أثر الشتاء الدافئ الذي تعيشه أوروبا على خطة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في استخدام الطاقة كسلاح ضد القارة الباردة، على خلفية التوترات بين دول أوروبية وبين موسكو، بسبب الحرب الروسية المستمرة على أوكرانيا منذ فبراير/شباط 2022.
وكالة Bloomberg الأمريكية، قالت الأحد 8 يناير/كانون الثاني 2023، إن خطط بوتين "يبدو أنها خابت إلى الوقت الحالي على الأقل"، مشيرةً إلى أن اعتدال الطقس، وتنويع الموردين، والمساعي المبذولة لتقليل الطلب، أسهمت في إبقاء احتياطيات الغاز بأوروبا ممتلئة تقريباً والهبوط بأسعاره إلى مستويات ما قبل الحرب.
هذه الأسباب مجتمعة، دفعت بعض المراقبين للقول إن أوروبا يحتمل أن تكون قد تجاوزت بالفعل أسوأ مراحل الأزمة، بعد التحول الحاد الذي شهدته الشهر الماضي في تقليل الاعتماد على الغاز الروسي.
بالإضافة إلى هذه العوامل، فإن معاناة الصين من توابع أزمة كورونا حدَّت من المنافسة على شحنات الغاز الطبيعي المسال، وهو ما من شأنه تقليل احتمالات التضخم وتثبيت التوقعات الاقتصادية لأوروبا، وتقليص ما تبقى للكرملين من نفوذ على حلفاء أوكرانيا، إذا صمدوا في وجه الأزمة الحالية.
كانت التوقعات تتخوف من أن تؤدي موجة البرد أو اضطراب شحنات الغاز إلى حالة من التخبط في أسواق الطاقة، لكن التفاؤل يتزايد بأن أوروبا يمكنها تجاوز هذا الشتاء/ والشتاء القادم.
وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، قال: "تلافينا خطر الانهيار الاقتصادي الكامل، وتجنبنا خطر التداعي الكبير للصناعة الأوروبية، بقدر ما نرى حتى الآن".
يأتي هذا بينما كلفت أزمة ارتفاع أسعار الطاقة أوروبا ما يقرب من 1 تريليون دولار، إذ قدَّمت الحكومات أكثر من 700 مليار دولار من المساعدات للشركات والمستهلكين لاستيعاب الصدمة، وسارعت الدول إلى تخفيف الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية، خاصة الغاز الطبيعي.
كذلك لم يعد الاتحاد الأوروبي يستورد الفحم والنفط الخام من روسيا، وقلَّل من اعتماده على شحنات الغاز الروسي بدرجة كبيرة، كما تداركت الدول نقص الطاقة بزيادة الإمدادات من النرويج واستجلاب شحنات الغاز الطبيعي المسال من قطر والولايات المتحدة ومنتجين آخرين.
الغاز متوفر بأوروبا
تُشير الوكالة الأمريكية إلى أن مرافق تخزين الغاز في ألمانيا على سبيل المثال، امتلأت بنحو 91% من سعتها، في حين أنها لم تكن تتجاوز 54% قبل عام، عندما قطعت روسيا الإمداد عن المنشآت التي كانت تتحكم فيها.
عمدت حكومة المستشار الألماني أولاف شولتز، إلى تأميم المرافق المحلية لشركة "غازبروم"، وأنفقت مليارات اليورو لملء مخازن الاحتياطيات.
يُذكر أن ألمانيا كانت ذات يوم أكبر مشترٍ للغاز الروسي، ومن المقرر أن تفتتح 3 محطات لاستقبال الغاز المسال هذا الشتاء، ويتوقع أن تمدَّها تلك المنشآت الجديدة بنحو ثلث احتياجاتها السابقة.
في موازاة ذلك، تراجع متوسط أسعار الغاز إلى خمس ما بلغه من أسعار غير مسبوقة في أغسطس/آب 2022، وعلى الرغم من المخاوف القائمة من أن يؤدي انخفاض الأسعار إلى زيادة الطلب، فإن تراجع استهلاك الغاز مستمر ضمن الجوانب الإيجابية القليلة الناجمة عن ضعف الاقتصادي العالمي حالياً.
من جانبها، توقعت مؤسسة "مورغان ستانلي" للخدمات المالية والاستشارية، أن يتراجع الاستهلاك الأوروبي في عام 2023 بنحو 16% عن متوسطه خلال السنوات الخمس الماضية.
كذلك أشارت تقديرات مؤسسة "إس آند بي جلوبال" إلى أن توسيع الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، مثل الرياح والطاقة الشمسية، قد يساعد في خفض توليد الطاقة العاملة بالغاز، في 10 من أكبر أسواق الطاقة في أوروبا بنسبة 39% هذا العام.
وقال جياكومو ماساتو، كبير الخبراء في شركة الطاقة الإيطالية Illumia SpA، إن "تمكُّن أوروبا من ملء مرافق التخزين لديها يحجز أسعار السوق عن الارتفاع خلال الشتاء القادم. فقد تغيرت التوقعات بعد أن تمكنت المنطقة من الحصول إمدادات وفيرة".
لكن على الرغم من هذه التطورات الإيجابية لأوروبا، فإن الأسعار لا تزال أعلى من متوسطها التاريخي ولا تزال المخاطر قائمة، لا سيما أن واردات الغاز عبر خطوط الأنابيب الروسية قد انخفضت هذا العام إلى خمس ما كانت عليه -نحو 27 مليار متر مكعب- وقد يلجأ الكرملين إلى قطعها تماماً.