إن الفاشية هي تفسير لوجود أيديولوجية وحركة سياسية استبدادية وقومية متطرفة متمثلة في حزب بهارتيا جانتا الحاكم في الهند (BJP)، تتميز بزعيم ديكتاتوري يتمثل في رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وقمع قسري لغير المرغوب فيهم، بمعنى قمع الأقليات المسلمة والسيخية والمسيحية، والإيمان بالتسلسل الهرمي الاجتماعي الطبيعي – النظام الطبقي-، والتبعية لمصلحة الأمة والعرق المتصورة أو السيادة الهندوسية
كأن الأمر يبدو مألوفاً للبعض؟ صحيح، لأن هذه هي الحقيقة التي يواجهها الملايين الآن في الهند.
الفاشية، هي ما كان على العالم خوضه في حرب عالمية من أجل القضاء عليها. تحت حكم ناريندرا مودي واجهة منظمة راشتريا سوايام سافاك سانغ (RSS) تحولت الهند إلى دولة قومية متطرفة هندوسية وفاشية جديدة أطلقت حملة قمع ضد جميع أشكال المعارضة ضد حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم
وامتدت هذه الحملة العدوانية إلى كل من الأحزاب السياسية المعارضة الهندية المعتدلة والأقليات الدينية والكشميريين والسيخ الذين يرغبون في الاستقلال عن الاحتلال الهندي.
يعد الاعتداء الممنهج على المواطنين من الأقليات وخاصة المسلمين مقلقاً بشكل خاص؛ لأنه بدأ يظهر تزايد وتنامي ميول الإبادة الجماعية على مستوى الدولة.
تم سحب جنسية ملايين العائلات المسلمة، وطرد الٱلاف من منازلهم، واستخدام شرطة الدولة والجيش لترهيب النشطاء، والتقارير والتصريحات المناهضة للمسلمين من قبل أعضاء حزب بهاراتيا جاناتا القيادي، وتدمير المساجد، والحرمان من التعليم وفرص العمل العادلة وغيرها الكثير.
مما جرى ويجري يبدو أن حزب بهاراتيا جاناتا قد وصل بالفعل إلى ذات المرحلة التي وصل لها الحزب النازي الألماني في عام 1935. وليس هنا أي مفاجآت، خاصة أن لدى جميع الأعضاء البارزين في حزب بهاراتيا جاناتا بعض الصلات بالنسخة الهندية من النازية SS وهي منظمة راشتريا سوايام سافاك سانغ RSS الهندوسية. لقد وصلت الأمور إلى مرحلة أصبح فيها المسلمون الذين يعتبرون الهند مصدر فخر لهم غير واثقين الآن من مستقبلهم
كشمير المحتلة
أصبح الوضع في كشمير المحتلة أكثر وحشية من أي وقت مضى، إذ تم قمع جميع الصحفيين الكشميريين تقريباً، وتم منعهم من التحدث علناً، إضافة إلى إلقاء القبض على السياسيين والقادة المحليين، وتستخدم شرطة الولاية القوانين الجديدة كتهديد لإجبار الكشميريين على الخضوع (وإلا سيواجهون حملة اعتقالات غير مبررة وربما الموت -دون محاكمة- بتهم باطلة)، ولعل أفضل مثال على القمع الهندي هي وكالة التحقيق الوطنية NIA.
وثقت الأحداث أن الحكومة التي يقودها ناريندرا مودي قامت باستخدام وكالة التحقيقات الوطنية سيئة السمعة -يمكن مقارنتها بالخلايا داخل الجستابو النازي- لاعتقال الكشميريين الأبرياء بتهم وهمية ومعاقبتهم لخلق جو من الخوف والرعب في إقليم جامو وكشمير المحتل.
تتمتع وكالة التحقيقات الوطنية بصلاحية التعامل مع التحقيق في الجرائم المتعلقة بالإرهاب في جميع أنحاء الهند دون إذن خاص من الولايات، وهو ما يمنحها تصريحاً مجانياً للهروب من المساءلة وبرعاية الدولة.
وجدير بالذكر أن الهند قامت بتهجير أكثر من ٧٠٠ ألف شخص من كشمير المحتلة، وقامت بتسكين قرابة المليون هندوسي، وتسجيل أكثر من أربعة ملايين هوية هندوسية في الإقليم المحتل من أجل تغيير التركيبة الديموغرافية، في نموذج مشابه تماماً للنموذج الصهيوني في فلسطين المحتلة
وضع عديمي الجنسية وإخلاء وهدم 50 ألف منزل
في أواخر عام 2019 وأوائل عام 2020، أدخلت الحكومة الهندية قوانين جديدة مثيرة للجدل خاصة بالجنسية والمواطنة موجهة بشكل خاص إلى المسلمين الذين يعيشون في الهند، إذ سحبت هذه القوانين بشكل منهجي جنسية ما يقرب من مليوني مسلم في ولاية آسام، مما جعلهم عديمي الجنسية.
ووقعت العديد من الاحتجاجات الواسعة النطاق التي تم قمعها بشكل منهجي؛ مما أجبر العائلات المسلمة على الخضوع لعملية بيروقراطية لإثبات أنفسهم كهنود. في ذلك الوقت شعرت العائلات المسلمة التي لم يتم استبعادها أيضا بخطر وشيك، إذ بدأت بالتصريح قائلة: "نحن تحت التهديد بأن نصبح أقلية في أرضنا" (مناطق الأغلبية المسلمة).
المثير للقلق هو أن الهند تعتبر أن هذا الشعور لا أساس له من الصحة.
أطلقت الهند في السنوات القليلة الماضية أيضاً حملة إخلاء وهدم منازل ضد ما تسميه تعدياً غير قانوني، ومع ذلك، يبدو أن هذا القانون ينطبق فقط على العائلات المسلمة، حيث يواجه المسلمون في جميع أنحاء الهند خطر الإخلاء من منازلهم التي كانوا يقيمون فيها لأجيال، ولا سيما في ولاية آسام الهندية.
وكالعادة جرت الاحتجاجات وسرعان ما تم قمعها دون أمل في تحقيق العدالة للسكان.
في الوقت نفسه في أوتارانتشال، هناك 50 ألف منزل لعوائل مسلمة معرض لخطر الهدم من قبل الدولة الهندية بعد حملة منفصلة لتطهير الأراضي التي تطالب بها الحكومة، سيؤدي هذا إلى فقدان 50 ألف أسرة لمنازلهم التي حصلوا عليها من خلال القنوات القانونية المناسبة والتشرد في العراء دون وجود أي مأوى أو ملاذ يقيهم برد الشتاء أو حر الصيف. واعتباراً من الآن، يواجه المسلمون في جميع أنحاء الهند قضايا مماثلة، ويمكن إرجاع السبب الرئيسي إلى "مُثُل السيادة" التي تروج لها حكومة حزب بهاراتيا جاناتا، وهي تشبه إلى حد كبير الطريقة التي عمل بها النظام النازي خلال سنواته الأولى.
مذبحة غوجارات وبي بي سي
أصدرت البي بي سي مؤخراً فيلماً وثائقياً عن دور رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في أعمال الشغب في ولاية گوجرات والمذبحة التي راح ضحيتها آلاف المسلمين. وسلط الفيلم الضوء على ميول الإبادة الجماعية الفاشية التي يحملها مودي تجاه المسلمين الهنود، وكيف يتم استخدام أجهزة الدولة لإرضاء هذا الدافع لتخليص الهند من المسلمين، لتصبح الهند بعدها حكراً على من يحملون "العرق الهندوسي النقي" فقط.
بعد إصدار هذا الفيلم الوثائقي، تحركت الهند بسرعة لحظر ليس فقط الفيلم الوثائقي ولكن حظر البي بي سي، وهو ما يثير أسئلة تتعلق بحرية التعبير في ما يطلق عليها بأنها "أكبر ديمقراطية في العالم" ومستوى المساءلة التي يسمح بها القادة الهنود.
بشكل عام، فإن الاتجاه السياسي في الهند مثيراً للقلق، حيث تطور الوضع من خطابات بسيطة معادية للمسلمين من قبل القادة السياسيين الهنود إلى مذابح صريحة، والاستيلاء على وطن المسلمين وأراضيهم وبيوتهم ومساكنهم، وجعل المسلمين عديمي الجنسية في أرض كانوا فيها جيلاً بعد جيل.
الأمر الأكثر خطورة أنه إن سُمح للهند بالاستمرار فيما تفعله، فإن "أكبر ديمقراطية في العالم" ستميل أكثر نحو الفاشية في السنوات القادمة، وستنجح الهند إما في الإبادة الجماعية للمسلمين والسيخ والهندوس من الطبقة الدنيا، أو أن الدولة التي يزيد عدد سكانها عن مليار نسمة ستقع في حالة عدم استقرار شديد، والاضطرابات الناجمة عن حدث كهذا ستكون هي الأخيرة في تاريخ الهند على الأرجح.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.