لعل التشابهات بين الزلزال الكارثي الذي وقع يوم الإثنين، 6 فبراير/شباط 2023، في تركيا وسوريا وبين الكارثة الثلاثية التي ضربت شمال اليابان في 2011، تعطي لمحةً عما يمكن أن تواجهه المنطقة في السنوات القادمة. وترتبط كلتا الكارثتين بضخامة الصدمة النفسية الجمعية، وخسائر الأرواح، والدمار المادي.
وتجاوز العدد الإجمالي لخسائر الأرواح، التي خلفها الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجات، 21 ألف قتيل في تركيا وحدها حتى مساء السبت، 11 فبراير/شباط 2023، بينما كانت السلطات تعلن عن اكتشاف مزيد من جثث الضحايا. وهذا العدد الكبير طغى على عدد الوفيات في كارثة اليابان، الذي وصل إلى أكثر من 18400 قتيل.
ما الدروس التي يمكن لزلزال اليابان تقديمها لتركيا؟
ضرب زلزال بقوة 9 درجات اليابان في الساعة 2:46 بعد الظهيرة في 11 مارس/آذار 2011. وبعد وقت قصير، التقطت الكاميرات على طول الساحل الياباني جداراً مائياً يضرب منطقة توهوكو. وتقول صحيفة The Washington Post الأمريكية، إن ذلك الزلزال كان واحداً من أقوى الزلازل المسجلة.
وجرفت موجة تسونامي الناتجة السيارات والمنازل ومباني المكاتب وآلاف الأشخاص، بالإضافة إلى تضرر محطة فوكوشيما النووية لتوليد الطاقة، وهو ما عُرف لاحقاً بـ "كارثة فوكوشيما" النووية.
حطت القوارب الضخمة، التي كانت على بُعد أميال داخل المحيط، رحالها فوق الحطام الهائل المنتشر في الأماكن التي كانت مدناً من قبل، وانقلبت السيارات على جوانبها كأنها ألعاب أطفال بين الشوارع المدمرة، والبنايات التي طُمست معالمها.
تساءل كثيرون عما إذا كانت هذه المنطقة ستعود إلى سابق عهدها في أي وقت. ثمة درس عظيم من حالة اليابان، وهو أن أية كارثة بهذا الحجم لا يكون لها أبداً خاتمة حقاً. إنه درسٌ تعرفه تركيا نفسها جيداً من زلزال ضرب شمال غرب البلاد في عام 1999، وخلف وراءه 18 ألف قتيل. برغم الخطابات والأحاديث حول إعادة إعمار المنطقة، ترك زلزال توهوكو جرحاً غائراً في الوعي الوطني وفي ملامح حياة الشعب، كما تقول واشنطن بوست.
زلزال اليابان: نظرة على عدد القتلى
صحيحٌ أن إحصاءات الوفيات المرتبطة بالزلزال ارتباطاً مباشراً سوف تستقر خلال فترة أيام أو أسابيع من وقت وقوع الزلزال، لكنها لن تكون نهائيةً على الأرجح.
فقد اعترفت اليابان، على سبيل المثال، بآلاف الأشخاص الآخرين الذين فقدوا حياتهم لاحقاً بسبب أزمات قلبية ذات علاقة بالضغط والتوتر، أو بسبب تدهور الظروف المعيشية.
وبرغم مليارات الدولارات التي أُنفقت في اليابان على جهود إعادة الإعمار، فثمة أشياء لن تعود إلى سابق عهدها، بما في ذلك الإحساس بالمكان.
كانت منطقة توهوكو قبل الزلزال ممتلئة بالمدن الصغيرة والقرى، التي تحيطها المزارع والموانئ الممتلئة بأساطيل من قوارب الصيد. كانت واحدة من أجمل سواحل اليابان وأكثرها حيوية.
وفي الوقت الحالي، بينما أزيل بدرجة كبيرة الحطام الناتج عن الزلزال وعن موجة التسونامي، وأُعيد بناء الكثير من الطرق والمباني، لا تزال الكثير من المناطق الكبيرة خالية، وكثير من البنايات لم يُعَد بناؤها، ولم تُزرع المزارع مرة أخرى. وقضت الشركات سنوات في محاولة لإعادة بناء قواعد البيانات المحطمة.
ومثلما فعل اليابانيون من قبل، ينقب جيش من عمال الإنقاذ في تركيا وسوريا في البنايات المدمرة، وبين أسياخ المعادن الملتوية والخرسانة المحطمة والأسلاك المكشوفة، بحثاً عن أي ناجين تحت الأنقاض.
يجب أن تعرف تركيا من تجربة اليابان بأن القادم لن يكون سهلاً
تقول واشنطن بوست، كان هناك في بداية الأمر حسٌ واضحٌ بالفخر في اليابان، وبالثقة في قدرة البلاد على تحمل الكارثة. وقف الناس في صفوف طويلة منتظمة انتظاراً للطعام والمياه. وتركوا بلاغات على لوحات الرسائل في البلدات المدمرة، تحمل أوصاف ذويهم؛ أملاً في أن يعثر عليهم عمال الإنقاذ.
ولكن في أعقاب ما وصفه السكان المحليون بـ"زلزال شرق اليابان الكبير"، تُركت جثث القتلى بجوار أكوام الأنقاض، ملفوفين في بطاطين بإحكام، في انتظار حملها عن طريق عمال الإنقاذ، الذين كانوا لا يزالون يبحثون عن الأحياء بين الحطام والمخلفات.
جسَّد المسار الطويل لإعادة البناء تحدياً أمام هذه العزيمة. كان العمل متقطعاً، وأحياناً كان بطيئاً على نحو مرير، وعرقله افتقار الحكومة إلى الكفاءة، والشجارات التافهة، والنزاع البيروقراطي، كما تقول الصحيفة الأمريكية. وشُرد حوالي نصف مليون شخص في اليابان. ولا يزال هناك عشرات الآلاف لم يعودوا إلى منازلهم.
تسرّبت القضية إلى السياسات، ولا سيما حينما استمر الجدال حول كيفية التعامل مع آثار الانهيارات الكارثية في محطة فوكوشيما النووية. بعد سنوات، تسربت مخاوف من الإشعاع، ووضعت بعض المناطق في شمال اليابان أجهزة لقياس الإشعاع في المتنزهات والأماكن العامة. ولا يزال المسؤولون والخبراء مترددين حول التخلص من حطام الوقود المنصهر شديد الإشعاع الموجود في المفاعل.
لا يزال هناك مفقودون والألم النفسي لم ينتهِ بعد
اعترف مسؤول ياباني بأن السنوات التالية لعام 2011 تعد فشلاً آخر، يتمثل في العجز عن مساعدة الأشخاص الذين عانوا من الصدمات التي مروا بها نتيجة الزلزال.
يوجد 2500 شخص في عداد المفقودين حول توهوكو، ولا يزال الأشخاص يبحثون عن رفات ذويهم. حتى أن أحد الأشخاص حصل على رخصة للغوص، ويخرج للغوص أسبوعياً بحثاً عن أية أدلة لمكان جثة زوجته التي ابتلعها الماء. ولا يزال الناس بين الحين والآخر يستخرجون ألبومات صور الضحايا، وملابسهم، وممتلكاتهم الأخرى، كما تقول الصحيفة الأمريكية.
لعل الرابط الأكثر دلالة برغم ذلك، هو التعاطف الشديد بين هؤلاء الناجين من الكارثة العنيفة، والشعور بالعرفان لرؤية الغرباء وهم يساعدونهم في تخفيف المعاناة.
وقد حضرت مجموعة من 30 عاملاً من عامل الإنقاذ من تركيا إلى بلدة شيتشيجاهما اليابانية التي تضررت بشدة حينها، وظلوا هناك لحوالي 6 أشهر في عام 2011 للمشاركة في عمليات البحث والإنقاذ.
لم ينسَ السكان المحليون في شيتشيجاهما. وبدأوا الآن حملة تبرع من أجل تركيا. وقال رجل لواشنطن بوست، إنه بكى عندما رأى المشاهد في تركيا، وتذكر المحنة التي حلّت ببلدته قبل حوالي 12 عاماً.
فيما قال العمدة، كاورو تيراساوا، في حديثه مع الصحفيين حول عمال الإغاثة الذين قدموا إلى اليابان حينها: "لقد ساروا عبر الحطام بشجاعة؛ للمساعدة في العثور على الضحايا وإعادة جثثهم إلى عائلاتهم. لا نزال ممتنين لهم، ونريد أن نفعل شيئاً لرد الجميل، وإبداء الامتنان".