أكد المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت، طارق البيطار، لـ"عربي بوست"، أنه لن يتنحى عن ملف انفجار مرفأ بيروت، منتقداً إجراءات المدعي العام غسان عويدات، الذي قام بالإفراج عن جميع الموقوفين في القضية.
وقال البيطار إن "عويدات لا يملك الصلاحية للادعاء عليَّ، بل هو المدعى عليه بالملف، ولا صلاحية له بإخلاء سبيل الموقوفين باستثناء الخمسة الذين أخليتُ سبيلهم".
ودعا البيطار خلال اتصال هاتفي مع "عربي بوست"، مختلف الأجهزة الأمنية إلى عدم تنفيذ قرارات عويدات، لأنها غير قانونية، ولا يجب تنفيذها، لأنها تضرب ما تبقى من سلطة في البلاد.
وأعلن القاضي أنه مستمر في عمله، انطلاقاً من كونه حتى اللحظة القاضي الأصيل في الملف، وأنه عاد لممارسة دوره منذ أيام، انطلاقاً من نص قانوني قوامه أنّ المجلس العدلي هيئة مستقلة موازية للهيئة العامة لمحكمة التمييز.
وأضاف أن أي قرار ينصّ على تنحية المحقق العدلي هو إلغاء لموقع تمّ إنشاؤه بموجب مرسوم وزاري، ولا يحتاج المحقق العدلي إلى إذن لملاحقة المدعى عليهم؛ لكونه أساساً مفوضاً للقيام بهذه المهمة.
وبحسب البيطار، فإنه شارف على إنهاء قراره الاتهامي الذي سيحوله إلى المجلس العدلي. وقوام هذا القرار أكثر من 800 صفحة أنجز أغلبيتها وبقي القليل منها.
وبناءً على ذلك، ذكر البيطار أنه حدد مواعيد جلسات لاستجواب المدعى عليهم، بغية الانتهاء من قراره الاتهامي للوصول إلى الحقيقة في ما حدث يوم 4 أغسطس/آب 2020.
معركة قضائية ساخنة
في مفاجأة تعكس حدّة الصراع القضائي في لبنان حالياً على خلفية تحقيقات القضاء في انفجار مرفأ بيروت، وما يرتبط به من تجاذب سياسي، قررت النيابة العامة التمييزية بعد اجتماعها ظهر الأربعاء 25 يناير/كانون الثاني، إخلاء سبيل جميع الموقوفين في ملف المرفأ من دون استثناء، مع منعهم من السفر وجعلهم بتصرف المجلس العدلي في حال انعقاده.
وفي حيثيات القرار الذي وقَّعه المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، بأن المحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ طارق البيطار، بحسب ما سماه "المكفوفة يده في قضية انفجار مرفأ بيروت"، اعتبر نفسه موكلاً بصلاحيات النائب العام لدى محكمة التمييز لاتخاذ ما يراه مناسباً من إجراءات، فيكون بذلك قد استقى صلاحياته وسلطته من الهيئات القضائية جمعاء، لذا قرر إطلاق سراح الموقوفين في الملف.
وبحسب معلومات حصل عليها "عربي بوست" من مصادر قضائية مطلعة، فإن عويدات ادَّعى على القاضي طارق البيطار أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز بجرم ما أطلق عليه "اغتصاب السلطة واستغلال مركزه"، وأحاله الى الرئيس الأول التمييزي لتعيين قاضي تحقيق لاستجوابه وفق الأصول التي تُتَّبع في ملاحقة القضاة جزائياً.
واتخذت النيابة العامة التمييزية قرارها هذا، اليوم، معتبرةً أنها تملك الحق في اتخاذ الإجراءات المناسبة، الأمر الذي اعتُبر "خطوة قضائية خطيرة وغير متوقعة".
اجتماع طارئ للقضاء الأعلى
في المقابل يشهد قصر العدل في بيروت حالة تخبُّط، بسبب القرارات والقرارات المضادة، وانطلاقاً من كتاب وزير العدل هنري الخوري، الذي طلب فيه من مجلس القضاء الأعلى عقد جلسة لمناقشة "قرارات البيطار".
ودعا رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي سهيل عبود، أعضاء المجلس إلى عقد جلسة، يوم الخميس؛ لمناقشة مجموعة من البنود القضائية، ومن ضمنها "خطوات القاضي البيطار الأخيرة"، بغية إيجاد حلول سريعة لمعالجة هذا الأمر.
ويشير المصدر القضائي لـ"عربي بوست"، إلى أن المجلس سيناقش خلال الجلسة قضية القاضي البيطار، والبحث أيضاً في "الكتاب الذي وجَّهه القاضي عويدات للبيطار"، مذكراً إياه بتنحيه عن ملف المرفأ.
وقد يتخذ المجلس قراراً بإقالة البيطار نهائياً من مهمته كمحقق عدلي في قضية المرفأ، وتعيين قاضٍ بديل.
ويشير مصدر قضائي مطلع لـ"عربي بوست"، إلى أن هناك شبه إجماع لدى المجلس والغرف التمييزية على إقالة البيطار، مع دراسة تداعيات هذه الإقالة على مستوى الرأي العام وأهالي الضحايا والمجتمع الدولي.
وأوضح الرئيس سهيل عبود للقاضي غسان عويدات، أمس، خلال اجتماعهما داخل مجلس القضاء الأعلى، أن "الأخير لم يبلّغ رسمياً بقرار عودة البيطار".
وزير العدل على خط الأزمة
بالمقابل تؤكد مصادر في قوى المعارضة اللبنانية أن وزير العدل بحكومة تصريف الأعمال هنري خوري (ينتمي للتيار الوطني الحر) يتجه إلى قيادة انقلاب قضائي على المحقّق العدلي طارق البيطار، من خلال إصدار قرار بتعيين محقّق عدلي آخر في الملفّ، ليتمّ إبعاد البيطار نهائياً عن قضية مرفأ بيروت.
وفي هذا الإطار، يكشف المصدر أن وزير العدل هنري خوري، التقى اليوم، القاضية سمرندا نصّار (محسوبة على التيار الوطني الحر) التي حاول عهد ميشال عون في أيّامه الأخيرة طرحها كقاضٍ رديف للمحقّق العدلي طارق البيطار. إلا أنّ البحث يدور الآن، حول تعيين قاضٍ "بديل" وليس مجرّد "رديف" كما طُرح سابقاً.
الإقالة مستبعدة
من جهة أخرى، ينفي مرجع قضائي لـ"عربي بوست" إمكانية إقالة البيطار وتعيين قاضٍ بديل له، انطلاقاً من مجموعة معطيات، أهمها أن إقالة البيطار تحتاج لإجماع مشترك بين القضاء الأعلى والمجلس العدلي وهو أمر غير موجود.
كذلك فإن تبعات الإقالة ستكون كبيرة، أهمها فرض عقوبات أمريكية وأوروبية على شخصيات قضائية بتهمة تعطيل الحقيقة.
ويؤكد المرجع أنه بدا واضحاً الدعم الغربي للبيطار والذي اتخذ طابعاً جديداً بعد لقائه الوفد الفرنسيّ القضائي الأسبوع الماضي، والذي حثّهُ على التمسك بالملف وعدم التخلي عنهُ تحت ايّ ظرف او ضغط.
وفي السياق نفسه، جاء أيضا تأكيد المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة الأمريكية، نيد برايس، الثلاثاء، عندما قال: "لقد أوضحنا في المجتمع الدولي منذ وقوع الانفجار، أنّنا ندعم ونحث السلطات اللبنانية على استكمال التحقيق السريع والشفاف في الانفجار المروع بمرفأ بيروت".
واقع أمني متفجر
في هذا الإطار يشير مصدر حكومي لبناني رفيع لـ"عربي بوست"، إلى أنه من المؤكد أن إدارة ملف تفجير المرفأ كانت خاطئة منذ البداية، محملاً المسؤولية السلطتين السياسيّة والأمنيّة ما وصلت إليه الأوضاع، بدءاً من الرئيس السابق ميشال عون ورئيس الحكومة السابق حسان دياب، وصولاً إلى المسؤولين القضائيّين، وعلى رأسهم المحقّق العدلي الأول والثاني.
ويشير المصدر إلى أن الأحزاب السياسية اليوم وعلى رأسها الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل)، إضافة إلى التيار الوطني الحر، وبسبب تدخلها في عمل القضاء، تدمر ما تبقى من مؤسسات سيادية بعدما فشلت في جر الجيش نحو التفكك والتصدع لصالح الميليشيات المسلحة، على حد وصفه.