خلال القرن الأوّل قبل الميلاد، كانت الجمهورية الرومانية تعيش على وقع الفوضى والاضطراب، وفي طريقها إلى الانهيار، وكانت بحاجة ماسة إلى الإصلاح، في تلك الأثناء ظهرت شخصية بروتوس، الذي كان يأمل في السير على خطى جدّه، للحفاظ على الجمهورية الرومانية.
لكن مسيرة بروتوس خلّدته كأكثر الشخصيات خيانة في التاريخ، بعد أن انقلب على حليفه الأوّل وقاتل والده بومبي العظيم، وتسبب في قتله، ثم خيانة يوليوس قيصر، الذي قرّبه منه، والتآمر على قتله.
من هو بروتوس؟
كان ماركوس جونيوس بروتوس، المعروف باسم بروتوس، سياسياً رومانياً فذّاً، في فترة مفصلية من تاريخ الجمهورية الرومانية، فقد كانت فترته مليئة بالحروب الأهلية والاضطرابات والانشقاقات السياسية، خلالها برز بروتوس كشخصية محورية في الأحداث الأساسية التي سبقت تحوّل روما من جمهورية إلى إمبراطورية، كما أنّه كان أحد المتآمرين الأساسيين على يوليوس قيصر سنة 44 قبل الميلاد.
بحسب الموسوعة البريطانية، وُلد ماركوس جونيوس بروتوس حوالي عام 85 قبل الميلاد في شمال اليونان، وكان ابن عائلة رومانية بارزة، والده ماركوس جونيوس بروتوس (الأب)، ووالدته سيرفيليا.
كانت عائلة بروتوس من ناحية والده تنتسب إلى مؤسس الجمهورية الرومانية لوسيوس جونيوس بروتوس، الذي يُنسب إليه الفضل في قيادة التمرد الذي أطاح بالملك تاركوين المتكبّر، آخر ملوك اتروسكان، في عام 509 قبل الميلاد، وأسّس النظام الجمهوري لروما ودافع عنه إلى درجة أن أعدم بعض أبنائه علناً لتورطهم في مؤامرة ضد الجمهورية التي أسّسها.
كما كانت والدة بروتوس، سيرفيليا، من عائلة لها تاريخٌ طويلٌ في السلطة الرومانية، كما كانت سيرفيليا أيضاً عشيقة ليوليوس قيصر، كما أنّ هناك شائعات بأن بروتوس ربما كان الابن غير الشرعي ليوليوس قيصر، وهو ما يمكن أن يفسر المحاباة التي تظهر تجاهه من قبل قيصر.
كان ماركوس بروتوس يبلغ من العمر 8 سنوات فقط عندما توفي والده على يد القائد العسكري بومبي العظيم، في 77 قبل الميلاد، مع ذلك تعهد بروتوس بالانتقام لمقتل والده.
بعد وفاة والده، بدأ عمه كاتو الأصغر، أو ماركوس بورسيوس كاتو، في تبني وتوجيه الطفل الصغير.
في عام 58 قبل الميلاد، رافق بروتوس عمه كاتو إلى قبرص، هناك جمع بروتوس الكثير من الأموال من خلال الضرائب وإقراض الأموال بفوائد عالية.
في سنة 54 قبل الميلاد، تزوّج بروتوس بكلوديا بولتشرا، وهي ابنة سياسي روماني كبير، وطلّقها بعد تسع سنوات ليتزوّج بابنة عمه كاتو بورسيا، وهو الزواج الذي نشب على إثره خلاف بين بروتوس ووالدته، بسبب حبّ بروتوس الكبير لبورسيا.
وتحت حكم والد زوجته، تم تسمية بروتوس بالقسطور، وهو قاض مالي رفيع المستوى، على منطقة كيليكيا، وأوكلت له مهمة جمع الضرائب.
خيانة بروتوس لبومبي العظيم
مع استمرار الجمهورية الرومانية في التدهور، وافتقارها إلى القيادة والانتشار الكبير للفساد، تحدى يوليوس قيصر، القادم من انتصار كبير في بلاد الغال، القيصر بومبي العظيم، لتندلع واحدة من أشد الحروب الأهلية التي مرّت على تاريخ روما.
خلال تلك الحرب الأهلية التي اندلعت سنة 49 قبل الميلاد، كان على بروتوس أن يختار الوقوف إمّا مع عشيق والدته يوليوس قيصر، أو مع قاتل والده بومبي العظيم.
قاتل بومبي العظيم للحفاظ على المثل العليا للجمهورية الرومانية، وهو الأمر الذي جعل بروتوس وعمه كاتو يتحالفان معه، فقد أراد بروتوس أن يرقى إلى مستوى اسم أجداده الذين أسّسوا الجمهورية، بالرغم من أنّ أمه كانت عشيقة يوليوس قيصر حينها.
ولكن عندما أصبح واضحاً أن بومبي كان في طريقة لخسارة الحرب، انشق بروتوس سريعاً إلى جانب يوليوس قيصر الذي رحّب به.
تشير بعض المصادر إلى أنّه عند هزيمة بومبي العظيم في معركة فرسالوس وأسر بروتوس، قام الأخير بإرسال رسالة إلى يوليوس قيصر يخبره فيها بمخططات هروب بومبي إلى مصر، وهو الأمر الذي ساعد على قتل يوليوس قيصر لبومبي، وإعلان نفسه ملكاً على روما.
كان تأثير والدة بروتوس سيرفيليا جليّاً على يوليوس قيصر في تعامله مع ابنها بروتوس، وتقريبه منه، كما أن قيصر كان يريد شخصاً يتمتّع بسمعة كبيرة إلى جانبه، لأنّ ذلك منحه شكلاً من أشكال الشرعية، حسب تصريح المؤرخة كاثرين تيمبيست، التي كتبت كتاب "بروتوس: المتآمر النبيل".
تم تعيين بروتوس من قبل قيصر حاكماً لسيسالبين غاول من سنة 47 إلى 45 قبل الميلاد، ثم عَين قيصر بروتوس في منصب البريتور المرموق والقوي في عام 44 قبل الميلاد.
خلال تلك الفترة كان بروتوس مقرباً جداً من يوليوس قيصر، إلى حدّ أن قيصر كان يعتبره الأخ الأصغر له، وعندما زادت العلاقة بين بروتوس ويوليوس قيصر، كان هذا الأخير يمشي بالسرعة القصوى لإعلان نفسه إمبراطوراً أبدياً لروما، وهو الأمر الذي لم يتقبله بروتوس الذي كان منافحاً عن الجمهورية التي أسّسها أجداده، لذلك بدأ موقف بروتوس من يوليوس قيصر يتغيّر بالسرعة ذاتها.
بروتوس والخيانة الأشهر في التاريخ
بحلول خريف عام 45 قبل الميلاد، بدأ الرأي العام في روما ينقلب على يوليوس قيصر، فقد أبلغ كل من بلوتارخ وأبيان وديو عن كتابات على الجدران تمجد بروتوس، مؤسس الجمهورية، وانتقادات لطموحات قيصر الملكية، إضافةً إلى التعليقات المهينة لماركوس جونيوس بروتوس، الذي فشل في الارتقاء إلى مستوى سلفه بإنقاذ الجمهورية، خصوصاً بعد أن أعلن مجلس شيوخ روما يوليوس قيصر حاكماً أبدياً.
في تلك الأثناء، كتب شيشرون رسائل تطلب من بروتوس إعادة النظر في علاقته مع يوليوس قيصر، يدعي المؤرخ الروماني الشهير كاسيوس ديو أن بورسيا، زوجة بروتوس، قد حفزته على مؤامرته ضدّ يوليوس قيصر.
بغض النظر عن كيفية تشكيل المؤامرة، إلّا أن الثابت أنّ المؤامرة بدأت بثلاثة أشخاص، هم بروتوس وكاسيوس، جنباً إلى جنب مع ابن عم بروتوس والحليف المقرب لقيصر، ديسيموس جونيوس بروتوس، الذين شرعوا في التجنيد للمؤامرة، في أواخر فبراير/شباط 44 قبل الميلاد.
تم اقتراح خطط مختلفة لقتل يوليوس قيصر، مثل نصب كمين على فيا ساكرا، أو هجوم على الانتخابات، أو قتله في مباراة مصارعة. ومع ذلك، استقرت المؤامرة في نهاية المطاف على اجتماع لمجلس الشيوخ في أديس مارس.
ووفقاً لـall that's interesting، في 15 مارس/آذار سنة 44 قبل الميلاد، تعاون بروتوس مع مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ لاغتيال يوليوس قيصر، فخلال ذلك اليوم طعن الديكتاتور الروماني 23 مرة في قاعة مجلس الشيوخ.
وفقاً لـThe Parallel Lives، للمؤرخ والفيلسوف اليوناني بلوتارخ، كانت اللحظة فوضوية، لدرجة أن بروتوس عانى من جرح في يده حين كان يطعن قيصر.
كانت آخر طعنة تلقَّاها يوليوس قيصر من صديقه المقرَّب بروتوس، الذي اعتبره أخاً صغيراً له، ووفقاً للمؤرخ الروماني سوتونيوس فإنَّ قيصر قد وجَّه كلماته لبروتوس قائلاً له "حتى أنت يا صغير"، ولم يقل قيصر كلمات شكسبير التي خلَّدها في مسرحيته الشهيرة "يوليوس قيصر"، حتى أنت يا بروتس.
ادَّعى بروتس حينَها أنَّه قتل يوليوس لأنه أحبَّه بشدة، لكن حبه لروما كان أكبر، وأن قتله في مصلحة روما، وما إن توجَّه المتآمرون ضدَّه إلى مركز الحكم حتى واجهوا حشوداً من أنصار الإمبراطور المغدور، الذين بدأوا بإضرام النيران في الشوارع.
عمَّت الفوضى، وكانت روما على مشارف حرب أهلية، في تلك اللحظة اضطر بروتوس إلى الفرار إلى مقدونيا، هرباً من الغضب والمحاسبة على قتله يوليوس قيصر.
في مقدونيا، هزم بروتس وحليفه كاسيوس في معركة فيليبي في عام 42 قبل الميلاد، أمام قوات يقودها مارك أنتوني حليفهم السابق في قتل قيصر، والذي أصبح حليفاً لأنطونيوس، وجايوس أوكتافيوس، الذي خلف قيصر في الحكم.
وأمام تلك الهزيمة، توفي بروتوس منتحراً، في أكتوبر/تشرين الأوّل عام 42 قبل الميلاد، ولم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى تموت معه أحلام بروتوس في روما الديمقراطية، ففي عام 27 قبل الميلاد، تم تنصيب أغسطس قيصر كأول إمبراطور لروما، معلناً نهاية العهد الجمهوري لروما.