من الملكية إلى العسكرية.. كيف نشأت دولة الضباط في مصر؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/26 الساعة 09:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/26 الساعة 12:23 بتوقيت غرينتش

ديكتاتورية الضباط الأحرار، وكذلك سُنة الثورات والانقلابات الشعبية وليست العسكرية، تأتي في البداية من أجل تحرير الشعب من برجوازيةٍ متعفنة، أو ديكتاتورية أيديولوجية متعصبة متطرفة، لا تعرف سوى أفكارها، ولا تنادي إلا بمبادئها فقط، ولا تتذكر أي آراء مخالفة لها، أو رأسمالية تنتهك، بل تغتصب حقوق الشعب بجميع طوائفه من عمال وفلاحين، ومن يُعرفون بمحدودي الدخل.

ولكن فلننظر للتاريخ ونتعلم ونسأل: ماذا حقَّقت الثورة البلشفية لفلاحي وعمال روسيا؟ استيقظ الشعب الروسي بعد ثورته والتخلص من الملك على جمهوريةٍ جديدة، تقمع الآراء والحريات، ولا تبني أفكاراً وقيماً ومبادئ، تُكمل وتسعى إلى تحقيق أحلام العمال والفلاحين وطبقات البروليتاريا، التي أفاقت على كابوس صناعة الدبابات وبندقيات الكلاشينكوف، والدخول في حروب عالمية لا مخرج منها إلا بموت مئات الآلاف وتدمير المدن والبلاد، والتوسع السوفييتي الشيوعي بقيادة ستالين، الذي لم تنادِ به مطالب الثورة.

نفس التجربة خاضتها الصين من التحول الجمهوري إلى الشيوعي، بقيادة الملهم ماوتسي.

وفي عامنا هذا تتصدر روسيا والصين الشيوعيتان بعد الولايات المتحدة الأميركية الرأسمالية مراكز القوة العسكرية والنووية، وأصبحتا قوتين عظميين من حيث القوة العسكرية، وتصدَّرتا أيضاً مراكز أولى من حيث القمع ومنع الحريات والتعدي على حقوق الإنسان، وإهمال التعليم، والعنصرية والتدخل العسكري غير المعترف به قانونياً في المجتمع الدولي في شؤون داخلية لدول أخرى.

والأمثلة كثيرة لثورات أيديولوجية، سواء شيوعية أو علمانية التوجه، وانقلابات جاءت لتغيّر الهوية، أو جاءت بمطالب شعبية.

حتى لا يتخلل حديثنا التشعب والثرثرة، ففي أيامنا هذه تحل الذكرى السادسة والستين لانقلاب الضباط الأحرار، مرافقاً له التوجه الإسلامي الإخواني الشمولي، للتخلص من آخر أحفاد محمد علي، وهروبه من مصر، وتبديل الحكم الملكي بالجمهوري بقيادة الضابط محمد نجيب.

ولكن سرعان ما كشَّرت الأنياب لبعضها البعض، وانفرد الزعيم جمال عبدالناصر بالحكم الإداري للجمهورية، بعد انقلابه على محمد نجيب، ووضعه تحت الإقامة الجبرية، والحكم الأيديولوجي أيضاً بعد انقلابه على الإخوان وإسلامها الوسطي، ومرشدها آنذاك الهضيبي، وبداية العصور المظلمة للإخوان في السجون الحربية لعبدالناصر وعبدالحكيم عامر.

وبدأت مرحلة الناصرية من حيث القيادة والفكر، وليس الإخوان فقط هم مَن عانوا من حيث التوجه؛ حيث قابلت الشيوعية التنكيل بها وبرموزها في أوائل الستينات.

وبدأ القائد بعد انقلابه بكسب مزيد من الشعبية التي جاءت تحت عصا الخوف، ومن وراء قضبان الزنازين، ولا أحد من أبناء الشعب المصري يستطيع أن يسمع الإذاعة المصرية، ويشاهد التلفاز الممتلئ بخطابات الزعامة الكاريزمية الناصرية ولا يصفق لها، ويبجل ويعظم الزعيم المحنك عبدالناصر في قراراته الاقتصادية أو السياسية أو الحربية، في حروبه عامي 56 و67، خوفاً من أن يكون مصيره كمصير الشيوعيين والإخوان، ويعيش طيلة حياته مختفياً بين يدي حمزة البسيوني وشمس بدران، في مقرات التعذيب التي لا يعرفها أحد.

وتفرَّد قادة الجيش بالسلطة، وتفرَّغوا للسياسة، وأهملوا واجبهم العسكري، وشرف الجندية، وحماية الحدود والبلاد من العدوان الخارجي، وتبادل قادة الجيش الرئاسة، من عبدالناصر إلى السادات إلى مبارك.

حتى جاءت الثورة الشعبية المصرية الأولى من نوعها، فلم تأتِ بضباط أحرار ولا بتوجهات إسلامية أو علمانية، جاءت بأيديولوجيات الشعب من عيش وحرية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية ومساواة وعدل ووحدة مجتمعية، ولكن سرعان ما انهارت جدران تلك المبادئ والمطالب، وسعى كل فصيلٍ لخوض معركة هاوية، لا يعرف خطواتها ولا مآلاتها، وسرعان ما تم الانقلاب الثاني بغطاء شعب آخر، وتم الغدر بالفصيل الإسلامي الأكبر في مصر، وهو الإخوان المسلمون، الذي طالما أحب أن يصاحب الضباط وقادة الجيش، فعبدالناصر الشاب الإخوانجي الذي يحضر اجتماعاتهم بالتأكيد هو عبدالفتاح السيسي الذي جاء لإنقاذ مصر من الهيمنة العسكرية، ويتصدى لجون كيري، وهو وزير بنكهة الثورة، كما قالوا قبل الانقلاب عليهم، ولا أُدرك مَن يحب الانقلابات، مصر، أم الجيش، أم الإخوان الشموليون.

وبالتالي مصر العسكرية في عهدنا اليوم جاءت من ضمن المراكز الأولى بين الدول العسكرية الديكتاتورية الكبرى، من القمع والقتل خارج إطار القانون، وأعداد سجناء الرأي، ومنع حرية الصحافة، وإهدار وانتهاك حقوق الإنسان، وغير ذلك من انتهاكات للنظام العسكري.

وبعد ستة وستين عاماً من بناء الدولة العسكرية المصرية، لا تقدم، ولا وطن، ولا إنسانية، نريد دولةً مدنيةً تبعد كل البعد عن الانقلابات، وتدخُّل الدبابات تحكمه مبادئ الثورة وقادتها، لا قوة الدبابة وسائقها.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
أحمد عبد الحليم
كاتب وباحث مصري في قضايا السياسةوالاجتماع
كاتب وباحث مصريّ، له العديد من المقالات والدراسات والتحقيقات المنشورة باللغتين العربيّة والإنجليزيّة في عدد من المؤسّسات البحثية والمنابر العربية. مؤلّف كتابي «الحارة العربيّة» و«أجساد راقصة»، صدرت عن دار الجديد، بلبنان عام 2021.
تحميل المزيد