يسلط الفيلم الجديد Tirailleurs الذي يجسد دور البطولة فيه بطل مسلسل Lupin الشهير، الممثل الفرنسي عُمر سي، الضوءَ على البطولات المنسية للمشاة والمجندين الأفارقة الذين استجلبتهم فرنسا من مستعمراتها ليقاتلوا في خنادق الخطوط الأمامية خلال الحرب العالمية الأولى، حسب ما ذكرته صحيفة The Guardian البريطانية، الأحد 8 يناير/كانون الثاني 2023.
صدر فيلم Tirailleurs يوم الأربعاء 4 يناير/كانون الثاني، وجاء الإصدار بعد مدة وجيزة من الجدل الذي أثارته تصريحات بطل الفيلم عُمر سي لصحيفة Le Parisien عن اختلاف المواقف والآراء الغربية حيال النزاعات في أوروبا وإفريقيا.
موضوع فيلم Tirailleurs
يركز الفيلم على إسهامات المتطوعين والمجندين من مستعمرات غرب إفريقيا الفرنسية، الذين قاتلوا دفاعاً عن فرنسا من عام 1914 إلى عام 1918، ثم تغافلت فرنسا عن بطولاتهم وأضربت عن ذكرهم.
قاتل نحو 200 ألف رجل من غرب إفريقيا في جبهات القتال بفرنسا، ومات نحو 20 ألف منهم. وكانوا يُعرفون باسم "الكتائب السنغالية" Tirailleurs Senegalais؛ لأن معظمهم جاؤوا من السنغال.
لكن الكتائب ضمت جنوداً مما كان يُعرف آنذاك باسم "غرب إفريقيا الفرنسي"، والذي شمل 8 أقاليم منها موريتانيا والسودان الفرنسي (مالي حالياً) والنيجر وغينيا.
أدى سي دور البطولة في فيلم Tirailleurs وشارك في إنتاجه. وهو في الفيلم رجلٌ في العقد الخامس من عمره ينضم إلى الجيش الفرنسي بحثاً عن ابنه البالغ من العمر 17 عاماً وسعياً لحمايته، بعد أن جنَّدته فرنسا للقتال وأرسلته إلى خنادق "فردان".
ينحدر والد عُمر سي من السنغال ووالدته من موريتانيا، وقد نشأ في بلدة "تراب" الفرنسية فقيرة الحال. وقد تعاون مع المخرج ماتيو فاديبيد في إنتاج الفيلم الذي استمر تصويره على مدى سنوات من العقد الماضي.
تصريحات عُمر سي المثيرة للجدل
أثارت التصريحات التي أدلى بها سي في لقائه مع صحيفة Le Parisien جدلاً داخل فرنسا بين مؤيد ومعارض لما قاله عن تباين مواقف الغرب في الاهتمام بالنزاعات الجارية في أوروبا وتجاهل ضحايا النزاعات في إفريقيا.
حيث قال عُمر سي: "الحرب ظلمات تغرق فيها الإنسانية، حتى لو كانت في الجانب الآخر من العالم. فهي تذكرنا بأن الإنسان قادر على الغزو ومهاجمة المدنيين والأطفال. ومع ذلك، كأننا لم ندرك ذلك إلا حينما وقعت الحرب في أوكرانيا… فقد شهدت ذلك منذ أن كنت طفلاً، حين تكون الحرب بعيدة، يقول المرء لنفسه: (إنهم متوحشون.. نحن لا نفعل مثل هذه الأشياء)".
انتقد بعض الناس تصريحات سي بشدة، وقالوا إن 108 آلاف جندي فرنسي خدموا في عدة عمليات عسكرية بإفريقيا منذ أن أطلق الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند عملية "سِرفال" في عام 2013، بناء على طلب من سلطات دولة مالي لمكافحة خطر الإرهاب في المنطقة.
مع ذلك، فقد رفض عُمر سي الخوض في مزيد من الجدل بشأن تصريحاته، وقال للتلفزيون الفرنسي: "قلت ما قلته… ومن حق كل واحد أن يفهم المعنى الذي يريده. فالمشكلة عند بعضهم ليست فيما قلته، وإنما في شخصي".
كما أضاف قائلاً: "لقد كنت أتحدث عن فيلم يدور حول فرنسا، إنه فيلم عن الحرب، وما قلته كان في غاية الوضوح؛ لكن بعض الناس يريدون التشويش على حملة ترويج الفيلم… وهم لا يهاجمون ما قلته، بل يهاجمونني أنا".
أيَّد المؤرخ أنتوني جوين ما قاله سي، وقال للصحفيين إن الخلاف أشعله "أشخاص لا يعرفون شيئاً عن (التيغايوغ Tirailleurs)".
تاريخ جنود "التيغايوغ"
كان أول ظهور لمصطلح "التيغايوغ" في عهد نابليون بونابرت، واستُخدم لوصف المشاة خفيفي التسليح الذين يشاركون في مناوشات الخطوط الأمامية من القتال، وقد جاء معظمهم من أسرى الجيش الفرنسي الاستعماري.
ثم دُمجت كتائب التيغايوغ في القوات المسلحة الفرنسية، وقامت على المجندين من مستعمرات فرنسا بشمال إفريقيا في الجزائر وتونس والمغرب. وقد تأسس أول فيلق سنغالي من التيغايوغ بأوامر من نابليون الثالث في عام 1857.
بحلول عام 1914، كان الجيش الفرنسي يضم 21 كتيبة من "كتائب التيغايوغ السنغالية"، وجميعها تخدم في غرب إفريقيا والمغرب، ثم أُرسلت 5 كتائب منها إلى الجبهة الغربية في فرنسا للقتال في معركة فلاندر.
لكن فرنسا أدركت أن الحرب ستستمر أطول مما كانت تعتقد، فأنشأت حملة تجنيد كبرى في غرب إفريقيا، وقاتلت 42 كتيبة سنغالية من أصل 93 كتيبة حشدتها فرنسا للقتال دفاعاً عنها.
أكد عُمر سي أن الفيلم لا يتحدى التاريخ الرسمي الفرنسي، لكنه يركز على جانب لطالما تجاهلته فرنسا. وقال لموقع Allocine: "يجمعنا التاريخ نفسه، لكن تختلف الذكريات، وأن تسرد جزءاً من التاريخ بذكريات مختلفة لا يعني أنك تنكر السردية التاريخية التي تعرفها أو التي قيلت لك أو التي تكمل بقية تفاصيل القصة".