لا صوت يعلو في مصر حالياً فوق صوت ارتفاع أسعار الدواجن بشكل غير مسبوق بعد كسرها حاجز الـ 60 جنيهاً للكيلو، حتى صار هاشتاج #كيلو_الفراخ ضمن الأعلى تداولاً على موقع تويتر، بسبب عدم قدرة المواطنين على شرائها وسط حملات مجهولة ظهرت مؤخراً وتطالب بمقاطعة الشراء.
تراجع شراء الدواجن سيؤدي حتماً لتدمير الصناعة المحلية بشكل كامل في ظل أزمات معقدة تعانيها الشركات والمربون مع غياب كافة أشكال الدعم الحكومي، ما يهدد مستقبل ثلاثة ملايين شخص يعملون بالصناعة ويدفع الحكومة لمزيد من الاستيراد من الخارج عبر العملة الصعبة غير المتوفرة بالأساس.
ويغفل الجميع عن أن أزمة الدواجن الحالية، واللحوم بوجه عام، كانت بسبب التراجع الاقتصادي الملحوظ مع عدم القدرة على توفير العملة الصعبة لاستيراد الأعلاف المستخدمة في تسمين الدواجن والمواشي، واكتظاظ الموانئ بملايين الأطنان من الأعلاف المختلفة، قبل أن تسمح الحكومة مؤخراً بإدخال بعض الكميات دون حلحلة الأزمة، لأنها لم تكن كافية من جانب، كما أن أسعار الأعلاف تضاعفت مع التراجع المستمر في قيمة الجنيه.
وتعطلت دائرة الإنتاج المصرية، لأن العنصر الرئيسي في إنتاج اللحوم والدواجن لم يعد متوفراً، وحينما توفر إلى حد ما كان ذلك بأسعار مرتفعة؛ ما ضاعف خسائر الشركات المحلية ودفع المواطنين للصراخ من ارتفاعات الأسعار ليتم تحميل الأزمة لتجار المواشي والدواجن تارة والمحال التجارية تارة أخرى وتجار الأعلاف تارة ثالثة، مع الابتعاد عن السبب الحقيقي الذي يتمثل في عدم القدرة على توفير العملة الصعبة لأشهر طويلة والذي قاد بدوره إلى تراجع قيمة الجنيه لأقل مستوياتها على الإطلاق.
ارتفاع في أسعار الدواجن وحالة ركود في الأسواق
تراوحت أسعار كيلو الدجاج الأبيض بين 60 إلى 65 جنيهاً، أما الدجاج "البانية" فسجل سعر الكيلو منه 140 جنيهاً، وذلك بنسبة زيادة بلغت 100% عن أسعار اللحوم البيضاء قبل أشهر قليلة.
أدى ذلك لإغلاق عدد من المحال أبوابها مع استمرار ركود حركة البيع التي انخفضت بنسبة تصل إلى 60%، بحسب ما أكده محمد عبدالعزيز، صاحب أحد المحال بمنطقة فيصل الشعبية التابعة لمحافظة الجيزة.
وأضاف عبدالعزيز لـ "عربي بوست" أن المعروض لأصحاب المحال التجارية ضئيل للغاية، ويكاد يكون نصف الكميات التي كانت تصل قبل ثلاثة أشهر فقط. ومع ذلك فإن المواطنين لا يقبلون على الشراء، وهو ما تسبب في خسائر عديدة لأصحاب المحال الذين اختاروا التوقف عن البيع لفترة حتى تتضح الأوضاع قبل بداية شهر رمضان.
وكانت القدرات التصنيعية للشركات الكبرى العاملة في سوق الدواجن المصري تصل لإنتاج أربعة ملايين كتكوت يومياً، وهو ما تراجع إلى النصف تقريباً في الوقت الحالي، بحسب مصدر مطلع في غرفة صناعة الدواجن.
وأشار المصدر لـ "عربي بوست" إلى أن الاستهلاك اليومي من الدواجن يتراوح ما بين 3.5 مليون إلى 4 ملايين دجاجة في اليوم، وكان ذلك في الأيام الطبيعية قبل أن يأخذ العدد في التناقص خلال الشهر الماضي مع ارتفاع الأسعار، ليصل حالياً لما يقرب من 2 مليون دجاجة فقط.
ووفقاً لبيانات وزارة الزراعة المصرية، فإن إنتاج مصر من الدواجن يصل في الظروف الطبيعية إلى نحو 1.4 مليار طائر سنوياً، منها 320 مليون دجاجة في القطاع الريفي، في حين يصل إنتاج البيض سنوياً إلى حوالي 14 مليار بيضة.
الإفراج عن الأعلاف لم يحل الأزمة
وأشار المصدر المطلع في غرفة صناعة الدواجن إلى أن خطوات الحكومة المصرية للإفراج عن شحنات الأعلاف المكدسة في الموانئ منذ ما يقرب من ستة أشهر أو أكثر لا تكفي للتعامل مع المشكلة؛ لأن خسائر الشركات يصعُب تعويضها بعد أن استمرت في الخسارة طيلة العام الماضي، فهي بحاجة إلى معجزة كي تتمكن من الاستمرار في العمل إذا ما حققت أرباحاً في الموسم الحالي خلال الثلاثة أشهر المقبلة حتى رمضان المقبل، لكن الأجواء العامة لا تبشر بذلك، على حد قوله.
وقبل أيام، أعلن رئيس قطاع الثروة الحيوانية والداجنة في وزارة الزراعة، طارق سليمان، أن الحكومة المصرية أفرجت عن 1.75 مليون طن من أعلاف الماشية خلال أقل من شهرين ونصف الشهر.
وبسبب استمرار الإفراج عن البضائع، فقد تراجع سعر طن العلف بنحو 1300 جنيه للطن ليسجل مستويات 23800 جنيه مقابل مستويات اقتربت من 25 ألف جنيه قبل التحركات الأخيرة للحكومة والبنك المركزي المصري في ملف البضائع المكدسة.
الحكومة المصرية مسؤولة عن تدمير صناعة الدواجن
يذهب أحد مربي الدواجن للتأكيد على أن الحكومة المصرية هي المسؤولة عن الوضع الراهن الذي تقترب فيه الصناعة من الاندثار، وأن اكتفاءها بعملية إدخال الأعلاف والإشارة إلى أنها بذلك تقوم بدعم الإنتاج المحلي أمر به تسويف كبير لأنها تسببت في تلف بعض الشحنات التي كانت موجودة لعدة أشهر.
كما أن بعض الكميات الأخرى بحاجة إلى لقاحات لمقاومة الفطريات والبكتيريا التي نمت على الأعلاف بسبب طول فترة تخزينها في أماكن غير مجهزة لذلك، والأكثر من ذلك أن تجار الأعلاف يقومون ببيع تلك الشحنات بأسعار مرتفعة لأنهم دفعوا ما يسمى بـ"الأرضية" مقابل بقائها في الموانئ طيلة الفترة الماضية.
وأضاف أن عدم اليقين من مسألة استمرار مشاريع تربية الدواجن وبيعها يهيمن على الجميع في تلك الأثناء، لأنه في فصل الشتاء تزيد تكلفة إنتاج الدواجن لأنها تكون بحاجة إلى حفظها في أماكن تدفئة، وهو ما يساهم في زيادة سعر التكلفة بنسبة 10% بسبب سعر السولار المستخدم في عمليات التدفئة.
وفي تلك الحالة، فإن سعر الكيلو قد يصل إلى 75 جنيهاً في غضون أسبوعين، وقد يكون هناك خياران إما المجازفة والاستمرار أو إعدام الكتاكيت والخروج من السوق.
زيادة أسعار الأعلاف أربعة أضعاف
لكن صاحب إحدى شركات الدواجن الكبيرة التي استطاعت الصمود في السوق حتى وقتنا هذا، قال لـ "عربي بوست" إن زيادة أسعار الأعلاف بنسب تزيد عن أربعة أضعاف قيمتها خلال أشهر قليلة تسبب في الأزمة الحالية، وستكون لها انعكاسات غاية في الخطورة على مستقبل الصناعة المحلية إذا لم يكن هناك دعم حكومي حقيقي لأصحاب الشركات التي صمدت في مواجهة الأزمة بما يساعد على إعادة دوران العجلة وبما يشجع على استعادة مئات المربين الذين خرجوا من السوق.
وأضاف أن الذرة الصفراء التي تعد مكوناً رئيسياً ضمن الأعلاف، ارتفع سعر الطن منها من خمسة آلاف جنيه قبل أربعة أشهر تقريباً إلى 15 ألف جنيه للطن حالياً. والأكثر من ذلك أنها لم تتوفر سوى خلال الأسبوعين الماضيين فقط، مع بدء الإفراج عن الشحنات المستوردة.
كما أن سعر فول صويا الذي يعد مكوناً رئيسياً أيضاً ارتفع من 7 آلاف جنيه قبل ما يقرب من عام ووصل حالياً إلى 34 ألف جنيه للطن.
وشدد على أن بعض الشركات رفضت شراء الأعلاف ومكوناتها لارتفاع أسعارها على أمل أن تنخفض، لكن الذي حدث هو العكس، مشيراً إلى أن شركته تحقق خسائر شهرية تصل إلى 130 مليون جنيه في المتوسط، وذلك منذ شهر ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، وأن بقاء عملها يرتبط بآمال معقودة على دوران عجلة الإنتاج مع الإفراج عن الشحنات المكدسة في الموانئ وإقبال المواطنين على الشراء خلال شهري شعبان ورمضان، بما يعوّض جزءاً من الخسائر يساعد على الاستمرار.
مسارات أخرى لتلافي الإغلاق
ولفت صاحب الشركة إلى أن بعض الشركات بدأت في تنويع نشاطاتها حتى تتمكن من الاستمرار والبعض اتجه للتجارة إلى الأعلاف باعتبار أن المستوردين والمصنعين المحليين لم يتضرروا مثلما حدث مع مربي الدواجن، بما يعوض بعض الخسائر، لكن هناك أزمة أخرى تتمثل في تراجع قيمة الجنيه الذي سيؤدي لاستمرار ارتفاع أسعار الأعلاف حتى لو جرى التعامل مع مشكلات نقصها، ما ستكون له انعكاساته السلبية على الصناعة بأكملها.
وتخسر شركات الدواجن من 10 إلى 12 جنيهاً في الكيلو الواحد حتى مع البيع بالأسعار الحالية (65 جنيهاً) للكيلو، ووفقاً للمتحدث ذاته فإن الشركات التي اتجهت للتسمين قلصت بشكل كبير من إنتاجيتها لتلافي مزيد من الخسائر، مع ارتفاع أسعار الأعلاف، خاصة أن عملية التسمين تستمر لمدة 35 يوماً.
وتعتبر الذرة الصفراء أهم خامات إنتاج الأعلاف بنسبة 60% ويتم استيرادها من أوكرانيا، البرازيل، الأرجنتين، وهو أحد المحاصيل الاستراتيجية، لا تزيد المساحة المزروعة منها في مصر على 2 مليون فدان سنوياً، ما يقارب 2 مليون طن من الحبوب، ويتم استيراد 12 مليون طن سنوياً.
وسجلت الواردات المصرية من ذرة الأعلاف -وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء- بـ307 ملايين و291 ألف دولار في مارس/آذار 2022 بزيادة 19 مليوناً و982 ألف دولار عن العام الماضي.
وتشير أرقام ذكرها سابقاً النائب عبد السلام الجبلي، رئيس لجنة الزراعة بمجلس الشيوخ، إلى أن مصر تستورد 3.8 مليون طن فول صويا سنوياً، وأن البلاد بحاجة لزراعة 2 مليون فدان لتحقيق الاكتفاء الذاتي، واقترحت اللجنة البرلمانية زراعة مليون فدان فول صويا، وإضافة الصناعات المرتبطة بتلك الزراعة ومنها إنتاج الزيت لتعظيم العائد من المحصول، مشدداً على أهمية وجود مجففات للرطوبة بالمحصول.
إغراق السوق بالأعلاف والرقابة على تصنيعها المحلي
ويؤكد أحد رجال الأعمال الذي يعمل بسوق الدواجن، أن أزمة الأعلاف ما زالت مستمرة، وأن الشحنات المفرج عنها حتى الآن لا تكفي السوق، وهناك ملايين الأطنان التي ما زالت مكدسة وبحاجة لأن يتم الإفراج عنها خلال الأيام المقبلة بما يساهم في انخفاض أسعارها على نحو أكبر.
وفي حال أقدمت الحكومة على ذلك فقد يصل سعر الطن إلى 15 ألف جنيه وهو ما يشكل سعراً منطقياً يمكن البناء عليه لإعادة إحياء الصناعة.
ويوضح لـ "عربي بوست" أنه في حال استمرت حالة البحث الدائم من جانب المربين عن الأعلاف وسط صعوبات عديدة تعترض مسألة توفيرها، فإن ارتفاع أسعارها سيظل مستمراً، "مطلوب إغراق السوق بكميات كبيرة بما يقوض انتشار السوق السوداء التي يصل فيها سعر الطن إلى 25 ألف جنيه في بعض الأحيان".
وأشار الى أن الحكومة سيكون عليها أيضاً تشديد الرقابة على مصانع الأعلاف والصويا بما يساهم في إقرار سعر عادل في السوق.
واستشعرت النائبة سميرة الجزار، عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي (معارض)، خطر الأزمة الراهنة، وتقدمت الأحد بطلب إطاحة إلى رئيس مجلس النواب حنفي الجبالي بتوجيه كل من رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير الزراعة السيد القصير بشأن خطر انهيار صناعة الدواجن والبيض وعدم تصدي الحكومة لهذا الخطر.
وتوقعت النائبة أن تستمر لمدة عام كامل في حالة زيادة الأزمة ووصولها لقطاع الجدود الذي يكافح للبقاء، في حين أن قطاع الأمهات بدأ المعاناة خلال الفترة الأخيرة بالفعل وبدأت المزارع في تصفية عنابرها.
وطالبت الحكومة بسرعة التحرك والاستجابة لمطالب منتجي الدواجن الذين أطلقوا عدة تحذيرات من استمرار ارتفاع أسعار الدواجن وبيض المائدة بشكل أكبر خلال الأيام المقبلة بعد وصول سعر كيلو الدواجن إلى 60 جنيهاً من المزارع، خاصة أن الوعود التي تلقاها منتجو الدواجن، والتصريحات المستمرة حول حل الأزمة والإفراجات لا تكفي لاستعادة الصناعة لنفسها مرة أخرى.
واعتبرت أن ما تم من الإفراجات الحالية ضعيف جداً، وأن صناعة الدواجن بطاقتها الكاملة تحتاج إلى 900 ألف طن أعلاف شهرياً حتى تحقق الاكتفاء الذاتي. وأن تأخر الحكومة في الإفراج عن الأعلاف من الموانئ وعدم توفيرها تسبب في فتح الباب أمام مستوردي خامات الأعلاف لاستغلال الأزمة في خلق سوق سوداء واسعة.
الوضع لا يختلف كثيراً في صناعة المواشي
لا يختلف الوضع كثيراً بالنسبة لمربي المواشي؛ إذ قام البعض منهم بذبح العجول "البتلو"، بعد أقل من ستة أشهر وفي تلك المرحلة العمرية لا يكون وزنه قد وصل إلى 200 كيلوغرام بعكس الوزن الطبيعي بعد عمر سنة وحتى سنتين والذي يصل من 450 إلى 500 كيلوغرام.
وبحسب أحد تجار المواشي، يدعى محمود سليم، فإن الذبح هنا لا يكون بسبب الإعدام أو التخلص من الماشية لكن يتم بيع لحومها التي تجد رواجاً في السوق؛ حيث الأزمة هنا تتمثل في أن ذلك يخالف قوانين التسمين ويبقى التجار عرضة للحبس.
وأضاف أن الإبقاء على المواشي حتى سن السنتين ومع وصولها إلى 500 كيلو يسبب خسائر فادحة للتجار. في السابق كان التاجر يعتمد على تحقيق مكاسب تتراوح ما بين 20% إلى 30% عند البيع، وتذهب باقي القيمة لشراء الأعلاف ومصروفات التربية، لكن مع زيادة أسعار العلف وحتى مع ارتفاع أسعار اللحوم فإن التجار لا يجنون أي أرباح بل إنهم يتعرضون لخسائر مستمرة.
ويجرم قانون الزراعة الذي يحمل رقم (53) لسنة 1966 والمعدل في 2018، ذبح أنثى الماشية أو صغار العجول (البتلو) أو الماشية العشار، فلا يجوز ذبح عجول البقر الذكور قبل بلوغها سن السنتين ما لم يصل وزنها إلى الحد الذي يقرره وزير الزراعة، على أن يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ذبح بالمخالفة للنص.
ويشدد المتحدث ذاته على أن تجار المواشي يجدون أنفسهم تحت طائلة القانون وتضاعف الحكومة من رقابتها عليهم، في حين أن هناك أطرافاً أخرى متسببة في الأزمة لا يتم اتخاذ أي إجراءات معهم، وفي قلبهم مستوردو الأعلاف، إذ يسيطر على السوق 6 شركات كبيرة فقط، وهؤلاء ينسقون مع جهات حكومية لوصول الشحنات المفرج عنها إليهم ويتحكمون في أسعارها؛ ما أدى إلى استمرار ارتفاع الذرة وفول الصويا، رغم الإفراج عن الكميات الكبيرة.
ولفت إلى أن المكاسب التي كان يجنيها تجار المواشي ذهبت إلى تجار الأعلاف في الوقت الحالي، وأضحى من الممكن أن يربح التاجر في سعر الطن الواحد ما يقرب من خمسة آلاف جنيه، ويبرر ذلك بأن العلف غير متوفر بالأساس وأن الطلب يتزايد عليه، وفي الطبيعي لا يتجاوز المكسب 500 جنيه في الطن.