على الرغم من قرار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلغاء الحكم الذاتي الدستوري لإقليم كشمير وقطع الإنترنت والاتصالات وحبس الآلاف من السياسيين والأكاديميين وتقسيم المنطقة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في الهند إلى وحدتين تُديرهما الحكومة الفيدرالية منذ أغسطس/آب 2019، فإنك إن سألت الحكومة الهندية عن جامو وكشمير سيُقال لك إن الأمور تسير على ما يرام!
ما وعد به رئيس الوزراء الهندي عندما قرر إلغاء الحكم الذاتي لكشمير كان مزيداً من الازدهار والتقدم والسلام لهذا الإقليم، إلى أن ما حدث غير ذلك ولم يتحقق أي شيء مما وعد به مودي، بحسب تقرير لصحيفة The Economist البريطانية.
في زيارة حديثة إلى عاصمة إقليم جامو وكشمير، قال أميت شاه، وزير الداخلية المقرب من مودي، للصحفيين: إن الانفصاليين كانوا يدفعون بالحجارة والسلاح إلى أيدي الشباب، أما رئيس الوزراء فقد أبدلهم بها "الهواتف الخلوية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة لإنشاء الأساس اللازم للصناعة وتوفير فرص العمل".
"أكاذيب مودي"
وعلى المنوال ذاته، قال مانوج سينها، الحاكم المعين من دلهي للإقليم، في ديسمبر/كانون الأول، إن أهل كشمير كانوا يعيشون في خوف وعوز، أما الآن فقد قلَّ عدد ضحايا الإرهاب، والصحافة حرة، وستُعقد الانتخابات قريباً.
الحقيقة أن هذا الكلام معظمه ادعاءات كاذبة، والدليل على كذبه حاضر بين أهل كشمير الذين قُتل منهم في مطلع هذا الشهر يناير/كانون الثاني 6 مدنيين، منهم طفلان، في هجمات على قرية بجنوب غرب كشمير.
ويشهد على كذب هذا الكلام كلَّ يوم أيوب نداف، الشاب البالغ من العمر من العمر 19 عاماً، الذي اعتقلته السلطات الهندية واحتجزته في سجن سري نكر منذ ما يقرب من 16 شهراً دون محاكمة، والذي اتُّهم بأنه "متواطئ" (بلا تفصيل ولا أدلة) في قتل شرطي، فيما والدته تقف باكية في انتظاره، واثقة ببراءته، ومستغيثة بأن يتركوا لها "ابنها الوحيد"، بحسب الصحيفة البريطانية.
الواقع أن نهج إدارة مودي المتشدد لم يخلِّص كشمير من العنف الانفصالي والفقر والفساد، بل زاد المشكلات السياسية للمنطقة صعوبةً، ولم ينزع عن أهلها بؤس الحال، ولم يجعلها أكثر أماناً ولا ازدهاراً.
لطالما كان الاضطراب في الإقليم المستقل شمالي الهند صداعاً لا يسكن لجميع حكوماتها، خاصة منذ اندلاع أعمال العنف المطالبة بالانفصال في عام 1989. ثم جاء مودي وأقام خطة تعامله المتشدد مع الإقليم على جزأين..
يرتبط الجزء الأول من الخطة بقضية مكافحة الإرهاب، وقد نشرت الحكومة من أجل ذلك مزيداً من القوات العسكرية في المنطقة (حيث يتولى ما يقرب من نصف مليون هندي مراقبة نحو 7 ملايين نسمة من أهل كشمير)، وشددت تدابير المراقبة والسيطرة على حياة الكشميريين. أما الجزء الثاني، فيرتبط بالعمل على تسريع التنمية الاقتصادية، فاتخذت الحكومة بعض الإجراءات لاجتذاب الاستثمار الخارجي، وتقديم كشمير بوصفها وجهة سياحية مميزة. ومع ذلك، فإن هذه الإجراءات يبدو أن بعضها ينقض بعضاً.
التغير الديموغرافي لكشمير
لم تخفف زيادة القوات في المنطقة من التشدد فيها بقدرِ ما غيَّرت طبيعته، فقد قلَّ عدد الهجمات العشوائية، لكن زادت هجمات المسلحين ضد الجنود، والعمال غير الكشميريين الذين أرسلتهم الحكومة الهندية إلى كشمير. وكان عدد الضحايا المدنيين في أعمال العنف قد شهد زيادة حادة في عام 2018، قبل تولي مودي للسلطة، إلا أنه عاد الآن إلى مستوياته في أوائل العقد الماضي.
نتيجة لذلك، فإن المستثمرين المحليين لم يطمئنوا لدعاوى الحكومة باستقرار الأحوال. وتشير البيانات الصادرة في ديسمبر/كانون الأول إلى أن استثمار القطاع الخاص في كشمير لم يكد يبلغ نصف ما كان عليه في عام 2018. ويقول أكاديمي (طلب عدم الكشف عن اسمه) في سري نكر: "ما زال الإقليم منطقة صراع محتدمة والاستثمار فيها غير منطقي".
مع ذلك، فقد شهدت السياحة في الحقيقة بعض الانتعاش بعد حملةٍ حكومية صوَّرت كشمير على أنها مكان هادئ ووجهة رائعة للسياحة تنتشر فيها حدائق التوليب الملونة ومساكن الإقامة المريحة. وقد بلغ عدد الزائرين للمنطقة في عام 2022 العدد نفسه تقريباً الذي بلغته في عام 2018. لكن السياحة ما زالت لا تمثل إلا نحو 6% من الناتج المحلي الإجمالي لكشمير، ما يعني أنها تحتاج إلى زيادة كبيرة لتكون محركاً رئيسياً للنمو في المنطقة.
في الوقت نفسه، بلغ معدل البطالة في نهاية عام 2022 نسبة 24%، أي ثلاثة أضعاف معدل البطالة في عموم الهند. وقد زادت الخدمات العامة تدهوراً في ظل تراجع التجارة والنمو الاقتصادي. وتشهد المنطقة انقطاعاً مستمراً للتيار الكهربائي.
مضايقات وتهميش
إضافة إلى هذا وذاك، فإن المعيشة في سري نكر بائسة من أوجه كثيرة، فأهلها يتحدثون عن تكرار حوادث التضييق عليهم في نقاط التفتيش التي زاد انتشارها في المدينة، ويشمل ذلك مصادرة الشرطة للدراجات النارية التي يعجز أصحابها عن تقديم الوثائق المطلوبة. ويشير بعضهم إلى حالة الشاب أيوب نداف، الذي سجنته السلطات بموجب ما يُعرف بقانون السلامة العامة، وهو قانون متشدد لمكافحة الإرهاب يُجيز للدولة احتجاز المشتبه فيهم بالسجن مدة تصل إلى عامين دون محاكمة. وقد تضاعف استخدام الحكومة للقانون منذ عام 2019، واستعانت به لحبسِ الآلاف من السياسيين الكشميريين، حتى إنها احتجزت 3 رؤساء وزراء سابقين عدة أشهر.
وعلى الرغم من مزاعم الحكومة الهندية، فإن قانون السلامة العامة ما زال يستخدم ضد المعارضين، ومنهم الصحفي المرموق فهد شاه، الذي احتجزته السلطات في السجن منذ ما يقرب من عام، بدعوى أن تقاريره الصحفية "تُناصر الإرهاب". وتشير أدلة متفاوتة المصادر إلى أن السجون تضم كثيراً من الأبرياء، فضلاً عن تزايد أعداد المعتقلين المتهمين بأنهم من المسلحين تزايداً كبيراً عما كان عليه الأمر في السابق.
وقد شهد العام الماضي 841 التماساً مقدماً إلى المحاكم للطعن في حالات احتجاز تعسفي، معظمها وقعَ بموجب قانون السلامة العامة. وقال بشير أحمد، المحامي في سري نكر، إن متوسط عدد طلبات الالتماس في عام 2019 لم يكن يتجاوز 300 طلب سنوياً، وزاد عليها الآن "المماطلة في إدراج هذه القضايا بجلسات الاستماع المبكرة".
أما الجهود التي تبذلها الحكومة لاجتذاب الاستثمارات الخارجية، فيشكِّك أهل كشمير في أن تكون الغاية منها هي تحفيز التنمية، ويقولون إن غرضها الحقيقي هو طرد الكشميريين من أراضيهم. وتقول محبوبة مفتي، رئيسة وزراء جامو وكشمير حتى عام 2018، إن "مدار المساعي الهندية هو انتزاع الأراضي والوظائف والموارد من أهل كشمير وتسليمها إلى حلفاء النظام الحالي من الشركات الثرية".
تعهد أميت شاه، وزير الداخلية الهندي، خلال زيارته إلى سري نكر بإجراء الانتخابات قريباً في كشمير، لكن قلة من أهل كشمير من يصدقون أن الحكومة قد تقدم على إجراء الانتخابات؛ لأنها تدرك جيداً صعوبة فوز حزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه مودي بأي انتخابات في المنطقة. وحتى لو أُجريت الانتخابات، فإن المفتي وسياسيين محليين قالوا إنهم سيُقاطعونها ما لم تتم استعادة الوضع الخاص لإقليم كشمير، وهو أمر بعيد المنال حالياً. ومن ثم، فإن المستقبل الذي يلوح في أفق كشمير هو دولة بوليسية فقيرة، تُدار من دلهي، وتقام فيها العروض الدعائية وحدائق التوليب لاجتذاب السياحة، أما أهلها فلن يبلغهم سوى القليل من السلام والحرية والازدهار.