جاءت بداية جائحة كورونا من الصين قبل نحو 3 سنوات، ومع بداية عام 2023 يعود الفيروس ليطل برأسه من جديد، بعد أن ألغت بكين القيود الصارمة، فإلى أي مدى يجب أن يقلق العالم؟
فبعد أن أدت احتجاجات شعبية ضخمة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، إلى إلغاء حكومة الرئيس شي جين بينغ لسياسة صفر-كوفيد الخانقة، قفزت أعداد الإصابات والوفيات بالفيروس بشكل لافت، وهو ما أثر على النمو الاقتصادي، وهو تأثير سلبي يعاني منه العالم أجمع بطبيعة الحال.
كان فيروس كورونا المستجد أو كوفيد-19 قد تفشى في أحد أسواق مدينة ووهان بالصين، وكان ذلك في وقت ما من أواخر عام 2019، ثم انتقل الفيروس إلى باقي دول العالم عبر أشخاص كانوا في المدينة الصينية، وغادروها قبل أن تطبق بكين إجراءات الإغلاق التام على ووهان ومقاطعة هوبي بأكملها.
وفي يوم 10 مارس/آذار 2020، أعلن شي جين بينغ، من مدينة ووهان، انتصار بلاده على فيروس كورونا بشكل كامل، بينما أعلنت منظمة الصحة العالمية في اليوم التالي مباشرة تحول الفيروس إلى جائحة عالمية، وسط اتهامات متزايدة لبكين بالتعتيم على الفيروس، في بداية تفشيه هناك، وأيضاً لمنظمة الصحة العالمية ومديرها الإثيوبي تيدروس أدهانوم بالتواطؤ مع الصين.
ومع تفشي الوباء على الأراضي الأمريكية، بدأ الرئيس الأمريكي السابق ترامب في الحديث عن "تسريب الفيروس من معمل الفيروسات في ووهان"، استناداً إلى تقرير استخباراتي أمريكي، وأطلق ترامب عليه "الفيروس الصيني"، وهو ما أثار رد فعل عدوانياً من جانب بكين، التي اتهمت بدورها واشنطن بأنها سبب تسريب الفيروس من أحد معاملها في فيرجينيا، ما أجج نظريات المؤامرة أكثر وأكثر.
صحيفة The Guardian البريطانية، نشرت تقريراً عنوانه "لماذا أرخت الصين سياستها إزاء كوفيد؟ وهل يجب أن نقلق بشأن ذلك؟"، رصد آراء خبراء الأوبئة في التأثير المتوقع لرفع القيود الصينية، من حيث احتمالات تفشي الوباء عالمياً مرة أخرى.
عودة القيود على المسافرين من الصين
كانت الدول الغربية خلال الأيام القليلة الماضية قد بدأت في فرض إجراءات كورونا على القادمين من الصين، فقالت وزارة الصحة الفرنسية في بيان، الجمعة 30 ديسمبر/كانون الأول، إن فرنسا ستُلزم المسافرين القادمين من الصين بتقديم نتيجة سلبية لاختبار كوفيد-19 قبل أقل من 48 ساعة من السفر.
وسيكون الاختبار إلزامياً للرحلات الجوية المباشرة وغير المباشرة من الصين، كما سيتعين على المسافرين على متن الطائرات القادمة من الصين وضع الكمامات أيضاً. وقالت الوزارة إنه لم يتم تحديد موعد لتطبيق الإجراءات، لكن سيتم نشر مرسوم حكومي وإبلاغ الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وبعد أن جلبت رحلتان أخيرتان من الصين ما يقرب من 100 راكب مصاب بفيروس كورونا إلى ميلانو، أعلنت إيطاليا الأربعاء 27 ديسمبر/كانون الأول، أن جميع الوافدين من الصين سوف يخضعون لاختبار العدوى، مع عزل الحالات الإيجابية.
وبحسب ما جاء في صحيفة Washington Post الأمريكية، فقد فرضت الولايات المتحدة في نفس اليوم إجراء اختبار ما قبل المغادرة لمثل هؤلاء الركاب، بعد أيام من تحرك بكين لإعادة فتح حدودها وسط ارتفاع في عدد الحالات.
بعد فترة طويلة من اتباع سياسة عدم انتشار فيروس كوفيد، خففت الصين العديد من القيود، بما في ذلك قواعد الحجر الصحي للمسافرين، لكن بعض الخبراء أعربوا عن مخاوفهم من أن هذا التحول قد يسبب مشاكل، لنلقي نظرة على السبب.
ماذا حدث في الصين؟
حتى وقت قريب، اتبعت الصين سياسة صفر كوفيد، بما في ذلك عمليات الإغلاق الصارمة والحجر الصحي على أولئك الذين ثبتت إصابتهم أو مخالطتهم الوثيقة بمصابين. ومع ذلك، في وقت سابق من هذا الشهر، اتخذت الصين منعطفاً مفاجئاً، حيث تخلت عن العديد من قيودها- وإن لم يكن كلها- استجابةً للاحتجاجات على ما يبدو.
من بين الإجراءات التي ألغتها، استخدام تطبيق كوفيد الأساسي للتتبع على الهواتف المحمولة، ورُفِعَت قيود السفر المحلية. سمحت الحكومة للأشخاص المصابين بكوفيد بالحجر الصحي في المنزل، وقالت إنه اعتباراً من أوائل يناير/كانون الثاني، لن يضطر الزوار الأجانب الذين يدخلون البلاد إلى دخول الحجر الصحي.
وقالت كارين غريبان، الأستاذة في الصحة العالمية بجامعة هونغ كونغ، لصحيفة Washington Post، إن وضع فيروس كورونا في الصين "شديد". لكنها قالت: "إن وجود نوع من العقوبة على الصين ليس هو الحل لزيادة التعاون على الصعيد العالمي بينما نمضي قدماً".
لاحظ خبراء الرعاية الصحية أن الإجراءات الصارمة نسبياً لم تمنع متغير أوميكرون من الانتشار في الشتاء الماضي. وقال مسؤولون في سنغافورة وأستراليا- وهما دولتان أغلقتا حدودهما خلال المراحل المبكرة من الجائحة- هذا الأسبوع إنه ليس لديهما خطط لفرض قيود إضافية على المسافرين من الصين.
ما هو وضع كورونا الحالي في الصين؟
تشهد الصين موجة كبيرة من إصابات كوفيد، مع تقارير عن ضغوط شديدة في المستشفيات، ومع ذلك من الصعب معرفة عدد الوفيات التي حدثت. في الأسبوع الماضي غيرت الصين تعريف وفيات كوفيد، بحيث لا يستوفي المعايير الآن سوى المرضى المصابين بالفيروس، الذين يموتون بسبب الالتهاب الرئوي وفشل الجهاز التنفسي.
لماذا تمر الصين بمثل هذه الموجة السيئة؟
هناك عدد من الأسباب: منح تخفيف القيود الفيروس فرصة أكبر للانتشار، وحملة التطعيم البطيئة في الصين، إلى جانب استخدام لقاح أقل فاعلية من تلك التي طُوِّرَت في الغرب، تعني أن السكان لا يتمتعون بحماية تذكر، وأن العديد من الأشخاص المعرضين للخطر لا يزالون معرضين لخطر الإصابة بالفيروس.
بالإضافة إلى ذلك، فإن القيود المشددة المستخدمة سابقاً تعني أن عدداً قليلاً من الأشخاص قد أصيبوا بكوفيد من قبل. وهذا يعني أن هناك القليل من المناعة الطبيعية تلعب دورها في الموجة الحالية.
ونتيجة لكل هذا، فإن العديد من الأشخاص الآن يصابون بالفيروس في نفس الوقت، ويحتاجون إلى رعاية في المستشفى، ما يؤدي إلى تصاعد الضغط على أنظمة الرعاية الصحية.
هل إلغاء سياسة صفر-كورونا يمثل مصدر قلق؟
رحب البعض بالتحول بعيداً عن سياسة صفر-كورونا، مشيرين إلى الأضرار الاقتصادية والاجتماعية للنهج المستمر. إذ خففت العديد من الدول التي اتبعت في البداية مثل هذه السياسات، بما في ذلك نيوزيلندا وكوريا الجنوبية، من قيودها قبل ذلك بكثير، لكن الفرق هو أن هذه البلدان فعلت ذلك تدريجياً، واستفادت من لقاحات وعلاجات آمنة وفعالة، ما يوفر الحماية من أسوأ النتائج.
قالت الدكتورة إيما هودكروفت، عالمة الأوبئة الجزيئية في جامعة برن وجامعة جنيف في سويسرا، لصحيفة الغارديان: "التحول المفاجئ في السياسة مثير للقلق بالتأكيد بالنسبة للصين، حقيقة أن عدداً قليلاً جداً من الأشخاص لديهم كوفيد، بالإضافة إلى انخفاض امتصاص اللقاحات في الفئات العمرية الضعيفة، تعني أن لديهم مناعة عامة أقل، لاسيما في الفئات الأضعف، من بقية العالم الآن".
هناك قلق آخر يركز على الشفافية- أو غيابها- حول تأثير الموجة الحالية في الصين، والتغيرات في الجينات الوراثية للفيروس.
يشعر المسؤولون الأمريكيون بقلق متزايد بشأن افتقار بكين للشفافية بشأن حالة الجائحة هناك. في وقت سابق من هذا الشهر، توقفت الصين عن إصدار عدد يومي للحالات غير المصحوبة بأعراض، وعرضت مؤخراً عدد الوفيات بسبب كوفيد التي تعتبر غير محتملة للغاية.
هل يجب أن نقلق بشأن المتغيرات الجديدة في الصين؟
وضعت بعض البلدان بالفعل متطلبات سفر إضافية، مثل الاختبار أو الحجر الصحي للزوار من الصين.
جادل الخبراء بأن مثل هذه القيود لن تُحدث فرقاً كبيراً في عدد الحالات الجديدة في البلدان التي ترتفع فيها مستويات الإصابة بفيروس كوفيد بالفعل. ومع ذلك، إذا كان هناك تسلسل للعينات الإيجابية من هذا الاختبار، فقد يلقي هذا النهج الضوء على المتغيرات الموجودة في الصين.
لكن الخبراء حذروا من أن استخدام القيود الحدودية لمنع المتغيرات الجديدة لم يكن ناجحاً في السابق، عندما طُبِّقَ فقط على بلدان معينة.
قال البروفيسور توم وينسيليرس، عالم الأحياء التطوري في الجامعة الكاثوليكية في لوفين في بلجيكا، إنه رغم أهمية المراقبة الجينية الأفضل، لم يكن هناك قلق خاص بشأن إمكانية ظهور متغيرات جديدة في الصين، نظراً لأن المحرك الرئيسي للتغييرات في الفيروس هو التحول في المشهد المناعي، الناتج عن التعرض لمختلف المتغيرات المنتشرة بشكل طبيعي.
وقال للغارديان: "التباين الجيني الدائم المطلوب، الذي من شأنه أن يسمح لظهور متغيرات جديدة، موجود على أي حال، في المرضى الذين يعانون من التهابات مزمنة في جميع أنحاء العالم".
وفي الواقع، ربما ظهرت متغيرات جديدة في عدد لا يحصى من البلدان، في حين أن كوفيد لديه انتشار كبير في جميع أنحاء العالم.
وشددت الدكتورة هودكروفت أيضاً على أن أحدث المتغيرات التي ظهرت قد تكيفت لتفادي المناعة. وقالت: "لكن في الصين، نظراً لأن مستوى المناعة منخفض جداً، لا نتوقع أن يكون هناك الكثير من الضغط على الفيروس من أجل أن يتطور. ببساطة ليس من الضروري أن يحدث ذلك".
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.