يطمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أن يشاركه أحد اللوم على تداعيات السياسات الاقتصادية التي اشتدت وطأة تأثيرها على سكان البلاد، وقد يكون التخلص من رئيس الوزراء مصطفى مدبولي وسيلته إلى ذلك، فالمفاوضات جارية بشأن تكوين حكومة جديدة، بينما يواجه السيسي تذمُّراً بين لواءات الجيش.
حسب تقرير لموقع Africa Intelligence الفرنسي نُشر الأربعاء 25 يناير/كانون الثاني 2023، فإنه من المتوقع أن يكون رئيس الوزراء المصري المقبل شخصاً خبيراً في الشؤون المالية، ليعوض مدبولي، الذي يتولى المنصب منذ عام 2018، وكان مهندساً في الأصل ووزيراً سابقاً للإسكان.
يأتي ذلك بينما تواجه مصر حشداً من المشكلات الاقتصادية الكبرى، تشمل انخفاضاً غير مسبوق في قيمة الجنيه المصري، وتضخماً تزيد نسبته على 20%، وحاجة شديدة لدى البنك المركزي المصري إلى العملات الأجنبية، وفق ما أشار إليه الموقع.
فيما أضافت أنه لما زاد إحجام الرعاة الخليجيين عن تمويل السيسي بشيكات مفتوحة، اضطر الرئيس المصري إلى اللجوء لصندوق النقد الدولي، الذي اشترط عليه اتخاذ تدابير صارمة مقابل قرض جديد بقيمة 3 مليارات دولار.
صُرفت الدفعة الأولى من القرض بمبلغ 347 مليون دولار في ديسمبر/كانون الأول. وأشار تقرير صندوق النقد الدولي الصادر في 10 يناير/كانون الثاني إلى أنه تعهَّد في مقابل ذلك بإبطاء وتيرة العمل في كثير من مشروعاته الإنشائية الضخمة.
تشمل هذه المشروعات عدة مواقع بناء كبرى في الصحراء، منها موقع بشرق القاهرة يُفترض به أن يكون "العاصمة الإدارية الجديدة" للبلاد.
في هذا السياق، فإن الشركات المصرية الكبرى العاملة في قطاع البناء والأشغال العامة، والتي ركزت نشاطها في هذه المواقع، زاد إفصاح بعضها عن السخط على توجّهات الرئيس الاقتصادية.
انتقاد علني من نجيب ساويرس
الملياردير المصري نجيب ساويرس من أكثر أصحاب هذه الشركات اتصافاً بالذكاء الإعلامي، ويمثل هو وأخواه ناصف ساويرس وسميح ساويرس المساهم الأكبر في شركة أوراسكوم للإنشاءات.
حيث لجأ ساويرس إلى حسابه على موقع تويتر لانتقاد مذيعي التلفزيون الذين يؤيدون الرئيس السيسي في ظل هذه الكارثة. وكانت هذه خطوة انتقاد علنية نادرة في بلد قلَّما تقبل فيه الدولة الانتقادات، وقد شارك كثير من الناس تغريدات ساويرس على وسائل التواصل الاجتماعي.
في الوقت نفسه، يمارس صندوق النقد الدولي ضغوطاً شديدة على السيسي، فقد طالبه بخصخصة حصص كبيرة من القطاع العام، خاصة تلك التي تزدهر فيها الشركات المملوكة للجيش على حساب الشركات الخاصة.
يُشار إلى أن إمبراطورية اللواءات الاقتصادية قد توسعت منذ تولي السيسي السلطة، ومن ثم فإن مهاجمة هذا الوضع تعني إضعاف الرئيس المصري، ويستدل بعضهم على ذلك بالتوتر الذي أثاره البيع المرتقب لشركة "الوطنية" للبترول، وهي شركة بترول تابعة لـ"جهاز مشروعات الخدمة الوطنية"، إحدى أذرع الجيش المصري في قطاع الصناعة.
تذمُّر بين لواءات الجيش المصري
يرى بعض كبار ضباط الجيش أن البيع المحتمل لأصول الشركة الوطنية من الأراضي الواقعة بالقرب من قناة السويس إلى جهاز الإمارات للاستثمار، صندوق الثروة السيادي لدولة الإمارات، ينطوي على انتقاص من السيادة المصرية.
مع ذلك، يُعتقد أن عملية البيع جارية لشركة "الوطنية" ومعها شركة "صافي" لتعبئة المياه المعدنية (المملوكة أيضاً للجيش) بقيادة الصندوق السيادي المصري.
مما أثار بعض الخلاف أيضاً خطوة إنشاء صندوق سيادي لإدارة أرباح قناة السويس، التي تأتي بين أكبر مصادر الدخل الأجنبي في البلاد. واستدعى ذلك مخاوف من خصخصة هيئة قناة السويس التي يرأسها قائد القوات البحرية السابق، الفريق أسامة منير ربيع.
دعم برلماني للجيش والمخابرات
أدى هذا الأمر إلى موجة من الانتقادات في البرلمان، الذي كان الغالب عليه في معظم الأحيان حديث النواب عن دعمهم للجيش وجهاز المخابرات العامة.
فقد أعرب نواب حزب الأغلبية الموالي للحكومة، "مستقبل وطن"، عن مخاوفهم من خطوة إنشاء صندوق لإدارة حصة من أرباح قناة السويس، لكنهم لم يذهبوا إلى حد استهداف السيسي بالاسم. وكان محمد أنور السادات، النائب السابق ورئيس حزب الإصلاح والتنمية، قد حثَّ في وقت سابق من هذا الشهر، على تعيين وزير اقتصاد جديد.
لكن بعيداً عن ذلك كله، يمكن القول إن السخط أقوى حدة بين الشعب المصري، فالناس هم من يعانون التكلفة الكاملة للتدابير التي يريد صندوق النقد الدولي اتخاذها، والتي تشمل: ارتفاع تكلفة المعيشة، وتفشي التضخم الناجم عن انخفاض قيمة الجنيه المصري، وتناقص دعم الطاقة.