أكد وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردني محمد الخلايلة، على تمسك المملكة بالمذهب الشافعي مذهباً رسمياً، رافضاً في الوقت ذاته التقارير الإعلامية المحلية التي ذهبت إلى أن الأوقاف الأردنية تتبنى الصوفية أو الأشعرية.
وقال في مقابلة خاصة مع "عربي بوست" إن الأوقاف الأردنية: "ليس لها توجه في قضية الصوفية والأشاعرة والسلفية من ناحية عقدية، وغيرها من القضايا، بل تعتمد المذهب الفقهي الشافعي فقط، وتقف من جميع التيارات الإسلامية على مسافة واحدة، ولا تؤيد جماعة على حساب أخرى".
في معرض حديثه، تناول الخلايلة في مقابلته مع "عربي بوست" موقف وزارته من الاتجاهات السياسية على منابر المساجد في الأردن ودورها في توجيه الخطاب الديني، متطرقاً في سياق آخر إلى الدور الأردني في الحفاظ على المقدسات الإسلامية في القدس المحتلة.
إلى تفاصيل المقابلة:
هل ترى الوزارة أنّ التوجه الصوفي أو الأشعري هو الخطاب الأنسب بالنسبة لها ولمؤسساتها الرسمية؟ وهل صدرت تعليمات للمساجد والأئمة والخطباء بتبني توجه معين بهذا الخصوص؟
وزارة الأوقاف تقف من كل التيارات الإسلامية موقفاً واحداً. نحن لا نقول إننا أشاعرة ولا صوفية، ولا نصبغ أنفسنا بأي صبغة معينة.
نحن نقف من الجميع على مسافة واحدة مادام يقدم خطاباً إسلامياً صافياً نقياً يعكس صورة الإسلام، لكن القول إن وزارة الأوقاف أصبحت تدعم فريقاً معيناً أو لا، فإن هذا غير موجود في وزارة الأوقاف.
وزارتنا تتبنى المذهب الشافعي بشكل قاطع، ولكن ليس لنا توجه تجاه الفرق على اختلافها لا سيما الصوفية أو الأشاعرة أو السلفية، وغيرها من القضايا. نحن لا نؤيد جماعة على جماعة، لكننا في الوقت ذاته لا نقبل الأفكار المتطرفة والأفكار التكفيرية التي تكفر الناس وتخرج الناس من الملة، والتي تبث خطاب الحقد والكراهية، وهذا الأمر لا نقبله على منابرنا ولا في مساجدنا.
هل فُرض المذهب الفقهي الشافعي على الأردن فرضاً؟ ومنذ متى معمول فيه؟
لم يفرض من جهة معينة، بل وزارة الأوقاف تتبنى المذهب الشافعي الذي هو مذهب انتشر في بلادنا وبلاد الشام قبل أكثر من ألف عام، وهذا ليس وليد اللحظة.
المذهب الشافعي منتشر في بلاد الشام: الأردن، فلسطين، سوريا، لبنان، قبل ألف عام، كما أنّه منتشر في مصر، وكذا الحال بالنسبة للمذهب المالكي في دول المغرب العربي، والمذهب الحنفي في كثير من بلدان العالم الإسلامي، والقضية أنّ وزارة الأوقاف تحافظ على المذهب المنتشر في هذه البلاد، وهو مذهب الإمام محمد بن إدريس الشافعي.
بهذا الخصوص، هل يمكن القول إن وزارة الأوقاف تعمل على إرجاع البوصلة إلى حيث كان الأمر عليه في الأردن من منهج عقائدي هو الأشعري وفقهي هو المذهب الشافعي؟
ليس بالأمر إعادة إلى المربع الأول، أنا أعتقد أن الأردن لم يخرج من المذهب الشافعي حتى يعيده. حتى العوام من الناس تجدهم يصلون ويصومون على هذا المذهب، وهو منتشر في بلاد الشام.
إذا ذهبت إلى بلاد المغرب العربي ستجد هناك العبادات على المذهب المالكي وبعض الدول على المذهب الحنفي، لكن الشافعية لم تخرج من الأردن حتى نعيد البوصلة إلى ما كانت عليه.
أما ما يتعلق بالأشعرية أو الصوفية، فأشدد على أن وزارتنا ليس لديها موقف محدد أو أنها تتبنى منهجاً عقدياً رسمياً محدداً.
لكن من واجب الوزارة اليوم أن تعمل على مواجهة خطاب التطرف والكراهية والعنف واستغلال الدين لتحقيق مآرب شخصية في الأردن، وهذا كله تعمل الوزارة على مواجهته، وسبق أن وقفت سابقاً في مواجهة التيارات المتطرفة التي بنتها تنظيمات مثل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وغيرها من التيارات التي قتلت باسم الدين وشوهت صورته.
نحن نحافظ على خطاب إسلامي راشد متزن وسطي معتدل تظهر من خلاله سماحة الإسلام واعتداله.
هل توافق على أنّ الأردن يعمل، عبر مؤسساته الدينية، على إيجاد خطاب ديني معين، سواء عبر التوجهات الجديدة ممثلة بجامعة العلوم الإسلامية وممثلة بوزارة الأوقاف وحتى بدعم جمعية الثقافة العربية الإسلامية؟
جمعية الثقافة العربية الإسلامية وبعض الجهات المرخصة وكذلك بالنسبة لجميع الجمعيات التي تتبع التيارات الإسلامية في الأردن، تقع كلها تحت إشراف وزارة الأوقاف الجهة المخولة بذلك.
الجمعيات اليوم التي تعمل بحسب قانون الجمعيات في الفكر وفي العمل الإسلامي، كلها تتبع من ناحية رقابية وإشرافية لوزارة الأوقاف التي تشرف على جميع الجمعيات، والمنطق في التعامل مع هذه الجمعيات بالنسبة لنا هو القانون.
لدينا في الأردن قانون الجمعيات والأنظمة العاملة والصادرة بمقتضى قانون الجمعيات، ونحن نتعامل مع هذه الجمعيات من منطلق قانوني، وإذا وجدت إحدى الجمعيات أنّ وزارة الأوقاف انحرفت عن المسار أو لم تطبق القانون، فإنها تستطيع أن تلجأ إلى القضاء. قانون الجمعيات معمول به منذ عام 2008، بالتالي الكثير من الأنظمة والقوانين التي صدرت تضبط عمل هذه الجمعيات، وقد جعلت وزارة الأوقاف جهة رقابية وإشرافية عليها.
جامعة العلوم الإسلامية هي أيضاً كسائر الجامعات الأردنية تقدم الفكر الإسلامي المعتدل، بغض النظر عن تبنيها مذهباً معيناً. وكليات الشريعة في الجامعات الأردنية أيضاً هي موجودة وتقدم الفكر الإسلامي، وتعمل على إظهار قيم الإسلام وإبراز نصاعته، وفيها أساتذة وعلماء شريعة.
هذا البلد بكل فخر أقوله قد قام بتخريج الكثير من علماء الشريعة على مستوى العالم، والأردن فيه علماء وباحثون وكليات شريعة من أرقى الكليات اليوم في العالم الإسلامي، بشهادة الكثير من العلماء والطلبة الذين قامت بتخريجهم الجامعات الأردنية.
كيف تعمل وزارة الأوقاف على التوفيق بين التعدد المذهبي وتنوع الخطاب الديني داخل المساجد وداخل المؤسسات الدينية التابعة لها؟
وزارة الأوقاف تعمل بمنهجية متكاملة، بالتالي تقبل التعددية. بل من أبجديات العمل في وزارة الأوقاف قبول التعددية، ونحن نقف من جميع التيارات موقفاً واحداً ما لم تكن هذه التيارات متطرفة وخارجة بشكل كبير جداً عن روح الإسلام.
التيارات المتطرفة لا نقبلها قطعاً، لكن تعدد فئات الخطاب الإسلامي في الأردن وحتى في المسجد الواحد، فنحن نتعامل مع هذا التعدد في الخطاب على موقف واحد، ونقدم خطاباً متزناً ومعتدلاً ويرتكز على وسطية الإسلام، كما جاء في رسالة عمان التي أطلقها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عام 2004، وجاء فيها أننا أخذنا على عاتقنا الدفاع عن الإسلام وإبراز الصورة المشرقة لهذا الدين.
لا نميل إلى تيار دون تيار، لكن نحرص دائماً ونوجه أن يكون خطابنا الإسلامي هو الخطاب المعتدل الوسطي الذي يظهر سماحة الإسلام ووسطيته واعتداله.
كيف تنظرون إلى رؤية البعض بأن الوزارة تعمل في المرحلة المقبلة على إيجاد أئمة وخطباء يخلو خطابهم الديني من أي توجه أو أي خطاب سياسي؟ هل ترون صحة هذا القول؟
هناك إشكالية في موضوع السياسة والمنبر، أو التوجه السياسي مع قضية الخطاب الإسلامي، فهو خطاب واضح.
لكن ما هو الخطاب الإسلامي أولاً حتى نكون صريحين؟ هو ما يصدر عن الخطيب والواعظ من إرشاد وتعليم ديني، وما يصدر في خطبة الجمعة من قال الله عز وجل وقال رسوله.
بالنسبة للتيارات السياسية في العالم فهناك اليوم أحزاب دينية تتبنى أفكاراً سياسية معينة، ولا أستطيع أن أقول لوزارة الأوقاف بأن يغني كل كما يريد على المنبر باتجاهه السياسي. فهذا يطوع المنبر لاتجاهه السياسي كما يريد، وذاك يفعل الشيء نفسه، وبالتالي يصبح المنبر محطة صراع سياسي.
هذا لا نقبله، نحن نريد تقديم خطاب إسلامي صحيح في الأردن يدعو إلى الوحدة والتآلف بعيداً عن الخلافات وخطاب يجمع ولا يفرق. بالتالي لا نسمح باستخدام المنبر لتحقيق أغراض وأهداف سياسية وأغراض شخصية أيضاً، لأنّ ما يطرح اليوم في كثير من التيارات والأحزاب والقوى هو عبارة عن تبني لرؤية فكرية معينة، وبالتالي لا يترك المنبر لكل فئة تطرح ما تريد من أفكار، ونخشى أن يكون بعضها متطرفاً، وهذا قطعاً لا نسمح به، وبالتالي نحن من واجبنا أن نحافظ على رسالة المنبر لتكون رسالة صافية ونقية تنبع من معين الإسلام ومن نبعه الصافي، لتعكس الصورة المشرقة لهذا الدين.
بالنسبة لملف إدارة المقدسات والوصاية الهاشمية عليها في مدينة القدس، ما هي آخر التحركات والجهود لو تطلعنا عليها؟
الوزارة ماضية في تنفيذ الوصاية الهاشمية بقيادة الملك عبد الله الثاني، في كل ما يتعلق بالمسجد الأقصى المبارك من خلال رعاية الموظفين في المسجد الأقصى.
بداية هذا العام ارتفعت علاوة العاملين في المسجد الأقصى إلى 400%، وهناك جهود كبيرة يبذلها الملك شخصياً بعد التوتر الأخير الذي تمّ من خلال الاقتحامات المتزايدة للأسف لساحات المسجد الأقصى المبارك.
كانت هناك مذكرات احتجاج، وكان هناك استدعاء للسفير الإسرائيلي، وكانت هناك أيضاً جهود كبيرة جداً من الأردن لدعم صمود المقدسيين والمحافظة على المسجد الأقصى المبارك دون أن يطرأ أي تأثير على حق المسلمين في المسجد الأقصى المبارك.
يعمل الأردن دائماً بكل طاقته لدعم المقدسيين والحفاظ على المسجد الأقصى حتى يعود إلى حياض الإسلام والمسلمين، بإذن الله عز وجل.
بالنسبة للجهود الأخيرة التي طالبت فيها الأردن بزيادة أعداد الحراس داخل المسجد الأقصى، إلى أين وصلت هذه الجهود؟ وهل تمّت فعلياً زيادة أعداد الحراس في الأقصى؟
القضية أن هناك موظفين أحيلوا إلى التقاعد، وكل من يحال إلى التقاعد يتم تعيين موظف آخر مكانه.
سلسلة الإحلال والتعاقب الوظيفي موجودة في الخطة الاستراتيجية لوزارة الأوقاف بشكل عام، وجزء منها المسجد الأقصى وأوقاف القدس، بالتالي كلما تقاعدت مجموعة من الموظفين توجب على الوزارة أن تقوم بتعبئة هذه الشواغر فوراً.
في هذا الصدد، كم يبلغ عدد الموظفين العاملين في المسجد الأقصى؟
عدد الموظفين العاملين في المسجد الأقصى حوالي 850 موظفاً يتبعون مجلس أوقاف القدس، وهو بدوره يتبع وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية.
فيما يتعلق بخطة الوزارة القادمة في تعيين الأئمة والخطباء، ذكرتم في وقت سابق أنّ الوزارة ستعمل على توظيف 420 مؤذناً وإماماً، هل تمّ ذلك فعلاً؟ وهل سيتم تحديث الجهود في هذا الأمر؟
نحن في المراحل النهائية اليوم لتعيين حوالي 300 إمام و120 مؤذناً في الأردن، وهؤلاء يأخذون من مخزون ديوان الخدمة المدنية بحسب دورهم، وهم خريجو شتى كليات الشريعة في هذا البلد، قد يكون منهم من خريجي الجامعة الأردنية ومن جامعة اليرموك ومن جامعة مؤتة ومن جامعة العلوم الإسلامية، وكلها تحتوي على كليات الشريعة.
من سيعين في هذه الوزارة كأئمة هم نتاج هذه الكليات، ونأمل أن يكونوا في مستوى جيد، ونعمل في الوزارة على تطوير مهاراتهم وإنعاش معلوماتهم من خلال الدورات التي تعقد في معهد الملك عبد الله الثاني لتأهيل الدعاة والأئمة.
فيما يتعلق بالأوقاف التابعة للوزارة، كيف تدار ميزانيتها والأموال الوقفية فيها؟
ميزانية الوزارة لا تدخل فيها الأموال الوقفية، فهذه لها حساب مستقل، بالتالي هي وقف إسلامي وتنفق بحسب شروط الواقفين، ونحن نحافظ على هذا، وهناك دائرة في الوزارة تسمى دائرة تنمية أموال الأوقاف، وتعمل على تنمية هذه الأموال وإنفاقها بحسب الشروط.
وهناك أوقاف عامة ليست لها شروط وقف، وهذه أيضاً تنفق في وجوه الخير بحسب برامج وقفية تمّ تحديدها مسبقاً بحسب نظام البرامج الوقفية، وهو نظام رسمي صادر عن الدولة، تلتزم فيه الوزارة بإنفاق الأموال الوقفية، وكذلك استثمار الأموال الوقفية يتم وفق نظام استثمار الأموال الوقفية الموجود في وزارة الأوقاف.