قبل وقت قصير من حديث الرئيس الأمريكي جون كينيدي عن مخططه بإرسال البشر إلى القمر، كانت الاستخبارات الأمريكية تعدّ خطة سريّة لإعلان أمريكا القوة الأولى على وجه الأرض، فقد كان النزول على سطح القمر الخطة (ب)، أمّا الخطة (أ) فكانت تفجير قنبلة نووية على سطح القمر يشاهدها كل سكان الأرض.
أمّا الهدف من هذا المشروع فهو أن يُظهر التفجير للأصدقاء والأعداء على حد سواء التطور العسكري والتكنولوجي للولايات المتحدة الأمريكية.
كانت الخطة تبدو وكأنها مخطط غريب لشخص شرير من كتب القصص المصورة، وليس مشروعاً بدأ داخل الحكومة الأمريكية.
ولكن في عام 1958، ومع اشتداد سباق الفضاء والتسلح النووي في الحرب الباردة، أطلقت القوات الجوية الأمريكية مثل هذا المسعى لتفجير القمر، أطلق عليه مشروع A119، وقد استغل مواهب بعض كبار العلماء الأمريكيين.
لماذا أرادت أمريكا تفجير القمر بمشروع A119؟
في الـ4 من أكتوبر/تشرين الأوّل 1957، أطلق الاتحاد السوفييتي القمر الصناعي سبوتنيك 1، الذي كان بحجم كرة الشاطئ، وكان أوّل قمر صناعي يطلق إلى الفضاء.
دفع ذلك التفوق السوفييتي في السباق نحو الفضاء المسؤولين الأمريكيين إلى حالة تأهب قصوى، وبدا احتمال حصول العدو اللدود لأمريكا على قدر من التفوق العسكري الصناعي مخيفاً بالفعل للأمريكيين.
لذلك احتاجت الولايات المتحدة أن تثبت للعالم أنها لم تخسر سباق الفضاء، حتى قبل أن يبدأ هذا السباق. احتاج الأمريكيون إلى إشارة مطمئنة، مفادها أن الشيوعيين لن تكن لهم اليد العليا بشكل دائم، وأن إطلاق القمر الصناعي سبوتنيك لن يتبعه قريباً إطلاق صواريخ نووية سوفييتية تمطر الأراضي الأمريكية بحسب History.
كانت أمريكا بحاجة إلى أن تُظهر للعالم أنها موجودة بقوة في السباق نحو الفضاء، وكانت بحاجة إلى شيء كبير يثبت قوتها، مثل إطلاق صواريخ نووية على القمر.
وبغض النظر عن أن المشروع لم يكن له أي غرض عملي على الأمن القومي الأمريكي، إلّا أنّ الهدف الوحيد من تصميمه كان إظهار أن الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن تفعل شيئاً مذهلاً أكثر من السوفييت.
مشروع A119 الأمريكي لتفجير سطح القمر
في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية مباشرة، كان الدكتور ليونارد ريفل يستمتع برفقة أسطورة الفيزياء إنريكو فيرمي، من خلال عملهما معاً في معهد الدراسات النووية بجامعة شيكاغو. ولكن في عام 1949، مُنح ريفل فرصة لإدارة مجمع أبحاث الفيزياء المتطورة، المعروف الآن باسم معهد إلينوي للتكنولوجيا.
وهناك دفع ريفل وفريقه البحثي الفيزياء إلى أقصى حدودها، حيث عملوا على مشاريع درست الآثار البيئية العالمية للانفجارات النووية، وفقاً لـall that's interesting.
ففي الفترة التي سبقت إعلان مشروع A119، في مايو/أيار 1958، طلبت القوات الجوية الأمريكية من ريفل وفريقه التحقيق في شيء خارج عن المألوف حقاً؛ رؤية وتأثيرات انفجار نووي افتراضي على القمر.
عرف ريفل أنه وفريقه الشاب لا يمتلكون الخبرة اللازمة للقيام بهذا النوع من الدراسة، فقام بإحضار جيرارد كايبر، خبير فيزياء الكواكب الذي ارتبط اسمه بتعريف حزام كايبر، وهي منطقة على شكل قرص خارج نبتون، تحتوي على مئات الآلاف من الأجسام الجليدية وتريليون أو أكثر من المذنبات.
لإكمال المجموعة، اقترح كايبر على ريفل إحضار طالب دراسات عليا شاب من جامعة شيكاغو، اسمه كارل ساجان.
كان عمل ساجان في هذا المشروع هو القيام بالحسابات الرياضية، فقد كان من المهم أن يتمكن شخص مثل ساجان من تصميم نموذج دقيق لتوسع سحابة الغبار الذي قد ينجم عن انفجار نووي على القمر، وما إذا كان بالإمكان رؤيته من الأرض.
كان الدكتور ساجان وزملاؤه في مشروع A119 الهادف إلى تفجير القمر بسلاح نووي، يبررون أسباب اهتمامهم الحقيقية بالمشروع، برغبتهم في استكشاف ما إذا كان مثل هذا الانفجار قد يكشف عن علامات لأشكال حياة مجهولة تحت القشرة القمرية.
لماذا ألغت أمريكا المشروع A119 لتفجير سطح القمر؟
لسوء الحظ بالنسبة للولايات المتحدة، الراغبة في إعلان نفسها القوة الفضائية الوحيدة في العالم، كان المشروع A119 يعاني من مشاكل فنية منذ البداية، فقد كانت العقبة الأكبر في ذلك الوقت هي التحدي الهائل المتمثل في صناعة صاروخ كبير بما يكفي لإيصال قنبلة هيدروجينية ضخمة، على بعد 400 ألف ميل تقريباً إلى سطح القمر.
تم وضع خطط بديلة لتفجير قنبلة أصغر بكثير بسعة 1.7 كيلو طن، أي عشر وزن قنبلة هيروشيما، إلا أنه كان من المتوقع أن يؤدي انفجار تلك القنبلة في القمر إلى خلق وميض وسحابة غبار يمكن ملاحظتها على الأرض.
درس الباحثون في معهد إلينوي للتكنولوجيا، بما في ذلك كارل ساجان، كيفية حدوث مثل هذا الانفجار في الجاذبية المنخفضة.
خلص الفريق إلى أن أشعة الشمس ستضيء عمود الغبار الضخم، خاصةً إذا تم ترسيب السلاح على طول فاصل القمر، الخط الرفيع على طول وجه القمر الذي يفصل الجانب المظلم من الضوء.
ولحسن الحظ، تم إلغاء المشروع A119 في يناير/كانون الثاني 1960، وبالإضافة إلى التكلفة الباهظة، أصبح المسؤولون الأمريكيون حذرين من المشروع، بعد التفكير في رد فعل الرأي العام العالمي بعد مثل هذه الخطوة الجريئة.
بالإضافة إلى ذلك، أقنع العلماء القريبون من المشروع سلاح الجو الأمريكي بأن انفجاراً نووياً قد يلوث سطح القمر، ما يجعل أي استكشاف مأهول في المستقبل خطيراً.
في هذا الصدد يقول الدكتور هوتون، أحد العلماء المشاركين في المشروع A119 عند تسليم النتائج الأولية، في يونيو/حزيران 1959، "كانت التكلفة الباهظة للمشروع A119 من بين الأسباب الرئيسية لإحباطه، كما كانت المخاوف بشأن الإضرار بالمناظر الطبيعية والبيئية للقمر، من بين الأسباب التي ألغت المشروع، وذلك بعد حصول خلاف بين المشاركين في المشروع".
ويضيف: "كان هناك بعض العلماء الذين قالوا: "كما تعلم، قد نرغب في السير هناك يوماً ما، ربما لا نريد تفجيره قبل أن نفعل ذلك".
على الرغم من إلغائها، تم حجب مشروع A119 عن الجمهور حتى منتصف التسعينيات، عندما اكتشف كاتب سيرة الدكتور ساجان، كي ديفيدسون، التفاصيل أثناء قراءته لبعض وثائق ساجان.
تم رفع السرية عن تقرير الدكتور ريفيل السري، حول جدوى تفجير القمر في نهاية المطاف، في عام 2000، وحمل التقرير عنواناً انتقائياً، بحيث عنون بـ"دراسة رحلات الأبحاث القمرية".
وأشار إلى أن تفجير سلاح نووي على القمر كان ممكناً من الناحية الفنية، لكنه لم يقدم تفاصيل جوهرية حول كيفية القيام بذلك.
لم ينتقل المشروع إلى مرحلة التشغيل.
في مقابلة مع صحيفة The Guardian بعد وقت قصير من رفع السرية عن التقرير، أعرب الدكتور ريفل عن ارتياحه الشخصي.
وقال: "أشعر بالرعب من أن مثل هذه البادرة للتأثير على الرأي العام قد تم النظر فيها على الإطلاق"، "لو كان المشروع قد تم نشره على العلن، لكان هناك احتجاج"، وأضاف: "لقد أوضحت في ذلك الوقت أنه ستكون هناك تكلفة باهظة للعلم لتدمير بيئة قمرية بدائية، لكن القوات الجوية الأمريكية كانت قلقة بشكل أساسي بشأن كيفية حدوث الانفجار النووي على الأرض".
السوفييت أيضاً أرادوا تفجير القمر!
وفقاً لـmilitaryhistorynow، اكتشف لاحقاً أن السوفييت هم أيضاً كانوا يعملون أيضاً على برنامجهم الخاص بتفجير سلاح نووي على سطح القمر، خلال نفس الفترة التي كانت تعمل فيها أمريكا على المشروع A119.
كان المشروع السوفييتي، الملقب بالمشروع E، سيشهد سلسلة من المهمات غير المأهولة إلى القمر، والتي من شأنها أن تدور حول سطح القمر وتصويره. ستشمل المهمة الرابعة والأخيرة من المشروع E تفجير قنبلة ذرية على سطح القمر.
أحبط السوفييت المشروع لأسباب مماثلة لإلغاء أمريكا لمشروعها A119، بدءاً بالاعتبارات الفنية والتكلفة الباهظة والمخاوف بشأن التداعيات السياسية لمثل هذا العمل.
في النهاية لم يوقف طموح الأمريكيين والسوفييت بتفجير القمر إلّا توقيعهما على معاهدة حظر التجارب المشتركة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.
ففي عام 1967 تخلت موسكو وواشنطن عن جميع خطط التفجيرات المستقبلية للأسلحة النووية في الغلاف الجوي العلوي والفضاء الخارجي.