لم تهدأ الدوامة السياسية في إسرائيل بعد الانتخابات الأخيرة في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2022، كما ظن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومؤيدوه، بل انتقلت من صناديق الاقتراع إلى الساحات العامة في قلب تل أبيب والمدن الكبرى الأخرى.
تزايد التظاهرات والشد والجذب السياسي دفع البعض للاعتقاد بأن إسرائيل على حافة "حرب أهلية"، وأن اليمين المتطرف في إسرائيل على استعداد لدفع أثمانها مقابل بقائه على سدة الحكم منفرداً بقيادة بنيامين نتنياهو، كما هو اليوم.
الثورة القانونية.. رفض التغييرات القضائية
وللأسبوع الثاني على التوالي، تظاهر أكثر من 100 ألف إسرائيلي وسط مدينة تل أبيب ومدن أخرى؛ رفضاً للتغييرات القضائية التي تعرف باسم "الثورة القانونية" لوزير العدل في الحكومة الإسرائيلية القائمة ياريف ليفين على إحداثها.
ومن أهم بنود هذه "الثورة القانونية" الحد من سلطة المحكمة العليا في إبطال القوانين عبر تمكين الكنيست من إعادة سن أي قانون أبطلته المحكمة العليا، وذلك بأغلبية بسيطة، مضافاً إلى ذلك إعادة تشكيل لجنة اختيار القضاة.
تحذيرات وتهديدات
أثناء مساعي نتنياهو لتشكيل ائتلافه الحالي، حذر رئيس "معسكر الدولة" الوزير السابق بيني غانتس من الطريقة التي اختارها خصمه السياسي لتركيب حكومته؛ لما لها من تأثير سلبي على مستقبل الدولة والمجتمع الإسرائيلي.
وأضاف غانتس أن مسؤولية الحرب الداخلية التي بدأت تتغلغل في إسرائيل ستلقى على عاتق نتنياهو.
بدوره، يعتبر القائد السابق في سلاح الجو الإسرائيلي، آساف أغمون، وأحد قادة التظاهرات المناهضة للحكومة الحالية، أن بنيامين نتنياهو وشركاءه في الحكومة يقضون على الديمقراطية والنظام القضائي.
بينما دعا عضو الكنيست السابق يائير جولان، والذي شغل أيضاً منصب نائب رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش، إلى العصيان المدني في إسرائيل؛ احتجاجاً على سياسات الحكومة، التي وسمها بحكومة الفاسدين.
تلك التصريحات وغيرها من المعارضة دفعت عضو الكنيست تسفيكا فوغل من حزب "قوة يهودية"، برئاسة إيتمار بن غفير الليلة للدعوة إلى اعتقال زعيم المعارضة ورئيس الوزراء السابق يائير لابيد ووزير الجيش السابق بيني غانتس بتهمة خيانة الوطن؛ كونهما أخطر الأشخاص الموجودين في الوقت الحالي، وهما يدعوان إلى الحرب، على حد تعبيره.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، فخلال إحدى التظاهرات في مركز المعلمين أمام جامعة بن غوريون حاول سائق إسرائيلي من مؤيدي اليمين دهس متظاهرين خرجوا في بئر السبع؛ احتجاجاً على إجراءات حكومة نتنياهو. أضف إلى هذا التهديدات التي يتلاقها بعض نشطاء المعارضة عبر الهواتف المحمولة.
الفلسطينيون أين…؟
في خضم تصاعد الأحداث الداخلية في إسرائيل، كان للساسة الفلسطينيين مواقف داعمة للتظاهرات، حيث يتقاطع هدف المشاركين في إسقاط نتنياهو.
دعا رئيس حزب القائمة العربية الموحدة والشريك السابق في الائتلاف الحكومي منصور عباس، فلسطينيي المناطق المحتلة عام 1948 إلى المشاركة في الاحتجاج ضد حكومة نتنياهو الجديدة، معتبراً أن التلويح بالعلم الفلسطيني لا ينبغي أن يكون أداة مركزية في الاحتجاجات، كما ذكرت صحيفة هآرتس.
فيما اعتدى نشطاء من اليمين الإسرائيلي على النائب العربي في الكنيست أيمن عودة، بعد أن انتهى من إلقاء كلمته خلال تظاهرة نظمت وسط تل أبيب، نظمت في الثامن من الشهر الجاري.
من جانبه، يرى المحلل السياسي محمد مجادلة في مقال له على الموقع الإلكتروني للقناة 12، أن عدم تدافع الفلسطينيين في المناطق المحتلة عام 1948 إلى التظاهرات نابع من نظرتهم المتساوية إلى الحكومات في إسرائيل، فلا فرق بين حكومة بينت – لابيد أو حكومة نتنياهو – سموترتش في السياسات تجاه العرب، لا سيما في القضايا الجوهرية المتعلقة بحقوق الإنسان والمساواة والقانون.
سبت التظاهرات
يذكر أنه في 14 يناير/كانون الثاني، تظاهر عشرات الآلاف من الاسرائيليين في ساحة هبيما في تل أبيب، وكذلك في مراكز مختلفة في القدس وحيفا ضد سلسلة الإجراءات والقوانين التي تنوي حكومة نتنياهو تنفيذها ضد المنظومة القضائية.
ووفقاً لتقديرات لإذاعة الجيش فإن عدد المشاركين قد بلغ قرابة 100 ألف مشارك. كان من بينهم وزير الجيش السابق بيني غانتس الذي وصل إلى المظاهرات تحت حراسة أمنية مشددة.
بينما أفادت صحيفة يديعوت أن مظاهرة أخرى نظمت أمام مقر إقامة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في القدس ضمت أكثر من 1500 متظاهر، وحوالي 2000 متظاهر تجمهوروا في حيفا، والمئات أمام منزل وزير القضاء ياريف ليفين في موديعين.
من جانبه، هاجم نتنياهو التظاهرة وادعى أنها نظمت بأموال أجنبية، إذ قال نتنياهو خلال اجتماع لحزب الليكود في إشارة إلى مظاهرة تل أبيب التي خرجت ضد حكومته: "الخوف هو الخوف نفسه، والجمعيات هي الجمعيات نفسها، لا جديد في ظل الأموال فالمال أجنبي".
وعادت التظاهرات من جديد يوم السبت 21 يناير/كانون الثاني، عندما تظاهر قرابة أكثر من 100 ألف إسرائيلي في شارع "كابلن" وسط تل أبيب، وجابت التظاهرة عدة شوارع محيطة دون تسجيل مواجهات مع الشرطة.
وطالب المتظاهرون الحكومة بالتراجع عن التغييرات على النظام القضائي، بالإضافة إلى الدعوات لالتزام الحكومة بقرار المحكمة العليا إلغاء تعيين وزير الداخلية آريه درعي في هذا المنصب.
هذا إضافة لتظاهرات أخرى نظمت في حيفا والقدس وبئر السبع والتي رفعت شعارات ترفض تحول إسرائيل إلى ما وصفوه بـ"ديكتاتورية يمينية".
فيما قال رئيس المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، من المظاهرة في تل أبيب، إن "هذه المظاهرات جاءت دفاعاً عن الديمقراطية والقضاء، والدفاع عن الحياة المشتركة، ولن نستسلم حتى ننتصر من أجل ذلك".
تظاهرات حتى تحقيق المطالب
تعهد المتظاهرون باستمرار تظاهراتهم إلى حين تراجع الحكومة الإسرائيلية عن قراراتها. إذ أعلنت الحركة من أجل جودة الحكم، صباح الأحد 22 يناير/كانون الثاني، أن السبت المقبل سيكون هناك مظاهرة أخرى ضد الحكومة في ساحة هبيما في تل أبيب. وبحسب الحركة، يأتي ذلك بعد نجاح التظاهرة الماضية.
وقال رئيس الحركة: "أدعو كل من يتمسك بالديمقراطية الإسرائيلية وعزيزة على قلوبهم أن يخرجوا ويتظاهروا".