تتضح معالم الاقتصاد في المغرب خلال سنة 2023، من خلال مؤشرات وأرقام كشفت عنها مؤسسات مالية وطنية وأخرى دولية، تؤكد استمرار ارتفاع نسب التضخم، والتراجع في توقعات النمو الاقتصادي بالمملكة.
وتبدي معظم الأسر المغربية قلقها من الوضع الموسوم بارتفاع الأسعار، فيما تشير الحكومة في كل مرة إلى أنها تقوم بإجراءات لمواجهة موجة التضخم التي تعرفها البلاد، من خلال مواصلة دعم صندوق المقاصة (وظيفته دعم أثمان المواد الأولية المسوقة).
بالإضافة إلى ذلك، تقول الحكومة إنها مستمرة في دعم مالي مباشر للمهنيين العاملين في قطاع النقل الطرقي على أثر ارتفاع أسعار المحروقات، حتى لا يتأثر الأمر الذي من شأنه رفع أسعار جميع السلع.
وتُراهن الحكومة التي يترأسها رجل الأعمال، عزيز أخنوش، من خلال موازنة 2023، تحقيق نمو بنسبة 4% وعجز بنسبة 4.5%، وذلك إلى جانب تضخم بنسبة 2%، وهي توقعات تبدو متفائلة أكثر من اللازم، بحسب المراقبين، على اعتبار أن الحكومة اعتمدت في هذه الاحتمالات على زيادة إنتاج الحبوب، وهو أمر غير مؤكد؛ لأنه مرهون بالتساقطات المطرية.
الأمطار منقذة من التضخم
تشير توقعات المراقبين إلى أن بنك المغرب (البنك المركزي) سيضطر هذه السنة الجارية إلى رفع سعر الفائدة الرئيسي من جديد، من أجل مواجهة وتيرة التضخم الحالي التي تؤثر على الاقتصاد المغربي.
ويذهب أستاذ الاقتصاد بجامعة عبد الملك السعدي، عبد الرحمن الصديقي، إلى أن "البنك المركزي سيلجأ إلى رفع سعر الفائدة في حالة استمرار التضخم"، منبهاً إلى أن هذه الخطوة "ستوقف عجلة الاقتصاد".
لهذا، "فالأمل معقود على أن تشهد المملكة مزيداً من التساقطات؛ على أساس أن التساقطات المطرية ستعطينا موسماً فلاحياً جيداً يُوفر المادة الأولية بأثمان منخفضة، بموازاة انخفاض أسعار المحروقات"، يؤكد الصديقي، في تصريحه لـ"عربي بوست".
ويراهن المزارعون على تساقطات مطرية موزعة بانتظام بين يناير/كانون الثاني الجاري وأبريل/نيسان المقبل، باعتبارها ستؤثر على موسم فلاحي جيد، خاصة بالنسبة للحبوب التي تأثرت في الموسم الماضي بالجفاف.
آثار رفع الفائدة الرئيس
يقول المحلل الاقتصادي، بدر الزاهر الأزرق، إن "البنك المركزي قد قرر رفع سعر الفائدة مرتين، الأولى في سبتمبر/أيلول والثانية في ديسمبر/كانون الأول 2022 ليصل إلى 2.5%، وهو "إجراء يأتي في سياق دولي موسوم بارتفاع نسب التضخم واستمرار ارتفاع الأسعار".
في حديثه مع "عربي بوست"، تساءل المحلل الاقتصادي حول "إمكانية نجاح هذه الآلية التي يتم تطبيقها في المجتمعات الغربية الاستهلاكية، في المجتمع المغربي الذي ليس مجتمعاً استهلاكياً على النمط الغربي، ومعروف أن قدراته الشرائية هشة جداً حتى في أوقات الرخاء، وجميع الاستهلاك في المغرب موجه نحو المواد الأساسية".
وأوضح المتحدث نفسه أنه "من شأن هذا الرفع التدريجي من نسب الفائدة أن تكون له إشكاليات بالنسبة للأسر؛ فهذه الأخيرة اليوم بالكاد تستطيع تلبية الحاجيات الأساسية في المأكل وفي الملبس وفي الدواء والاستشفاء، وهو ما يدل على خلل في القدرة الشرائية، قد يدفع بهذه الأسر إلى الاقتراض".
استطلاع أجرته المندوبية السامية للتخطيط وهي مؤسسة حكومية في المغرب، أظهر أن 76.8% من الأسر المغربية تتوقع ارتفاعاً متواصلاً للأسعار، بينهما تتوقع 5% فقط انخفاضها.
وكشف نفس الاستطلاع الرسمي أن 98.9% من الأسر سجلت العام الماضي زيادات في الأسعار، ما يجعلها متشائمة ولا تنتظر أي انخفاض في العام الجاري.
غياب تحفيز القطاع الخاص
يؤكد أستاذ الاقتصاد بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي بالرباط، إدريس الفينا، أن "الوضع الاقتصادي المغربي ليس جيداً، بل هناك صعوبات كثيرة ستواجه هذا الاقتصاد خلال السنة الجارية".
وتابع الفينا، في حديثه لـ"عربي بوست"، أن "قانون المالية لسنة 2023، لم يأتِ بتحفيزات كبيرة بالنسبة للقطاع الخاص، بالرغم من أنه كان يجب على الحكومة أن تراهن على هذا القطاع".
لهذا، "فالمدونة الجديدة للاستثمار في المملكة مغربية شيئا ما من حيث الدعم المالي، إلا أنها تتميز بدعم مالي محدود؛ على اعتبار أن 3 مليارات درهم التي خصصها قانون المالية ليست كافية لتحفيز الاستثمارات في المملكة بشكل كبير"، يوضح أستاذ الاقتصاد.
الرهان على ميثاق الاستثمار
ودخل مع نهاية السنة الماضية "ميثاق الاستثمار" بالمغرب حيز التنفيذ بعد صدوره بالجريدة الرسمية، وهو الميثاق الذي خصص له قانون المالية مبلغاً يقدر بـ3.3 مليار درهم إضافية، ويهدف إلى تحقيق أهداف رئيسية؛ وهي: إحداث مناصب شغل قارة، وتقليص الفوارق بين أقاليم وعمالات المملكة في مجال جذب الاستثمارات، ثم توجيه الاستثمار نحو قطاعات الأنشطة ذات الأولوية ومهن المستقبل.
من جهته، يتخوف أستاذ الاقتصاد بجامعة عبد الملك السعدي، عبد الرحمن الصديقي، من "توقف عجلة الاستثمار، خاصة أن اقتصاد المغرب يعول عليه كثيراً للخروج من تداعيات جائحة كوفيد 19".
وأبرز المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن "توقف الاستثمار سيوقف خلق مناصب الشغل، وهو ما سينعكس على مشروع التغطية الاجتماعية الذي انخرط فيه المغرب، وستتقلص الأجور الموزعة، وتتوقف عملية توزيع الثروة، إلى غير ذلك من مظاهر الأزمة".
نقاط ضعف اقتصادية كبيرة
يسجل أستاذ الاقتصاد بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي، إدريس الفينا، أنه "ليس هناك تحفيزات ضريبة؛ لأن المغرب يتخلى تدريجياً عن التحفيزات الضريبية بضغط من المؤسسات المالية الدولية، وهذه نقطة ضعف كبيرة، سيكون لها، للأسف، تأثير على جاذبية الاقتصاد المغربي".
نفس المصدر أشار إلى أنه "لا يمكن الرهان على تحويلات المغاربية والسياحة والفوسفات وقطاع السيارات؛ لكونها بلغت طاقتها القصوى، ولن تتيح مزيداً من الإمكانيات، علاوة على أن الفلاحة تعاني من تساقطات ضعيفة ستؤثر بشكل كبير على موسم 2023".
تراجع توقعات نمو الاقتصاد
في آخر تحديث لآفاق الاقتصاد العالمي، يخفض البنك الدولي توقعات نمو اقتصاد المغرب في 2023 إلى أقل من تقديرات الحكومة المغربية، إذ يرتقب أن يتسارع النمو في المملكة إلى 3.5% خلال العام الجاري، بانخفاض بنسبة 0.8% عن توقعات الصيف الماضي، قبل أن يصل 3.7% في عام 2024، بعدما يتعافى القطاع الفلاحي تدريجيا من جفاف العام الماضي.
وكان صندوق النقد الدولي توقع في الصيف الماضي أن يحقق اقتصاد المغرب نمواً بنسبة 3.1% هذه السنة، مشيراً إلى أن انخفاض التضخم إلى 4.1% السنة الجارية، بعدما كان 6.2% السنة الماضية.
تضخم مستورد وآخر داخلي
يذكر المحلل الاقتصادي، بدر الزاهر الأزرق، أن "الجزء الأكبر من التضخم مستورد؛ لأنه لولا اضطراب سلاسل التوريد، ولولا الأزمة الناجمة عن الحرب الأوكرانية الروسية، ولولا التداعيات السلبية للجائحة على المستوى الاقتصادي، لما كانت هذه النسب المرتفعة بهذا الشكل".
ويضيف نفس المصدر أن هذا التضخم يتضمن أيضاً جزءاً مرده إلى السياق الداخلي، الذي "يرتبط بمسألة التراخي في مراقبة مختلف الفاعلين الاقتصاديين، ومراقبة مختلف الموزعين، وعدم التعامل بشدة وتطبيق القانون على مستوى المضاربات في زمن الأزمة؛ وهو ما عايناه في مسألة المحروقات، وعلى مستوى الخضر التي ينتج معظمها في الداخل، لكن مع فرق في الأثمان بين الأحواض الكبرى للإنتاج وبين مراكز التسويق بالمدن الكبرى".
آليات ضرورية لتخفيف الأزمة
يقترح المحلل الاقتصادي مجموعة من الإجراءات والآليات التي يمكن للحكومة أن تعتمدها، من أجل التلطيف والتخفيف من التضخم، إلى حين أن تنزاح هذه الأزمة العالمية.
ويأتي على رأس هذه الإجراءات أو الآليات، أن "تضبط الحكومة المشهد الاقتصادي بين مختلف الفاعلين الاقتصاديين، منع المضاربات، والعمل على الأقل على ضبط هوامش الربح إلى حين انزياح الأزمة، بالإضافة إلى ضرورة مراجعة الأجور والنسب الضريبية، ومراجعة الضرائب على المحروقات ومجموعة من المواد الأساسية"، يقول الأزرق.
شدد المصدر نفسه على "ضرورة استمرار دعم الحكومة للمواد الأساسية في هذه الظرفية"، معتبراً أنه "لا يمكن الحديث عن إنهاء منظومة الدعم، كما تريد الحكومة، دون أن تكون هناك منظومة بديلة".
وتخطط حكومة عزيز أخنوش لرفع الدعم تدريجياً عن المواد المدعمة بصندوق المقاصة، على رأسها غاز البوطان والسكر والدقيق؛ وهي مواد تطلب دعمها أكثر من 30 مليار درهم خلال السنة الجارية.