يواصل السوريون حصد آلامهم جراء الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا، ومناطق في شمال وشمال غربي سوريا، إذ تُواصل حصيلة الضحايا الارتفاع بشكل مستمر، بينما لا تزال فرق الإنقاذ والأهالي يواصلون جهودهم للعثور على ناجين ومفقودين تحت الأنقاض.
في بلدة جنديرس الحدودية مع تركيا، يحضن أب مفجوع رضيعه المتوفَّى، بينما يصرخ "يا الله، يا الله"، يقبّله على جبينه وينوح فوقه قائلاً: "قم يا ابني، قُم يا حبيبي"، غير مصدّق أن طفله من ضحايا الزلزال، وبينما يواصل البكاء يعانقه صديقه مهدئاً إياه، ليجيبه بحزن شديد "لقد حرق قلبي".
أمام مبنى مدمَّر بالكامل في البلدة ذاتها، يتكرّر المشهد نفسه، يعانق سامر ابن شقيقه أحمد (سبع سنوات) الذي قُتل والده ووالدته وثلاثة من أشقائه جراء انهيار منزلهم، يبكي بحرارة، ينقطع نفسه مكرراً "الحمد الله على كل شيء"، ثم يسير كأنه فقد تركيزه تحت وطأة الصدمة.
يقول سامر السراقبي، الذي فقد 12 فرداً من عائلته، بينهم والدته وشقيقته وعائلتها، "قُصم ظهرنا، باتوا بلا أب أو أم"، ويضيف مجهشاً بالبكاء "لا أصدق ما حصل، أخي كان يدير أمور العائلة".
وفي البلدة الواقعة في أقصى محافظة حلب (شمال)، لم تسلم عشرات الأبنية من تداعيات الزلزال، فيما وجد سكانٌ أنفسَهم مكبلين في غياب وجود لوازم ومعدات ضرورية لانتشال الضحايا من قتلى وجرحى، وفقاً لما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية.
فمنذ فجر الإثنين، 6 فبراير/شباط 2023، ينهمك سكان ومسعفون في محافظات سورية عدة بالبحث عن ناجين تحت أنقاض مبانٍ، سقطت على وقع الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد، ومصدره تركيا المجاورة، فيما لم تتوقف الأمطار لتعقّد مهمتهم الصعبة في ظل إمكانات محدودة.
تعدّ جنديرس من البلدات النائية التي تفتقر إلى خدمات أساسية، مقارنة مع مناطق أخرى تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية.
في مبنى آخر، ينتشل سكان ومقاتلون شخصاً من تحت سقف منهار، ظناً منهم أنه قد توفي، على غرار مئات غيره، وإذ به يأخذ نفساً، فيصرخ منقذوه "إنه حي حي".
وأمام منزل مدمَّر، يقول علي بطال (56 عاماً)، وقد لفّ رأسه بوشاح يقيه برد العاصفة التي تضرب المنطقة منذ أيام: "عائلتي، أولادي، ابنتي وصهري، جميعهم لا يزالون تحت الأنقاض، وليس هناك من يساعدهم، لا آلات ولا إمكانات".
يضيف الرجل الذي سالت بقع دماء على وجهه المتعب: "نسمع أصواتاً، لا يزالون أحياء لكن ليس هناك من يخرجهم".
في مشهد مشابه، يلطم ماجد نصاري على رأسه، بينما يحاول عبثاً حبس دموعه، مناشداً أصحاب "الضمير" التحرك لمساعدة أهالي جنديرس، ويقول "أطفالنا، نساؤنا وشيبنا تحت الأنقاض، إنها كارثة، طوابق كاملة هوت على الأرض، شهر أو حتى ثلاثة أشهر غير كافية لننتشل الموتى".
من جانبهم، يعمل عمال إنقاذ وسكان بأيديهم أو عبر استخدام معاول لاستحداث فتحات، على أمل الوصول إلى أحياء، بينما يقف آخرون وهم يشاهدون غير قادرين على القيام بشيء، في ظل انقطاع تام للتيار الكهربائي.
في هذه الأثناء، أغلقت كافة متاجر المواد الغذائية أبوابها، في وقت وقف عشرات في طوابير طويلة أمام الفرن الوحيد قيد الخدمة، في حين عمد البعض إلى إسعاف الجرحى في سياراتهم أو في الشارع، لعدم إمكان نقلهم إلى مستشفيات المنطقة.
بحسب وكالة الأنباء الفرنسية، فإن غالبية السكان لم يتجرأوا على العودة إلى البيوت، مفضلين البقاء في الشارع، خشية من هزات ارتدادية عقب الزلزال تتكرر منذ الصباح.
يأتي هذا فيما حذَّر الدفاع المدني السوري في الشمال السوري، والمعروف بـ"الخوذ البيضاء"، من نقص الإمكانات، متحدثة عن "صعوبات كبيرة". وأوضحت أن معداتها وإمداداتها "ليست كافية حالياً لتلبية الاحتياجات العاجلة".
وبسبب اتّساع رقعة الدمار وارتفاع عدد الضحايا، تعمل فرق الدفاع المدني في مناطق جغرافية متباعدة، ما يحدّ من قدرتها على الاستجابة السريعة.