تتزايد مخاوف المصريين من أن تصبح حديقة الحيوان التاريخية في محافظة الجيزة، التي كانت تقليدياً مكاناً شهيراً بشكل كبير للمصريين ذوي الدخل المنخفض، ضمن الأصول الوطنية الأخرى التي تُبَاع لمزايدين أجانب لا سيما مع دخول الاستثمار الإماراتي، حيث تسعى مصر جاهدة لملء خزائنها الفارغة، وفق تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني، الأحد 15 يناير/كانون الثاني 2023.
وستغلق حديقة حيوانات الجيزة، الأقدم في إفريقيا والشرق الأوسط، أبوابها في يناير/كانون الثاني للمرة الأولى منذ افتتاحها في عام 1891، من أجل مشروع تطويري قد يستغرق 18 شهراً ستنفق مجموعة مصرية إماراتية مليار جنيه مصري (حوالي 37 مليون دولار أمريكي) لتجديد حديقة الحيوانات، وحديقة نباتية قريبة، لجعلها "خالية من الأقفاص".
في المقابل، على مدار الـ25 عاماً القادمة، ستحصل المجموعة على "حقوق الانتفاع" من حديقة الحيوان وحديقة الأورمان المجاورة.
من جانبها، قالت وزارة الزراعة إنها ستحتفظ بملكية حديقة حيوان الجيزة وإن المجموعة -شركة مستشاري حدائق الحيوان العالمية ومقرها دبي، وهي وكالة مصرية غير معلنة وتابعة لوزارة الإنتاج الحربي المصرية- ستدفع كل عام مبلغاً أعلى من إجمالي الإيرادات السنوية الحالية من كلا الموقعين.
تخوف المصريين
لكن أنباء الإصلاح قوبلت بالرعب. إذ يعتقد السكان المحليون أن حديقة حيوان الجيزة ستصبح في أحسن الأحوال غير متاحة للفقراء، وفي أسوأ الأحوال سينتهي بها الأمر بشكل مباشر في أيدي الإماراتيين، باتباع نفس المسار مثل العديد من المؤسسات المصرية الأخرى خلال الأشهر القليلة الماضية.
وزادت رسوم الدخول إلى قلعة صلاح الدين، على سبيل المثال، وهي قلعة تاريخية في جنوب القاهرة، خمسة أضعاف في عام 2022، بعد نقل الإدارة إلى مستثمر إماراتي مصري.
ملاذ ترفيهي للفقراء
مع وجود عشرات الأنواع من الحيوانات والطيور، وآلاف الأشجار النادرة، زار عشرات الملايين من المصريين حديقة حيوان الجيزة، التي تغطي حوالي 80 فداناً، منذ افتتاحها في نهاية القرن التاسع عشر.
المنشأة، التي تقع بالقرب من وسط العاصمة المصرية، على بعد مسافة قصيرة من جامعة القاهرة، تضم أيضاً العديد من المتاحف وجسراً فولاذياً شيده ألكسندر غوستاف إيفل، المهندس المدني الفرنسي الذي بنى برج إيفل في باريس.
كانت حديقة الحيوان تستخدم أيضاً لإيواء غرفة نوم تعود للملك فاروق، آخر ملوك مصر وعضو في سلالة محمد علي التي حكمت مصر من 1805 إلى 1952.
ولدى الكثير من المصريين ذكريات طفولة عن حديقة الحيوان. ويأتي المصريون من جميع الأعمار إليها، وغالباً ما يدخلون مقابل بضعة جنيهات مصرية في نهاية يوم العمل.
وتنظم المدارس في جميع أنحاء البلاد جولات إلى الحديقة، حيث يزورها آلاف التلاميذ كل يوم.
إلى ذلك قال ماجد الراهب، رئيس مجموعة الدفاع عن التراث المحلي، جمعية الحفاظ على التراث المصري، لموقع Middle East Eye البريطاني: "الخوف هو أن تنتهي عملية التحديث المخطط لها بتدمير المكان".
أقفاص قديمة
ومع ذلك، فإن حديقة الحيوانات تنهار منذ سنوات. فقد فشلت الحكومات المصرية المتعاقبة في الاستثمار في الموقع، الذي ظل سياج حدوده الفولاذية قائماً منذ افتتاحه عام 1891، إلى جانب بعض أقفاص الحيوانات والزواحف والطيور.
ولم تتمكن إدارة المرفق من استبدال العديد من الحيوانات والطيور والزواحف التي ماتت في السنوات الأخيرة إما من الإهمال أو سوء التغذية.
اختفى آخرون أو سرقهم موظفو حديقة الحيوان (حتى غرفة نوم الملك فاروق سُرقت بشكل غامض، بطريقة ما، في عام 2013، لتظهر بعد عدة سنوات في الولايات المتحدة -معروضة للبيع مقابل مليون دولار).
وفي وقت سابق من هذا الشهر، دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى تطوير حديقة الحيوان لترتقي إلى المعايير الدولية. لكن المتخصصين الذين يتابعون الصفقة عن كثب يقولون إن المجموعة المصرية الإماراتية تهتم فقط بجني الأموال من استثماراتها.
وتُرك موظفو حديقة الحيوان خائفين على سبل عيشهم قصيرة الأجل.
حقوق الحيوان
نقد آخر يُوجَّه إلى المشروع هو حقيقة أنه يعطي الأولوية للترفيه على الرفق بالحيوان.
إذ قالت دينا ذو الفقار، المدافعة عن حقوق الحيوان، إن المسؤولين الحكوميين الذين تحدثوا عن الصفقة يتجاهلون الوظائف الحديثة لمتنزهات الحيوان، وهي نشر الوعي بين عامة الناس حول الحياة البرية وحماية الأنواع التي تواجه الانقراض.
وأوضحت ذو الفقار، وهي أيضاً عضو في لجنة وزارية للإشراف على حدائق الحيوان في مصر: "إنهم يفعلون ذلك عن قصد. إنهم يركزون بدلاً من ذلك على الجوانب الترفيهية للإصلاح المخطط لحديقة الحيوان، وهو أمر محزن".
واجهت الجهود التي بذلتها ذو الفقار وغيرها من المتخصصين لتحسين ظروف حيوانات حديقة الحيوان في الماضي العديد من التحديات.
قالت إن بعض الهيئات الحكومية، بما في ذلك وزارة السياحة والآثار، قد فرضت قيوداً على عملهم، خاصةً في ما يتعلق بالعمل في أو بالقرب من أجزاء في حديقة الحيوان مسجلة كآثار.
ودعت إلى نقل حديقة الحيوان من المنطقة المزدحمة الموجودة فيها الآن، حيث يتسبب التلوث والضوضاء في جعلها غير صالحة لإيواء الحيوانات.
تأتي صفقة حق الانتفاع بحديقة الحيوان في الوقت الذي تبيع فيه السلطات أعداداً كبيرة من الأصول المملوكة للدولة إلى هيئات أجنبية، بما في ذلك صناديق الثروة السيادية المملوكة لدول الخليج.