أسعارها أعلى من المراكز الخاصة.. تفاصيل “مجموعات الدعم المدرسي” التي تهدد مجانية التعليم في مصر

عربي بوست
تم النشر: 2023/01/19 الساعة 08:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/01/19 الساعة 08:15 بتوقيت غرينتش
تستعد مصر لبدء تجربة مجموعات الدعم المدرسي

تستعد المدارس الحكومية في مصر للتحول بشكل تدريجي إلى ما يشبه "مراكز الدروس الخصوصية"، وذلك مع نية وزارة التربية والتعليم الاستعانة بالمعلمين العاملين بمراكز الدروس الخصوصية الخاصة، ومنحهم أموالاً تضاهي ما يحصلون عليه، على أن يكون ذلك تحت أنظارها.

سيحدث ذلك داخل قاعات يتم تجهيزها حالياً بالمدارس المختلفة التي ستشهد تطبيقاً مبدئياً لتجربة "مجموعات الدعم المدرسي"، مع انطلاق الفصل الدراسي الثاني بعد أقل من شهر تقريباً.

وكشفت مصادر مطلعة بوزارة التربية والتعليم المصرية لـ"عربي بوست" أن المديريات والإدارات التعليمية بالمحافظات المختلفة تعمل في الوقت الحالي على تحويل القاعات الكبيرة داخل المدارس -المخصصة على الأغلب لممارسة الأنشطة وحصص المجال الزراعي والصناعي والتكنولوجي- إلى قاعات يمكنها استضافة ما لا يقل عن 150 طالباً في الحصة الواحدة، تنفيذاً للتعليمات الوزارية الأخيرة التي تستهدف تطبيق "مجموعات الدعم المدرسي".

المصادر ذاتها -رفضت ذكر اسمها لحساسية منصبها- أكدت أنه بالتوازي مع ذلك، بدأت إدارات داخل وزارة التربية والتعليم فتح خطوط اتصال مباشرة وغير مباشرة مع مشاهير المعلمين في مراكز الدروس الخصوصية لإقناعهم بمنح وقت لا يتجاوز ساعتين أو ثلاث ساعات في اليوم الواحد للتدريس بتلك المجموعات التي ستكون عقب انتهاء اليوم الدراسي، بمقابل مادي يفوق ما يحصلون عليه في المراكز التي يعملون بها.

أسعار مجموعات الدعم المدرسي تفوق الدروس الخصوصية

ولا تتجاوز قيمة ما يدفعه الطالب الواحد في مراكز الدروس الخصوصية -والمعروفة باسم "السناتر"- 60 جنيهاً على الأغلب في الحصة للمرحلة الثانوية، فيما تنوي وزارة التربية والتعليم أن تحصل من الطالب الواحد على 100 جنيه بالنسبة لطلاب المدارس الحكومية، و150 جنيهاً بالنسبة لمواد اللغات في المدارس التجريبية.

ويشير المصدر ذاته إلى أن الإشراف على عملية تنظيم مجموعات الدعم يشارك فيه شركة منبثقة عن صندوق دعم وتمويل المشروعات التعليمية، ولا تتبع ميزانيتها الوزارة مباشرة، وهو ما يشير لوجود جهات سيادية ترتبط بعملية التنظيم، وبالتالي الاستفادة من العوائد، بحسب المصدر.

وأوضح المصدر أن المعلم سيحصل تقريباً على نسبة تضاهي 70% من قيمة الحصة، وتذهب 30% الأخري كضرائب لوزارة المالية وصندوق دعم وتمويل المشروعات التعليمية والإدارات التعليمية والمشرفين على عملية تنظيم المجموعات ونقابة المعلمين.

يذكر أنه يوجد في مصر حالياً حوالي 25 مليون طالب في مراحل التعليم قبل الجامعي المختلفة، بينهم 22 مليون طالب في المدارس الحكومية ومليونيْ طالب في المدارس التجريبية اللغات (حكومية بمصروفات)، وما يقرب من مليون طالب في المدارس الدولية والخاصة. فيما يبلغ عدد المدارس الحكومية قرابة 49 ألف مدرسة.

تحويل الحصص المدرسية إلى حصص مدفوعة الأجر

ويتفق عديد من خبراء التربية على أن جذب معلمي الدروس الخصوصية إلى المدارس الحكومية من شأنه أن يحول التعليم في مصر إلى حصص مدفوعة الأجر، وأن الدروس الخصوصية لن تنتشر فقط في البيوت أو المراكز المخصصة لها، لكنها ستبقى وسيلة تعلم رئيسية في غياب تام لأدوار التربية، ما سيكون له انعكاساته السلبية على مستقبل الأجيال الصاعدة.

ومن المقرر أن يُعلن وزير التربية والتعليم المصري رضا حجازي خلال الأيام المقبلة القرار الوزاري الذي يحدد مواصفات المعلمين المشاركين في تلك المجموعات التي تعد بديلاً لـ"مجموعات التقوية"، التي كانت تقدمها الوزارة بأسعار رمزية، وكخدمة لطلاب المدارس الحكومية غير القادرين على الحصول على الدروس الخصوصية. 

ولفت مصدر آخر مطلع بوزارة التربية والتعليم إلى أن التوجه العام داخل الوزارة خلال العامين الماضيين كان يتمثل في كيفية إفشال تجربة "مجموعات التقوية"، ولم يكن معروفاً السبب في ذلك قبل إصدار التوجيهات الجديدة، إذ إن المعلمين لم يحصلوا على نصيبهم نظير عملهم في تلك المجموعات، وتأجل صرفها لأشهر طويلة بعد أن كان المعلم يحصل على نسبته عقب انتهاء الحصة مباشرة.

وكانت الشكاوى تتوالى على الوزارة لصرف تلك المستحقات التي جرى صرف بعضها وتأجيل البعض الآخر.

إفشال تجربة مجموعات التقوية

وأوضح المصدر المطلع لـ"عربي بوست" أن غالبية المعلمين الذين خصصوا وقتهم لمجموعات التقوية، رفضوا هذا العام منح الطلاب أي حصص إضافية لأنهم لم يحصلوا على مستحقاتهم من العام السابق. 

وبالتالي وجدت الوزارة ذريعة تمكنها من الإعلان عن قرارها الجديد، ما جعلها تروّج بشكل مستمر عن فشل مجموعات التقوية التي كانت تعد في الأصل وسيلة ناجحة لمواجهة الدروس الخصوصية، وجذبت قطاعات كبيرة من الطلاب ليس لديها قدرات مادية تمكنها من الذهاب إلى "السناتر" الخاصة، ولم تتجاوز قيمة الحصة الواحدة 20 جنيهاً.

الهدف الرئيسي من الإسراع في تنفيذ "مجموعات الدعم المدرسي" التي أعلن عنها وزير التعليم مؤخراً -بحسب المصدر ذاته- يتمثل في استفادة وزارة المالية من عوائد ضرائب الدروس الخصوصية، وأن جذب معلمي السناتر إلى المدارس خطوة أولية يتبعها إصدار تراخيص لكافة مراكز الدروس الخصوصية وتقنين عملية منح الدروس للطلاب.

وتضع الحكومة المصرية نصب أعينها عوائد قد تصل في العام الواحد إلى 10 مليارات جنيه في حال زيادة أسعار المجموعات، وأن دراساتها تشير إلى أن ما ينفقه الطلاب على الدروس الخصوصية سنوياً يبلغ 47 مليار جنيه.

ووفقاً للمتحدث أيضاً فإن موازنة الحكومة المصرية لن تتحمل في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة تعيين مزيد من المعلمين، أو إنشاء مزيد من المدارس بما يواكب الزيادات السكانية المستمرة، ولديها رؤية تتمثل في الانتقال المباشر إلى التعليم المدفوع والالتفاف على الدستور الذي يضمن مجانية التعليم في مراحل التعليم الأساسي، بمسميات مختلفة، سواء أكانت مجموعات الدعم أم عبر التوسع في شراكات إنشاء مدارس حكومية بمصروفات بالشراكة مع القطاع الخاص، وغيرها من سبل القضاء على التعليم المجاني.

تهرب حكومي من تعيين معلمين جدد

وكان مقرراً أن تشرع الدولة المصرية في تعيين 150 ألف معلم على مدار خمس سنوات، بحسب قرار سابق للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي صدر قبل عام تقريباً، لسد عجز المعلمين الذي وصل إلى 450 ألف معلم، على أن تدخل الدفعة الأولى المقدر عددها بـ30 ألف المعلم لسوق العمل مع انطلاق العام الدراسي الحالي.

لكن ذلك لم يحدث حتى الآن، ومازال التأخير سائداً في المسابقات التي يقوم بها جهاز التنظيم والإدارة.

ويلفت المتحدث ذاته إلى أن ميزانية التعليم تناقصت مع تراجع قيمة الجنيه واستمرت كما هي عند حدود 131 مليار جنيه، في حين كان من المأمول الوصول إلى ميزانية تبلغ 190 مليار جنيه، بما يساعد على إقامة مبانٍ جديدة، وكذلك توفير فرص عمل للمعلمين.

وأشار إلى أن اللجوء إلى حل "مجموعات الدعم المدرسي" سيحقق فائضاً من الممكن توجيهه لإنشاء مدارس جديدة، لكن في تلك الحالة لن يكون هناك تعليم مجاني داخل المدرسة، وسيقتصر الوضع على المجموعات التي ستجذب المعلمين وينصب تركيزهم عليها.

وقال وزير التربية والتعليم، رضا حجازي، في تصريحات إعلامية إن أسعار مجموعات الدعم المدرسي لن تكون موحدة على كافة المدارس، والأمر يختلف من منطقة إلى أخرى، وكذلك من محافظة إلى أخرى، إلى أن 80% من عوائدها سيذهب إلى المعلم، لكن بعد خصم قيمة الضريبة التي ستحصل عليها وزارة المالية، معتبراً ذلك حقاً للدولة.

ووجه الوزير، مديري المديريات التعليمية، بضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لكي تكون "مجموعات الدعم المدرسي" عامل جذب لأبنائنا الطلاب، موضحاً أنه سيتم تجهيز قاعات خاصة بهذه المجموعات في عدد محدد من المدارس داخل كل إدارة تعليمية لاستقبال الطلاب، واختيار أفضل المعلمين المتميزين لتدريس المواد المختلفة في مجموعات الدعم، وخاصة لمرحلة الشهادات الإعدادية والثانوية، أما صفوف النقل فستتم داخل المدارس.

وأثارت تصريحات حجازي، جدلاً مجتمعياً وتربوياً واسعاً، لأن القرار من شأنه أن يضاعف أسعار الدروس الخصوصية في السناتر الخاصة، وسيتم القضاء على ما تبقى من انضباط دراسي في المدارس الحكومية، والأخطر من ذلك أنه يفتح المجال أمام زيادة فاتورة التعليم على الأسر المنهكة بالأساس.

"تخريب متعمد للعملية التعليمية"

وقالت إيمان جابر، وهي ولية أمر ومسؤولة عن إحدى المجموعات التعليمية على مواقع التواصل الاجتماعي، إن قرارات الوزير الأخيرة بمثابة تخريب متعمد للعملية التعليمية التي لديها أسس تقوم عليها داخل المدرسة، وأن الأموال ستكون المتحكم الأول، وستغيب معها كافة القيم الأخرى التي من المفترض أن تغرسها المدرسة في الطلاب، وفي تلك الحالة فإن مهنة التدريس السامية سيصبح هدفها الأول هو الربح من وراء تلك المجموعات التي ستكون شرعية داخل المدرسة.

 هذا بالإضافة لأن الأسعار المعلن عنها ستشكل عبئاً لن يتحمله كثير من الطلاب وستقود إلى انتشار الطبقية بين الطلاب.

وبحسب ولية الأمر، فإن التعديلات الأخيرة التي أقرتها وزارة التربية والتعليم على المناهج وشكاوي الطلاب من صعوبتها يشجع على الدروس الخصوصية بنحو أكبر، وفي تلك الحالة سيكون الطلاب تحت رحمة معلمي المدرسة الذين سيحاولون الاستفادة من العوائد المالية عبر الارتكان على المجموعات بدلاً من الشرح داخل الفصل.

 وشن خبير تربوي هجوماً لاذعاً على وزارة التربية والتعليم واتهمها بتدمير ملايين الطلاب الذين مازالوا في مراحل التعليم المختلفة، وكذلك تدمير مئات الآلاف من خريجي كليات التربية ولا يجدون أمامهم فرص عمل، مشيراً إلى أن الوزارة تسير دون أن تقصد لأن يكون معلمو الدروس الخصوصية المشاهير على رأس العملية التعليمية بدلاً من أن تعمل على الإعلاء من شأن معلميها الذين يحصلون على رواتب متدنية للغاية.

وأضاف: "بدلاً من أن تستجدي الوزارة معلمي الدروس الخصوصية للعمل في مدارسها، وهؤلاء أغلبهم غير تربويين وليسوا مؤهلين لأن يقوموا بدورهم التربوي داخل المدرسة، ومنحهم رخصة لمزاولة المهنة؛ كان عليها أن تتجه لتعيين مئات الآلاف من خريجي كليات التربية الحاصلين على مؤهلات تربوية، وبدلاً من أن تركز وزارة التربية والتعليم على توفير قاعات لمجموعات الدعم كان من الأولى أن تجهز الفصول والمدارس وجعلها مهيأة للعملية التعليمية بدلاً من حوادث الإهمال المستمرة".

مجموعات للأغنياء فقط

ولفت إلى أن الحكومة المصرية قلبت موازين أهداف "مجموعات التقوية" التي هي بالأساس كانت تستهدف تقديم الدعم لغير القادرين، وشكلت حصناً استفادت منه أجيال عديدة في السابق حينما كانت الحكومة تقوم بأدوارها الطبيعية في دعم الطبقات الفقيرة، والآن ستكون تلك المجموعات مع تعديل اسمها للأغنياء فقط.

وتجذب التجربة الطلاب الأغنياء فقط والقادرين على دفع رسوم تفوق ما يدفعونه بالدروس الخصوصية. ووفقاً للخبير ذاته، فإن الطلاب الفقراء لن تولي الوزارة اهتماماً بهم، وهو ما يخدم توجهات عامة للدولة المصرية نحو تعليم الأغنياء فقط والاهتمام بهم، على حساب الفقراء الذين سيكون من الصعب عليهم الوصول لمناصب مرموقة في المستقبل.

ووفقاً للمتحدث فإن تركيز الحكومة مع سناتر الدروس الخصوصية للحصول على جزء من عوائدها يبقى أكثر من اهتمامها بالبحث عن آليات تقديم جودة تعليمية في المدارس الحكومية.

النظام المصري يرفع يده عن تجويد التعليم

لم يختلف هذا الرأي عما أكده خبير تربوي آخر شدد على أن توجه وزارة التربية والتعليم يعبر عن الكارثة التي يمر بها التعليم المصري وفشل الوزارة في القيام بأدوارها، وكذلك فإنه يبرهن على أن النظام المصري رفع يده عن الالتزام بتجويد العملية التعليمية.

وأشار إلى أن الدستور الذي أقسم عليه الرئيس والوزراء وأعضاء مجلس النواب إذا تم تطبيقه فإن ميزانية التعليم من المفترض أن تصل إلى 360 مليار جنيه، بما يعادل 4% من إجمالي قيمة الموازنة العامة للدولة، بحسب نص الدستور.

وشدد على أن الأصل في دولة لديها ما يقرب من 50 ألف مدرسة وملايين الطلاب أن يكون التركيز الأكبر على دفع الطلاب نحو الذهاب إلى المدرسة، بما يحقق الأهداف الوطنية للتعليم وعلى رأسها المواطنة وتنمية المنهج العلمي والثقافة المهنية وتنمية مهارات التلاميذ، والكشف عن قدراتهم وتنمية وجدانهم تجاه المواطنين والوطن، ويعد ذلك هو الأصل في كل دول العالم، وكان أيضاً الأصل في التعليم المصري منذ ما يقرب من 200 عام.

وأمام حالة الرفض المجتمعي أصدر المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم شادي زلطة، بياناً في ساعة متأخرة، مساء الثلاثاء 17 يناير/كانون الثاني، أكد فيها أنه لم يتم اتخاذ أية قرارات نهائية حتى الآن تتعلق بأسعار مجموعات الدعم المدرسي، والمقرر تفعيلها مع بداية الفصل الدراسي الثاني من العام الدراسي الحالي 2022/2023.

وقال زلطة، إن وزارة التربية والتعليم مازالت بصدد مناقشة كافة المقترحات المطروحة بشأن ضوابط وتفاصيل تفعيل مجموعات الدعم في المدارس وآليات تنفيذها للصفوف الدراسية المختلفة، مشيراً إلى أن وزير التعليم سيصدر قريباً قراراً وزارياً لتنظيم كافة الإجراءات والآليات المتعلقة بتفعيل مجموعات الدعم في المدارس.

تحميل المزيد