بالنسبة للبعض، لا يوجد شيء ممتع مثل أخذ قيلولة منتصف النهار، فقد أصبحت هذه الفترة القصيرة من النوم في النهار عادةً عند كثير من الشعوب، فمثلاً نحو ثلث البالغين الأمريكيين يأخذون قيلولة يومياً، بينما في بعض البلدان مثل إسبانيا وإيطاليا والمكسيك واليونان والبلدان الإسلامية تعتبر قيلولة ما بعد الظهر تقليداً ثقافياً يعود إلى قرون. لكن هل القيلولة مفيدة لك؟
بطبيعة الحال، فالقيلولة مفيدة للإنسان، خصوصاً للأشخاص الذين يعانون من الحرمان النوم في الليل، لكن هذا لا يعني أنها لا تشكّل خطراً على صحة الإنسان، مما جعل الخبراء يحذّرون منها ويضعون لها مدة معينة؛ لتجنب آثارها، حسب ما نقله موقع livescience الأمريكي.
لماذا قد تشكّل القليلة خطراً على صحتك؟
بحسب مويرا جونغ، طبيبة نفسانية ومديرة تنفيذية لمؤسسة صحة النوم، وهي مؤسسة خيرية غير ربحية لتعزيز الصحة بأستراليا، لا توجد مشكلة في أخذ القيلولة. ومع ذلك، قالت إن الحاجة إلى النوم كثيراً في أثناء النهار يمكن أن تكون علامة على أن الشخص لا يحصل على قسط كافٍ من النوم ليلاً، إذ يحتاج معظم البالغين ما بين سبع وتسع ساعات من النوم كل ليلة.
وفقاً لمويرا، "إذا كنت تحتاج إلى وقتٍ كبير من القيلولة في أثناء النهار، على الرغم من وجود فرصة كافية للنوم ليلاً، فقد تكون هذه علامة على أنك لا تحصل على قسط كافٍ من النوم أو أن نوعية نومك سيئة".
توصي مويرا بأخذ قيلولة قصيرةٍ مدتها 20 دقيقة، لكنها حذّرت أيضاً من قيلولة طويلة أو متعددة، لأنها قد تتداخل مع القدرة على النوم فترة أطول في الليل.

كان رأيها النهائي في الأخير أن القيلولة القصيرة طبيعية وغالباً ما تكون مفيدة لك.
من جهته وافق Hans Van Dongen، مدير مركز أبحاث النوم بجامعة واشنطن، على فكرة مويرا جونغ، لكنه أشار إلى أن قيلولة يمكن أن تشير أيضاً إلى مشكلة صحية أساسية.
قال فان دونجن إنه "إذا كانت لدى شخص ما، فرصة كبيرة للنوم ليلاً، لكنه وجد أنّ أخذ القيلولة ضروري للحفاظ على اليقظة والرفاهية، فقد يكون ذلك علامة على أن نومه الليلي ليس مجدياً بما فيه الكفاية".
على سبيل المثال، انقطاع النفَس النومي هو حالة يعاني فيها الأشخاص من توقف مؤقت في التنفس أو التنفس الضحل في أثناء النوم. يمكن أن يؤدي هذا إلى الإرهاق أثناء النهار، مما يجعل الناس أكثر عرضة للبحث عن قيلولة بعد الظهر.
تجدر الإشارة أيضاً إلى أن الدراسات القائمة على الملاحظة قد وجدت أن الأشخاص الذين يأخذون قيلولة بشكل متكرر، إضافة إلى النوم الكافي ليلاً، لديهم معدل وفيات أعلى في الدراسات القائمة على الملاحظة.
إحدى الدراسات التي نُشرت عام 2019 في مجلة القلب الأوروبية، وجدت أن القيلولة في أثناء النهار مرتبطة بزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية الرئيسية والوفيات لدى أولئك الذين يحصلون على أكثر من ست ساعات من النوم ليلاً، ولكن ليس في أولئك الذين ينامون أقل من ست ساعات كل ليلة.
في هذا الصدد قال فان دونجن: "إذا كان النوم الليلي مقيداً بأسباب أخرى، مثل العمل، فإن القيلولة عادةً ما تكون شيئاً جيداً ومفيداً". ومع ذلك، يبدو أن الإفراط في النوم يمكن أن يكون ضاراً. يُعرف هذا باسم فرط النوم، وهو اضطراب عصبي ينتج عن الوقت المفرط في النوم أو النعاس المفرط.
ماذا تفعل القيلولة؟
قالت مويرا جونغ إن النوم، سواء كان ذلك لفترات طويلة أو قصيرة، يوفر فترة تهدئة للدماغ، بحيث يكون "هناك تغيير في النشاط الكهربائي لموجات الدماغ، وقد يكون هناك أيضاً تدفق للسموم التي يمكن رؤيتها خلال فترات النوم الأطول".
في دراسة نشرت عام 2019 بمجلة Science، وُجد أنه في أثناء النوم، يغسل الدماغ نفسه باستخدام مزيج من السائل النخاعي، وهو سائل شفاف عديم اللون يتدفق داخل وحول الدماغ والحبل الشوكي، إضافة الى الدم. يُعتقد أن هذه العملية تزيل السموم وتهدر البروتينات التي تتراكم بالدماغ في أثناء النهار، مما يؤدي إلى إنعاش الدماغ بشكل أساسي عند الاستيقاظ.
إضافة إلى ذلك، نشرت دراسة 2021 في المجلة الدولية للبحوث البيئية والصحة العامة، وجدت أن أخذ قيلولة في فترة ما بعد الظهر يمكن أن يحسن الأداء المعرفي واليقظة لمدة ساعتين تقريباً بعد القيلولة.
على وجه الخصوص، تميل قيلولة في وقت مبكر من بعد الظهر إلى أن تكون أكثر فعالية عندما يتعلق الأمر بتعزيز الأداء المعرفي.
ما المدة المناسبة للقيلولة؟
في حين أن قيلولة يمكن أن تكون ترميمية لعمليات النوم في اليوم، فإنه من الممكن أن تكون لها تأثيرات مختلفة اعتماداً على سبب أخذها، وذلك وفقاً لكيفين مورغان (Kevin Morgan)، أستاذ علم النفس في جامعة لوبورو بإنجلترا.
يمكن أن تساعد القيلولة الأشخاص المحرومين من النوم، في إعادة معايرة مستويات جزيء يسمى "الأدينوزين"، إذ تعزز مستويات الأدينوزين المنخفضة اليقظة، بينما تزيد مستوياته من النعاس.
قال فان دونجن أيضاً، إنه على الرغم من أن بعض القيلولة مفيدة، فإن البعض الآخر يمكن أن يترك الناس يشعرون بأنهم بعيدون عن الانتعاش. يُعرف هذا باسم القصور الذاتي للنوم، وهي حالة فسيولوجية من ضعف الأداء المعرفي يمكن أن تحدث في أعقاب كل من النوم الليلي والقيلولة.

وأضاف فان دونجن: "يمكن أن يحدث ترنح مؤقت وتوهان وقلة اليقظة بعد الاستيقاظ من أي فترة نوم، ويستغرق ذلك عادةً نحو 15 دقيقة حتى يتبدد، ويمكن أن يشكّل هذا مشكلة للأشخاص الذين هم على اتصال أو يحتاجون إلى توخي الحذر على النحو الأمثل فور الاستيقاظ"، وهو ما يحدث غالباً مع الأشخاص الذين يأخذون قيلولة.
بالنسبة للأفراد الذين يعانون من الأرق المزمن، قال مورغان إن خمول النوم يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الأعراض ولا ينصحهم بالمشاركة في القيلولة فب أثناء النهار، فحسب أستاذ علم النفس في جامعة لوبورو الإنجليزية، بالنسبة لأولئك الذين لا يعانون من الأرق المزمن فإن القيلولة التي تقل عن 30 دقيقة تميل إلى أن تكون أقل عرضة للتسبب في خمول النوم.
من جهتها قالت مويرا جونغ، إنه عندما ينام الشخص أكثر من 30 دقيقة، فمن المرجح أن يدخل المراحل الأعمق من النوم. كما هو الحال مع خمول النوم، فإن الاستيقاظ خلال هذه المراحل يمكن أن يجعل الناس يشعرون بالدوار والنعاس والارتباك، لذا فإن النوم لمدة 20 دقيقة أو نحو ذلك، قبل الساعة الـ3 مساء، يعد أمراً مثالياً.
وقال جونغ: "في بعض الحالات، قد تكون قيلولة أطول بنحو 1.5 ساعة مفيدة أيضاً، إذ تسمح هذه المدة الزمنية للجسم بالتنقل خلال مراحل النوم وتجنب مقاطعة النوم العميق".
قد يكون هذا النوع من القيلولة الأطول مفيداً بشكل خاص لعمال الطوارئ والعمال الذين يحاولون تجنب التعب، ويتعين عليهم التعامل مع فرص أقل للنوم الكافي.
وينصح موقع mayoclinic الأمريكي بالحفاظ على أخذ قيلولة قصيرة، ما بين 10 دقائق و20 دقيقة فقط. وكلما طالت مدة القيلولة، زادت احتمالية شعورك بالدوار بعد ذلك.
ما فوائد القيلولة المناسبة؟
مع زيادة ضغوط الحياة واضطرار كثير من الناس إلى العمل دوامين، أصبح من الصعوبة الحصول على فترات نوم كافية في الليل، فصارت القيلولة اليومية ملجأ لتجاوز مشاكل النوم، إذ إن القيلولة التي لا تتجاوز نصف ساعة توفر كثيراً من الفوائد.
فالقيلولة تجعل صاحبها يشعر بسعادة أكبر، إذ تشير الأبحاث إلى أنه بعد نصف ساعة من النوم، يشعر المرء بالحيوية والسعادة والراحة، حيث يعيد شحن طاقته.
كما أنها تزيد من التركيز، إذ تساعد القيلولة على تحسين الأداء والتركيز، وتقلل من ارتكاب الأخطاء، وتجنب الحوادث.

إضافةً إلى أنها تقوم بزيادة قوة المخ، إذ أثبت باحثون بجامعة سارلاند في ألمانيا أن القيلولة تساعد على تحسين أداء العقل بنسبة 500%.
كما أنها تسمح بمزيد من الإبداع لصاحبها، فقد أكدت الدراسات أن منطقة الدماغ المسؤولة عن الإبداع تكون أكثر نشاطاً بعد القيلولة.
فضلاً عن أنّ القيلولة مفيدة لصحة القلب، فقد أثبتت دراسة أجريت في جامعة هارفارد وكلية الطب بجامعة أثينا أن الأشخاص الذين يداومون على أخذ قيلولة يومية أقل عرضة للإصابة بأمراض القلب بنسبة 37%.
ما أضرار القيلولة؟
كما سبق، فإن القيلولة ليست مفيدة للجميع. في الواقع، يجد بعض الناس أن القيلولة تأتي بنتائج عكسية، على الرغم من أن تقليل ضغط النوم يمكن أن يحارب التعب، فإنه قد يتداخل أيضاً مع قدرتك على النوم في الوقت الطبيعي للنوم.
فالأشخاص الذين يجدون صعوبة في النوم أو البقاء نائمين في الليل، على سبيل المثال، هم أولئك الذين يعانون من ذلك الأرق، قد ترغب في تجنب القيلولة، لحلّ هذا المشكل.
من جهة أخرى يمكن التقليل من خمول النوم (النعاس بعد الاستيقاظ من قيلولة) أو تجنبه بأخذ قيلولة أقصر. ومع ذلك، لا يزال بإمكانك الشعور بالارتباك حتى بعد قيلولة قصيرة، لذلك قد تكون القيلولة مزعجة إذا كنت بحاجة إلى العودة للعمل مباشرة بعد ذلك.