "أداء واجب" وليس "رسالة" كما يفترض بهذا العمل أن يكون؟
ففي ظل الواقع المعاش، لا يمكن أن نتوقع رضا طالب الجامعة بحضوره للجامعة، خاصة أن الثورة التكنولوجية المشار إليها أعلاه تَفْصِلُه يوماً بعد يوم عن الجامعة من جانب، وغياب أنشطة الجامعة التقليدية من مسارح وأسر طلابية واتحادات طلابية حقيقية تزيد هذا الانفصال من جانب آخر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.