جلبت كل مرحلة من مراحل الحرب في أوكرانيا أسلحتها المميزة، ففي معركة كييف في الشتاء الماضي، لعبت صواريخ جافلين المضادة للدبابات، وصواريخ ستينجر للدفاع الجوي المحمولة على الكتف، أدواراً مهمة في المعركة. كما لعبت الطائرات المسيرة دوراً بارزاً في قصف الجحافل الروسية المتقدمة، وخصيصاً بواسطة طائرات بيرقدار التركية التي حظيت باحتفاء شعبي لافت في أوكرانيا.
وعندما انتقل القتال إلى منطقة دونباس الشرقية في الربيع، جاء دور مدفع هاوتزر عيار 155 ملم. عندما شنت أوكرانيا هجوماً مضاداً في الخريف، ذاع صيت راجمة الصواريخ هيمارس himars. وبينما يستعد كلا الجانبين لشن هجمات جديدة الآن مع اقتراب الربيع، تحولت الأضواء إلى الدروع، وقبل كل شيء الدبابات وعربات المشاة القتالية الخفيفة.
وبعد هذا العام الحافل بالمعارك والكر والفر بين الطرفين، واستخدام خليط من الأسلحة الجديدة وتلك القديمة، ما الذي سيمنحه الدعم الغربي لأوكرانيا في الجولة التالية من الحرب؟
روسيا وأوكرانيا.. ماذا تخبئ الجولة التالية من المعركة؟
بعد عام من القتال، وعلى الرغم من النجاحات الأوكرانية اللافتة في إيقاف ثم صد خصم متفوق عسكرياً عدداً وعدة، لا تزال روسيا تحتل حوالي 17٪ من أراضي أوكرانيا، بما في ذلك شبه الجزيرة القرم التي ضمتها إليها في عام 2014، ما يطرح بعضاً من أصعب الأسئلة حول مستقبل الحرب، كما يقول تقرير لمجلة Economist البريطانية.
وفي الوقت الحالي، أصبح الصراع صراع استنزاف دموي طاحن. في الجو، يسعى وابل من الصواريخ والطائرات من دون طيار الروسية إلى شل شبكة الكهرباء والبنية التحتية في أوكرانيا. وعلى الأرض، سمحت المعارك المدفعية وهجمات الموجات البشرية للقوات الروسية بالتقدم ببطء حول بلدة باخموت في المنطقة الشرقية من دونباس.
قد يكون موسم القتال الربيعي حاسماً، حيث تتضاءل ميزة أوكرانيا في القوى العاملة في ساحة المعركة الآن بعد أن حشد الكرملين 200.000 إلى 300.000 جندي، وقد يأمر قريباً باستدعاء كبير آخر كما تقول الإيكونومست.
ومع عمل المصانع العسكرية الروسية في نوبات ثلاثية، من غير المرجح أن يمنح مخزون الغرب المستنفد من الذخيرة لأوكرانيا ميزة حاسمة في قوة نيران المدفعية. وبالتالي، هناك شعور متزايد في الغرب بأن أوكرانيا بحاجة إلى استراتيجية لتغيير قواعد اللعبة لتحقيق نصر كبير بما يكفي لإجبار روسيا على الانسحاب، أو على الأقل التفاوض.
ما الذي سيمنحه الدعم الغربي لأوكرانيا قبل بلوغ الربيع؟
هذا بدوره يفسر طموح مجموعتين كبيرتين من المساعدات العسكرية الأمريكية هذا الشهر بداية عام 2023، والتي تمثل تحولاً من توفير الأسلحة بطريقة مجزأة إلى تدريب وتجهيز وحدات قتالية كاملة. وأعلنت الولايات المتحدة عن إرسال أكثر من 100 مركبة قتالية مجنزرة من طراز برادلي، و90 مركبة مدرعة من فئة سترايكر، و100 ناقلة جند مدرعة من طراز M 113، وغيرها من الأسلحة والذخيرة المتنوعة.
ويضاف لهذا الدعم، عشرات المركبات القتالية مثل Marders الألمانية، وamx -10 rc s الفرنسية، وcv 90s السويدية. وتعد مدافع الهاوتزر ذاتية الدفع جزءاً مهماً من الوحدات المدرعة، حيث توفر نيراناً داعمة أثناء الحركة. ستزود أمريكا أوكرانيا 18 مدفعاً من هذا النوع؛ وتبرعت الدنمارك بكامل مخزونها المكون من 19 مدفعاً من طراز سيزار فرنسية الصنع لأوكرانيا.
ولتكوين وحدة متماسكة، تقوم أمريكا بتدريب القوات الأوكرانية، كتيبة في كل مرة (عادة ما تكون ثلاث أو أربع كتائب لواء)، في عمليات التدريب المشتركة. يتضمن ذلك تنسيق الدروع والمشاة والمهندسين والطائرات من دون طيار لتعزيز نقاط القوة لكل منها، والتخفيف من نقاط الضعف الخاصة بكل منها.
ويقول الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، إن مساعدة أوكرانيا بهذا الشكل "ستزيد بشكل كبير من قدرة كييف على الدفاع عن نفسها ضد المزيد من الهجمات الروسية، والمضي في الهجوم التكتيكي والعملياتي لتحرير المناطق المحتلة".
مع ذلك، فإن الغائب الواضح هو وجود أعداد كبيرة من دبابات القتال الرئيسية الغربية التي من شأنها تعظيم قوة مثل هذه القبضة المدرعة كما تقول الإيكونومست. ووعدت بريطانيا بتقديم 14 دبابة تشالنجر، لكن هذا من شأنه أن يجهز سرية فقط، وليس كتيبة، ناهيك عن لواء. فلواء بريطاني مدرع يضم 56 دبابة، أما الأمريكي فيضم 87 دبابة أبرامز m 1.
مشاكل الحلفاء صنعت فجوة في الدعم العسكري، لكن يبدو أن دبابات "ليوبارد" و"أبرامز" قادمة في الطريق
وفيما يتعلق بالفجوة الكبيرة هذه، يتم إلقاء اللوم على الخلافات بين الحلفاء الغربيين، وخاصة القلق الألماني. وتقدم دبابات ليوبارد 2 الألمانية الصنع أفضل خيار عسكري لأوكرانيا؛ فهي تعمل بالديزل ووفيرة (حوالي 2000 في الخدمة في جميع أنحاء أوروبا)، وأسهل في التشغيل من دبابات أبرامز الأمريكية التي تعمل بالطاقة التوربينية.
وبعد رفض وتردد، قررت ألمانيا يوم الثلاثاء 24 يناير 2023، إرسال الدبابات ليوبارد 2 لأوكرانيا، وبالتالي إعطاء الإذن للآخرين لإرسال دبابات ليوبارد التي باعتها ألمانيا لهم، إلى أوكرانيا.
وفي وقت من الأوقات، قال مسؤولون ألمان إن إرسال دبابات ليوبارد سيتوقف على إرسال أمريكا لأبرامز، وهو ارتباط كان يرفضه البنتاغون. ووزير الدفاع الألماني الجديد، بوريس بيستوريوس، تراجع بشكل معقول عن لعب "أنت أولاً". حيث قال إن ألمانيا بحاجة إلى مزيد من الوقت لاتخاذ القرار، ربما لأيام فقط، وهو بالفعل ما حدث.
وبعد القرار الألماني بإرسال دبابات ليوبارد 2، قال مسؤولون أمريكيون إن إدارة الرئيس جو بايدن تميل نحو إرسال عدد كبير من دبابات من طراز أبرامز M1، إلى أوكرانيا، وإن الإعلان عن إرسالها "قد يحدث هذا الأسبوع"، وذلك حسبما نشرت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، الثلاثاء 24 يناير/كانون الثاني 2023.
بحسب الصحيفة، سوف يكون الإعلان في إطار تفاهم دبلوماسي أوسع مع ألمانيا، حيث وافقت برلين على إرسال عدد أصغر من دباباتها ليوبارد 2، وسوف توافق أيضاً على إرسال مزيد من الدبابات المصنوعة في ألمانيا عن طريق بولندا وبلاد أخرى، بحسب إعلام ألماني.
في الوقت ذاته، أعلن البيت الأبيض في تصريحات حديثة، الثلاثاء، أن البنتاغون لم يرسل بعد أي معلومات بشأن إرسال دبابات أبرامز لأوكرانيا، مشدداً على أن دبابات أبرامز لديها "كفاءات قتالية عالية لكن تحتاج لصيانة وتدريب".
وكان ميخائيلو بودولياك، مستشار الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، قد غرد قبل بضعة أيام، مستاءً من "التردد العالمي" لدعم بلاده قائلاً: "كل يوم تأخير هو موت للأوكرانيين، فكر بشكل أسرع". فيما كان قد حث السناتور الجمهوري البارز ليندسي جراهام كلاً من أمريكا وألمانيا على إرسال دبابات، ووبخهما قائلاً: "لقد سئمت من العرض القذر، يحاول بوتين إعادة كتابة خريطة أوروبا بقوة السلاح. النظام العالمي على المحك".
هل يصنع الغرب لأوكرانيا قوة مدرعة لا يستهان بها؟
مع ذلك، قد لا تكون الدبابات بالأهمية نفسها التي توحي بها الخلافات السياسية بحسب الإيكونومست. إذ تمتلك أوكرانيا المئات من الدبابات التي تعود إلى الحقبة السوفييتية، من مخزونات ما قبل الحرب، بالإضافة إلى تلك التي تم تجديدها والتي قدمتها دول أوروبا الشرقية، وليس أقلها، العديد من الدبابات التي استولت عليها من روسيا.
لكن الدبابات الغربية محمية بشكل أفضل وأكثر قدرة. ويمكن لأوكرانيا أن تمزج درعها الثقيل السوفييتي مع مركبات قتال المشاة الغربية الحديثة. ويجادل الباحث جاك واتلينج من المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز أبحاث بريطاني، بأن التعهدات الغربية الأخيرة بالأسلحة ستخلق "أقوى قوة مدرعة في الجيش الأوكراني، إنه يمنحهم شيئاً يسمح لهم بالتحرك بسرعة وإجراء عمليات اختراق".
لكن خيبة الأمل الكبرى من عدم وجود الدبابات هي عدم وجود أسلحة دقيقة بعيدة المدى لضرب مواقع القيادة الروسية والمراكز اللوجستية بشكل أعمق خلف الخطوط الروسية، كما يضيف بن هودجز، وهو جنرال متقاعد كان يقود الجيش الأمريكي في أوروبا. والصواريخ الموجهة بواسطة نظام تحديد المواقع العالمي (gps) التي تطلقها himars (وقاذفة mlrs ذات الصلة) لها مدى يتراوح بين 70 و84 كم فقط.
في البداية تسببت هذه الراجمات في إحداث فوضى في المناطق الخلفية لروسيا، لكن موسكو أعادت تنظيم نفسها منذ ذلك الحين لإبقاء الأهداف بعيدة عن النطاق الأوكراني. ويرفض البنتاغون تزويد أوكرانيا بصاروخ atacms الذي يبلغ مداه 300 كيلومتر، والذي يمكن إطلاقه من منصات الإطلاق الحالية نفسها، معتبراً أنه يمثل خياراً تصعيدياً.
ويقر كولين كال، وكيل وزارة الدفاع الأمريكي لشؤون السياسة، بأن أوكرانيا بحاجة إلى الوسائل لشن "المعركة العميقة". لكن البنتاغون يحجب أيضاً الطائرات المسلحة من دون طيار مثل غراي إيجل، التي يصل مداها إلى مئات إن لم يكن آلاف الكيلومترات، عن أوكرانيا.
والطائرات العسكرية الغربية غير واردة في الوقت الراهن، حيث كان البعض يأمل أن يتم الإعلان عن سلاح جديد يبلغ مداه 150 كيلومتراً، يُعرف باسم صاروخ glsdb، والذي يمكن إطلاقه أيضاً من himars، في أحدث حزم توريد الأسلحة.
هل يمكن أن تحدث الأسلحة الحديثة المقدمة لأوكرانيا فرقاً على الأرض؟
يقول الجنرال هودجز إنه بوجود دروع أكثر وأفضل، ووسائل توجيه ضربات صاروخية عميقة، سيكون لأوكرانيا أفضل فرصة للاستيلاء على شبه جزيرة القرم، التي يعتبرها "أرضاً حاسمة". ويقول إنه من خلال تركيز دروعها، يمكن لأوكرانيا أن تتوغل في بحر آزوف وتقطع الجسر البري بين روسيا وشبه جزيرة القرم.
في غضون ذلك، ستسمح الذخائر بعيدة المدى بدقة بتدمير الجسر الفعلي المؤدي إلى شبه جزيرة القرم فوق مضيق كيرتش، والذي تضرر جزئياً بسبب انفجار في أكتوبر/تشرين الأول 2022. ويمكن لأوكرانيا بعد ذلك قصف الروس كما تشاء، وتحديد موقعهم، ويمكن لهم إجبار الروس على التخلي عن شبه الجزيرة، كما يقول هودجز.
تسمح السيطرة على شبه جزيرة القرم لروسيا بخنق الموانئ الأوكرانية وإمداد قواتها في جنوب أوكرانيا. ويشير الجنرال هودجز إلى أن خسارته ستكون بمثابة ضربة عسكرية شديدة الأهمية، للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولكن هذا أيضاً هو سبب قلق بعض الحلفاء بشأن محاولة أوكرانيا استعادة السيطرة عليها، خوفاً من أن تدفع بوتين إلى اللجوء إلى التصعيد الخطير واستخدام الأسلحة النووية.
هل الحلفاء على استعداد للمجازفة؟
تؤكد أمريكا أن "القرم هي أوكرانيا"، ولأوكرانيا كل الحق في استعادتها. لكن هل أمريكا مستعدة عملياً لدعم عملية أوكرانية للسيطرة على شبه جزيرة القرم؟ يبدو أن ذلك مسألة أخرى.
واعترف المسؤولون الأمريكيون، الذين كانوا غامضين بشأن نهاية هذه اللعبة، بأن أهداف الحرب الأمريكية والأوكرانية قد تتباين في مرحلة ما. لكن إعطاء أوكرانيا على الأقل الوسائل لتهديد موقف روسيا في شبه جزيرة القرم قد تكون له مزايا. يجادل جاك واتلينج قائلاً: "إذا كنت تريد تسوية تفاوضية، فإن إعطاء الأولوية لشبه جزيرة القرم قد يكون أمراً منطقياً وليس تصعيداً".
ويبدو أن الحديث عن استعادة شبه جزيرة القرم سابق لأوانه بالنسبة للغرب وكييف. وبالنظر إلى خريطة الخطوط الأمامية الحالية في أوكرانيا، يتعين على الأوكرانيين تحقيق نجاح عسكري كبير، أولاً في الجنوب قبل طرح شبه جزيرة القرم للمناقشة، لذلك يجب أن يكون التركيز بالنسبة لأوكرانيا الآن على الأسلحة الدقيقة، وتجهيز وحدات جديدة، وشن حرب المناورة.
وبينما يستعد كلا الجانبين للجولة القادمة، هناك شعور بالخطر. حتى عندما أكد أن أوكرانيا يمكن أن تحرز تقدماً، أعلن الجنرال مارك ميلي أن "هذا العام سيكون من الصعب جداً جداً إخراج القوات الروسية عسكرياً من كل شبر أخذته من أوكرانيا". وقال ميلي إن الصراع يجب أن ينتهي على طاولة المفاوضات في وقت ما، مضيفاً: "ستكون هذه حرباً دموية للغاية".