في ذروة الصراع السياسي الذي يشهده لبنان، وتحديداً ذلك المتعلق بانعقاد الحكومة، ينتظر اللبنانيون ما سيصدر من قرارات وتقارير عن الوفد القضائي الأوروبي، بشأن تهم الفساد وتبييض الأموال، بعد انتهاء كل جلسات الاستجواب، يوم الجمعة 20 يناير/كانون الثاني.
وبدأت الوفود القضائية الأوروبية الآتية من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ جلسات الاستجواب في قصر العدل في العاصمة بيروت.
وتشير مصادر قضائية لبنانية لـ"عربي بوست" أن حالة من الفوضى تشهدها المؤسسات القضائية بسبب الأوراق التي يطلبها الوفد الأوروبي.
أدى هذا إلى سجال حاد منذ أيام بين مدعي عام التمييز في بيروت القاضي غسان عويدات والنائب العام الاستئنافي، زياد أبو حيدر، بعد رفض الأخير طلب القاضي بتكليف محامٍ عام استئنافي لإطلاع الوفد الألماني على ملف يخص حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة.
وانتهى السجال بتراجع أبو حيدر عن قراره وتكليف القاضي رجا حاموش لتسهيل عمل الوفد الألماني.
ملفات الاستجواب بدأت
في إطار متصل، يكشف المصدر القضائي أن الوفود القضائية الأوروبية قامت باستجواب سعد العنداري، الذي شغل منصب النائب الثاني لحاكم مصرف لبنان المركزي بين عامي 2009 و2019، كما شغل منصب نائب المدير العام لبنك بيروت والبلاد العربية بين 2001 و2009. ودام الاستجواب أكثر من 3 ساعات متواصلة.
كما جرى التحقيق مع خليل آصاف، وهو عضو سابق في لجنة الرقابة على المصارف ومدير التفتيش في مصرف لبنان.
وبحسب المصدر، فإن عدد المشاركين في جلسات الاستجواب هو 20 شخصاً، وهم عبارة عن مجموعة قضاة من ألمانيا وفرنسا ولوكسمبورغ، ومحققين دوليين، بالإضافة لوجود مترجمين لبنانيين، بحضور القضاة اللبنانيين الذين عيّنهم القاضي غسان عويدات لمساعدة الوفد الأوروبي في الاستجواب، وهم القضاة عماد قبلان، وإيميلي كلاس، وصبوح سليمان.
بالمقابل تشير الصحفية المتخصصة بالملف القضائي فرح منصور لـ"عربي بوست" أن الوفد الأوروبي أجرى تحقيقاً مع المصرفي مروان خير الدين، وهو المدير العام لبنك الموارد، ووزير سابق، ومرشح خاسر عن الثنائي الشيعي ومقرب من النظام السوري، على الرغم من الدعم السياسي الذي يحظى به.
وخضع خير الدين لجلسة استجواب طويلة، امتدت لأكثر من أربع ساعات متواصلة، جرى فيها طرح أسئلة متنوعة حول المبالغ المالية والتحويلات الخارجية التي تمت عبر مصرفه.
وبحسب منصور فإن خير الدين أظهر تعاوناً مع المحققين والقضاة الدوليين، فأجابهم على جميع الأسئلة والاستفسارات في حضور وكيله القانوني.
ووفقاً لمنصور فإن جهد الوفود القضائية الأوروبية تركز خلال جلسات الاستجواب على معرفة الأساليب والطرق التي اعتمدها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة خلال عمليات "تبييض الأموال"، وآلية عمله داخل مصرف لبنان المركزي.
من أجل ذلك، فقد حقق القضاة مع أحمد جشّي، وهو النائب السابق لحاكم مصرف لبنان.
وباشر الوفد القضائي الأوروبي التحقيق والاستماع لإفادة النائب الأول السابق لحاكم مصرف لبنان رائد شرف الدين ومسؤول عمليات القطع في مصرف لبنان نعمان ندور.
واستمع إلى المدير العام لبنك عودة سمير حنا ثم سيستمع لرئيسة مجلس إدارة بنك البحر المتوسط ريا الحسن، على أن يتم الاستماع إلى آخرين مطلع الأسبوع المقبل.
ووفقاً للمعلومات فإن الوفود الأجنبية تتوزع المهام فيما بينها. إذ يركز الجانب الألماني على الاطلاع على أوراق الملف الخاص بالحاكم رياض سلامة لدى النيابة العامة التمييزية.
والتقى الوفد القاضي المكلف رجا حاموش مرات عدة، واطلع على تفاصيل الملف.
ووفقاً للمصدر القضائي فإن الجانب الألماني سعى للحصول على نسخة كاملة من الملف، عبر كاميرا للمسح الطبقي تتيح تصويراً سريعاً لكل أوراق الملف.
لكن القاضي حاموش رفض ذلك، مذكراً الوفد بأن الاتفاق يقضي بالاطلاع وتسجيل ملاحظات، على أن يُرسل لاحقاً طلب إلى النائب العام التمييزي غسان عويدات يحدد المستندات التي يريد الوفد نسخاً منها، على أن يعود القرار بالموافقة من عدمها للجانب اللبناني.
الادعاء على رياض سلامة
بالمقابل يؤكد مصدر حكومي رفيع يتابع الملف لـ"عربي بوست" أن المحامي العام القاضي رجا حاموش سيتولى رسمياً الادعاء على رياض سلامة ومن يظهره التحقيق في جريمة اختلاس المال العام وتبييض أموال لصالح جهات سياسية نافذة في البلاد.
ويشير المصدر إلى أن القاضي حاموش سيكون ملزماً بشكل رسمي بتنفيذ قرار النائب العام التمييزي غسان عويدات بالادعاء على سلامة، وفق الملف الذي أعدّه القاضي السابق المتابع للملف جان طنوس في شهر مايو/أيار من العام الماضي.
وبحسب المصدر فإنه يفترض بحاموش ممارسة الادعاء العام وإحالة الملف مباشرة إلى قاضي التحقيق.
وأضاف: "تحويل الملف إلى قاضي تحقيق لبناني والادعاء على سلامة يعني قطع الطريق على أي قرار أوروبي متعلق بمحاكمة سلامة، وسيفتح الباب أمام تعامل مختلف مع الطلبات الأوروبية بالتعاون القضائي في المستقبل، لأن قاضي التحقيق يمكنه تجميد التعاون مع الأوروبيين إلى حين الانتهاء من الاطلاع على الملف، وتأخير أي تعاون حتى إنجاز عمله".
في هذا الإطار كان لافتاً قرار قاضية التحقيق الفرنسية أود بورسي بالحجز على أملاك سلامة، وأنها هي من يقود التحقيقات المباشرة.
وبحسب المعلومات فإن أسئلة الوفد الأوروبي تطابق في غالبيتها الأسئلة التي سبق أن وجهت إلى الأشخاص أنفسهم من قبل القضاة اللبنانيين الذين أشرفوا على متابعة الملف.
اللقاء مع البيطار.. قضية المرفأ إلى الواجهة
وفي ظل تأكيد الوفد الأوروبي أن قضية التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت هي إحدى أولويات زيارة الوفد إلى لبنان، التقى وفد قضائي فرنسي مؤلف من القاضيين الفرنسيين نيكولا أوبيرتين وماري كريستين أديار ومترجم لبناني، بالمحقق العدلي القاضي طارق البيطار، في مهمة قضائية مخصّصة لمتابعة التحقيقات في قضية المرفأ.
استقبل البيطار، المكفوفة يده عن ملف التحقيقات، الوفد الفرنسي في مكتبه المغلق منذ أكثر من عام، في قصر العدل ببيروت.
وبحسب مصادر متابعة فإن البيطار استعرض مع زواره العراقيل التي واجهته في هذه القضية بسبب دعاوى الرد الموجهة ضده من قبل نواب ووزراء لبنانيين يرفضون المثول أمام التحقيق.
اللقاء الذي دام لأكثر من ثلاث ساعات، ناقش فيه البيطار مع الوفد الفرنسي جميع ما يحيط بهذا الموضوع، مؤكداً للجانب الفرنسي تمسكه بالقضية حتى اللحظة الأخيرة، ولن يتراجع تحت أي ضغط، ولن يتنحى هو شخصياً عن القضية إلا إذا جرت تنحيته من قبل مجلس القضاء الأعلى.
وبحسب المصادر القضائية فإن الوفد الفرنسي طالب البيطار بالاطلاع على ملف التحقيقات، لاسيما أنها ليست المرة الأولى التي يطالب القضاء الفرنسي بمتابعة ملف التحقيقات.
لكن البيطار أجاب أنه لن يسلّم أي ورقة من ملف التحقيق إلا بعد عودته إلى مهمته من جديد، وبعدها سيكون جاهزاً للتعاون مع القضاء الأوروبي والفرنسي لتحقيق العدالة.
كذلك فإن البيطار أشار للوفد القضائي الفرنسي أن بلادهم كانت من بين الدول التي لم تتجاوب بشأن تزويده بصور للأقمار الاصطناعية. وتشير المعلومات إلى أن البيطار التقى في منزله للمرة الثانية الوفد الأوروبي لمدة ثلاث ساعات أخرى، على أن يستكمل لقاءاته مع باقي الوفد مطلع الأسبوع المقبل.
واستكمالاً لمهمة الوفد الفرنسي فإن القاضيين الفرنسيين نيكولا أوبيرتين وماري كريستين أديار التقيا أمس المحاميين سيسيل روكز وبيار الجميل اللذين فقدا شقيقيهما في الانفجار. وقال الجميل وروكز إنهما أبلغا القاضيين الفرنسيين بكل العراقيل التي تعترض استكمال الملف والتعقيدات التي تحول دون إنهاء المحقق العدلي مهمته. وطلبا لجنة تقصي حقائق دولية، فيما اكتفى القاضيان بإبلاغهما أنهما مكلفان فقط بمهمة قضائية تقتضي الحصول على معلومات فنية حول الملف.