تحوّلت حياة عليا عبد الرزاق، المتزوجة منذ عشر سنوات وتعيش في الموصل، إلى جحيم، فلا تملك المرأة عقد زواج أو شهادات ولادة لأولادها الأربعة، على غرار نحو مليون عراقي يعانون جراء فقدانهم هوياتهم وأوراقاً رسمية.
حيث يعيق غياب هذه المستندات الرسمية "الوصول إلى خدمات أساسية مثل التعليم، والصحة، وإعانات الضمان الاجتماعي"، كما من شأنه "إعاقة حرية التحرك ويزيد من خطر التعرض للتوقيف والاعتقال"، وفق تقرير للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حسبما نشرت وكالة "فرانس برس" في تقريرها الجمعة 30 ديسمبر/كانون الأول 2022.
معارك قضائية لإثبات الأوراق
في المقابل يجد من تنقصهم تلك الأوراق، أنفسهم عالقين في معارك قضائية لا نهاية لها، بفعل البيروقراطية المعقدة والنقص الشديد في الأموال، لكن أيضاً صدمات الحرب وتحدي المصالحة بعد المعاناة مع انتهاكات تنظيم الدولة الإسلامية.
من أجل تسوية أوضاعها، تتلقى عليا عبد الرزاق مساعدة مجانية من محامية في منظمة "لجنة الإنقاذ الدولية"، وتقول المرأة الثلاثينية: "ماذا أفعل؟ المحامي (الخاص) يطلب 700 ألف دينار أو 800 ألف دينار (نحو 500 دولار). أنا ليس عندي إمكانية أن آكل وأشرب. من أين أعطيه؟". شقتها في الموصل دليل على سوء أوضاعها: الأرض من الأسمنت لا يغطيها شيء، فرشها وسجاداتها رقيقة، شبابيكها متكسرة ومغطاة بالورق المقوى.
من جانبها فقد تزوجت عليا عام 2012 ببلدة قريبة من الموصل، المدينة الواقعة في شمال العراق. وفي 2013، رزقت بابنتها الأولى. بعد ذلك بعام، احتلّ الجهاديون المنطقة وحولوا الموصل إلى "عاصمة" لهم، حيث وضعوا فيها إداراتهم الخاصة وطردوا المؤسسات الحكومية.
في المقابل يشكل إرسال الأولاد إلى المدرسة تحدياً حقيقياً اليوم بالنسبة لعليا، ولا يمكنها تسجيل عائلتها للحصول على مساعدات غذائية حكومية من خلال بطاقة تموينية، هي وزوجها النجار بحاجة ماسة إليها.
انتصار قضائي صغير
في حين شرعت محاميتها في إجراءات قضائية تسمح بالاعتراف بزواجها وأولادها رسمياً. ومن المقرر أن تعطي المحكمة قراراً في قضيتها في يناير/كانون الثاني 2022. في الأثناء، حققت المرأة انتصاراً صغيراً، فابنتها الكبرى نازك التي ستبلغ قريباً العاشرة من العمر، دخلت إلى المدرسة.
من أجل الحصول على ختم جهاز المخابرات على سجلات القيد الخاصة بها وبعائلتها، كان عليها المحاولة ثلاث مرات. على سجل عليا عبد الرزاق، كتب أن شقيقها الموجود في السجن حالياً، متهمٌ بالانتماء إلى تنظيم الدولة الإسلامية.
في بلد لا يزال يضمّد جراح الحرب بعد خمس سنوات، يعيش نحو مليون شخص بدون مستند رسمي واحد على الأقلّ، بحسب إحصاءات نشرتها الأمم المتحدة.
هناك العديد من عقود الزواج التي تمّت في ظلّ سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية، ينبغي تسويتها. ويشرح علي عباس جهانكير المتحدث باسم وزارة الهجرة، أن هناك أطفالاً ولدوا من تلك الزيجات لا يزالون غير معترف بهم رسمياً، كما أن مكاتب مؤسسات رسمية دمرت بسبب "الأعمال العسكرية" وسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية.
يضيف جهانكير أن فرقاً جوالة لوزارة الداخلية، بالتنسيق مع وزارته، تجوب المخيمات من أجل مساعدة النازحين على الشروع في إجراءات إصدار الأوراق الثبوتية.
كما تشدد المتحدثة باسم "لجنة الإنقاذ الدولية" في العراق، جوردان ليسير-روي، على أهمية عمل المنظمات غير الحكومية مع كافة مستويات المؤسسات الحكومية من أجل تسهيل وتسريع وتيرة هذه الإجراءات.
حيث تقول: "ينبغي الحصول على موافقات من المختار، لكن أيضاً لا بد من تغيير في السياسة العامة"، داعيةً إلى زيادة في موازنة الإدارة العامة للشؤون المدنية وتكثيف مهمات الفرق الجوالة.
تسوية آلاف الأوراق الرسمية
بفضل دعم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وشركائها، تمّت تسوية 150 ألف ورقة رسمية بين 2019 وحتى منتصف 2022.
يشير تقرير نشر في أكتوبر/تشرين الأول 2022، لعدة منظمات غير حكومية، إلى التعقيدات التي تواجه العائلات "المشتبه في انتمائها" لتنظيم الدولة الإسلامية. ومن أجل الحصول على شهادة ولادة، على الأم في بعض الأحيان تقديم فحص حمض نووي لعدد من أقرباء الأب المفقود أو المتوفى، وهي تحليلات لا يمكن القيام بها إلا في بغداد.
من جهته فقد حسين عدنان بطاقة الهوية حينما فرّ من المعارك بالموصل مع تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2017. وأوقفته بعد ذلك القوات الأمنية وقضى خمسة أشهر في السجن قبل أن تتم تبرئته والإفراج عنه.
حيث تزوّج حسين خلال فترة سيطرة التنظيم، ورُزق بابن. وبمساعدة محامية في "لجنة الإنقاذ الدولية"، تمكّن من جعل طلاقه قانونياً، بعدما سجّل زواجه وابنه البالغ من العمر ستّ سنوات والذي لا يزال دون شهادة ولادة. وازدادت الإجراءات تعقيداً بسبب زواج زوجته السابقة وحملها.
باشر كذلك بإجراءات للحصول على بطاقة هوية جديدة. ويقول: "سأبقى في المنزل إلى حين أن أحصل على بطاقة الهوية". وعلى الرغم من الضغوط العائلية والمادية، يجلس حسين دون عمل. ويروي الشاب البالغ من العمر 23 عاماً وكان يعمل نادلاً في الماضي، أنه تعرّض "للضرب والتعذيب" في السجن، ولا يزال يخشى أن يتمّ توقيفه من جديد.
يقول: "لا أستطيع أن أخرج، أخاف أن أقف على نقطة تفتيش ويطلبون هويتي… ويتكرر ما حصل معي".