حين شرع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في زيارته الأخيرة إلى البحرين والإمارات، ضجَّت وسائل الإعلام الإسرائيلية بالأخبار الإيجابية عن الزيارة وتناقلت الحديث عن "السلام الدافئ" مع البحرين، مستخفةً في الوقت نفسه بأن هرتسوغ كان ذاهباً في الحقيقة لمواجهة بعض المصاعب التي طرأت على مسار اتفاقيات أبراهام. أشار بعض النقاد إلى أن إسرائيل، وإن كانت تقدمت تقدماً كبيراً في علاقتها بالإمارات، فإن الأمر كان أبطأ وتيرة مع البحرين والمغرب.
وتقول لصحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية إنه على الرغم من الروابط التجارية المحمودة مع الإمارات، فإن زيارات الإماراتيين العاديين إلى إسرائيل بقيت محدودة. علاوةً على ذلك، فإن المناقشات بشأن إسرائيل في المؤسسات الأكاديمية الإماراتية ما زالت مقيدة، وهو ما أحدث تناقضاً بين تقدم العلاقات التجارية وتباطؤ مسار التواصل الاجتماعي.
انخفاض التأييد لاتفاقات التطبيع في كل من البحرين والإمارات
منذ مدة قريبة، تصدَّر خبر إدراج دراسات الهولوكوست في المناهج التعليمية للإمارات عناوين الصحف، إلا أن هذا ليس بالضرورة دليلاً على أن العلاقات السياسية مع إسرائيل ستكون طويلة الأمد. والواقع أن استطلاعات الرأي الواردة حديثاً تشير إلى انخفاض التأييد لاتفاقات أبراهام التطبيعية في كل من البحرين والإمارات، بحسب الصحيفة الإسرائيلية.
كذلك فإن التصريحات الصادرة عن النخب السياسية الإماراتية تنذر بالسوء، فقد صرح عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية والمستشار لحاكم أبوظبي سابقاً، بأن العلاقة مع إسرائيل "ليست أبدية"، وأن الإماراتيين مستعدون للتخلي عن تلك العلاقات إذا تغيرت أولوياتهم. ويزيد على ذلك أن التباطؤ في وتيرة إنفاذ الاتفاقات مستمر من قبل أن يعود بنيامين نتنياهو إلى مكتب رئيس الوزراء.
وقد يكون التحذير العلني الذي أصدرته قطر بشأن التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية عاملاً في تباطؤ الاتفاقيات أيضاً، فقطر تقدم نفسها في صورة الداعم الأساسي للقضية الفلسطينية، ومساعيها إلى نزع أي "شرعية" عن اتفاقيات أبراهام من العوامل التي تؤثر في رؤية دول الإقليم وتحركاتها بشأن اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل.
"التطبيع مع إسرائيل من المسائل المحظور مناقشتها في دوائر الحكومة السعودية"
ولا يقتصر الأمر على ذلك، فالبحرين دولة صغيرة تسعى للحماية وتتأثر بالاتجاه السياسي للسعودية، وقد صار الجدل الدائر فيها موضع قلق لمن كانوا يسعون إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل. ورغم "التفاؤل" المتفشي في الإعلام الإسرائيلي، فإن مسألة التطبيع مع إسرائيل صارت من المسائل المحظور مناقشتها في دوائر الحكومة السعودية، بحسب "جيروزاليم بوست".
في المقابل، فإن الإمارات وضعت نصب أعينها أن تصبح سنغافورة الشرق الأوسط، وغايتها أن تصير مركزاً تجارياً محايداً ومنفتحاً على التعددية من وجهة نظرها. ويشمل ذلك التزام الحياد في المنافسة بين القوى العظمى، ومنها الموقف من روسيا والصين، فضلاً عن الانصراف عن حربها على الحركات التي تراها متشددة، مثل جماعة الإخوان المسلمين.
ومع أن البرفيسور عبد الخالق عبد الله لم يكن يحظى بتأييد السلطات الإماراتية لصلاته بدوائر قريبة من الرئيس المصري السابق محمد مرسي وميوله المزعومة إلى تأييد الإخوان المسلمين كما تقول الصحيفة العبرية، فإن الإمارات أوكلته بالحديث عن العلاقات بين الإمارات وإسرائيل. وهذا يدل على أن حتى الأفراد الذين يحملون آراءه يُعاد إدماجهم في النسيج الاجتماعي للخليج.
في غضون ذلك، فإن اضطراب العلاقة بين الإمارات والولايات المتحدة عامل آخر يؤثر في حالة "اتفاقيات أبراهام". فالولايات المتحدة كانت ترى أن هذه الاتفاقات عنصر حاسم في التكامل الإقليمي اللازم للدفاع والأمن، لكن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ابتعدت منذ بداية توليها عن استخدام هذا المفهوم. وقد جاء ذلك ضمن مساعيها الرامية إلى الابتعاد عن سياسات إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والمخاوف من أن هذا التحالف يقطع الطريق على المحادثات النووية مع إيران.
تحديات قد تؤثر على استمرار اتفاقيات التطبيع
على إثر ذلك، انتهى الأمر بالعلاقة بين الإمارات وإسرائيل في مرمى التأثر بنيران التوترات بين الإمارات والولايات المتحدة. وبعد أن تراجعت الولايات المتحدة عن صفقة بيع طائرات "إف 35" إلى الإمارات، عمدت الأخيرة إلى عرقلة اتفاق الدفاع الجوي الناشئ مع إسرائيل، وأعلنت عن تطبيع علاقاتها مع إيران لأول مرة منذ عام 2016، وإن قللت من أهمية استعادة العلاقات الدبلوماسية بعد ذلك.
وعلى الرغم من هذه الأحداث، فقد وجّه بايدن دعوةً إلى رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان لزيارته في البيت الأبيض أثناء الاجتماع بزعماء مجلس التعاون الخليجي في السعودية، إلا أن الزيارة لم تتم في عام 2022. وهذا كله يدل على صعوبة التحديات التي تواجه اتفاقيات أبراهام، والعقبات الطارئة في طريق العلاقة بين الإمارات والولايات المتحدة وإسرائيل.
العلاقة بين الإمارات والولايات المتحدة مشحونة حالياً، فالبلدان مختلفان بشأن العقوبات المفروضة على روسيا والموقف الإماراتي من روسيا والصين. وفي الوقت الذي تعثرت فيه مفاوضات الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران، استعادت الإمارات علاقاتها السياسية بإيران وعملت على ترقية العلاقات التجارية معها إلى عهدها السابق. ويبدو أن الإمارات مستعدة الآن للعمل مع كل من إيران وإسرائيل في وقت واحد.
مع ذلك، إذا تواصل التوتر بين الإمارات والولايات المتحدة، ولم توفِ واشنطن بالاحتياجات الدفاعية والأمنية للإمارات، مثل إعادة إدراج الحوثيين ضمن "المنظمات الإرهابية الأجنبية"، فإن الإمارات قد تتجه إلى تحسين العلاقات السياسية مع إيران أو حتى الانسحاب من اتفاقيات أبراهام. وهو أمر محتمل، لا سيما إذا وضعنا في الاعتبار أن اتفاقيات أبراهام حاولت التوسع خلال العامين الماضيين، ومع ذلك فلم تنضم إليها دول أخرى.
من ناحية أخرى، فإن الإمارات استنكرت بشدة الهجوم الذي شهدته القدس المحتلة وقتل فيه 7 إسرائيليين، في حين أشاد به الحرس الثوري الإيراني. وهذا يدل على تباين في مواقف البلدين.
أما الشائعات حول تطبيع السعودية للعلاقات مع إسرائيل، فإنها مبالغ فيها إلى حد كبير. فقد صرح وزير الخارجية السعودية بأن التطبيع لن يحدث إلا إذا نشأت دولة فلسطينية. وعززت سلطنة عمان مؤخراً من موقفها المناهض لإسرائيل بتوسيع قانون المقاطعة، الذي يجرم الاتصالات مع دولة الاحتلال، ولم تظهر أي بوادر لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
الخلاصة أن توسع اتفاقيات أبراهام في المستقبل أمر مشكوك فيه. وتحاول إيران استغلال نقاط الضعف في الاتفاقيات للطعن فيها وتعطيلها. وقد انصرفت إدارة بايدن عن الاتفاق النووي الإيراني وبدأت السعي لتصعيد المواجهة مع إيران في الشرق الأوسط، إلا أن أخطاء الماضي في علاقة الولايات المتحدة بحلفائها قد تقوِّض مساعي تغيير السياسة وتنتقص من جهود البيت الأبيض.