عندما تضرب الكوارث الطبيعية أو البشرية دولة سوريا التي مزقتها الحرب، ترتدي مجموعة من المدنيين السوريين الخوذ البيضاء المميزة ويندفعون مباشرة للصفوف الأمامية لإنقاذ الأرواح.
تردد اسم فرق "الخوذ البيضاء" في كل حدثٍ تقريباً عانى فيه الشعب السوري من القتل والقصف والتهجير، وهو يتكون من الدفاع المدني السوري، الذي يضم حوالي 3000 متطوع مستجيب "يأتون من مختلف مناحي الحياة".
ويشارك مع المنظمة المتطوعون من الخبّازين والخياطين والصيادلة ورجال الإطفاء والمهندسين والأساتذة والحرفيين وغيرهم.
ووفقاً للموقع الرسمي لمنظمة الخوذ البيضاء، فإن هؤلاء المتطوعين يخاطرون بحياتهم بدون أجر أو تسليح أو معدات احترافية، وذلك لمساعدة المحتاجين "في جميع مناطق" سوريا، التي "يمكنهم الوصول إليها".
تاريخ التأسيس ومسؤولية حماية المدنيين
تقول الخوذ البيضاء، وفقاً لتصريحات منتسبيها وموقعها الرسمي، إنها تشكلت كفريق من المتطوعين على مستوى القاعدة، خلال السنوات الأولى من الثورة والحرب في سوريا، والتي بدأت كثورة سلمية في مدينة درعا الجنوبية، في عام 2011، قبل الانزلاق إلى صراع مسلح بحلول عام 2012.
ومع بدء النظام السوري وحلفاؤه قصف أهداف مدنية في مناطق سيطرة المعارضة، تصدرت فرق الخوذ البيضاء المشهد لإنقاذ المواطنين من تحت الأنقاض، والمساعدة في إعادة بناء منازلهم وفي إعادة الإعمار.
وبحسب المنظمة، فقد أنقذت أكثر من 125 ألف شخص "من جميع أطراف النزاع".
ويشير موقع ABC News الأمريكي للأخبار، إلى أن المنظمة في البداية كان لديها عدد من المتطوعين من ذوي الخبرة والمعدات المحدودة، والذين غالباً ما كانوا ينقبون عن الضحايا "بأيديهم" فقط.
ثم بحلول عام 2013، سافر بعض المتطوعين إلى تركيا لتلقي أول تدريب مهني لهم في البحث والإنقاذ في المناطق الحضرية. وقد سمح التدريب الإضافي والأكثر تطوراً وشمولية على مر السنين المتلاحقة، لأعضاء فرق الخوذ البيضاء، بتطوير خبراتهم في استخدام الأدوات الثقيلة، وإنشاء فرق متخصصة ومرافق مفتوحة وتوسيع مجال العمل.
بالإضافة إلى مهام البحث والإنقاذ وإعادة تأهيل وإعمار الأحياء المنكوبة، يقول الموقع الرسمي للمنظمة، إن الخوذ البيضاء اليوم يقدمون "مجموعة من الخدمات الأساسية" لأكثر من 4 ملايين مدني في جميع أنحاء شمال غربي سوريا.
وتشمل هذه الخدمات إطفاء الحرائق والرعاية الصحية وإصلاح الشبكات الكهربائية وصيانة الصرف الصحي وإزالة الأسلحة غير المتفجرة والأنقاض وتمهيد الطرق المنكوبة، وكذلك توعية المجتمعات وإعدادها لهجمات مستقبلية، وتثقيفها بالإسعافات الأولية للسلامة، بحسب الموقع.
وتقول منظمة الخوذ البيضاء إن متطوعيها يتعهدون بالالتزام بمبادئ "الإنسانية والتضامن والحياد"، على النحو المنصوص عليه في القانون الإنساني الدولي.
وقد أسهم عمل المنظمة التطوعي المؤثر في أن يُكسبها جائزة رايت لايفليهود لعام 2016، والتي غالباً ما توصف بـ"نوبل البديلة"، بالإضافة إلى العديد من الترشيحات لجائزة نوبل للسلام.
تضحيات كبيرة وحمل ثقيل
إضافةً لما سبق، فقد دفع العديد من المتطوعين التضحيات البالغة، إذ قُتل ما لا يقل عن 293 متطوعاً مع المنظمة أثناء إنقاذ آخرين، وفقاً لموقع المنظمة عبر الإنترنت.
فبعد أن توجهت مجموعات الدفاع المدني المحلية للعمل لملء الفراغ الذي خلفه النظام في إدارة شؤون المناطق المعارضة، قاموا بإعادة توصيل الكهرباء والمياه، وتقديم الاحتياجات الطبية، ودفن الموتى، وكلها بجهود ذاتية، وحملات لجمع التبرعات والمساعدات.
وبذلك أصبحت المنظمة واحدة من أنجح التجارب الإنسانية في التنظيم الذاتي الثوري، قبل أن تصبح نتيجة للنجاح ضمن الأهداف الرئيسية للنظام السوري والضربات الروسية.
ففي السنوات الأخيرة، بعد أن قصف النظام أو الطائرات الروسية المناطق السكنية، أصبح من الروتيني القيام بدورة لاحقة على ذات المكان وقصفه من جديد، لاستهداف أول المستجيبين الذين يسارعون لمساعدة الناجين.
لذا لقي العديد من متطوعي الخوذ البيضاء مصرعهم فيما يُعرف بالضربات المزدوجة، والتي أجبرت رجال الإنقاذ على تأخير وصولهم إلى مواقع الاستهداف، ومعه يطول الوقت قبل نقل الجرحى إلى المستشفيات لإنقاذ حياتهم، بحسب تقرير منشور بمجلة Time عند دور هذه المنظمة في الدفاع المدني بسوريا.
شعبية متنامية ودور محوري آخذ في الازدياد
في الآونة الأخيرة، حظيت الخوذ البيضاء بالاهتمام والتغطية الإعلامية عبر وكالات الأنباء من حول العالم، وذلك لدورها في الاستجابة السريعة لإنقاذ الضحايا من الدمار والأنقاض، في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية في شمال غربي البلاد، وذلك بعدما ضرب زلزال بقوة 7.8 درجة المنطقة، في 6 فبراير/شباط 2023، وكان مركزه عبر الحدود في جنوب شرقي تركيا.
أدى الزلزال وتوابعه القوية إلى سقوط آلاف المباني في كلتا الدولتين، ما أسفر عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص حتى الآن، وفقاً لمسؤولين في تركيا وسوريا.