تعتبر أسطورة "شاهميران"، أو ملكة الأفاعي، واحدةً من بين أكثر الأساطير المنتشرة بين الأكراد، وذلك لأنها تُعتبر رمزاً من رموز الثقافة والتراث الكردي.
وعند التوجه إلى مدينة طرسوس التركية على وجه التحديد، والتي يعيش فيها غالبية كردية، ستجد كل مكان هناك يذكّرك بهذه الأسطورة القديمة، التي تعود إلى آلاف السنين، ورغم تعدد الروايات حولها فإن نهايتها ومعناها واحد.
إذ إن هذه المدينة الموجودة في الجنوب التركي، والمطلة على البحر الأبيض المتوسط، كانت المكان الذي دارت فيه قصة "شاهميران"، حسب الأسطورة، لذلك ستجد تماثيل كثيرة منتشرة لملكة الأفاعي في كل مكان، بالإضافة إلى صورها المنقوشة على القماش، والمعلقة في واجهات العديد من المنازل.
وإضافة إلى كل هذا ستجد الحمّام التاريخي الذي يحمل اسم "شاهميران"، والذي تقول الأسطورة إنها قُتلت فيه، بعد أن تعرضت للخيانة والغدر من الشخص الذي وثقت فيه، وأمّنته على سرها.
اليوم عادت أسطورة شاهميران إلى الواجهة من جديد، بعد أن عرضت منصة "نتفليكس" مسلسلاً جديداً يحمل الاسم نفسه، وقصته مقتبسة من هذه الأسطورة الكردية القديمة، التي لا تزال حيةً في عقل كل من هو كردي، داخل تركيا أو خارجها.
شاهميران.. تعرضت للأذى من البشر فعاشت بين الأفاعي
عند الحديث عن غدر الإنسان، وكيف له أن يبيع أقرب الناس إليه من أجل مصلحته الشخصية، حتى وإن كان يحبه بشكل كبير، فإن أسطورة شاهميران تكون أول ما يتبادر إلى أذهان الأكراد.
إذ إنه في زمن بعيد، وعلى أراضي مدينة طرسوس التركية، كانت تعيش فتاة فائقة الجمال، وذات قلب طيب، اسمها شاهميران، لكنها تعرضت للأذى والظلم من طرف أهل قريتها، فقررت الهرب من البشر والعيش تحت الأرض، حيث تعيش مجموعة من الأفاعي تمتاز بذكائها وطيبتها، وعدم قدرتها على أذية أي أحد مهما كان.
تحولت شاهميران من فتاة عادية إلى ذات جسد نصفه امرأة، ونصفه الآخر على شكل أفعى، وأصبحت ملكة بين الأفاعي الأخرى التي بدأت العيش معها، بعيداً عن البشر.
شانساب.. تخلّى عنه أصدقاؤه وساعدته شاهميران
وعن الأسطورة نفسها فقد كان شاب وسيم اسمه "شانساب" يعمل مع أصدقائه في استخراج العسل من بئر عميقة، وكانت مهمته هي النزول إلى قاع البئر وتزويد رفاقه بما يحصل عليه من عسل، من أجل بيعه بين أهل القرية.
وبعد أن نفذ العسل من البئر، وعوضاً عن مساعدته على الخروج، قام أصدقاء شانساب بالتخلي عنه وحيداً داخل البئر العميقة، ورحلوا دون عودة.
ذاق شانساب مرارة غدر الأصدقاء، لكنه حاول النجاة بنفسه، وحفر مكاناً يمكنه من الخروج من البئر، وذلك بمساعدة سكين صغير كان يحمله معه.
وحسب ما ترويه الأسطورة الكردية، فإن شاهميران سمعت صوت شانساب وهو يحفر، ويستغيث، فخرجت أمامه من أجل مساعدته من محنته التي تركه أصدقاؤه فيها.
وقع الشاب شانساب في حب شاهميران، وبادلته المشاعر نفسها، إذ قرر العيش معها تحت الأرض، وسط عالم الأفاعي الذي لم يلحق به الضرر، لكنه بعد مدة من الزمن قرر العودة إلى حياته الطبيعية، وطلب المساعدة من محبوبته ملكة الأفاعي.
ومن أجل تحقيق طلبه كان شرط شاهميران الوحيد هو أن يحفظ شانساب سرها، وألّا يخبر أحداً من البشر عن مكانها، لكي لا تتعرض للأذى منهم، كما كان الحال في السابق.
المال والجاه مقابل لحم شاهميران
تمكن شانساب من الخروج من تحت الأرض، والعيش من جديد رفقة البشر كما كان الحال في السابق، وفي الوقت نفسه كان حريصاً على إخفاء سر شاهميران، وعدم الإفصاح عنه حتى لأقرب المقربين منه.
وبعد مرور عدة سنوات تعرَّض حاكم البلدة إلى مرض خطير، عجز الأطباء عن علاجه، إلا أنهم نصحوه بأكل لحم ملكة الأفاعي "شاهميران" إذا أراد استعادة عافيته، وهو الأمر الذي كان يُعتبر مستحيلاً، لأنه لا أحد من أهل القرية يعرف مكانها.
هناك نسختان مختلفتان حول طريقة وصول الحاكم إلى شاهميران، الأولى تقول أن شانساب وبعد أن سمع بأن حاكم البلدة مريض ويحتاج لحم ملكة الأفاعي من أجل الشفاء، روى قصته إلى أحد أصدقائه، قائلاً إنه يعرف مكانها، لكنه لا يستطيع الإفصاح عنه.
فقام صديقه هذا بإفشاء سره للوزير، هذا الأخير قام بإغراء الشاب الوسيم بالمال والمجوهرات، ووعده بالحصول على منصب كبير في القصر، فضعف شانساب أمام هذه المغريات، وأفصح عن مكان محبوبته.
أما الرواية الثانية فتقول إن الأطباء قالوا للحاكم إن كل مَن تمكّن من لقاء شاهميران له علامة سوداء على جسده، فتمّ تخصيص فريق خاص من أجل البحث عن العلامة السوداء في جسد أهل القرية أجمعين، إلى أن تم الوصول إلى شانساب.
ورغم أنه رفض الإفصاح عن مكان ملكة الأفاعي فإنهم قاموا باغرائه بالمال والمجوهرات، والمناصب، فقرر كشف سرها والتضحية بها من أجل مطامعه.
تحولت إلى قصة تكشف غدر البشر
تمكّن حاكم البلدة من الوصول إلى شاهميران أخيراً، وتم قتلها في الحمام التاريخي الذي يحمل اسمها اليوم، وبعد أن أكل من لحمها تمكن من استعادة عافيته من جديد، كما قال الأطباء.
وحسب ما يتم تداوله عن الأسطورة الكردية، فإن شانساب شرب من ماء لحم شاهميران، فتحول إلى حكيم، يستطيع معالجة أي مريض، بعد أن تحولت حكمة محبوبته إليه.
وفي الوقت نفسه، وقبل أن تتم التضحية بها من أجل الحاكم، طلبت شاهميران عدم إخبار بقية الأفاعي بأنها ماتت، لكي لا تحزن عليها، وهذا ما حصل بالفعل، إذ إنها مازالت تنتظر عودتها، بالرغم من مرور آلاف السنين على رحيلها.
وبعد أن علم أهل الجنوب التركي بقصة ملكة الأفاعي، التي تعرضت للغدر مرتين، الأولى من أهل قريتها، والثانية من الشخص الذي أحبته، أصبحت قصتها دليلاً على عدم الثقة في البشر، وقدرتهم على الغدر من أجل مصالحهم الخاصة.
أعمال فنية وأدبية عن أسطورة شاهميران
لأن مدينة طرسوس التركية كانت الأرض التي شهدت أحداث قصة شاهميران، فقد أصبح سكان البلدة يعتبرونها رمزاً لثقافتهم وهويتهم، إضافة إلى بقية الأكراد المنتشرين في عدة مدن في جنوب شرق القارة الآسيوية.
إذ تجد صورة شاهميران مطرزة على الأقمشة والسجاد، ومرسومة في المجوهرات، وتماثيل زينة المنازل.
كما أن هناك مجموعة من الأعمال الفنية والأدبية الكردية والتركية التي حكت قصة هذه الأفعى الإنسان، من بينها الرواية الخيالية "خاتم شاهميران: قصة من الجبال"، للكاتب رفاييل إيمانويل.
فيما أصدرت المغنية الهولندية من أصل إيراني سيفداليزا أغنية تحمل اسم "شاهميران"، من ضمن أغاني أول ألبوم لها.ثم أخيراً مسلسل "شاهميران" الذي عُرض على منصة نتفليكس، والمكون من 8 حلقات، من بطولة الممثلة التركية سيريناي ساريكايا، وبوراق دينيز، وحقق نسبة مشاهدات مهمة، إذ تصدر قائمة المسلسلات الأكثر مشاهدة في تركيا، وعدة دول عربية.